حرية مقيّدة.. فشل حكومة البحرين في تطبيق العدالة الانتقالية بحق المفرج عنهم!

بتاريخ الثامن من أبريل 2024، صدر مرسوم ملكي بالعفو عن 1584 سجينًا، من بينهم عدد من السجناء السياسيين. للوهلة الأولى، عدّ المرسوم بمثابة خطوة تقدمية إصلاحية، تستجيب للمطالبات الحقوقية بتحسين واقع حقوق البلاد المزري. لكن الخطوة جاءت منقوصة، لتظهر أنها لا تعدو كونها إحدى وسائل النظام لتلميع صورته أمام المجتمع الدولي.

شنت الحكومة البحرينية حملات اعتقال منظمة طالت قادة المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين، وكل مواطن مطالب بالإصلاح والديمقراطية، عقب الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت عام 2011. امتلأت السجون بالسجناء السياسيين، وبات القمع هو السائد في البلاد التي قيّدت حرية التعبير وجرّمتها. لكن تقييد الحريات، امتد إلى ما بعد الإفراج، لتتحول البلاد إلى سجن كبير يخنق الأصوات المطالبة بالإصلاح، لتسود الرقابة الذاتية لتفادي مقصلة القضاء.

أظهرت الإفراجات الأخيرة، أنها تأتي ضمن سياق ممنهج تسعى السلطات الحاكمة لترسيخه من خلال إصلاحات محدودة، تمنح حرية مقيّدة للأفراد لضمان سلب حريتهم وممارسة انتقام ضدهم يمتد إلى ما بعد الإفراج.

مؤخرًا لجأت حكومة البحرين إلى الافراجات الجماعية كوسيلة للترويج عن الاصلاحات. هذه الافراجات استغلت مناسبات دينية إسلامية مدعية إشاعة جو من “التسامح” من قبل الحكومة مع مواطنيها.

ولم تشمل إفراجات عيدي الفطر والأضحى أي من سجناء المعارضة أو القادة البارزين وكان الأعم الأغلب من مجمل المفرج عنهم في مرسومي العفو الملكي، من الأجانب المقرر ترحيلهم. والمشترك في هذه الخطوات، أنها أبقت سياسة الافلات من العقاب سائدة وبقي المسؤولون عن التعذيب طلقاء ومحميون.

وعليه، فإنه كما حرم المفرج عنهم على مدى السنوات الماضية من العديد من حقوقهم المدنية والسياسية بموجب قوانين صاغتها الحكومة على مقاييسها، فقد واجه المفرج عنهم مؤخرًا عقبات تحول دون استعادتهم لحريتهم الكاملة، ما عرقل إمكانية إعادة اندماجهم في المجتمع من جديد.

نسلط الضوء في هذا التقرير على أبرز الحقوق الأساسية من حقوق الإنسان التي يحرم منها المفرج عنهم من السجون بعد سنوات من الاضطهاد والاحتجاز التعسفي.

حريّة مقيّدة

تعرّف الأمم المتحدة العدالة الانتقالية بأنها التزام الدول بتوفير سبل انتصاف فعالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وتلبية حقوقهم في الحقيقة والعدالة والجبر. تهدف العدالة الانتقالية إلى الاعتراف بالضحايا، وتعزيز ثقة الأفراد في مؤسسات الدولة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون، كخطوة نحو المصالحة ومنع الانتهاكات الجديدة. وتشمل عملياتها تقصي الحقائق ومبادرات الملاحقات القضائية وأنواع مختلفة من التعويضات ومجموعة واسعة من التدابير لمنع تكرار الانتهاكات من جديد، بما في ذلك الإصلاح الدستوري والقانوني والمؤسسي، وتقوية المجتمع المدني.

بموجب قوانين العزل السياسي والمدني التي اعتمدت منذ عام 2018، شرعنت الحكومة من انتهاكاتها التي شملت حرمان المفرج عنهم من العديد من الحقوق المكفولة دوليًا، بما فيها الحق في تأمين السكن والتعلم والطبابة والعمل وحرية التنقل من خلال وضع قيود واشتراطات منها التدقيق الأمني وفرض “شهادة حسن السيرة” كشرط لتحصيل أي حق من هذه الحقوق.

وعليه، بدلًا من أن يكون العفو الملكي خطوة إصلاحية ومراجعة لسياسات سابقة، من خلال إعادة حرية المفرج عنهم، وضمان حقوقهم المسلوبة، والتعويض عنهم وجبر الضرر، يتم منحهم حرية مشروطة ومصادرة أملهم في متابعة حياتهم والتعويض عما فاتهم من آلام وظلم في السجن. وبالتالي يحرمون من حقهم كباقي المواطنين في الحصول على كافة الخدمات المكفولة في الدستور البحريني.

وعليه فإن خطوة الإفراج عن السجناء السياسيين في البحرين، لا بد ان تتبعها خطوات أخرى، تبدأ من ضمان جميع حقوقهم كمواطنين متساويين في المجتمع، والتعويض عما تعرضوا له من انتهاكات، وصولًا إلى التحقيق والمحاسبة في هذه الانتهاكات.

لكن ممارسات حكومة البحرين، تجعل حرية المفرج عنهم مقيّدة، وتحدّ من إمكانية تحقيق العدالة الانتقالية، التي تكفلها الأمم المتحدة، وتنص على الاعتراف بالضحايا وإلى احتياجاتهم، وتعزيز ثقة الأفراد في مؤسسات الدولة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان بين أفراد المجتمع وتعزيز سيادة القانون، بهدف ضمان المساءلة وتحقيق العدالة كخطوة نحو المصالحة ومنع الانتهاكات الجديدة. من هنا، فإن تحقيق العدالة الانتقالية يأتي كخطوة أولى نحو ضمان العدالة الاجتماعية بين جميع أفراد المجتمع ووقف التمييز الممارس بحق فئة معينة منهم.

الحق في السكن

في 25 يونيو 2024، استدعت السلطات البحرينية ثلاثة من المفرج عنهم وهم محمد المحاسنة، سيد علوي وحامد جعفر محفوظ للتحقيق في مركز شرطة الحورة. جاء ذلك على خلفية تنفيذهم قبل يوم، وقفة احتجاجية أمام ساحة قصر القضيبية، مقر انعقاد جلسات مجلس الوزراء، للمطالبة بحقوقهم الإسكانية، بعد أن جمّدت وزارة الإسكان طلبات السجناء وأوقفت الخدمة الإسكانية الممنوحة في انتهاك صارخ للحق في السكن المكفول أمميًا وكنوع من العقاب الجماعي المفروض تعسفيًا. ورغم أن المفرج عنهم لم يرتكبوا أي جرم، بل رفعوا فقط لافتتين تطالبان بحقهم في السكن بموجب القوانين البحرينية والمواثيق الدولية، إلى أنه تم التعاطي معهم بصفتهم مخالفين للقانون.

ورغم أن الوقفة تأتي لمخاطبة ولي العهد حول الشروط التعجيزية التي تضعها وزارة الإسكان أمام المفرج عنهم، وهو ما يخالف التوصيات الصادرة عنه. لكن وزارة الداخلية عمدت إلى ملاحقة المشاركين في الوقفة، وأخذت بطاقاتهم الشخصية وأخذت أرقامهم الهاتفية وهددتهم بتعريضهم للمساءلة القانونية، وهو ما حدث خلال أقل من 24 ساعة، إذ تلقى المعتصمون أمام مقر الحكومة بلاغات استدعاء. وبحسب ما أفاد أحد المشاركين في الاعتصام السلمي، فقد تم إبلاغ رئيس المركز أن هذا التحرك يأتي بعد استنفاذهم لجميع السبل الممكنة، ومنها رسائل سابقة وجهها المفرج عنهم لولي العهد وتوجههم إلى عدد من النواب، لكن من دون جدوى.

هذه الوقفة هي الثانية من نوعها، بعدما كان قد نفّذ عدد من المفرج عنهم في 26 مايو 2024، اعتصامًا أمام وزارة الإسكان للمطالبة بإرجاع علاوة السكن بأثر رجعي، حيث رفع المحتجون لافتات تطالب بحقوقهم كمواطنين، وتدعو لرفع الظلم الذي يستهدف عائلاتهم من خلال معاقبة ربّ الأسرة. وبدلًا من أن تفتح الأبواب للمعتصمين سلميًا، جاء ردّ السلطات بأن اعتقلتهم وتم نقلهم إلى مركز الحورة لمجرد مطالبتهم بحقوقهم. وبرغم أن الأمر الملكي وقرارات مجلس الوزراء تنص على تحصيل الأثر الرجعي لهذه الحقوق، واجهت السلطات تحرك المفرج عنهم للمطالبة بالحقوق الأصيلة المشروعة بالاستدعاء كنوع من التهديد بإعادة الاعتقال.

من بين المفرج عنهم الذين حرموا من الخدمات الإسكانية، سواء أكانت الطلب الإسكاني أو علاوة الإسكان، محمد يوسف محمد، الذي تم أيقاف وتجميد الطلب الإسكاني وعلاوة السكن منذ العام 2016 وحتى اليوم، رغم مراجعة زوجته المتكرر للوزارة. هذا الإجراء طال عائلة المعتقل السابق حامد جعفر محفوظ من خلال إيقاف علاوة الإسكان الشهرية والأثر الرجعي. المعتقل السابق السيد علوي عبدالعزيز سلمان، حرم كذلك من طلبه الإسكاني منذ العام 2016 ولا يزال موقفًا، ويعيش في منزل أهله. بدوره المعتقل السابق حسن أحمد حسين كاظم العالي، تم توقيف علاوة الغلاء عنه منذ عام 2016، وكذلك توقيف الطلب بالعلاوة من دون أي سبب، بالرغم من أن هذا الحق يمنح للمتزوجين، وبالتالي فإن العائلة هي المتضرر المباشر عن هذا الإجراء. حاول حسن العالي مراجعة وكيل الوزارة فاطمة المناعي والتواصل معها بشكل متكرر من دون جدوى، فلجأ إلى الجمعيات الأهلية التي تسعى جاهدة للتواصل مع الوزارة والمعنيين.

يتحدث المفرج عنهم عن مماطلة وزارة الإسكان في تطبيق التعهدات الرسمية والتوصيات الحكومية بتسهيل أمور المفرج عنهم بما يساهم في إعادة دمجهم اجتماعيًا. وتتخطى العقبات التي تضعها الوزارة أمام المتقدمين بالحق في شمولهم بالطلب الإسكاني وعلاوة السكن الإجراءات الإدارية، إلى ما هو إجراء تعسفي يحول دون مواصلة هؤلاء لحياتهم السابقة. وبالتالي تفرض الأعباء على كاهلهم ما ينعكس بشكل مباشر على أسرهم، ويضعهم أمام تحديات جمة ويزيد من الأعباء النفسية والاجتماعية والاقتصادية. ومن خلال الطلبات التعجيزية التي تفرضها الوزارة، كشرط توفير عقد عمل للمتقدم بالطلب الإسكاني أو علاوة السكن، فإنها تحكم بشكل مسبق على المفرج عنهم بحرمانهم من هذه الخدمات التي يجب أن تكون حقًا مكتسبًا لجميع المواطنين.

الحق في التعلّم

على الرغم من أن الحق في التعلّم إحدى حقوق الإنسان الأساسية المكفولة، إلا أن حكومة البحرين تمنع هذا الحق عن السجناء السياسيين داخل المعتقلات، وتقيّده حتى ما بعد الإفراج. وبدلًا من تمكين المفرج عنهم من حق التعلم، وتذليل الصعاب لتسهيل عملية إكمال ماتبقى من تحصيلهم العلمي لإنهاء دراستهم، إلا أنها تفرض قيودًا مشددة على هذا الحق. على سبيل المثال:

حسين كاظم الفتلاوي، أحد السجناء السياسيين المفرج عنهم بموجب العفو الملكي الأخير، لا يزال حقه في إكمال دراسته مقيّدًا. حسين الذي اعتقل عندما كان طالبًا جامعًا، حرم من إكمال تعليمه وتخرجه برغم أنه لا يفصله عن التخرج إلا 3 مواد. وعند مراجعته الجهات المعنية، تم إبلاغه بعدم إمكانية مواصلته للدراسة من دون مراعاة كونه سجينًا سياسيًا، وبالتالي لم يكن انقطاعه عن الدراسة بمحض إرادته.

كان جواد عبدالهادي علي، أحد السجناء السياسيين المفرج عنهم بموجب العفو الأخير، طالبًا في جامعة البحرين بتخصص أجهزة دقيقة والتحكم، وقد تبقى له على التخرج 44 ساعة من أصل 138 ساعة معتمدة. راجع جواد الجامعة مؤخرًا ليتمكن من استكمال دراسته، لكن إدارة الجامعة اشترطت كتابته لخطاب وتقديم شهادة حسن سيرة وسلوك في إجراء غير مبرر. ورغم مراجعة الجامعة ووزارة التربية والتعليم، إلا أن السلطات المعنية تماطل في منحه هذا الحق برغم أن لا مرجع قانوني للاستناد على هذا الإجراء التعسفي، الذي لا يعدو كونه وسيلة انتقامية من المفرج عنهم، تحرمهم من استعادة حياتهم السابقة.

الحق في الطبابة

يعد الحق في العلاج إحدى الحقوق الأساسية المكفولة في المواثيق والقوانين. ولكن هذا الحق، منتهك لدى السجناء السياسيين، بل يعد إحدى أساليب الانتقام المعتمدة بحقهم، والتي أودت بحياة عدد منهم. وهو حق منتهك حتى ما بعد الإفراج إذ يحرم العديد منهم من حق الحصول على الطبابة والخدمات الصحية، وهو ما يجعلهم عرضة للآلام والمعاناة المستمرة.

يفتح ملف الإهمال الطبي قضايا عشرات المعتقلين الذي أصيبوا خلال الاعتقال والسجن بعدما كانوا أصحاء لا يعانون من أية أمراض، وآخرين تفاقمت أوضاعهم الصحية وازداد سوءا بفعل انعدام الرعاية الصحية. حتى أن ذهابهم إلى عيادة السجن كان جزءًا من التعذيب النفسي الذي يزيد من معاناة السجين، وهو ما ظهر بشكل واضح على العديد منهم. ومن أكثر الإصابات شيوعًا هي آلام الأسنان. فخلال فترة السجن، يعاني العديد من السجناء من سقوط الأسنان وهذا شائع بين السجناء السياسيين الذين لا يتم توفير لهم العلاجات المناسبة ويتم الاكتفاء بخلع أسنانهم بدلا من معالجتها. بل أكثر من ذلك، قد يضطر المريض نفسه إلى خلع سنه للتخلص من آلامه المبرحة، مع حرمانه من الحق في الطبابة. كما أن دور عيادة السجن لا يتعدى وصف الأدوية وغالبًا وصف البندول، وقد لا يصل الدواء للمريض في كثيرًا من الأحيان.

من بين هذه القضايا، الرمز المعتقل الأستاذ حسن مشيمع الذي عانى لعشرة أشهر من آلام وكسور في الأسنان بسبب منعه من زيارة الطبيب. ومن القضايا أيضًا، حيدر إبراهيم ملا حسن، وهو طفل اعتقل بعمر 16 عاما عانى من مشكلة في أسنانه، لكن تمت إزالة ثمانية منها دون تركيب البدائل التي وعدته بها إدارة سجن جو، مما أعاق قدرته على مضغ طعامه. أما محمد عبدالجبار سرحان، فقد تم كسر سنّين من أسنانه نتيجة التعذيب، ما تسبب له بألم شديد في الأسنان. كما عانى كل من إبراهيم يوسف علي السماهيجي وعمار إبراهيم أحمد من تلف في الأسنان، وحرما كغيرهما من المعتقلين من العلاج.

وبعضهم يحرم أيضًا من التشخيص، وبعضهم لم تجر له الفحوصات اللازمة، وبعضهم تمت المماطلة في تقديم العلاج المناسب، وبعضهم حرم حتى من الدواء! من أبرز القضايا، الأستاذ حسن مشيمع الذي حرم من الأدوية وإجراء الفحوصات المنتظمة لمدّةٍ طويلةٍ، إذ إنه لا يحصلُ على أدوية السكري وضغط الدمّ باستمرار، ولم يتمّ تعديل المسكنات والأدوية الطبيّة وفقًا لاحتياجاته الصحية. ولا يزال يعاني السيد عدنان ماجد هاشم من إهمال طبي متعمد، إذ لم يتلق علاجًا للإصابة التي تعرض لها في ركبته عندما أطلقت قوات الأمن رصاص الشوزن على المشاركين في مظاهرة سلمية عام 2014. فحرم من العلاج ولم توصف له الأدوية المناسبة، ورغم الأوجاع الحادة، فقد رفضت إدارة السجن منحه الدواء المسكن لآلامه المبرحة. أما محمد حسن عبدالله (الرمل) فيضطر للخوض في إضرابات متكررة عن الطعام للمطالبة بحقه في العلاج. وهو منذ اعتقاله عام 2015، يحرم بشكل متكرر من مواعيد الطبية وأدويته العلاجية.

يطرح هذا الانتهاك الذي كابده جميع السجناء السياسيين السؤال حول مسؤولية الحكومة في مرحلة ما بعد الإفراج. وأي دور يجب أن تضطلع به لجبر الضرر وتخفيف آلام المفرج عنهم. وهذا يتطلب معالجة سريعة منها، من خلال تأمين الحق في الطبابة، وضمان العلاج الكامل للمرضى.

من بين الأمثلة العديدة، نطرح قضية المفرج عنه فاضل عباس يحيى عيسى، الذي أصيب بداء الذئبة الحمراء، وهو مرض التهابي مزمن، خلال تواجده في السجن. وقد تدهورت حالته الصحية بسبب التعذيب والظروف غير الصحية في سجن جو. ورغم أن حالته كانت تطلبًا رعاية خاصة، إلا أنه لم يكن لدى مستشفى الملك حمد الجامعي أي متخصصين في أمراض الدم الوراثية، فتأخر علاجه. وخلال سجنه، لم يعطَ فاضل أدويته في الوقت المحدد وتم إلغاء مواعيده الطبية بشكل متكرر. ومن بينهم أيضا. قضية المفرج عنه حامد المحفوظ الذي يطالب بوزارة الصحة بحقه في العلاج الذي ضمنته القرارات الصادرة بموجب مرسوم العفو الملكي، والقاضية بضمان حصول المعفو عنهم على حقوقهم وتسهيل الإجراءات لتلقيهم إلى العلاج.

الحق في العمل

وإن كانت الآثار الاجتماعية تؤثر على إعادة اندماج المفرج عنهم، فإن أخطر ما يواجهونه هو الحرمان من الحق في العمل من خلال فرض شهادة “حسن السيرة”، وهو ما يعني الحكم المؤبد بحرمان هؤلاء من حق الحصول على وظائف في القطاع العام، وينسحب أيضا على ما تفرضه شركات عدة في القطاع الخاص من شروط من بينها القيد الأمني. وبالتالي، حرمان مواطنين من حق إعالة أسرهم فقط لممارستهم حقهم في التعبير عن الرأي!

من بين هؤلاء، عدد من المعتقي الرأي الذين أفرج عنهم منذ سنوات، ورغم ذلك، لا يزالون محرومون من الحق في العمل، مثل الناشط علي الحاجي، الناشطة نجاح يوسف، والحاج علي مهنا، وغيرهم كثيرون ممن فقدوا وظائفهم وحرموا من تعويضاتهم، ولايزالون غير قادرين على إعادة الاندماج في دورة الحياة الاقتصادية الطبيعية.

أحد المفرج عنهم بموجب الأمر الملكي في أبريل 2024، والذي فضّل عدم ذكر اسمه، خوفًا من تعرضه لمزيد من الإجراءات الانتقامية، يتحدث عن حرمانه من الحق في العمل، ما يخالف أوامر ولي العهد بصرف علاوة التعطل للمشمولين بالعفو. قبل الاعتقال كان يعمل في القطاع الخاص، وقبل أن يتم العام من بدأ العمل تم اعتقاله. وعليه، فقد وظيفته والحق في الحصول على التأمين ضد التعطل. ورغم أنه سجل في وزارة العمل كعاطل عن العمل، والتزم بجميع الإجراءات اللازمة وبمواعيد الوازرة وقدّم على الوظائف المعروضة، إلا أنه تم استبعاده من ضمن المستفيدين من التماس إعادة النظر. وكان رد التظلم بأنه “غير مستحق حسب المادة 17 من قانون التأمين ضد التعطل. وإنه بإمكانه الاستفادة من الخدمات الإلكترونية للتدريب والتوظيف عبر منصة وزارة العمل”.

جدير بالذكر أنه بحسب المعلومات التي وردتنا فإن قرابة 30 مواطنًا من المفرج عنهم تم حرمانهم من التأمين ضد التعطل للأسباب نفسها.

الحق في حرية التنقل

يعد المنع من السفر، أحد الآثار المترتبة على السجين السياسي والتي قد تفرض عليه لسنين طويلة ما بعد الإفراج في انتهاك واضح لحق الفرد في حرية التنقل وتقييدها. ورغم عدم وجود موانع قانونية تحرم المفرج عنهم من ممارسة هذا الحق، إلا أنه يفرض عليهم بشكل تعسفي، إلى جانب العديد من النشطاء والحقوقيين، كإجراء للحد من نشاط هؤلاء. هذا الحق لا يزال يحرم من أنهوا عقوباتهم أو أفرج عنهم منذ سنوات، نذكر منهم على سبيل المثال الناشط علي مهنا، الذي يتعرض بشكل متكرر للمنع من السفر من دون تبليغه بالقرار أو أسبابه. هذا الإجراء يستهدف كذلك، السجناء السياسيين السابقين، الذين لا يزالون ينشطون في توثيق الانتهاكات ورصدها، كالمعتقلتين الناشطة نجاح يوسف وابتسام الصائغ، اللتين تم تقييد حريتهما في التنقل، وإدراج اسميهما على قوائم منع السفر والمنع من دخول دول خليجية معينة. أما الناشط والسجين السياسي السابق علي الحاجي فقد تعرض للمحاكمة فقط لمطالبته برفع حظر السفر، ورغم إسقاط الدعوى عنه، إلا أنه لا يزال محرومًا من حقه في التنقل كإجراء انتقامي لنشاطه الحقوقي.

إن الإفراجات حق متكسب لجميع السجناء السياسيين، ويجب أن تظل بعيدة عن محاولات الخداع والاستغلال السياسي. إن العدالة الانتقالية، تطلب من السلطات الحاكمة الإسراع في حلحلة عن الملفات بعيدًا عن البيروقراطية الإدارية والانتقام السياسي، ورفع العقاب الممارس على السجناء السياسيين، من خلال إعادة حقوقهم كافة، بما في ذلك التعويضات وجبر الضرر، وفتح تحقيقات جديدة وصولا إلى محاسبة المسؤولين عن جميع ما تعرضوا له من انتهاكات. وهذا يتطلب خطوات جدية عوضًا عن مساعي التبييض التي تبذلها وزارة الداخلية لتلميع صورة برامجها، ومن بينها برنامج العقوبات البديلة، للتهرب من حقيقة أنها تجرم العمل السياسي وتحكم بالسجن على المعارضين والحقوقيين.

إن ما تقدم ما هو إلا اليسير من الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية وغيرهما، التي تواجه المفرج عنهم، وتحول دون فتحهم لصفحة جديدة من حياتهم، وتساهم في إعادة اندماجهم في المجتمع. وهي مسؤولية تقع أولًا وأخيرًا على الدولة، في تسهيل كافة متطلبات حياة هؤلاء، وفي مقدمة ذلك منحهم الحق في الطبابة والسكن والعلاج والتعليم، وغيرها من الحقوق المكفولة لكافة المواطنين.

إن تحقيق العدالة الانتقالية خطوة ضرورية في سبيل تحسين واقع حقوق الإنسان وإنهاء سياسة الإفلات منع العقاب، وتتطلب إصلاح الحكومة لنظامها الأمني والبدء في الملاحقات الجنائية والتعويضات للضحايا.

وإذ تدعو المنظمة إلى تطبيق القرارات الملزمة بإعادة الخدمات الممنوحة للمفرج عنهم، فإنها تدعو في الوقت نفسه إلى رفع الظلم الممارس عنهم من خلال شرط تحصيل شهادة حسن السيرة، وهو إجراء يبقي حرية هؤلاء مجزأة ومقيدة، وهو ما تدينه المنظمة وتدعو إلى إلغائه فورًا.

وعليه، تطالب منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين بإطلاق سراح جميع سجناء الرأي والسجناء السياسيين وتبييض السجون من دون شروط. وتطالب بمنح جميع المفرج عنهم، سواء من خلال انتهاء محكوميتهم، أو المعفو عنهم بمرسوم ملكي، أو المفرج عنهم بموجب قانون العقوبات البديلة، بإعادة جميع حقوقهم المواطنية ورفع القيود الأمنية المفروضة تعسفيًا. كما تدعو المنظمة إلى تطبيق قانون العدالة الانتقالية، كخطوة ضرورية لإعادة الحق المسلوب من الضحايا، وكذلك تدعو إلى التعويض عنهم وجبر الضرر.