منتجع تزلج مستقبلي وسط الصحراء السعودية: أفكار مُبهمة لمواجهة التغير المناخي

الجبال المغطاة بالثلوج، وتزلج الناس، وأماكن الإقامة الفاخرة هي بعض الصور التي تريد المملكة العربية السعودية أن تطبعها في أذهان الناس عن مشروع “تروجينا”، وهو أحد الأجزاء الأربعة الرئيسة، إلى جانب “ذا لاين” و”أوكساغون” و”سندلة”، التي تُعد من بنات أفكار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: “نيوم”، وهو “مشروع عملاق” تبلغ تكلفته 550 مليار دولار يهدف إلى إظهار طموحات المملكة العربية السعودية الكبرى في مجال الاستدامة للعالم.

على الرغم من أن الفكرة قد تبدو سخيفة للبعض، إلا أن الحقيقة هي أن المملكة العربية السعودية تخطط لبناء منتجع للتزلج في منطقة جبلية جافة، قليلة الأمطار، حيث الثلوج الطبيعية نادرة، وإن كانت ممكنة بكميات قليلة. وحقيقة أن المنطقة أكثر برودة بـ 10 درجات مئوية في المتوسط من بقية دول مجلس التعاون الخليجي تفسر سبب اختيار هذا المكان. مع ذلك، لا يزال يتعين أن يكون معظم الثلج من صنع أيدي الإنسان، وهنا تكمن المشكلة الرئيسة: فتغطية 36 كم من منحدرات التزلج بالثلوج يتطلب ماء، وفي بلد قاحلة مثل المملكة العربية السعودية، يستلزم ذلك عادةً استخدام محطات تحلية المياه، والتي تعمل بالوقود الأحفوري. يمكن القول الشيء عينه بالنسبة لبحيرة المياه العذبة التي صنعها الإنسان، والتي تمثل أحد المعالم البارزة الأخرى في تروجينا. ومع ذلك، تؤكد المملكة العربية السعودية أن عملية تحلية المياه في نيوم بأكملها ستعمل بالطاقة المتجددة. كما أن الإشكالية الوحيدة هي أن استخدام الطاقة المتجددة في محطات تحلية المياه كان فاشلًا. في هذا السيناريو، من الواضح أن التكنولوجيا اللازمة لتحقيق مشروع نيوم غريب الأطوار قد لا تكون موجودة، لكن المملكة العربية السعودية ستواصل الاعتماد على اتجاه أيديولوجي متفائل تقنيًا يعد أنه ربما في يوم من الأيام، ستحل التكنولوجيا مشاكل البشرية البيئية. وإلى أن يحدث ذلك، ستظل الأمور تسير كالمعتاد.

علاوة على ذلك، فإن الحلول الغريبة لحالة الطوارئ المناخية مثل نيوم، لا تحملُ أي معنى وليست واقعية، فالتحديات التي يفرضها التغير المناخي على الجنس البشري تتطلب حلولًا مسؤولةً في مجال الطاقة، والتي لا يمكن التغاضي عن تعقيداتها. كما أن الجوانب السلبية لنيوم تسلط الضوء أيضًا على ضرورة إجراء تحليل موسع للأثر الذي يجب أن يصاحب كل حل مقترح لتغير المناخ، أو على الأقل الحاجة إلى “ديمقراطية الطاقة”، أي مشاركة المجتمع في صنع القرار لبناء أنظمة تركز على الاحتياجات والمخاوف المحلية. خلافًا لذلك، فقد أدى مشروع المدينة الضخمة بالفعل إلى إزالة بلدتين وتهجير ما يقدر بنحو 20,000 فرد من قبيلة الحويطات قسراً من موطن أجدادهم. في عام 2020،  قُتل عبد الرحيم الحويطي، وهو وجه الانتقادات التي وجهتها القبيلة لتصرفات المملكة، برصاص قوات الأمن، وهو حدث يؤكد على التوتر بين القبيلة وخطط التنمية في البلاد. كما قال ناشط صريح وأحد أفراد القبيلة: “بالنسبة لقبيلة الحويطات فإن مشروع نيوم يُبنى على دمائنا وعلى عظامنا”. إذا لم يتم التخطيط للمشروع مع أخذ مصالح الفاعلين المحليين بالاعتبار، فلمن تم إنشاؤه إذن؟ الناشط واضح بشأن ذلك: “إنه بالتأكيد ليس للأشخاص الذين يعيشون هناك بالفعل! إنه للسياح الأثرياء”. أما بالنسبة لقبيلة الحويطات كما بعض السعوديين، فإن المشروع الذي يُعتقد أن له نظامًا قانونيًا موازياً يتبع الملك مباشرة، يمثل بالنسبة لقبيلة الحويطات وبعض السعوديين محاولة لإبعادهم عن النسخة النخبوية للمجتمع السعودي التي ستجسدها “نيوم”. وكما يقول أحد أعضاء منظمة القسط لدعم حقوق الإنسان: “هو مشروع غرور يستهدف النخبة المحلية والجمهور الدولي من حيث السعودية الجديدة، السعودية المنفتحة والليبرالية اقتصاديًا واجتماعيًا”.

تدخل المنطقة البيئية أيضًا ضمن رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030، وهي استراتيجية تهدف إلى تنويع اقتصاد المملكة وإبعاد إعتماده على النفط. مع ذلك، يمكن التشكيك في النية المقصودة وراء هذا الهدف. فإلى يومنا هذا، لا تزال المملكة العربية السعودية ثاني أكبر منتج للنفط في العالم، ومن المتوقع بحلول سنة 2030، أن ترتفع انبعاثاتها بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، تعتزم شركة النفط الوطنية السعودية، أرامكو، زيادة إنتاج النفط في السنوات القادمة. علاوة على ذلك، تسعى حكومة المملكة بقوة إلى تقويض الجهود العالمية الهادفة إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري من خلال الترويج لحلول زائفة – مثل تقنيات التقاط الكربون وتخزينه – وعرقلة المفاوضات الدولية بشأن المناخ. كمثال على هذا الأخير، عارضت المملكة العربية السعودية بشدة استخدام اللغة المتعلقة بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في خلال  المؤتمر السابع والعشرون للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. أيضًا، فيما يتعلق بالمؤتمر الثامن والعشرون للأطراف الأخير، ادعى وزير الطاقة السعودي أن الاتفاق الناتج عن مؤتمر الأطراف الأخير كان مجرد خيار واحد من ضمن خيارات يمكن أن تتخذها أي دولة من “قائمة انتقائية”.

في الواقع، لم يتم إحراز تقدم يذكر في العقد الماضي لتحقيق  أهداف طموحة للطاقة المتجددة، على الرغم من إعلان المملكة المتكرر عنها. على سبيل المثال، نص هدف حديث عن ضرورة  توليد المملكة 50% من الكهرباء بالطاقة المتجددة بحلول عام 2030. على الرغم من ذلك، لم يتم توليد سوى 1% من الكهرباء بالطاقة النظيفة في عام 2022. هذا ما يفسر تمامًا لماذا يُعرّف متتبع العمل المناخي الإجراءات المناخية الشاملة للمملكة العربية السعودية بأنها “غير كافية بشكل حاسم”، ولماذا تقف “جبال نيوم” والمدينة الضخمة ككل، كمثال آخر على الغسل الأخضر، وهذا مثال مقتبس من فيلم خيال علمي. ليس هذا وحسب، بل إن اختيار تروجينا كمكان لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029، يتوافق مع الممارسة الشائعة في البلاد المتمثلة في استخدام الرياضة لتحييد الأنظار عن سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، وهو ما يسمى بالغسيل الرياضي.

مهما حاولت المملكة العربية السعودية إظهار خلاف ذلك، فإنها تسير في المسار الخاطئ فيما يتعلق بقضايا التغير المناخي وحقوق الإنسان. ثمة حاجة إلى المزيد من الضغط والإرادة السياسية لتغيير هذه الحقيقة.