قبيل انطلاق فعاليات مجلس حقوق الإنسان بدورته الخامسة والخمسين في 26 من شهر فبراير 2024، تبرز الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في البحرين، رغم مساعي الحكومة الحثيثة للتغطية على هذه الانتهاكات، وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير، من خلال ادعاء إصلاحات شكلية أمام المجتمع الدولي.
لكن رصد واقع حقوق الإنسان في البلاد، يكشف عن حقيقة الواقع القاتم في مجال قمع الحريات وتجريم حرية الرأي والتعبير، حتى باتت الرقابة الذاتية نمطًا سائدًا يلجأ إليه المواطنون البحرينيون خوفًا من مقصلة الملاحقة الحكومية.
انتشر مفهوم “الرقابة الذاتية” في البحرين بعد قمع الحكومة للحراك الشعبي المطالب بالإصلاح والديمقراطية، وشنها حملة لا زالت مستمرة حتى اليوم، على أي رأي معارض أو مخالف لسياساتها. ولا ينحصر هذا المفهوم بما يمارسه الإعلاميون والصحفيون من رقابة ذاتية على النشر بفعل القوانين المقيدة لحرية الصحافة والإعلام في البحرين فحسب، بل يشمل مروحة أوسع بكثير، تمتد إلى جميع شرائح المجتمع البحريني. فبفعل تجريم الحكومة البحرينية لحرية التعبير عن الرأي ولجوئها إلى نمط ممنهج من الانتهاكات بحق أي مخالف للتوجهات الرسمية، باتت الرقابة الذاتية الحل الأمثل للمواطن البحريني لتجنب تبعات الملاحقة القانونية والانتقام السياسي لمخالفته النظام، أو لمجرد انتقاده، أو حتى إبداء الرأي في أيٍ من تفاصيل الشأن العام.
يعرض هذا الموضوع جانبًا من جوانب انهيار الحالة الحقوقية في البحرين. حيث تعمد الحكومة كإجراء انتقامي، إلى رصد وتتبع كل من يخالف توجهاتها أو يتجاوز الرقابة الذاتية بمشاركته في القرار العام أو انتقاده السياسات الحكومية أو لمجرد مطالبته بإصلاح ما. وهنا تتولى أجهزتها الأمنية عمليات الاستدعاء والتحقيق والإجبار على توقيع تعهدات بعدم التعبير عن الرأي مجددًا، وقد يصل الأمر في كثير من الأحيان، إلى إجراء انتقامي أكثر شدة، فيتم تلفيق تهمة الإرهاب ويحول الفرد إلى المحاكمة وتصدر أحكام سجن بحقه، لمجرد التصريح بآرائه.
انطلاقًا مما تقدم، يعني مفهوم الرقابة الذاتية، ما يفرضه الفرد على نفسه من قيود تمنع حرية تعبيره عن الرأي، إما خوفًا من مخالفة القوانين المحلية البحرينية المقيدة للحريات أو خوفًا من انتقام السلطات لمعارضتها في قراراتها أو رؤيتها. هذا التوجه انتشر بعد العام 2015، وشروع المحاكم البحرينية في إصدار أحكام كيدية بحق تهم تتعلق بحرية التعبير، إذ أصدرت أحكام سجن على خلفية نشر تغريدات على منصة X (تويتر سابقًا) بحق الناشطين حميد خاتم وطيبة إسماعيل، وهي أم لثلاثة أطفال، بتهمة إهانة الملك والتحريض على كراهية النظام. وحكم بالسجن على مجموعة من رجال الدين، بينهم السيد مجيد مشعل، رئيس المجلس العلمائي الشيعي المنحل، السيد ياسين قاسم، الشيخ عزيز حسن سلمان، والمخرج الفني ياسر ناصر بسبب مشاركتهم في اعتصام الدراز. وبات الفهم السائد أن مواضيع عديدة صارت محظورة ويجب تجنّب إبداء الرأي فيها، سواءً أكان في السياسات الداخلية، مثل الاعتراض على الانتخابات، أداء وزارات وأجهزة حكومية، الانتهاكات الحقوقية بحق السجناء السياسيين الأوضاع المزرية داخل السجون، إبداء الرأي في السياسات الاقتصادية والنقدية، المطالبة بوقف الفساد المستشري.. أو في السياسات الخارجية مثل التطبيع مع إسرائيل، والمشاركة في التحالف الأميركي ضد اليمن في البحر الأحمر، وغيرهما.. ومع القضاء على الحراك الشعبي في الشارع، وسجن العديد ممن شاركوا في التجمعات والمسيرات المعارضة للحكومة انتقلت المحاولات إلى اجتثاث أي رأي معارض عبر الإنترنت، من خلال استخدام ما ينشر من آراء كدليل اتهام لتلفيق قضية ضد المتهم وتوجيه أحكام قاسية بحقه.
حملة ترهيب لمن خالف مقصل الرقابة الذاتية
مؤخرًا، ومع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، وانتشار الغضب العارم للشعوب في جميع أنحاء العالم تجاه المجازر الإبادية في حق المدنيين الفلسطينيين المستمرة وتعرّضهم للتطهير العرقي وسكوت الحكومات عما يحصل من قتل لآلاف الأطفال والنساء هناك، تضامن نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني في جميع البلدان ومنهم البحرين مع الفلسطينيين، من خلال نشر استنكارهم وآرائهم على مختلف منصات هذه الوسائل. لكن جاء رد حكومة البحرين عقابيًا وانتقاميًا تجاه هذه الشريحة من النشطاء. في 19 ديسمبر 2023، اعتقلت السلطات البحرينية الناشط البحريني والمعارض البارز في جمعية وعد إبراهيم شريف، على خلفية تغريدة نشرها على منصة X عبر فيها عن رأيه المعارض لتطبيع بلاده مع إسرائيل بصراحة ورفضه الشديد لانضمامها للتحالف الأمريكي الهادف لحماية المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر. وكان شريف نشر العديد من التغريدات حول رفضه للتطبيع وموقف بلاده من الحرب على غزة لكنه كان إلى حدّ ما كان يخضعها للرقابة الذاتية بما يتناسب مع أفكاره ولا يجعلها مستمسكًا عليه من قبل السلطات لاستدعائه واعتقاله. وهو سبق وأن اعتقل عام 2016، على خلفية خطاب اتهم فيه بالتحريض على الكراهية.
عقب نشر التغريدة، سرعان ما جرى استدعاؤه للإدارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية واعتقاله. وباستخدام قانون الجرائم الإلكترونية، قررت النيابة العامة توقيفه لمدة سبعة أيام قيْد التحقيق بعد توجيه تهمة الدعوة لكراهية النظام وتأييد جماعة إرهابية، وذلك لمجرد مناصرته القضية الفلسطينية. وعلى إثر الاعتقال، شهد الشارع البحريني تحركًا شعبيًا للإفراج عن الناشط شريف، إذ وقّعت 209 شخصية من مختلف القطاعات الفكرية والثقافية والسياسية والأدبية والاجتماعية المكونة للمجتمع البحريني، عريضة طالبوا فيها بالإفراج الفوري عنه، مؤكدين أن ما عبّر عنه يمثل وجهة نظر غالبية الشعب البحريني. كما انتشرت حملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، تدين اعتقال شريف لمجرد تعبيره عن رأيه، وهو الحق الذي يكفله الدستور وميثاق العمل الوطني والمواثيق الدولية ذات الصلة، التي وقّعت عليها البحرين.
وفي قضية مشابهة، اعتقلت سلطات البحرين الشيخ محمد صنقور على خلفية خطبة يوم الجمعة في 19 مايو 2023، التي تطرق فيها إلى رفضه تغيير المناهج التعليمية وفق ما يرضي الجانب الإسرائيلي . ووجهت الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية تهمة إلقاء خطابات تتضمَّن مخالفات قانونية، ومن بينها “إهانة السلطات والتحريض علانية على بغض طائفة من الناس والازدراء بها”، برغم أن الشارع البحريني يجمع على دعم القضية الفلسطينية، ويرفض التطبيع مع “إسرائيل”، ويعبر عن ذلك من خلال التظاهرات شبه اليومية.
في نوفمبر 2023، اعتقل الباحث التاريخي البحريني جاسم آل عباس لعشرة أيام، على خلفية نشر مقطع فيديو يتحدث فيه عن سياق تاريخي لظهور الإسلام ومذهب التشيع في البحرين والتي تندرج ضمن إطار تخصصه في مجال البحوث التاريخية والأكاديمية. وسبق وأن حذف منشور للمدون والباحث جاسم آل عباس عن مسجد تاريخي في البحرين عن حسابه على الإنستغرام، وعن مدونته “سنوات الجريش”، بعد أن كان قد تطرق إلى حاكم سابق في البحرين قبل وصول عائلة آل خليفة إلى الحكم، وقد تم اعتقاله واتهامه بنشر معلومات زائفة على خلفية هذا المنشور.
ولايزال يتعرض الناشط علي مهنا، إلى استدعاءات متكررة، آخرها في يناير 2024، على خلفية مشاركته في التجمعات ومظاهرات سلمية، وتعبيره عن آرائه علنًا، حتى بلغ مجموع الاستدعاءات من أبريل 2021 وحتى سبتمبر 2022، 24 استدعاءً. وقد اضطر مهنا إلى التوقيع على تعهدات متعددة فيما يتعلق بمشاركته في المظاهرات المطالبة بالإفراج عن سجناء الرأي، ومنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن السجناء الذين يواجهون سوء المعاملة.
البحرين دولة “غير حرية”
وقد تمكنت حكومة البحرين باستخدام شتى أنواع القمع، بما في ذلك المضايقة عبر الاستدعاءات المتكررة والاحتجاز التعسفي والتعذيب، من سحق المجتمع المدني، وبات معظم المنتقدين السلميين، يشعرون بتعاظم المخاطر المترتبة على التعبير عن آرائهم في البحرين”، بحسب منظمة العفو الدولية. وقد انعكست هذه الممارسات سلبًا على الحريات في البلاد، إذ أُسكتت الأصوات المعارضة وازداد منسوب الخوف لدى المواطنين من انتقاد الحكومة أو المشاركة في القرار العام، خوفًا من مصير مشابه من المحاكمات الجائرة والتهم المسيسة التي تعرض لها قادة المعارضة والمدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني كانتقام من نشاطهم السلمي.
بسبب الأحكام الغامضة لهذه القوانين والقمع القاسي من قبل الحكومة لحرية التعبير، حُكم على المدافع البارز عن حقوق الإنسان نبيل رجب بالسجن سبع سنوات إجمالًا بسبب منشورات على تويتر، ورغم إطلاق سراحه عام 2020 بموجب العقوبات البديلة، هُدد بأن أي خطاب ينتقد على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى إعادة سجنه. ونتيجة لذلك، فرضت عليه رقابة ذاتية على المحتوى الخاص به على الإنترنت لكي يضمن الاستمرار إلى حد ما في نشاطه في مجال حقوق الإنسان. وتعرض المدون والناشط في مجال حرية التعبير ومؤسس موقع بحرين أون لاين، علي عبد الإمام، للاستهداف والمضايقة بسبب نشاطه على الإنترنت وحُكم عليه غيابيًا بالسجن مدة 15 عامًا بعد إجباره على الهروب خارج البلاد.
أمام هذا الواقع الخانق للحريات والمجرّم للتعبير عن الرأي، بات التوجه إلى الرقابة الذاتية أحد الوسائل المستخدمة لتفادي تبعات الانتقام الذي قد يمتد ليشمل مناحي مختلفة، منها الجسدية والنفسية والمهنية والقانونية. وبسبب القيود المفروضة بسطوة القوانين والدستور، بات المواطنون يلجؤون إلى الحذر فيما يصرحون به أمام الملأ، كما باتوا يراجعون منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي خوفًا من تجاوز المساحات المسموح بها من قبل الحكومة. ورغم ذلك، لايزال هذا الهامش بين المباح والمحظور مبهمًا، ما يدفع الأفراد إلى الامتناع عن إبداء آرائهم في الأمور العامة لتفادي الرقابة السلطوية المفروضة.
صعّدت البحرين قمعها للنشاط على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وحاكمت عدة شخصيات عامة بسبب منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، معتمدة بذلك على برامج تجسسية بهدف مراقبة محتوى النشطاء واستهدافهم. وكان وجد تحقيق لمجموعة “سيتزن لاب” أن البحرين استهدفت ثلاثة نشطاء كانوا قد انتقدوا السلطات البحرينية باستخدام برنامج بيغاسوس، وحدد البحرين كعميل محتمل لشركة التكنولوجيا الإسرائيلية “إن إس أو”.
وقد صنفت فريدوم هاوس البحرين دولة غير حرة على الإنترنت، واضعةً إياها في المرتبة الثامنة والعشرين من مئة، بسبب حجبها المواقع الإلكترونية وإزالة المحتوى الذي ينتقد الحكومة، وفرض عقوبات جنائية ومضايقات خارج نطاق القانون على النشطاء، ما جعل معدلات الرقابة الذاتية مرتفعة بسبب الخوف من المراقبة والترهيب عبر الإنترنت. ومن يونيو 2020 وحتى مايو 2021، تمت ملاحقة أو احتجاز أو اعتقال 58 شخصًا على الأقل على خلفية نشاطاتهم عبر الإنترنت، بمن في ذلك امرأة تم ترحيلها من البلاد، ومحامٍ سُحِبَت رخصة مزاولة المهنة منه.
يدلّ هذا الواقع على التحدي الذي تشكله المنصات الرقمية للرقابة الحكومية، وسعيها الدائم لتقييد وقمع الحريات من الوسائل الإعلام التقليدية وصولًا إلى الإعلام الإلكتروني والإعلام البديل وحتى منصات التواصل الاجتماعي للمواطنين. تقول هيومن رايتس ووتش، إنه “بدلا من الاعتماد على المحاكم التي تصدر أحكاما قاسية، صارت الأجهزة الأمنية ميّالة أكثر لاستدعاء الأشخاص لاستجوابهم واحتجازهم لبضعة أيام أو أسبوع لترهيبهم وثنيهم عن الانتقاد مستقبلا”. وتنقل عن خبير قوله إن الرقابة الذاتية صارت أكبر فأكبر، وتراجع عدد الذين يُعتقلون لأن الناس صاروا مدرّبين على عدم الكلام وتجنب كل ما هو نقد، وازدادت الرقابة الذاتية.
من هنا فقد اعتكف المواطنون عن انتقاد العائلة الحاكمة بشكل مباشر، رأس الهرم في البحرين، وامتد هذا الخوف إلى انتقاد جميع أجهزة الأمن التي يديرها أفراد من العائلة الحاكمة، بما في ذلك وزارة الداخلية. وخوفًا من مقصّ الرقيب، بات البحرينيّون يتجنبون انتقاد الوزراء أيضًا ومختلف الجهات الحكومية المرتبطة، وإن كانت لا تمتلك سلطة اتخاذ القرار.
وامتد الخوف حتى إلى الموالين للحكومة، إذ أن أي رأي ممكن أن يُفسّر بشكل خاطئ ويُحاسب الفرد عليه. ومن اتساع رقعة الخوف، اتسعت رقعة الاستدعاءات أيضًا التي بدأت تلجأ إليها الأجهزة الأمنية بعد عسكرتها لمنصات التواصل الاجتماعي، فكثر الاستدعاء والتحقيق مع المواطنين بسبب منشوراتهم. ورغم ذلك، لا إحصاءات واضحة عن هذه الانتهاكات، في ظل غياب شفافية أجهزة الدولة الأمنية وتجنّب المواطنين من التصريح لما يتعرضون له خوفًا من تداعيات ذلك على حياتهم. وخوفًا من أن تزعج آراءهم السلطات الرسمية وتعرّضهم للتحقيق والمساءلة، بات الكثير يكتبون تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي، لكن يقومون بمسحها قبل نشرها، وآخرون يحتفظون بها في التغريدات غير المرسلة.
الرقابة الذاتية لدى الإعلاميين الصحفيين
تعرّف الرقابة الذاتية (Self-censorship) بأنها قيام الصحفي أو الإعلامي بتجنّب الكتابة عن أمور جدلية أو إشكالية في اعتقاده أنها قد تخالف القانون، أو بسبب خوفه من التعرض للمضايقات والتهديد من السلطات. ويعود ذلك إلى فرض الحكومة قيودًا شديدة على حرية التعبير عن الرأي، ووصمها أي رأي مخالف للتوجهات الرسمية بتهم الإرهاب والتحريض وتهديد الأمن، ما زاد من الرقابة الذاتية لدى البحرينيين، خوفًا من الملاحقة والتضييق والاعتقال والسجن.
قوننت البحرين الحريات الإعلامية من خلال قانون تنظيم الصحافة والطباعة والنشر لعام 2002، والذي شمل الإعلام الإلكتروني أيضًا، وبات المشرع لحملة القمع السادة تجاه العمل الصحفي الحرّ في البلاد، مغلقًا الباب أمام الإعلام المستقل عن التوجهات الرسمية، بعد أن أغلقت الحكومة صحيفة الوسط عام 2017، وكانت آخر صحيفة مستقلة في البحرين.
ويستخدم في الغالب القانون لفرض قيود صارمة على الصحفيين، والمراسلين، والمدونين، ويشتمل على 17 نوعًا مختلفًا من العقوبات التي بموجبها قد يتم تغريم الصحفيين أو حبسهم. وبالفعل يتواجد ستّة صحفيين خلف السّجون حتى أواخر عام 2020، بحسب منظمة فريدوم هاوس التي صنفت البحرين كدولة “غير حرة”، مع تربّعها إحدى أسوأ أربع دول عربيّة في قمع الحريّات.
يرى معهد كارنيغي أن ما شهده الإعلام المحلي في البحرين منذ شباط/فبراير 2011، أثبت بما لايدع مجالًا للشك بأن حرية الصحافة والتعبير أو الممارسة المهنية للإعلام أصبحت جميعها محض خيال. فبعد تضييقها على وسائل الإعلام التقليدية، عمدت البحرين إلى شمل الإعلام الإلكتروني بقانون الصحافة، من خلال القرار رقم 68/2016 الذي هو امتداد لقانون الصحافة البحريني لعام 2002 الصادر بالمرسوم الملكي رقم 47. وفقا لهذا القرار الوزاري، فإن من ضمن متطلبات الحصول على الترخيص، إعطاء قائمة الحسابات على وسائل الإعلام الاجتماعية وعناوين المواقع الإلكترونية وأسماء المسؤولين عنها. وقد يؤدي ذلك إلى تعرض الأفراد لمحاكمة سريعة إذا ما عدّ المضمون مخالفًا.
وبالفعل فقد حُكم على الموظف السابق في صحيفة الوسط محمود الجزيري بالسجن لمدة 15 عامًا بتجريده من جنسيته، وما زال المصوران الصحفيان الحائزان على جائزة أحمد حميدان وسيد أحمد الموسوي في السجن مع تجريد الأخير من جنسيته. وحُكم على المصور الصحافي حسن قمبر بالسجن لأكثر من 100 عام بسبب تغطيته للاحتجاجات السلمية.
في تقريرها السنوي حول حالة حقوق الإنسان لعام 2022، أشارت وزارة الخارجية الأميركية فيما يخص البحرين، إلى أن الأخيرة لاتزال تفرض قيودًا خطيرة على حرية التعبير والإعلام، بما في ذلك الرقابة والإنفاذ أو التهديد بإنفاذ قوانين التشهير الجنائي. ورأت أن البحرين قيّدت حرية التعبير وحرية الصحافة من خلال ملاحقة الأفراد بموجب قوانين التشهير والذم وقوانين الأمن القومي. ويحظر القانون أي خطاب تعتبره السلطات تحديًا للنظام العام أو الآداب العامة، وهو ما يدفع الأفراد للتعبير عن آراء انتقادية بشأن القضايا السياسية والاجتماعية المحلية في أماكن خاصة، بعد أن واجه أولئك الذين شاركوا هذه الآراء علنًا، بما في ذلك في وسائل الإعلام التقليدية أو وسائل التواصل الاجتماعي، التداعيات.
وإلى جانب تواجد العشرات من الصحفيين والمصورين والمدونين والناشطين خلق القضبان لمجرد تعبيرهم عن الرأي، تمارس السلطات إجراءات عقابية أخرى، إذ تمنع تجديد أوراق اعتماد الصحفيين العاملين مع وسائل إعلام أجنبية، وتمنع منح التراخيص لوسائل الإعلام، حتى هبط تصنيف البحرين، للتذيّل قائمة حرية الصحافة لعام 2023 في المرتبة 171 من أصل 180 دولة، بسبب انعدام حرية التعبير وتقليص الهامش المتاح للصحافة المستقلة، حتى باتت وسائل الإعلام مجرد بوق دعاية للعائلة الملكية ومن يدور في فلكها.
البحرين تخالف المراسلات والتوصيات الأممية
في فبراير الجاري، ستعقد دورة جديدة لمجلس حقوق الإنسان، ومعها ستكرر المطالب بضرورة إجراء إصلاحات حقيقية ووقف سياسة القمع والاضطهاد للمواطنين. لكن التعويل يبقى على مدى جدية الحكومة في تحقيق هذه الإصلاحات، وتحديدًا فيما يتعلق بقانوني الإرهاب وحرية الإعلام، خاصة وأنها سبق وأن تهرّبت منها مرارًا.
إذ كان قد حذّر خبراء الأمم المتحدة مؤخرًا في مراسلتهم الصادرة عام 2023، من مخاطر قانون الإرهاب الجديد في البحرين على حقوق الإنسان، بسبب ما يتعلق بتعريف الإرهاب الوارد في “التشريع الفضفاض للغاية”، والذي يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الإجراءات القانونية الواجبة، وعلى الحق في الحرية والأمن الشخصي، وكذلك على ممارسة حرية الرأي والتعبير، وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات. وطالبوا الحكومة بمراجعة وإعادة النظر في بعض الجوانب الرئيسية للقانون لضمان امتثالها لالتزامات البحرين الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وفي يوليو 2018، أشارت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بقلق إلى عدد كبير من التقارير المتعلقة بأعمال انتقامية تستهدف المدافعين والصحافيين البحرينيين، لا سيما عند تعاونهم مع هيئات المعاهدات ومجلس حقوق الإنسان. وفي نوفمبر 2022، اعتمد مجلس حقوق الإنسان تقرير الفريق العامل المعني بالاستعراض الشامل (UPR) لحقوق الإنسان للبحرين 245 توصية، ما يقارب 26 توصية منها ترتبط بحرية الصحافة والتعبير عن الرأي، ومع ذلك، لم توافق المملكة على كامل التوصيات.
وكان قد تبنى الاتحاد الأوروبي في مارس 2021، مشروع قرار عاجل يدين انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين بعد أن تم التصويت عليه بأغلبية ساحقة. ومن بين التوصيات، شدد على ضرورة أن تتوقف البحرين عن مضايقة وسجن وتعذيب ومعاقبة الأفراد تعسفياً لمجرد ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية، سواء أكان ذلك عبر الإنترنت أم خارجه.
تدل هذه الانتهاكات على أن حكومة البحرين تواصل نهج تجريم أي خطاب ينتقد الحكومة، وهو ما يعد انتهاكًا للمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يضم حرية التعبير والرأي من خلال أي وسيلة، والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي صادقت عليها البحرين. انطلاقًا مما تقدّم، تؤكد منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، على الحق المكفول لجميع المواطنين بحرية الرأي والتعبير، وتدعو حكومة البحرين بأن تلتزم بالقوانين والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها، وتحثّ على وقف الاستدعاءات والاعتقالات على خلفية التعبير عن الرأي، ووقف الملاحقة وأعمال التجسس على النشطاء والمعارضين، ووقف الأعمال الانتقامية بحقهم.