في 17 سبتمبر 2023، بدأ حوالي 28 معتقلًا بحرينيًا من صغار المحكومين في سجن الحوض الجاف إضرابًا عن الطعام، جاء ضمن سلسلة إضرابات سابقة، احتجاجًا على تواصل الانتهاكات المرتكبة بحقهم من قبل إدارة السجن، وتجاهل مؤسسات الدولة المعنية القيام بواجباتها، وفي مقدمتهم المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان والأمانة العامة للتظلمات.
تتعرض حقوق الأطفال المعتقلين في سجن الحوض الجاف لانتهاكات جسيمة، إذ إن أغلب الاعتقالات تتم بناءً على خلفيات سياسية ويخضعون لمحاكمات جائرة. عام 2011، شنت أجهزة الدولة الأمنية حملات اعتقال تعسفية طالت مختلف المناطق والبلدات البحرينية، وشملت مواطنين من مختلف الفئات العمرية، من بينهم أطفال لم يتجاوزوا السن القانوني وقت اعتقالهم، وذلك على خلفية المشاركة في تظاهرات سلمية في الحراك المطالب بالإصلاح والديمقراطية. ومنذ ذلك التاريخ، يتكرر المشهد في ظل سياسات قمع الحريات والتفلت من العقاب وغياب المحاسبة السائدة في البحرين.
وفي ظل غياب الشفافية في بيانات وزارة الداخلية، فإن لا إحصاءات دقيقة عن عدد الأطفال المعتقلين، ولكن تحقيقات استقصائية سبق وكشفت عن أن البحرين تعتقل حوالي 150 طفلًا، 10 منهم في سجن جو المخصص للكبار، فيما الـ140 الباقون مقسمون على عنبرين، واحد مخصص لمن عمرهم بين 15 و18، والثاني للسجن الانفرادي. ورغم هذه التوثيقات، إلا أن حكومة البحرين تدعي ألّا أطفال معتقلين لديها معتبرة أن من تمّ توقيفهم من الفئة العمرية من 15 إلى 18 سنة يقضون عقوبتهم في مركز إصلاحي خاص.
ويتعرض صغار المحكومين في الحوض الجاف للعديد من انتهاكات حقوق الإنسان من بينها حقوق أساسية تكفلها القوانين والمواثيق الدولية، أما أبرز مطالبهم فتتعلق بما يلي:
- الحق في التعليم
- الحق في العلاج
- الحق في الحصول على الوجبات الغذائية المتنوعة والصحية
- الحق في التواصل مع الخارج
- الحق في الزيارات العائلية
- الحق في الحصول على ملابس مناسبة
- الحق في الاستفادة من قانون العدالة الإصلاحية وحماية الأطفال من سوء المعاملة
وقانون العدالة الإصلاحية للأطفال وحمايتهم من سوء المعاملة تم إقراره في 15 فبراير 2021 ودخل حيز التنفيذ في 18 أغسطس 2021، إلا أن مفاعيله لم تنعكس لا على أوضاع صغار المحكومين في الحوض الجاف، ولا على الذين يتم اعتقالهم بعد أن أقرّ هذا القانون . ومن بين ذلك: إخطار ولي أمر الطفل أو المسؤول عنه – بحسب الأحوال – بالطرق المقررة قانونًا بكل قرار أو إجراء يُتّخذ في حق الطفل، ضمان معاملة الأطفال المحتجزين دون تمييز وبقدر متساوٍ من المعاملة اللائقة والإنسانية وضمان تلبية جميع الحقوق والاحتياجات الضرورية، ألّا مسؤولية جنائية على الطفل الذي لم تتجاوز سنّه خمس عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة، أن يكون للطفل المجنيّ عليه أو الشاهد في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة الحق في الاستماع إليه وتفهّم مطالبه ومعاملته بما يحفظ كرامته ويضمن سلامته البدنية والنفسية والأدبية، عدم التمييز بين السجناء الأطفال بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، كما يجب إخضاعهم بصورة دورية للفحص الطبي ويتوجب وضع مناهج الدراسة العلمية والمهنية التي تساعد على تنمية قدراتهم العلمية، وكفالة حقهم في حرية ممارسة الشعائر الدينية، وأنه إذا وقع على الطفل سوء معاملة جسدية أو جنسية من المسؤول عنه، تولَّت النيابة المتخصصة تعيين من يمثّل الطفل قانونًا في مباشرة كافة الإجراءات المنصوص عليها في القانون ومنها تقديم الشكوى والاعتراض والتّظلّم والطعن على كافة الإجراءات التي تُتّخذ بشأن الطفل.
ومنذ إقراره، تعرض هذا القانون لانتقادات عدّة إذ تستغله الحكومة في البحرين للترويج لإصلاحات، بينما لا يزال تطبيقه يقتصر على عدد لا يتجاوز أصابع اليد من صغار المحكومين في سجن الحوض الجاف، رغم أن العديد منهم تنطبق عليه شروط القانون ويكاد جميعهم يطالب بالحق في الاستفادة منه. من جهة أخرى يفشل القانون في ضمان حقوق الأطفال الأساسية في الإجراءات القانونية الواجبة. ولا يمنع القانون استجواب الأطفال أو استجوابهم دون حضور المحامي أو أولياء أمورهم. تنص المادة 66 منه على أنه يجب توفير “الخدمات الصحية والاجتماعية والقانونية والتأهيلية للأطفال المتهمين” في “جميع المراحل” بما في ذلك خلال “الاعتقال والتحقيق”. ومع ذلك، تنص المادة 67 على أنه لا يحق للطفل الاستعانة بمحام إلا بعد وصول قضية الطفل إلى المحاكمة. كما فشل القانون في النص بشكل واضح على حق الطفل في الطعن في حرمانه من الحرية. في حين أن المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل تنص على أن لكل طفل في نزاع مع القانون الحق في “الوصول الفوري إلى المساعدة القانونية.
وسبق أن دانت منظمات حقوقية دولية، من بينها هيومن رايتس ووتش، أوجه تقاعس هذا القانون عن حماية الحقوق الأساسية المنصوص عليها في “اتفاقية حقوق الطفل”، كونه يشرعن الاحتجاز التعسفي بتهمة ممارسة الحق في التجمّع السلمي، ويجيز استجواب الأطفال والتحقيق معهم دون وجود أهلهم أو محامٍ ينوب عنهم.
ويفتقر سجن صغار المحكومين لأبسط الحقوق الأساسية، ويتعرض فيه المعتقلون على خلفيات تتعلق بالحق في التعبير لسوء المعاملة والتعذيب والانتقام، ويحرمون من الوجبات الصحية والملابس، وتمنع عنهم الزيارات العائلة، وتغيب وسائل الترفيه، ما يعرضهم لمخاطر ومضار نفسية وصحية ويتنافى مع المبادئ والقيم الإنسانية والأخلاقية.
وهنا تبرز قضايا أطفال يخوضون باستمرار معركة الأمعاء الخاوية رغم مخاطر ذلك على صحتهم، ومؤخرًا، أعلنوا إضرابهم عن الطعام في تاريخ 17 سبتمبر 2023، احتجاجًا على تجاهل النيابة العامة حقهم بالاستفادة من قانون العدالة الإصلاحية كملجأ قد يساعدهم في التخلص من تلك الانتهاكات، من بينهم حسين أحمد حبيب المحكوم بالسجن 22 عامًا وهو قاصر لم يتجاوز الـ16 من عمره، وقد تقدم أكثر من خمس مرات لأكثر من وكيل نيابة بطلبٍ لإعادة محاكمته أمام محكمة الطفل من دون جدوى، ومجتبى عبد الحسين عبدالله، حكم بالسجن 22 سنة عندما كان عمره 17 عامًا، ويطالب بإعادة محاكمته أمام محكمة الطفل، لكن النيابة ترفض طلبه المتكرر.
وبدلًا من أن يكون الأطفال خلف مقاعد الدراسة، يحرم هؤلاء من الحق في التعلم. ولا يقف هذا الانتهاك عن هذا الحد، إذ يقضى على مستقبلهم حتى بعد انتهاء فترة محكوميتهم، إذ يحرمون من فرص العمل بسبب منع شهادة “حسن السيرة والسلوك” عن السجناء السياسيين.
من بين هؤلاء، علي عيسى جاسم، وهو واحد من صغار المحكومين الذين حرموا من حقوقهم الأساسية، بعدما اعتقل وهو بعمر الخامسة عشر. خاض إضرابين عن الطعام في شهر واحد، احتجاجًا على حرمانه من الحق في التعليم. ورغم الوعود التي يتلقاها، تتنصل إدارة السجن في كل مرة من وعودها، وتمارس سياسة المماطلة والتسويف. ويتشارك المعاناة معه، خليل إبراهيم صباح الذي لجأ إلى الإضراب عن الطعام احتجاجًا على حرمانه منذ سنتين من حقوق أساسية، من بينها التعليم. وهم بذلك ينتظرون انتقالهم إلى سجن جو ليحصلوا على هذا الحق.
لكن الأخطر في هذه الممارسات، هي سياسة الإهمال الطبي المتعمد تجاه صغار المحكومين. فإلى جانب ما يتكبّدونه من تعذيب وإخفاء قسري وحبس انفرادي وتهديد نفسي، فإنهم يواجهون الحرمان من العلاج والرعاية الطبية اللازمة. فيمنعون عن الزيارات الطبية، وتتجاهل إدارة السجن أوضاع الذين يعانون أمراضًا ويحتاجون إلى متابعة دائمة. في 17 يونيو 2023، أعلن ستة من صغار المحكومين إضرابًا عن الطعام احتجاجًا على حرمانهم من الرعاية الصحية لمرض الجرب الذي أصابهم، وتحمّلوا مخاطر التوقف عن تناول الطعام رغم صغر سنهم، وهو ما عرّض عددًا منهم للخطر بسبب انخفاض نسبة السكر في الدم، من بينهم خليل صباح وفارس سلمان. أما بالنسبة لحالة السجين السياسي حيدر إبراهيم ملا حسن، الذي اعتقل بعمر الـ16 عامًا وحكم بالسجن 23 سنة في ثلاث قضايا مختلفة، فإنه لم يكن يعاني من مشكلات صحية قبل الاعتقال، لكنه ونتيجة التعذيب والأوضاع المزرية في السجن، والإهمال الطبي، بات يعاني من آلام حادة في معدته ليصل إلى حد أن يتقيأ ويتبرز دمًا، ولا يزال يعاني صداعًا شديدًا في رأسه وصعوبة في التنفس ومشكلة في أسنانه. ورغم هذا، ترفض إدارة السجن عرضه على الطبيب لتشخيص حالته، ولم يتلق علاجًا بعد، بل إن آخر مرة عرض فيها على الطبيب كانت منذ أكثر من عام.
عقب حملة القمع للاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد عام 2011، دفعت الانتقادات البحرين إلى إنشاء ثلاث هيئات تابعة لوزارة الداخلية هي: مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، الأمانة العامة للتظلمات، ووحدة التحقيق الخاصة في النيابة العامة، لكن عدم استقلال هذه الأجهزة وتبعتيها السياسية، جعلت دورها شكليًا فقط، إذ منذ إنشائها، لم يتم التحقيق في الشكاوى التي ترفع من المعتقلين، وخاصة صغار المحكومين منهم، ولم يتم محاسبة قوات الأمن المسؤولة عن تعذيب السجناء السياسيين.
وعليه، فإن البحرين ومن خلال تعريض صغار المحكومين للانتهاكات بما في ذلك الاحتجاز القسري والتعذيب والحرمان من الرعاية الصحية والحق في التعليم، هي تخالف اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية، وقواعد نيلسون مانديلا التي تشدد على حقوق السجناء من بينها:
- معاملة جميع السجناء باحترام بسبب كرامتهم المتأصلة وقيمتهم كبشر.
- حظر إخضاع أي سجين للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وتوفَر لجميع السجناء الحماية من ذلك.
- الحصول على التمثيل القانوني والتحقيق في جميع حالات الوفاة أثناء الاحتجاز، والإجراءات التأديبية والعقاب.
- ينبغي لنظام السجون السعي إلى أن يقلِّص إلى أدنى حدٍّ من الفوارق بين حياة السجن والحياة الحرَّة.
من هنا، تطالب منظمة أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، سلطات البحرين بما يلي:
- وقف تعريض صغار المحكومين للانتهاكات المستمرة بما في ذلك الاحتجاز القسري والتعذيب.
- منح صغار المحكومين حقهم في التعليم والرعاية الطبية وغيرها من الحقوق الإنسانية الأساسية.
- حماية صغار المحكومين من سوء المعاملة والتحقيق في مزاعم التعذيب، ووقف سياسة الإفلات من العقاب المتبعة إلى الآن.
- الاستجابة لمطالب صغار السن وعدم النكث بالوعود التي تقطع لهم.
- إعادة محاكمتهم وفق أصول المحاكمات العادلة والتي تختص بالأطفال للوصول إلى إطلاق سراحهم على الفور ومن دون شروط وضمان جميع حقوقهم المدنية وتعويضهم.