استمرار استخدام السعودية لعقوبة الإعدام على القصّر: كشف الثغرات القانونية وانتهاكات حقوق الإنسان

في أبريل 2024، صادقت محكمة الاستئناف السعودية على حكمين بالإعدام بحق يوسف المناصف وعلي المبيوق، وهما مواطنين سعوديين اتُهما بارتكاب جرائم متعلقة باحتجاجات ضد الحكومة عندما كانا قاصرين. تم اعتقال الطفلين بين أبريل 2017 ويناير 2018 للمشاركة في احتجاجات ضد الحكومة بتهمة “الخيانة العظمى”، وقد كانا في سن 14 و 16 عامًا. نفت السعودية اتهامات التعذيب ضد المتهمين، ونفت مزاعم أنهما كانا قاصرينفي وقت توجيه التهم إليهما، على الرغم من تأكيد النيابة العامة ذلك.

يعتبر الحكمان بالإعدام نتيجة لمشكلة أكبر: استمرار إهمال السعودية لحق تقرير الحياة، خاصة فيما يتعلق بالقصّر. أكدت المملكة مرارًا أنها لا تطبق عقوبة الإعدام على الأطفال أو في جرائم ارتكبتها الأطفال. في عام 2016، أعاد وفد السعودية إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل تأكيد هذا الموقف، مشيرًا إلى أن بلاده “لا تطبق عقوبة الإعدام على الأطفال”. وفي عام 2020، ألغت السعودية رسميًا عقوبة الإعدام للمدانين القصّر بموجب مرسوم ملكي، واستبدلتها بعقوبة السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات في مرفق للإصلاح والتأهيل للقصّر. كان من المتوقع أن يُنقذ هذا المرسوم حياة ستة رجال الذين كانوا على قائمة الإعدام لمشاركتهم في احتجاجات ضد الحكومة خلال انتفاضات الربيع العربي عندما كانوا دون سن الـ18. ومع ذلك، على الرغم من هذه الإعلانات الرسمية، لا يزال هناك واقع صارخ: ما زال يواجه الأطفال والأفراد الذين ارتكبوا جرائم وهم قُصّر معرضون لعقوبة الإعدام والعديد منهم مهدد بتنفيذ هذه العقوبة في أي لحظة.

بناءً على ما ذكرته المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان (ESOHR)، نفذت السعودية عقوبة الاعدام بحق 1562 شخصًا على الأقل منذ عام 2010، وتم تنفيذ 58 حكمًا بالإعدام في عام 2024 وحده. من بين هذه الحالات، 15 شخصًا ارتكبوا جرائم وهم قصّر. يجدر بالذكر أن 11 حكمًا بالإعدام بحق قصّر تم تنفيذها بعد العام 2015، تاريخ تولي الملك سلمان العرش. و7 أحكام منها، نُفّذت بعد عام 2017، تاريخ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد. في عام 2019 وحده، نفذت 6 أحكام  بالإعدام على مدانين قصّر. ألقى ولي العهد اللوم على “القوانين السيئة” والقضاة الفاسدين من بين الأسباب التي أدت إلى استمرار تنفيذ أحكام الإعدام، رغم أن أحكام الإعدام لا يمكن تطبيقها من دون أمر من الملك. مما يثير أسئلة مهمة: كيف يستمر تنفيذ حكم الإعدام على القصّر رغم  إلغاء عقوبة الإعدام للمدانين القصّر بمرسوم ملكي؟ ما هي الآليات التي يتم تنفيذ هذه الأحكام بها، وما هي الثغرات التي تمكن من استمرار تطبيق عقوبة الإعدام على القصّر؟

الإجابة على هذه الأسئلة ذات وجهين. أولًا، إن التمييز في تفسير  جرائم التعزير والقصاص والحد يبرر استمرار تنفيذ عقوبة الإعدام على القصّر على الرغم من المرسوم الملكي. تصنف الشريعة الإسلامية الجرائم وعقوباتها إلى ثلاث فئات. عقوبة  الحد، القذف والزنا والسرقة وشرب الخمر، وهي تستلزم  عقوبات  محددة في القرآن، تتراوح بين الجلدوالرجم حتى الموت. أما  القصاص فيتبع مبدأ الشريعة الإسلامية “العين بالعين” للجرائم التي تستهدف فردًا أو أسرة، حيث يكون العقاب ردًا متساويًا محددًا في القرآن.  وبالنسبة لتعزير فيشمل الجرائم التي لا تندرج تحت الحد أو القصاص، حيث يتم تحديد العقوبات من قبل الدولة أو القاضي أو الحاكم، للأفعال التي تعتبر خاطئة أو تؤثر على النظام العام. أعلنت السلطات السعودية في البداية أن المرسوم الملكي الذي يلغي عقوبة الإعدام للأطفال سينطبق على جميع فئات الجرائم الثلاث. مع ذلك، تراجعت فيما بعد وأكدت أن المرسوم ينطبق فقط على جرائم التعزير. استغلت الحكومة هذا الأمر وأعادت تصنيف جرائم عديدة من جرائم عقوبة التعزير إلى عقوبة الحد، مما يبرر ويزيد من استخدام عقوبة الإعدام بحق المتهمين القاصرين. هذه الثغرة القانونية تسهم بشكل كبير في فرض عقوبات الإعدام وتنفيذها على الرغم من تنفيذ المرسوم.

ثانيًا، جمعت السلطات السعودية هذه الثغرة القانونية مع استخدام التعذيب لإجبار القصّر على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها. على سبيل المثال، اعتقل عبد الله الحويطي عندما كان في الرابعة عشرة من عمره، وادعى براءته لعدة أشهر حتى تم تعذيبه للاعتراف بسرقة محل مجوهرات وقتل ضابط شرطة. تصنف هذه الجرائم ضمن عقوبة الحد، وأدت إلى حكم الإعدام على عبد الله، مما يوضح أساليب السلطات في إجبار القصّر على الاعتراف بجرائم تستوجب الحد لتشرعن استخدام هذه الثغرة القانونية في فرض عقوبة الإعدام.

استمرار فرض عقوبة الإعدام على الأطفال من قبل السلطات السعودية وكيفية تبريرها أو تمكينها يشكل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي الذي يقضي بحظر عقوبة الإعدام على جرائم التي ينفذها أطفال بموجب المادة 37 (أ) من اتفاقية حقوق الطفل، التي وافقت السعودية على الالتزام بها. كما انتهكت السعودية منع استخدام التعذيب بموجب المادة 2 من اتفاقية مناهضة التعذيب بموجب المادة 13 أ من الميثاق العربي من خلال تعذيب المدانين القصّر. يجب على الحكومات التي لديها تأثير على السعودية مثل الولايات المتحدة استخدام نفوذها للضغط على السعودية للامتثال للقانون الدولي وإلغاء عقوبة الإعدام للمدانين القصّر في جميع الجرائم. يجب على السلطات السعودية مراجعة الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام لتحديد جميع الأشخاص الذين قد يكونوا دون سن الثامنة عشرة في وقت ارتكاب الجريمة المزعومة وإطلاق سراح هؤلاء الأشخاص. علاوة على ذلك، يجب أن يتم إجراء تحقيقات ومحاكمات في جميع الادعاءات بشأن التعذيب وسوء المعاملة بحق  المدانين القصّر. لا يمكن أن يستمر تنفيذ وتعذيب الأطفال بشكل غير قانوني.