أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الشهر الماضي، أن السعودية ستستضيف بطولة كأس العالم المقبلة عام 2034. يسلط هذا الإعلان الضوء على الانتهاكات التي لم يتم معالجتها خلال نسخة كأس العالم 2022 التي استضافتها قطر.
لم تلتزم FIFA وقطر باحترام حقوق العمال المهاجرين في بناء البنية التحتية اللازمة لأهم مسابقة كرة قدم، وقد حثّ هذا الإهمال مختلف أعضاء المجتمع المدني للتدخل. على سبيل المثال، في 19 مايو 2022، طلبت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، بالاشتراك مع منظمات حقوق الإنسان الأخرى، ومجموعات المهاجرين والنقابات العمالية، من الفيفا والسلطات القطرية التعويض عن الانتهاكات الجسيمة المرتكبة بحق العمال المهاجرين. وحثت الرسالة المفتوحة المشتركة الموجهة إلى جياني إنفانتينو (رئيس FIFA) على التعاون بين FIFA وحكومة قطر ومنظمة العمل الدولية (ILO). وعلى وجه الخصوص، طُلب منها إنشاء برنامج تعويضات بقيمة 440 مليون دولار أمريكي على الأقل للعمال المهاجرين وأسرهم.
لكن النتيجة خادعة، رغم إعلان الفيفا عن فتحه للوساطة لتقديم الحلول للضحايا. في الوقت الحالي، عوّضت قطر لبعض المهاجرين الذين واجهوا انتهاكات جسيمة. ومع ذلك، جاءت هذه البرامج متأخرة جدًا أو كانت غير فعّالة. إذ إن برامج التعويضات في قطر ضيّقة النطاق وتفتقر إلى التنفيذ الجاد. وعلى وجه الخصوص، أظهرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن المحاكم القطرية بطيئة في الفصل في القضايا المرفوعة من العمال المهاجرين، وعندما تقرر لصالحهم، فإن الشركات لا تلتزم بالحكم. علاوة على ذلك، يصبح الوصول إلى نظام التعويضات القطري مستحيلًا عمليًا بمجرد عودة الضحايا إلى ديارهم.
يُظهر فحص النظام الأساسي للفيفا ومبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان أن الفيفا مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في قطر. وعلى وجه الخصوص، فإنها تساهم في العمل القسري، وسرقة الأجور، والوفيات. ومع ذلك، فإن موقفها فيما يتعلق بالتعويضات لم يكن واضحًا. فرغم أنها أعربت علنًا عن رغبتها في مساعدة العمال في قطر للحصول على تعويضات إلا أن الخطط والأساليب المقترحة كانت موضع شك. في 16 مارس 2023، في المؤتمر الثالث والسبعين للفيفا، أُعلن أن الفيفا سيلتزم بتعويض العمال المهاجرين في قطر. وفي تلك المرحلة، أنشأت مشروع “صندوق إرث كأس العالم لكرة القدم قطر 2022 لصالح الأشخاص الأكثر احتياجاً.
ومع ذلك، ليس للمبادرة أي علاقة ذات صلة بتعويض العمال المهاجرين لأنها تركّز على تعليم الأطفال، وإنشاء مركز للتميز في العمل، ودعوة الأطراف الثالثة للمساهمة. وفي النهاية، أعلن جياني إنفانتينو أن واجب التعويض سيكون من مسؤولية صندوق تأمين العمال القطري. يشير هذا البيان إلى أن FIFA قررت عدم المشاركة بشكل فعّال في التعويضات.
ومن الجانب القطري، طرحت السلطات القطرية عدة مبادرات للتعويض، بما في ذلك نظام حماية الأجور التابع لوزارة العمل، ولجان فض المنازعات العمالية، وصندوق دعم وتأمين العمال. ومع ذلك، كما تم النقاش فيه من قبل، تعاني هذه البرامج من تأخر التقديم وضيق النطاق والتنفيذ الخاطئ. علاوة على ذلك، تقبل قطر المطالبات المتعلقة بالوفاة أو الإصابات الخطيرة فقط، بينما ترفض المطالبات الأخرى. وفي هذا الشأن، فشلت السلطات في إجراء تحقيق شامل في أسباب الوفيات وأرجعت جزءًا كبيرًا منها إلى “أسباب طبيعية”. لذا ظل حجم انتهاكات حقوق الإنسان دون تعويض كبير بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. من هنا، يجب على قطر منع انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع وضمان سبل الانتصاف لها.
ومن خلال المعلومات المقدمة أعلاه، يظل التعويض مسألة معقدة. الأدوات الموضوعة لتوفير التعويضات تم وضعها في عام 2020، وهي ليست بأثر رجعي؛ وهذا يعني أن عددًا كبيرًا من العمال المهاجرين لا يمكنهم الوصول إليها. إضافة لذلك، تتسم الإجراءات المتعلقة بالتعويض في قطر بالتأخير والغموض في القرارات. إن توفير مثل هذا النظام غير الفعال يسلط الضوء على عدم الاهتمام الكبير بحقوق المهاجرين من قبل الفيفا وقطر. وعليه، يتحمّل الطرفان مسؤولية مشتركة عن التسبب في سرقة الأجور، وتوفير ظروف عمل مزرية، وصولًا إلى التسبب في وفاة الآلاف.
وبما أن الفيفا كان تدرك أن قطر ليس لديها نظام عمل مناسب لاستضافة كأس العالم، فيجب عليها أن تعلن المسؤولية وتوفر منصة تعويض جدية جديدة. ولم يتم تعويض سوى عن 48 ألف عامل مهاجر فقط، وتم ترك مسؤولية التعويض لقطر فقط، ما يشكل مخاطر لاحقة تتمثل في عدم احترام الإجراءات القانونية الواجبة لحقوقهم. ويُطلب من قطر الالتزام بالتحقيقات بعد اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، وأخذ الادعاءات على محمل الجد، والرد عليها وفقًا لمبادئ العدالة. أخيرًا، يوصى بالدفاع عن حقوق الضحايا من خلال رفع دعاوى قضائية ضد الفيفا ورفع دعاوى قضائية ضد شركات البناء القطرية من ولايات قضائية أجنبيّة.