في 2 يونيو 2022، نشرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها لعام 2021 عن الحريات الدينية في البحرين. فبعد قراءة هذا التقرير، يتضح أن الأسرة الحاكمة في البحرين تستخدم التمييز الديني كأداة للحفاظ على سلطتها وتمارس التبييض في التعايش بين الأديان للتعتيم على انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
تضمّن هذا التقرير حوالي 51 حالة فردية محددة من القمع الديني أو التمييز أو المضايقة التي ارتكبتها حكومة البحرين خلال عام 2021. ارتُكبت كل هذه الجرائم ضد المسلمين الشيعة وكلها تقريباً بدوافع سياسية.
تشير الجملة الإفتتاحية والمستقلة في قسم الممارسات الحكومية في التقرير إلى الاستبداد في البحرين: “نظراً لأن الدين والإنتماء السياسي غالباً ما يكونان مرتبطين ارتباطاً وثيقاً، كان من الصعب تصنيف العديد من الحوادث على أنها تستند إلى الهوية الدينية فقط”. كما ينتهج النظام الملكي التمييز الديني كوسيلة للسيطرة السياسية.
يلفت التقرير أن “الحكومة استمرت في التمييز ضد المواطنين الشيعة ومنح المواطنين من الطائفة السنية معاملة تفضيلية للمنح الدراسية والمناصب في وزارة الداخلية والجيش”. لقد أدى التمييز الديني ضد المسلمين الشيعة إلى خلل تمييزي في القوى العاملة والجيش والهيئات السياسية والمجتمع المدني. فارتفاع معدلات البطالة باستمرار، ومحدودية الإحتمالات للحراك الاجتماعي الصاعد، والوضع الإجتماعي والإقتصادي الأضعف لهذه الطائفة مقارنةً بالسنّة، يشكل خير دليل على التمييز الديني الذي يعاني منه الشيعة في البلاد”.
إنّ التمييز الديني من قبل النظام الملكي السني ضد المواطنين الشيعة يعد شديداً لدرجة أنه طُرح في اللقاءات بين المسؤولين الحكوميين الأمريكيين والقائم بالأعمال وممثلي السفارات الآخرين بكبار المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم وزير الخارجية ووزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف والمؤسسات الوطنية لمراقبة حقوق الإنسان للدعوة إلى احترام حرية الدين وبما في ذلك حق القادة الدينيين في التكلم والكتابة بحرية، والدعوة إلى المشاركة الكاملة والمتساوية لجميع المواطنين، بغض النظر عن الإنتماء الديني أو السياسي في الأنشطة السياسية والاجتماعية والفرص الإقتصادية.
ولقد أقرت وزارة الخارجية في تقريرها بأن المسؤولين الأمريكيين “دعوا الحكومة لمتابعة الإصلاحات السياسية التي من شأنها أن تأخذ في الإعتبار احتياجات جميع المواطنين بغض النظر عن إنتمائهم الديني”.
إنّ الأسرة الحاكمة في البحرين أي عائلة آل خليفة، هم من المسلمين السنة بينما غالبية مواطني البلاد (حوالي 65 ٪ وفقاً لوزارة الخارجية) هم من المسلمين الشيعة. بين دستور البلاد والشريعة الإسلامية، يتمتع مواطنو البحرين على الورق بحقوق وضمانات حرية الرأي، وحرية أداء الشعائر الدينية، وحرية التعبير عن الآراء ونشرها. إلا أنه من الناحية العملية، فإنّ هذه الحقوق إما غير موجودة أو يتم حمايتها بشكل إنتقائي من قبل الحكومة؛ إن القائمة الطويلة للإنتهاكات التي ارتكبتها الحكومة والتي تم تحديد العديد منها في تقرير وزارة الخارجية، يمكن أن تقود مراقباً معقولاً إلى استنتاج مفاده أن الحقوق المنصوص عليها في قوانين البلاد مجرد تمويهات لمنح الأسرة الحاكمة البحرينية حق الوصول إلى فوائد العلاقات مع الدول الغربية.
يشير تقرير وزارة الخارجية إلى تدخل الحكومة والمضايقات التي استهدفت المصلين الشيعة خلال أحد أهم أيام التقويم الديني الشيعي، “ذكرى عاشوراء”. ويشير التقرير إلى الإنتقادات الموجهة إلى الحكومة بسبب إزالة لافتات عاشوراء و “استدعاء القادة الشيعة للإستجواب فيما يتعلق بالخطب التي ألقوها في تلك الذكرى”. كما أنه ذُكر في التقرير أن الحكومة حققت مع 100 مواطن واعتقلت ثلاثة بتهمة “ممارسة شعائرهم الدينية” في 45 عملية حكومية لإيقاف الشعائر الدينية الشيعية.
تورد وزارة الخارجية تفاصيل متعددة حول كيفية قيام الحكومة “بقمع ممارسات عاشوراء والتعبير عنها بشكل فعال”، وحرمان السجناء الشيعة من الحق في إحياء تلك المناسبة، ومعاقبة أولئك الذين أصروا على أداء طقوسهم الدينية وأقاموها في عزلة عن الإتصال بأسرهم.
خلال شهر رمضان، يشير التقرير إلى أن إحدى المنظمات غير الحكومية سجلت “حادثة مضايقة واحدة، وحادثة تهديد واحدة، وتسع حوادث قامت فيها السلطات بمنع ممارسة الشعائر الدينية”.
استند تبرير الحكومة لهذا القمع الديني إلى الوقاية من فيروس كورونا، ومع ذلك، يتضمن تقرير وزارة الخارجية سرداً لإبن الملك، الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، علنًا “الإنضمام إلى مهرجان أونام الهندي بين حشود كبيرة ودون إتخاذ أي إجراءات واضحة للصحة العامة “. فيكاد يكون القمع الديني جزء لا يتجزأ من الاضطهاد السياسي. يُمنح أتباع الديانات الأخرى غير المسلمين الشيعة حرية دينية واسعة ووفقاً لنصوص القانون. أما في الممارسة العملية، فيساعد ذلك في حماية النظام الملكي من إنتقادات المجتمع الدولي، وهو الأمر الذي قد يعرض الأسرة الحاكمة لانتقادات أكبر لانتهاكاتها الأخرى لحقوق الإنسان. ويكاد يكون ضحايا القمع الديني في البحرين هم الأشخاص القادرين على تحدي استبداد وطغيان الأسرة الحاكمة.
تأتي الحقوق التي يسمح بها دستور البلاد مع اشتراط وجودها فقط طالما أنها لا تتعدى على “النظام العام”. يقوم النظام العام الحالي في البحرين على أساس الحكم الإستبدادي لعائلة واحدة. فلا يُسمح بضمانات حقوق التعبير والرأي إلا طالما أنها لا “تثير الفتنة أو الطائفية”، ذلك فعلاً يعني طالما أن التعبير والرأي لا يزعجان راحة الأسرة الحاكمة ولا يخلقان نوعاً مختلفاً من الطائفية أكثر مما خلقوه من قبل. وهذا مطابق للنظام الملكي الذي يملي قدرته بأمر وزاري على حظر أي منشور، “يضر بالنظام الحاكم في البلاد”. كما هو الحال في الحكومات الإستبدادية الأخرى، يحمي قانون الأرض الوضع الراهن للديكتاتور الحاكم وليس حقوق شعب البلاد في الحياة أو الحرية أو السعادة.
إنّ الجماعات الدينية عالقة في نفس الخناق الذي تم تقييده لدى بقية المجتمع المدني البحريني. ففي البحرين، يجب على المجموعات تسجيل وجودها لدى وزارة حكومية تمنحها الأسرة الحاكمة سلطة مراقبة أنشطة المجموعة. ويجب على جميع الجماعات الدينية “الراغبة في جمع الأموال الحصول أولاً على إذن” من الحكومة. كما يُحظر على جميع الجماعات “الإنخراط في السياسة” (أو أي نشاط يمكن أن يخفف من قبضة الأسرة الحاكمة على السلطة ويغير البلد). كما لوحظ أن القانون يحظر على أي شخص الإنخراط في السياسة (الجمعيات السياسية المعارضة محظورة) أثناء أداء واجبات دينية في مؤسسة دينية ما.