شهد العام 2022 المزيد من حملات الإعتقال القمعية في السعودية التي استهدفت مواطنين ونشطاء بتهم تتعلق بحرية الرأي والتعبير لاسيما بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية في يوليو 2022 الذي وعد خلال حملته الانتخابية بمحاسبة السعودية على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، في المقابل سبق ذلك في 9 يونيو 2022، دعوة من أكثر من اثنتي عشرة منظمة حقوقية الرئيس بايدن إلى وضع شروط مسبقة صارمة قبل لقائه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، منها الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين، ورفع حظر السفر التعسفي عن المدافعين عن حقوق الإنسان، وإنهاء ممارسة المراقبة غير القانونية.
وعلى العكس تماما صعّدت السلطات السعودية من استخدام قوانين مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية بشكل واسع في البلاد كسلاح بغرض الاستهداف والترهيب والانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان والأصوات المعارضة، وهذا ما أثبتته منظمة فريدوم هاوس في مؤشرها السنوي للحريات. فظهرت السعودية ضمن أدنى المستويات في مؤشر الحريات لعام 2022 وحافظت على نفس النسبة التي سُجّلت في العام 2021، وهي (7 \100) وقسّمت إلى الحقوق السياسية (1\40) والحريات المدنية (6\60).
ناشطون وناشطات بعضهم من جنسيات أخرى، تم اعتقالهم بين العام 2021 و2022 والحكم عليهم بالسجن وغرامات مالية مع حظر السفر لمجرد نشرهم تغريدات أو وضعهم تعليقات أو أعادوا نشر تغريدات على تويتر يعبرون فيها عن آرائهم. فكان الرد السريع من السلطات السعودية بالاعتقال والاحتجاز التعسفي والإخفاء وصولا الى الحكم عليهم في ظل غياب أدنى معايير المحاكمات العادلة وذلك في استخدام تهم كالإخلال بالنظام العام وزعزعة أمن واستقرار المجتمع وغيرها. من هنا نسلط الضوء على قضايا نشطاء اعتقلوا أو تمت محاكمتهم في العام 2022 ونطالب بإطلاق سراحهم دون قيد أو شرط.
سلمى الشهاب
ألقي القبض على سلمى الشهاب، أم سعودية لطفلين، وطالبة دكتوراه من الأقلية الشيعية كانت تدرس في جامعة ليدز في المملكة المتحدة، في يناير 2021 في المديرية العامة للمباحث، بعد استدعائها للاستجواب، وذلك قبل أيام قليلة من موعد عودتها إلى المملكة المتحدة لمواصلة دراستها. واحتُجزت رهن الحبس الانفرادي المطول لمدة 285 يومًا قبل تقديمها للمحاكمة،
بعد سلسلة محاكمات غابت عنها المعايير العدالة، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة على سلمى الشهاب في البداية بالسجن لمدة 6 سنوات في منتصف عام 2022 لمجرد نشاطها السلمي على تويتر وإعادة نشر تغريدات لنشطاء مؤيدين لحقوق المرأة من بينهم الناشطة المعتقلة السابقة لجين الهذلول. بعد الاستئناف أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، في 9 أغسطس 2022، رفع أحد القضاة مدة حكمها إلى السجن لمدة 34 عامًا إثر محاكمة جائرة، يعقبها منع من السفر لمدة 34 عامًا من تاريخ إطلاق سراحها.
وكانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قد عبّرت عن بالغ قلقها إزاء الحكم الصادر بحق سلمى، وطالبت الحكومة السعودية بوضع إطار تشريعي قوي يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان لدعم الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات، والحق في التجمع السلمي للجميع.
نورا بنت سعيد القحطاني
اعتقلت نورا وهي أمٌ سعودية لخمسة أطفال في 4 يوليو عام 2021 أيضاً بسبب نشاطها السلمي على تويتر وحيازة كتاب ممنوع، وحكم عليها في 6 فبراير عام 2022 بالسجن لمدة 13 عاماً في المحكمة الجزائية المتخصصة ومن ثم تم تغليظ الحكم في 9 أغسطس عام 2022 بزيادة سنوات السجن لتصبح 45 عاماً يليها منع من السفر لمدة 45 عاماً.
تعرضت نورا للإختفاء القسري والمنع من التواصل مع عائلتها والسماح لهم بزيارتها، وتعرضت للإهمال الطبي فهي مصابة بداء السكري وتعاني من أمراض أخرى مزمنة.
اتهمّت نورا باستخدامها الشبكة المعلوماتية وجهازها الإلكتروني بموقع التواصل الاجتماعي (تويتر) للتحريض على المشاركة في أنشطة تسعى إلى الإخلال بالنظام العام ونشرها تغريدات كاذبة ومغرضة، وتأييد من يسعون للإخلال بالنظام العام وزعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة ومتابعتهم في موقع التواصل الاجتماعي (يوتيوب)، والإساءة لرموز الدولة و مسؤوليها المطالبة بإطلاق سراح موقوفين، وحيازة كتاب ممنوع.
سعد ابراهيم الماضي
اعتقل سعد ابراهيم الماضي البالغ من العمر 72 عاما والذي يحمل الجنسية الأمريكية في 21 نوفمبر عام 2021 من مطار الملك خالد الدولي بعد عودته من فلوريدا- مكان إقامته منذ سنوات – الى الرياض لزيارة بعض أفراد عائلته، وذلك بتهم تتعلق بحرية التعبير عن تغريدات نشرها عبر حسابه في تويتر خلال السنوات الماضية ،. بعد اختفاء قسري دام على الأقل أربعة أشهر عرف الأهل أنه نقل الى سجن الحائر في الرياض حيث مازال هناك
حكمت عليه المحكمة الجزائية المتخصصة في 3 أكتوبر 2022 بالسجن لمدة 16 عاماً و 3 أشهر بالإضافة إلى منعه من السفر لمدة 16عاماً أيضاً، وأدين بتهم دعم وتمويل الإرهاب وزعزعة أمن الدولة.
مهدية المرزوقي
اعتقلت مهدية المرزوقي في يوليو عام 2020 وهي ممرضة تونسية كانت مقيمة في السعودية منذ عام 2008، وذلك على خلفية نشاطها على وسائل التواصل الإجتماعي (فيسبوك وتويتر). حكمت عليها المحكمة الجزائية المتخصصة في سبتمبر عام 2022 بالسجن لمدة 15 عاماً بتهمة الإشادة بتنظيم إرهابي عبر حسابها في تويتر، والسعي لزعزعة النسيج الإجتماعي وذلك لقيامها بإعادة التغريد. وحُرمت من الحق في توكيل محامٍ.
إستنتاجات وتوصيات
إنّ حملة القمع التي تشنها السلطات السعودية على كل من يمارس حقه في حرية الرأي والتعبير داخل أراضيها سواء باحتجازه أو الحكم عليه من خلال محاكمات جائرة بالسجن لسنوات ومدد طويلة جدا إضافة إلى منعهم من السفر هي انتهاك صارخ للمعايير الدولية والتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان ونظام الإجراءات الجزائية السعودي. كما أن هذه الأحكام استندت إلى نظامَي مكافحة الإرهاب والجرائم المعلوماتية القمعيين، وكلاهما يحتويان على مواد فضفاضة تجرِّم حقوقًا مثل حرية التعبير والتجمع السلمي.
على الصعيد المحلي، تتضمن قوانين المملكة العربية السعودية جوانب من حرية التعبير ضمن تنسيق صارم وقيود محددة مسبقًا. مما يؤدي إلى الغموض بمحاكمة الأفراد الذين يعبرون عن آرائهم بذرائع غير مبررة. بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 39 من النظام الأساسي للحكم في البلاد على أن جميع أشكال التعبير يجب ألا “تؤثر على الدولة”. وبالتالي، يمكن اعتبار جميع أشكال التعبير ضد الدولة انتهاكًا لهذه المادة وعرضة للمقاضاة.
إلا أنّ المادتان 18 و 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنصان بوضوح على أن لكل فرد حرية الكلام والضمير والتعبير عن آرائه دون أي تداعيات. ومما يثير القلق بنفس القدر المعاملة التي يتلقاها سجناء الرأي أثناء سجنهم. كما هو موضح في الحالات أعلاه، فإن السعودية لديها تدابير مثل السجن الانفرادي كشكل من أشكال الانتقام من هؤلاء السجناء. هذا ينتهك قواعد نيلسون مانديلا، وهي مجموعة من القواعد التي تحدد الالتزامات تجاه السجناء. علاوة على ذلك، ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أيضًا في المادة 19 منه على أن حرية التعبير هي حق غير قابل للتصرف ولا ينبغي انتهاكه. على الرغم من أن السعودية ليست طرفًا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إلا أنها معنية بمختلف المواد التي ينص عليها. بالإضافة إلى ذلك ، فإن فرض قوانين مكافحة الإرهاب ومقاضاة سجناء الرأي بناءً على هذا القانون ينتهك أيضًا المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
لذا نثير القلق البالغ بشأن هذا التصعيد باستخدام السعودية لنظام مكافحة الإرهاب لتجريم وتقييد الحق في حرية التعبير دون مبرر. ندعو المجتمع الدولي، لاسيما الدول الكبرى التي تربطها علاقاتٍ دبلوماسية مؤثرة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة إلى:
- وضع حد للحملة القمعية ضد النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان
- إلغاء أو تعديل نظامي مكافحة الإرهاب وجرائم المعلوماتية، اللذين يجرمان المعارضة، وسن قوانين جديدة تتوافق تمامًا مع القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان
- الضغط على السلطات السعودية لتفرج عن النشطاء والمواطنين المحتجزين إفراجًا فوريًّا غير مشروط.