الأسلحة والتكنولوجيا المتقدّمة لنظام ملكي ذو سجل مروّع في مجال حقوق الإنسان: الإتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية

تقترح إدارة بايدن على المملكة العربية السعودية ضمانة أمنية، ومساعدة في تطوير برنامج نووي، والمزيد من مبيعات الأسلحة غير المقيّدة مقابل تطبيع العلاقات الإسرائيلية-السعودية، في اتفاقٍ ثنائي يتم وضع اللمسات الأخيرة عليه بين البلدين. فقد ولّت كلمات بايدن في الإنتخابات التمهيدية الديمقراطية في 2019 والتي قال فيها إنّ المملكة “منبوذة” بعد مقتل جمال خاشقجي على يد مسؤولين في المخابرات السعودية في تركيا. وبحسب موقف بايدن الجديد، فإن المملكة تستحق الآن ضمانة أمنية!

ويؤكد مؤيّدو الاتفاق أنه سيعزز الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط من خلال تعزيز التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد إيران واحتواء النفوذ المتزايد للصين في العالم العربي والدفع نحو تطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية. ومع ذلك، وكما أشارت مجلة فورين بوليسي، يبدو أن الأضرار المحتملة تفوق المنافع المبالغ فيها التي ستجلبها هذه الصفقة لإدارة بايدن ونظام الأمن الدولي ككل.

فيما يتعلق بالتحالف ضد إيران، فالحقيقة هي أنّ المملكة العربية السعودية استفادت لفترة طويلة من مبيعات الأسلحة الأمريكية والمساعدات العسكرية والدبلوماسية. وبفضل ذلك، كانت الولايات المتحدة تقوم بالفعل بوضع قيود ذات صلة على تصرفات الجمهورية الإسلامية، وما من حاجة ملحّة لإضافة المزيد من العناصر إلى استراتيجية الردع هذه. لا بل من خلال تعزيز العلاقات الأمنية مع المملكة، قد تشعر السعودية بحرية أكثر من أي وقتٍ مضى لاتخاذ خطوات عدوانية في السياسة الإقليمية، مما قد يجرّ الولايات المتحدة إلى أعمال عنفٍ لاحقة في المنطقة. علاوةً على ذلك، فإن مساعدة المملكة العربية السعودية في تطوير الطاقة النووية لأغراضٍ مدنية قد تؤدي إلى سباق تسلّح نووي في دول منطقة الخليج من خلال زيادة تصوّر التهديد لدى إيران وتزويد السعودية بالمكونات الأساسية لبناء الأسلحة النووية.

أما بالنسبة لإبقاء نفوذ الصين في الشرق الأوسط تحت السيطرة، تجدر الإشارة إلى أن العلاقات السعودية-الصينية القائمة بالفعل، هي متجذّرة في المصالح الاقتصادية القوية والمصالح ذات الطبيعة الأخرى. على سبيل المثال، كانت الصين أكبر شريك تصدير واستيراد للسعودية لسنوات. وبالتالي، لا يبدو أن هذه الاتفاقية ستمنع كلا الشريكين من التعامل بشكلٍ فعّال مع بعضهما البعض في المستقبل. على أي حال، عندما يتم التعامل مع الصين سعيًا لتحقيق مصالحهم الوطنية، سيبقى السعوديون مجتذبين إلى تجاهل الصين لأوجه القصور في مجال حقوق الإنسان في الدول الشريكة.

أما بالنسبة للهدف الثالث من الاتفاق، فبالحقيقة، ورغم أنّ الولايات المتحدة ستحاول الاستفادة من رغبة “إسرائيل” في مواصلة تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية لإجبارها على تخفيف هجومها الكارثي في ​​​​غزة أو التّحرك نحو حل الدولتين، فإن معارضة “إسرائيل” لهذين الهدفين ستجعل أي تطبيع إسرائيلي- سعودي بعيد المنال. كما أنه بات من المعلوم أنّ الرياض دافعت عن ضرورة اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية كعنصر أساسي في أي اعتراف سعودي بإسرائيل. في هذا الصدد، يؤكد معهد كوينسي للحكم المسؤول، أنه إذا كانت إدارة بايدن تريد حقًا ممارسة الضغط على “إسرائيل”، فإن “المساعدات الأمريكية الضخمة والغطاء الدبلوماسي الذي توفّره الولايات المتحدة لإسرائيل هي مصادر تأثير أكبر ومباشرة أكثر من أي مناورة غير مباشرة تشترك فيها المملكة العربية السعودية”. من الأفضل لبايدن أن يأخذ ذلك في عين الاعتبار، لأن الموقف الحالي للولايات المتحدة من الحرب في غزة قد يكلّفه خسارة السباق الرئاسي.

ومع ذلك، فإن الاتفاق الأمريكي-السعودي لا يناسب المصالح الإستراتيجية الأمريكية فحسب، بل يعرّض للخطر أيضًا الجهود العدّة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد. لا يجب أن ننسى أن المواطنين السعوديّين لا يتمتّعون بالحقوق السياسية وأنّ حرياتهم المدنية مقيّدة بشدة ومقموعة بشكلٍ مستمرّ. وفي الخارج أيضًا، اغتال ولي العهد محمد بن سلمان معارضين أيديولوجيين وأخفاهم قسرًا. وفي ضوء هذه الحقائق، فإن وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقٍ من أي نوع لا يتضمّن أي أحكام على الإطلاق بشأن تعزيز وحماية حقوق الإنسان مع مثل هذا النوع من الأنظمة، أمرٌ مشين من الجانب الأميركي. وأكثر من ذلك، فإن المعايير المزدوجة للسياسة الخارجية الأمريكية، مع دعمها غير المتكافئ لحق تقرير المصير وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط من جهة، ودعمها الكامل لأوكرانيا من جهة ثانية، تفسّر سبب “تحفّظ كثير من الناس بشأن الانضمام إلى الولايات المتحدة في قضايا عادلة مثل مساعدة أوكرانيا“، لا سيما في الجنوب العالمي.

بالإضافة إلى ذلك، يصعب فهم مدى صواب هذا الاتفاق إذا أخذنا في عين الاعتبار حقيقة أن دعم الرياض هو قضية خاسرة في السياسة الأمريكية. في هذا الصدد، ووفقًا لمجلة فورين بوليسي، يمتلك غالبية الأمريكيين وجهة نظر سلبية تجاه المملكة العربية السعودية منذ أكثر من عقدين من الزمن. وبالتالي، فإن دعم بايدن للصفقة الأمريكية-السعودية يمكن أن يثير معارضة كبيرة من الأمريكيين المعادين للسعودية لأسباب مختلفة: حرب اليمن، وأسعار النفط، وحقوق الإنسان، والادّعاءات المحيطة بهجمات 11 سبتمبر الإرهابية. علاوةً على ذلك، قد يخسر بايدن دعم الناخبين الأمريكيين العرب والمسلمين واليساريين والشباب، الذين يشكّلون جزءًا مهمًا من الناخبين الديمقراطيين، إذا ما تم تمرير الصفقة وبدت وكأنها تفيد “إسرائيل” على حساب الفلسطينيين. فلا ينبغي الاستخفاف بهذا الأمر، لأنّه في العام 2020، فاز بايدن بما يقارب ال 60 بالمئة من أصوات الأمريكيين من أصلٍ عربيّ في الانتخابات الرئاسية ضد ترامب.

بات الفائز الوحيد الواضح من هذا الاتفاق هو النظام السعودي الاستبدادي. يقول معهد كوينسي للحكم المسؤول في هذا المجال إنّ القيمة التي تضعها الدولة في هذا الاتفاق تكمن في الخلل المتمثّل في وجود “ملكية وراثية مطلقة تحكم دولة يُفترض بأنها تعمل على التحديث في القرن الحادي والعشرين” وإدراك عدم الاستقرار المتأصّل في مثل هذا المزيج. ونتيجةً لذلك، يمكن فهم الاتفاق الأمريكي-السعودي، الذي يمثّل عناقًا دبلوماسيًا من قوة عظمى، على أنه وسيلة لمساعدة المملكة العربية السعودية على توسيع هذا الخلل، إلى جانب التّداعيات السلبية التي قد تترتب على النضال من أجل حقوق الإنسان.

من هنا، فإن مكافأة هذا النظام الملكي السعودي الاستبدادي ونزعته العسكرية ليس السبيل الأمثل الذي يجب اتباعه. وكما ذكر العديد من ممثلي الكونغرس الأمريكي في رسالةٍ إلى الرئيس بايدن عام 2022، أنه على الرغم من أن المملكة العربية السعودية كانت على فترةٍ طويلة شريكًا مهمًا للولايات المتحدة، إلا أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن قيادتها تصرّفت مرارًا وتكرارًا بطرقٍ تتعارض مع سياسة الولايات المتحدة وقيمها.