تصف منظمة الأغذية والزراعة الأمن الغذائي بأنه “تمتع جميع الناس، في جميع الأوقات، بإمكانية الوصول المادي والاقتصادي إلى أغذية كافية وآمنة ومغذية لتلبية احتياجاتهم وتفضيلاتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية”. بالإضافة إلى ذلك، يتم تنظيم الأمن الغذائي في أربع ركائز، وهي: 1) التوفر (الأشخاص لديهم مصادر ثابتة للغذاء)، 2) الوصول (الأشخاص لديهم موارد كافية لشراء الغذاء)، 3) الاستقرار (يمكن للناس الوصول إلى الغذاء الذي يبقى بسعر ثابت طوال الوقت) 4) الاستخدام (يعلم الناس كيفية توزيع الغذاء). حالياً، من بين الدول العربية، تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي أكثر أمناً غذائياً وفقاً لمؤشر الأمن الغذائي العالمي. ومع ذلك، لا تزال بعض القضايا طويلة الأمد قائمة بسبب استراتيجيات الإمداد الوطنية، مما قد يتسبب في اضطراب الأمن الغذائي على المدى الطويل.
القضية الرئيسية هي افتقار المنطقة إلى السيطرة على مصادرها الغذائية، مما يجعلها تعتمد بشكل كبير على الاستيراد. تستورد دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 85٪ من غذائها، بما في ذلك 93٪ من الحبوب و62٪ من اللحوم و56٪ من الخضروات. وفي ظل هذه الظروف، فإن حدوث اضطراب في سلسلة التوريد، بسبب جائحة مثلاً، من شأنه أن يجعل البلدان عرضة لنقص الإمدادات. وللحد من الصدمات المحتملة، أطلقت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تدابير التدخل الغذائي. فعلى سبيل المثال، تبنت دول مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت استراتيجيات غذائية وطنية لتعزيز الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الاستيراد. ويمكن القول إن هذه الخطوات ساعدت في الحفاظ على الأمن الغذائي للمنطقة على المدى القصير دون معالجة المزيد من القضايا طويلة الأجل.
أولاً، الاعتماد الكبير على الواردات يجعل المنطقة آمنة غذائياً ولكنها غير مكتفية ذاتياً. وبهذا المعنى، في حالة تصعيد السياسات الحمائية، فإنها ستكون عرضة لصدمات الأسعار والعرض. ثانياً، يجب أن تكون استراتيجية الاستيراد كافية لتحمل تكاليف النمو السكاني. في عام 2005، بلغ إجمالي عدد السكان في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي 25.8 مليون نسمة، مقارنة ب 56.65 مليون نسمة في عام 2018. في ضوء هذا النمو، من المشكوك فيه ما إذا كان يمكن الحفاظ على توافر الغذاء أو إمكانية الوصول إليه عند مستويات مقبولة. ثالثاً، إن الاعتماد الشديد على استراتيجيات الاستيراد يقوض الآثار الضارة لتغير المناخ على توافر الأغذية في المستقبل. وبهذا المعنى، توقع المركز الدولي للزراعة الاستوائية أن تنخفض غلّة المحاصيل بأكثر من 10٪ بحلول عام 2030 وبمعدل مماثل بحلول عام 2050. ونتيجة لذلك، وفي ضوء حالات الجفاف أو الفيضانات المحتملة، ستتحول السوق الدولية إلى سياسات حمائية لضمان وجود إمدادات غذائية طارئة.
وعلاوة على ذلك، هناك خطر أمني محتمل آخر يمكن أن يعوّق توافر الغذاء على المدى القصير. ومن الجوانب ذات الصلة بهذا التحليل، المكان الذي تحصل فيه هذه البلدان على إمداداتها الغذائية. تمر معظم الواردات بالعديد من أهم نقاط الاختناق البحرية. أهمها مضيق هرمز، حيث سيؤثر أي اضطراب سلباً على الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والكويت. من ناحية أخرى، تتلقى المملكة العربية السعودية إمدادات من مضيق باب المندب عند مدخل البحر الأحمر، وهذا ما قد يعوّق توافر الغذاء بالنظر إلى الاحتكاكات السياسية الحالية في البحر الأحمر والصراع السياسي المستمر بين دول مضيق هرمز.
في الختام، من الممكن التأكيد على أن دول مجلس التعاون الخليجي قد تبنّت استراتيجيات منطقية ولكنها محفوفة بالمخاطر للتعامل مع انعدام الأمن الغذائي. بشكل عام، يعتبر أن الإنتاج المحلي للغذاء في المنطقة معقّد بسبب المناخ الصحراوي الحار، الذي يسبب ندرة الموارد المائية والتربة الفقيرة. وبالتالي، سيكون من الضروري فهم ما إذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي ستتكيف مع العوامل الشاملة التي تساهم في الأمن الغذائي والتأكد من أن سياسات الإنتاج الغذائي الوطنية المحتملة في دول مجلس التعاون الخليجي لن تسبب أضراراً بيئية (مثل تدهور المراعي في المملكة العربية السعودية). والأهم من ذلك، سيتم تصميم استراتيجيات الأمن الغذائي وفقاً لضرورات حقوق الإنسان، مما يعني أن الإمدادات الغذائية تستند إلى النمو السكاني.