أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا حملة واسعة لإسكات المعارضة، اتسمت بتجاهلٍ تام للعدالة وحقوق الإنسان. وتشمل هذه الحملة سلسلة من الاعتقالات والاستدعاءات والترحيلات التي تستهدف الأفراد الذين ينتقدون تصرفات إسرائيل واعتدائها على غزة، في انتهاك صارخ للحق في حرية التعبير. ويواصل هذا الاتجاه المثير للقلق فرض القيود على الحريات في الإمارات منذ فترةٍ طويلة، والتي اشتدت في الأشهر الأخيرة.
منذ إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل عام 2020، قامت الإمارات بخنق الأفكار المناهضة للتطبيع والأصوات المنتقدة لأفعال إسرائيل بشكلٍ متزايد، خاصةً بعد الأحداث و العدوان على غزة في أعقاب السابع من أكتوبر 2023. هذا وتم مؤخرًا اعتقال واستدعاء مواطنين إماراتيين ومقيمين أجانب بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تعارض الأعمال العسكرية الإسرائيلية أو التطبيع مع تل أبيب. على سبيل المثال، تم استدعاء “ك. ح.”، وهو مواطن أردني من أصل فلسطيني يعمل في دبي منذ خمس سنوات، من قبل جهاز أمن الدولة في أبو ظبي في العاشر من أبريل 2024، بسبب منشور على فايسبوك يدين إسرائيل. وتم احتجازه لمدة ثلاثة أيام دون السماح له بالاتصال بمحامٍ، وأجبر على مغادرة الإمارات دون الحصول على إذن لتقديم أي اعتراض.
كذلك، أفاد مواطن مصري أنه تم استجوابه من قبل مسؤولي الأمن الإماراتيين في 25 مارس بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد رد الفعل العربي والإسلامي على المجاعة في غزة خلال شهر رمضان وتطالب بإنهاء التطبيع مع إسرائيل. وبعد ساعاتٍ من الاستجواب، تم فصله من وظيفته ومنحه 48 ساعة لمغادرة البلاد دون اللجوء إلى القانون أو فرصة الاعتراض على القرار. بالإضافة إلى ذلك، أفادت التقارير بأن الأجهزة الأمنية الإماراتية شنّت حملات تخويف في الجامعات، وهددت الأكاديميين والناشطين الطلابيين من عدم الانصياع لأوامر الحكومة في الامتناع عن الاحتجاج ضد إسرائيل.
وتضاف هذه الأحداث الأخيرة إلى انتهاكات حقوق الإنسان الحالية التي ترتكبها السلطات الإماراتية، لا سيّما جهاز أمن الدولة، الذي يعتقل مواطنين أجانب بشكلٍ غير قانوني بسبب ممارستهم لحقهم في حرية التعبير. لدى الحكومة الإماراتية تاريخ في احتجاز هؤلاء الأفراد في ظروفٍ غير إنسانية، واستجوابهم، وفي بعض الحالات، تعذيبهم جسديًا ونفسيًا قبل ترحيلهم بتهم ملفّقة. وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تستمر في هذا الانتهاك للحق في حرية التعبير.
والتفسير هو أنّ دولة الإمارات تبرّر هذه التّصرفات من خلال تصنيف حرية التعبير كجريمة إرهابية. على سبيل المثال، خلال المحاكمة الجماعية التي جرت في دولة الإمارات عام 1984 ضد عشرات النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين الذين وقّعوا على عريضة تطالب بتغييرات دستورية، زعمت السلطات الإماراتية أن هذه الأنشطة كانت جزءًا من منظمة إرهابية سرّية تسمى بلجنة الكرامة والعدالة. علاوةً على ذلك، قالت الحكومة إنّ الأنشطة تندرج تحت قانون مكافحة الإرهاب الإماراتي الذي صدر عام 2014، الذي يعاقب الأفراد الذين ينشئون مثل هذه “المنظمات” بالسجن مدى الحياة أو حتى عقوبة الإعدام، مما يشوّه المعنى الحقيقي لتنظيم جماعة إرهابية.
يجب على المجتمع الدولي الضغط على الإمارات العربية المتحدة لإنهاء هذه الحملة القمعيّة. وينبغي السماح لمنظمات حقوق الإنسان بالوصول إلى المعتقلين، كما ويجب إطلاق سراح جميع الأفراد المحتجزين دون قيدٍ أو شرط بسبب التعبير عن آرائهم. ويجب على الإمارات أيضًا إلغاء القوانين التي تنتهك حقوق الإنسان، بما في ذلك قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر عام 2014، لتتماشى مع التزاماتها الدستورية والدولية. إنّ ضمان حرية التعبير وحماية الأصوات المعارضة أمرٌ بالغ الأهمية لتقدّم البلاد ولسمعتها العالمية.