١. حق تقرير المصير؟
حق تقرير المصير هو قدرة الشعوب تحديد بحرية مركزها السياسي و تحقيق التنمية الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية.[1] و بهذه الطريقة، يتطرق مبدأ تقرير المصير إلى كرامة المواطنين و إعتبار كل فرد منهم كإنسان. إثر ذلك، إعترفت الأمم المتحدة بهذا المبدأ باعتباره حقاً أساسياً من حقوق الإنسان العالمي.[2] إن الممارسة الناجحة لهذا الحق من حقوق الإنسان الأساسية مرتبط بالقدرة على ممارسة حقوق الإنسان الأساسية الأخرى، مثل الحق في التعبير و التجمع و تكوين الجمعيات بحرية. وغالبا ما نشهد مع حالة إنكار أي من هذه الحقوق، الحرمان من الحق في تقرير المصير، و الإخضاع و الشعوب و السيطرة أو إستغلال شعب آخر. تعتبر الأمم المتحدة غالباً حق تقرير المصير في سياق إخضاع الشعوب و الهيمنة و الإستغلال من قبل قوة خارجية. ليس من الضروري أن يمارس حق تقرير المصير فقط في سياق تنفض عن قوة خارجية. يمكن أن تأتي رغبة الشعوب من أجل الحق في تقرير المصير أيضا في السياق الداخلي حيث يكون الشعب مظلوم من قبل أقلية أو أغلبية في بلادهم.
٢. حق تقرير المصير في الوثائق الدولية
تمّ الإعتراف بمبدأ حق تقرير المصير و الإقرار عليه على المستوى الدولي من خلال عدد من المعاهدات و المواثيق و الإعلانات و يعود ذلك على الأقل منذ ميثاق الأطلسي الذي تمّ التوقيع عليه في ١٩٤١. على الرغم من أن ميثاق الأطلسي ليس ملزم إلى الدول الأطراف، و لا يمكن إجبار الولايات على العمل، يذكر هذا المبدأ و يتمّ مناقشته في وثائق دولية لاحقة. تعكس بعض وثائق القانون الدولي و هي ملزمة إلى الدول الأطراف. البعض الاخر، مثل ميثاق الأطلسي، ليس ملزم. لكن تبقى الوثائق مهمة إذ أنها تسلط الضوء على أهمية التي يوليها المجتمع الدولي لهذا المبدأ.
أ. الميثاق الأطلسي: دليل غير ملزم
الميثاق الأطلسي هو واحد من الوثائق الدولية الأولى التي يحيل حق تقرير المصير[3]. و هو بيان مشترك من قبل الولايات المتحدة و المملكة المتحدة حيث يعربان عن املهما لمستقبل ما بعد الحرب العالمية الثانية. بين المبادئ الثمانية التي يتناولها البيان هو إحترام “حق جميع الشعوب في إختيار شكل الحكومة التي بموجبها سوف يعيشون.” ينصّ الموقعون على”أنهم يرغبون باستعادة رؤية حقوق السيادة و الحكم الذاتي لأولئك الذين حرموا قسرا منها.” ليس للبيان أية قوة قانونية، و لكنه يسلط الضوء على أهمية مبدأ تقرير المصير التي أدلت به الدولتين و أنه يفسح مجال إدراج المبدأ في الوثائق المقبلة.
ب. وضع الأسس: ميثاق الأمم المتحدة
ميثاق الأمم المتحدة، الذي وقع يوم ٢٦ يونيو عام ١٩٤٥، يشكل وثيقة مهمة في القانون الدولي و وثيقة يمكن الإستناد عليها في معظم الحالات [4].
يشير التقرير إلى حق تقرير المصير و الحكم الذاتي في المواد ١ و ٥٥ و ٧٣ و ٧٦. تتطرق المادتين ١ و ٥٥ إلى أن من بين أهداف الأمم المتحدة هي “[تطوير] العلاقات الودّية بين الأمم على أساس إحترام مبدأ المساواة في الحقوق و حق تقرير المصير للشعب.” و في هذا السياق، تضع الأمم المتحدة حق تقرير المصير كنقطة محورية في عملها. تتعلق المواد ٧٣ و ٧٦ بالأراضي التي لا تمارس الحكم على نفسها.
تدعو الدول التي تحكم هذه الأراضي إلى تعزيز و تطوير المؤسسات اللازمة لتحقيق الحكم الذاتي أو الإستقلال.
ج. إنهاء الإخضاع: إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة
هذا البيان، الذي صدر في ١٤ ديسمبر ١٩٦٠، هو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ١٥١٥. ينصّ المبدأ ٤ من البيان على إخضاع الناس لحكم حكومة أخرى و التعرض للإستغلال من قبل تلك الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان الأساسية و يناقض بذلك ميثاق الأمم المتحدة[5]. يؤكد أن “لجميع الشعوب الحق في تقرير المصير”، و ينص على السماح لجميع الناس أن يقرروا بحرية فيما يختص بوضعهم السياسي و “تواصل بحرية التنمية الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية”. ويواصل بالقول أنه لا يمكن أن يحرم الشعب من الإستقلال إذا لم يكونوا على إستعداد تام. لا يجب أن تستخدم الدول الاخرى القوة لمنع الناس من ممارسة حقهم في الإستقلال “سلميا وبحرية”.
د. تعزيز السلام و الأمن: إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية و التعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة
في ٢٤ أكتوبر ١٩٧٠، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار ٢٦٢٥ أيّ إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية و التعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة[6]. يتطرق القرار إلى مبدأ المساواة في الحقوق و تقرير المصير للشعوب و يصفهما عنصرين أساسيين لتحقيق الهدف المتمثل في الحفاظ على السلام و الإستقرار بين الدول. و هو ينص على أن “يتوجب على كل دولة الإمتناع عن أي عمل قسري يحرم الشعوب المشار إليها في صياغة مبدأ المساواة في الحقوق و حق تقرير المصير و يمسّ بحق تقرير المصير والحرية و الإستقلال.” و لا يتوجب فقط على الدول الإمتناع عن حرمان الناس من حقهم في تقرير المصير، بل أيضاً “لدى كل دولة واجب تعزيز، من خلال إجراءات مشتركة و منفصلة، إحترام مبدأ المساواة في الحقوق و حق تقرير المصير للشعوب وفقا لميثاق [الأمم المتحدة].”
ه. مواصلة التركيز على حق تقرير المصير: إعلان و برنامج عمل فيينا
يسلط إعلان و برنامج عمل فيينا لعام ١٩٩٣ الضوء على أهمية أن يكون” لدى جميع الشعوب الحق فيتقرير المصير”، بالإضافة إلى “حق الشعوب في إتخاذ أي إجراء قانوني، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، للتمتع بحقهم الذي هو غير قابل للتصرف فيما يختص بحق تقرير المصير.” فضلاً عن ذلك، تشير إلى أنه” يعتبر المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان إنكار حق تقرير المصير كإنتهاك لحقوق الإنسان.[7]”
و. الإلزام بقوة القانون: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
تتطرق العديد من الوثائق الدولية إلى تقرير المصير، و لكن ليست جميعها ملزمة، و في معظم الحالات لا تعكس القانون الدولي. و مع ذلك، هناك العديد من الوثائق التي تتمتع بقوة القانون الدولي على الدول التي صادقت عليها. إن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية[8] ، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[9] و ميثاق الأمم المتحدة يتمتعون جميعهم بقوة القانون الدولي للدول الأطراف.
ينصّ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية على أهمية تمتع “جميع الشعوب بالحق في تقرير المصير. بواسطة هذا الحق، يحق لهم تحديد مركزهم السياسي بحرية و السعي بحرية إلى تحقيق التنمية الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية. […] يتوجب على الدول الأطراف في هذا العهد […]تعزيز الحق في تقرير المصير و إحترام هذا الحق، وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة.” مع إنضمام البحرين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية و الثقافية و ميثاق الأمم المتحدة، فلا بد من الحكومة تعزيز مبدأ تقرير المصير، و إحترام حق الشعوب في تحديد تقويمهم السياسي و الإقتصادي والإجتماعي و الثقافي فضلاً عن التنمية.
٣. تقرير المصير في سياق البحرين
أظهر المجتمع الدولي باستمرار إهتمامه في مبدأ حق تقرير المصير. الطلب على تقرير المصير يمكن أن يأتي في سياق سلطة خارجية تحكم شعب، أو يمكن أن ينطبق على السكان الذين يهمشون في بلادهم. تمتثل البحرين بالفئة الثانية، لأنها دولة يحكمها ملك حيث تحكم الأقلية على الأغلبية. في سياق البحرين، تقرير المصير، في كلمتين، ليس موجود. بالإضافة إلى اضطهاد الأغلبية الشيعية من قبل الأقلية السنية الذي نراه في الصورة الكبيرة، ففي البحرين أقلية صغيرة: العجم، و هم من النسل الفارسي الشيعي.
كمملكة دستورية، عائلة آل خليفة السنية تحكم البحرين ولها القول الفاصل في جميع المسائل السياسية والاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية و الرسمية. البحرين لديها نظام برلماني يتألف من مجلسين، مجلس النواب و مجلس الشورى. ومع ذلك، يتم تعيين مجلس الشورى من قبل الملك، و تم التوثيق عن قضايا حول مخالفات في التصويت و الغش التي جعلت البرلمان أقل امتثالا[10]. وقد أصدرت حكومة البحرين العديد من القوانين التي تقيد ممارسة حرية التعبير والطباعة و تكوين الجمعيات و التجمع[11]. عززت الحكومة هذه القوانين بقانون مكافحة الإرهاب الذي قيد حرية التعبير إلى أبعادٍ جديدة[12].
تأثير هذا التشريع و المخالفات و الغش على حرمان شيعة البحرين و السكان العجم من حق تقرير المصير كان هائلاً. من جهة، قامت الأسرة المالكة ومؤيديها بتعزيز قواها، ما منحهم القدرة على إتخاذ القرارات المهمة في البلاد. من خلال تزعّم الصوت السياسي الوحيد السياسي والتنمية الاقتصادية والثقافية و الاجتماعية في البحرين، قامت السلطات البحرانية بتهميش بقية سكان البحرين. من ناحية أخرى، القيود التي فرضتها السلطات على المعارضة سلبت أغلبية البحرانيين من أسواطهم بما يخص وضعهم السياسي و التنمية الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية في البلاد. ليست مجرد مسألة حرمان غالبية البحرينيين من التعبير عن رأيهم أبالنسبة لبلادهم: بل إن حاولوا المطالبة بحق التعبير و المناقشة، يواجهون العنف و التعذيب و العقوبات القانونية و ربما حتى الموت [13].
يتعارض قمع و تهميش حكومة البحرين للأغلبية الشيعية في البلاد مع التزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة و أيضا مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية و العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي وقّعت عليها. تدعو هذه العهود الدول إلى احترام حق تقرير المصير، و أيضا لتسهيل ترويجها. و على الرغم من ذلك، تقوم حكومة البحرين بحرمان البحرانيين من حق تقرير المصير. تقوم الأجهزة الأمنية في البحرين باستعمال العنف لقمع المظاهرات السلمية، في حين يدعو إعلان منح الاستقلال للبلدان و الشعوب المستعمرة على الدول عدم استخدام القوة لمنع الشعوب من ممارسة حقهم في التقرير.[14]
يتعارض إستخدام حكومة البحرين للقوة لقمع المظاهرات السلمية و تجريم الأشكال المختلفة من حرية التعبير أيضاً مع إعلان و برنامج عمل فيينا. و يعترف الإعلان بحق الشعوب في اتخاذ أي الإجراء الشرعية لممارسة حقها في تقرير المصير. قامت الأغلبية الشيعية في البحرين بالتظاهر سلمياً بانتظام منذ فبراير ٢٠١١، حتى عندما اعتدت الحكومة على المتظاهرين.
يتطرق إعلان فيينا و ميثاق الأمم المتحدة و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية إلى أهمية مبدأ تقرير المصير كحق أساسي من حقوق الإنسان. يتوجب على الدول التي وقعت هذه الوثائق بموجب القانون الدولي الإلتزام و التقيد بها. عبر توقيع هذه الوثائق، وافقت حكومة البحرين على إحترام حق تقرير المصير، و تعهدت بإحترام و تسهيل هذ المبدأ. فيشجع و يعاقب القانون الدولي مبادرات الشعب كتصرفات غالبية البحرانيين الذين يتظاهرون سلمياً و دعوتهم لحكومة البحرين إلى الإستماع إلى أصواتهم.
أنقر حق تقرير المصير للقراءة PDF
[1] General Assembly resolution 1514 (XV), “Declaration on the Granting of Independence to Colonial Countries and Peoples,” A/Res/15/1514, 14 December 1960, http://www.un.org/en/decolonization/declaration.shtml
[2] General Assembly resolution 1514 (XV), “Declaration on the Granting of Independence to Colonial Countries and Peoples,” A/Res/15/1514, 14 December 1960, http://www.un.org/en/decolonization/declaration.shtml
[3] “The Atlantic Charter,” 14 August 1941, http://www.nato.int/cps/en/natohq/official_texts_16912.htm.
[4] United Nations, “Charter of the United Nations,” 24 October 1945, 1 UNTS XVI, available at: http://www.refworld.org/docid/3ae6b3930.html.
[5] General Assembly resolution 1514 (XV), “Declaration on the Granting of Independence to Colonial Countries and Peoples,” A/Res/15/1514, 14 December 1960, http://www.un.org/en/decolonization/declaration.shtml
[6] General Assembly resolution 2625 (XXV), “Declaration of Principles of International Law Concerning Friendly Relations and Co-operation among States in accordance with the Charter of the United Nations,” A/Res/25/2625, 24 October 1970, http://www.un-documents.net/a25r2625.htm.
[7] UN General Assembly, Vienna Declaration and Programme of Action, 12 July 1993, A/CONF.157/23, available at: http://www.refworld.org/docid/3ae6b39ec.html.
[8] UN General Assembly, International Covenant on Civil and Political Rights, 16 December 1966, United Nations, Treaty Series, vol. 999, p. 171, available at: http://www.refworld.org/docid/3ae6b3aa0.html.
[9] UN General Assembly, International Covenant on Economic, Social and Cultural Rights, 16 December 1966, United Nations, Treaty Series, vol. 993, p. 3, available at: http://www.refworld.org/docid/3ae6b36c0.html.
[10] There have been gerrymandering accusations in the 2002, 2010, and 2014 elections. 2002: http://news.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/6172482.stm; 2010: http://www.reuters.com/article/us-bahrain-elections-fb-idUSTRE69M0TO20101023; 2014: https://www.washingtonpost.com/blogs/monkey-cage/wp/2014/12/01/electoral-rules-and-threats-cure-bahrains-sectarian-parliament/; see also “Apart in Their own Land, Volume 1: government discrimination against Shia in Bahrain,” Americans for Democracy & Human Rights in Bahrain, February 2015, http://adhrb.org/wp-content/uploads/2015/03/ADHRB_Apart-in-Their-Own-Land_web.pdf
[11] See the Public Gatherings Law of 1973, Amendments to the Public Gatherings Law of 1973 (Law 32/2006); Law of Protecting Society from Terrorist Acts of 2006; Law of Association of 1989 (Law 21/1989); Press Law of 2002, 2014 Amendments to the Bahraini Penal Code (Law 1/2014).
[12] “Bahrain Law on Counter Terrorism,” Bahrain Center for Human Rights, 2 October 2010, http://www.bahrainrights.org/en/node/3449.
[13] “Bahrain protests prompt global concerns,” BBC, 15 February 2011, http://www.bbc.com/news/world-middle-east-12471243.
[14] “Bahrain: army, police fire on protesters,” Human Rights Watch, 18 February 2011, https://www.hrw.org/news/2011/02/18/bahrain-army-police-fire-protesters.