القمع العابر للحدود: أداة تُوسِّع قدرات الحكومات الاستبدادية

ربما لا يكون القمع العابر للحدود معروفًا على نطاق واسع، إلا أنه يشكل تهديدًا مستمرًا لحقوق الإنسان منذ عقود. هذه الظاهرة، التي تتطلب من الحكومات تجاوز حدودها لإسكات أو ردع المعارضة من خلال ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد مواطنيها الحاليين أو السابقين، وثقتها هيومن رايتس ووتش على نطاق واسع. وقد أدى مقتل الصحفي جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله في عام 2018 على يد السعودية إلى زيادة الوعي الشعبي بشأن هذه القضية.

إلى جانب عمليات القتل، تشمل أساليب القمع العابر للحدود، عمليات الإبعاد غير القانونية (الطرد والتسليم والإبعاد)، الاختطاف والاختفاء القسري، استهداف الأقارب، إساءة استخدام الخدمات القنصلية، والقمع الرقمي العابر للحدود. ويُعد منتقدو الحكومة والمعارضون والمدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني والصحفيون وأعضاء أحزاب المعارضة وعائلاتهم وأصدقائهم، الضحايا الرئيسيون لهذا النوع من القمع. بالإضافة إلى ذلك، يتم استهداف النساء  بشكل خاص عند محاولتهن الفرار من قمع عائلاتهن أو من القوانين التقليدية التي تفرضها حكوماتهن. تجسد الكثير من الحالات المبلّغ عنها في السعودية والبحرين هذا الواقع المضني.

في يناير 2022، وبعد أن أصدرت السلطات البحرينية نشرة حمراء من خلال المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول)، تم تسليم أحمد جعفر محمد، وهو بحريني معارض للحكومة، من صربيا- البلد الذي فرّ إليه سابقًا- بعد تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازه في البحرين. قامت صربيا بذلك متجاهلةً أمرًا  أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في انتظار الحصول على مزيد من المعلومات حول مخاطر سوء المعاملة. والآن، يقضي المعارض عقوبة السجن المؤبد في البحرين بعد مزاعم تعرضه للتعذيب أثناء احتجازه.

تعد النساء السعوديات من ضمن النساء اللواتي حاولن الفرار من عائلاتهن هرباً من قواعد نظام ولاية الرجل الصارمة التي تحرمهن من الاستقلالية في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهن. وقد حاولت عائلات هؤلاء النساء، بدعم من السلطات السعودية، إعادتهن إلى المملكة، ونجحت في بعض الأحيان. في أبريل 2017، كانت دينا علي لاسلوم تسعى للفرار من عائلتها بالسفر إلى أستراليا، ولكن عند عبورها في مانيلا، مُنعت من ركوب الطائرة إلى وجهتها النهائية. وعلى ما يبدو، شوهد اثنان من مسؤولي الأمن في شركة الطيران ورجلان – تأكد فيما بعد أنهما أعمام للاسلوم – وهم يحملونها بعدما وُضع شريط لاصق على فمها وقدميها ويديها.  بعد إعادتها إلى السعودية، احتُجزت لاسلوم من دون توجيه تهمة لها تحت الحجز الوقائي في مركز احتجاز للنساء دون سن الثلاثين حتى تتمكن السلطات من حل القضية، بحسب موقع بلومبرج. في يناير 2019، حاولت رهف محمد القنون أيضًا الفرار من عائلتها بالسفر إلى أستراليا. إلا أن السلطات التايلاندية أوقفتها خلال عبورها في تايلاند، حيث خططت السلطات لوضعها على متن طائرة للعودة إلى وطنها. كان الضغط العالمي على البلد الآسيوي ضروريًا للسماح لها بالسفر إلى كندا، حيث حصلت في النهاية على حق اللجوء.

كما يجدر التأكيد على معاقبة الحكومة لعائلات الأفراد الذين يهجرون البلاد بعد تعرضهم للاضطهاد. ومن هذا المنطلق، هناك حالات تعرض فيها الأقارب للمضايقة والتهديد والاعتقال التعسفي والمنع من السفر إلى الخارج، بل وحتى القتل. ففي البحرين، استهدفت السلطات زوجة وابن وشقيق ووالدة زوجة مؤسس معهد البحرين لحقوق الإنسان والديمقراطية، سيد أحمد الوداعي، المتواجد في المنفى في المملكة المتحدة. كما عانت عائلتا عمر عبد العزيز، وهو معارض سعودي مقيم في كندا، وسعد الجبري، وهو مسؤول استخباراتي سعودي كبير سابق، من قمع مماثل في السعودية.

على الرغم من أنه يُفهم في الغالب على أنه يشير إلى الحكومات الاستبدادية، إلا أن حالات القمع العابر للحدود قد ساعدتها أيضًا إدارات ديمقراطية، كما رأينا في تورط صربيا في تسليم معارض بحريني. علاوة على ذلك، تسلط هذه الحالة الضوء أيضًا على إساءة استخدام الحكومات للنشرات الحمراء الصادرة عن الانتربول لاستهداف نشطاء حقوق الإنسان في الخارج. وتصدر النشرات الحمراء، وهي طلبات رسمية من المكاتب المركزية الوطنية في المنظمة، لتحديد مكان الأفراد المطلوبين للاحتجاز أو الاعتقال أو تقييد الحركة. عندما تُستخدم هذه النشرات بشكل خاطئ، فإنها تشكّل مصدر قلق كبير، خاصة في البلدان ذات الأنظمة الاستبدادية. ففي منطقة الخليج، على سبيل المثال، أصبحت هذه الإشعارات استراتيجية سياسية تستخدمها الحكومات لقمع المعارضة واستهداف المعارضين السياسيين. وفي ضوء ذلك، برزت الحاجة إلى زيادة الحذر والإصلاح في الإطار التشغيلي للإنتربول.

ينبغي أن تكون ظاهرة القمع العابر للحدود التي يتم التقليل من شأنها في بعض الأحيان مقلقة، بقدر ما تثيره جهود بعض الحكومات لإسكات المعارضة أو استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان في الداخل. كما أن هذا يتطلب ممارسة الضغط على الدول الديمقراطية الممثلة لها، والتي ينبغي أن يكون من الأسهل مساءلتها. ومع ذلك، يجب ممارسة المزيد من التدقيق حول هذا الواقع لتحقيق هذا المسعى.