الاستعراض الدوري الشامل للمملكة العربية السعودية في مجلس حقوق الإنسان: الحقيقة من المنظمات غير الحكومية تقابلها أكاذيب هيئة حقوق الإنسان السعودية

يعد الاستعراض الدوري الشامل أداةً مهمةً لإبقاء الدول خاضعة للمساءلة، ومكافحة الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان، وتعزيز الحوار المفتوح حول قضايا حقوق الإنسان. مع ذلك، من المعروف أن دولًا مثل المملكة العربية السعودية لا تفي بوعودها بتنفيذ التوصيات، وهي حقيقة أكد عليها الكثيرون في الاجتماع الرابع للاستعراض الدوري الشامل للسعودية. عُقد هذا الاجتماع يوم الخميس 4 يوليو 2024، في إطار الدورة العادية السادسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان. انتهى الاجتماع إلى اعتماد نتائج الاستعراض الدوري الشامل للمملكة بالإجماع.

تلقت البلاد 354 توصية من 135 دولة. زعمت رئيسة هيئة حقوق الإنسان السعودية الدكتورة هالة التويجري أن بلادها قبلت أكثر من 80% من هذه التوصيات، وأوضحت أنه تم قبول 273 توصية، و12 توصية مقبولة جزئيًا مع توضيحات، و69 توصية تم أخذ الملاحظات عليها. كما أكدت أنه تم قبول 97% من تلك المتعلقة بالمرأة. وعلى الرغم من أن هذه الإحصاءات قد تبدو مطمئنة، إلا أنه من المهم أن نتذكر أن الكثير من توصيات الاستعراض الدوري الثالث للسعودية في عام 2018 لا تزال إما منفذة جزئيًا أو لم تنفذ على الإطلاق. لذلك، فإن هذه الوعود الفارغة لا تعني شيئًا إلى أن تصاحبها إجراءات ملموسة.

ثمة انقسام واضح بين ملاحظات الدول والمنظمات غير الحكومية، فقد أثنى ممثلو سلطنة عمان والكويت وقطر والأردن، على سبيل المثال لا الحصر، على جهود المملكة العربية السعودية. تجدر الإشارة إلى أن جميع هذه الدول قدمت توصيات لم تتطرق إلى انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان. حتى صياغة توصياتها، بدأ معظمها بـ “الاستمرار” بدلاً من مصطلحات أكثر استباقية مثل “تعزيز” أو “تبني” أو “إلغاء” كالتي استخدمتها الدول الأخرى، وهو ما أظهر محاولة ضعيفة لمحاسبة البلاد على مخالفاتها.

من ناحية أخرى، كان ممثلو المنظمات غير الحكومية أكثر صراحة في التعبير عن آرائهم حول انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية. قال المتحدث باسم منظمة هيومن رايتس ووتش إن السلطات السعودية تواصل انتهاك حقوق الإنسان لشعبها وإن الإصلاحات المحدودة حتى الآن غير كافية. كما أكدت المنظمات على أنه لا توجد مساءلة ذات مصداقية عن الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وهو ما يتفق معه المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان أيضًا. وعلى الرغم من هذه الحقائق المعروفة جيدًا، إلا أن الإفلات من العقاب سائد، ويبدو أن أدوات مثل الاستعراض الدوري الشامل لا تقوم بما يكفي لتغيير الوضع.

لم يمر رفض توصيات الهيئة السعودية مرور الكرام، بعد أن بلغت نسبة قبول التوصيات الرئيسة 80%. إحداها توصية بلجيكا (رقم 43.65) بشأن الامتناع عن الأعمال الانتقامية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان بالتفاعل مع آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. إذ تدين السعودية أشخاصًا أبرياء بسبب استخدامهم لآليات أنشئت خصوصًا لحماية حقوقهم. هذا تكتيك شائع يستخدم لإسكات المعارضين وإخفاء انتهاكات الدولة.

كما تم طرح قضايا الشفافية والمساءلة، وطالبت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، عن حق، بأن تلتزم هيئة حقوق الإنسان السعودية بمبادئ باريس. وعلاوة على ذلك، تحدث ممثل منظمة العفو الدولية عن عدم تجاوب السعودية المثبت مع مطالب المجتمع الدولي، مسلطًا الضوء على أنه على الرغم من قبولها المزعوم للتوصيات المتعلقة بحقوق المرأة، إلا أن نظام ولاية الرجل لا يزال قوياً للأسف. وهذا يدل على أنه ثمة عدم التزام من مجلس حقوق الإنسان السعودي والدولة بمتابعة التزاماتها.

كما تطرقت منظمة العفو الدولية ومركز الخليج لحقوق الإنسان إلى ضرورة إلغاء قانون الجرائم الإلكترونية وقانون مكافحة الإرهاب. وطالبت منظمة العفو الدولية بالإفراج عن المدافعين عن حقوق الإنسان الذين تم احتجازهم بشكل غير قانوني لمجرد ممارستهم لحقهم في حرية التعبير. وقد ذكر رئيس مجلس حقوق الإنسان أن القوانين تتماشى مع المعايير الدولية وأن قرينة البراءة تطبق دائمًا. ومن الواضح أن الأمر ليس كذلك حين يتم احتجاز النشطاء الأبرياء باستمرار دون مبررات حقيقية.

أثارت الكثير من المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك مركز الخليج لحقوق الإنسان ومنظمة المدافعون عن حقوق الإنسان، مسألة الاستخدام غير القانوني لعقوبة الإعدام. وسلط ممثل منظمة “المدافعون عن حقوق الإنسان” الضوء على استمرار استخدام عقوبة الإعدام على القُصَّر، وهو ما ادعت رئيسة هيئة حقوق الإنسان السعودية أنه لا يحدث رغم أن الأدلة تظهر خلاف ذلك بوضوح.

سمح اجتماع النظر في تقرير الاستعراض الدوري الشامل للمملكة العربية السعودية للمنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء العالم بالتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في المملكة أو محاولة مساءلة البلاد. لسوء الحظ، بدت الدكتورة هالة التويجري مصممة على أن السعودية قد عالجت بالفعل العديد من القضايا التي تمت مناقشتها. وعليه تدعو منظمة أمريكيون من اجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين الحكومة  السعودية إلى أخذ التزاماتها بموجب الاستعراض الدوري الشامل على محمل الجد والمحاسبة على انتهاكاتها. بالإضافة إلى ذلك، تدعو منظمات حقوق الإنسان الأخرى إلى مواصلة الدعوة إلى التغيير المنهجي الذي تشتد الحاجة إليه في البلاد حتى يتسنى لشعبها تحصيل احترام حقوق الإنسان الخاصة به كما يستحقها.