في يوم الأحد ٣ أبريل، تسرّب عدد هائل من الوثاق السرية من قبل مكتب المحاماة موساك فونسيكا التي تمّ تعميمها. و تم إرسال ١١،٥ مليون ملف من قبل مصدر مجهول إلى الصحيفة الألمانية زود دويتشي تسايتونج، ثم تمّ تحليلها و تبادلها مع الإتحاد الدولي للمحققين الصحفيين. تغطي البيانات المسربة حوالي ال ٤٠ عاما، منذ عام ١٩٧٧ حتى نهاية عام ٢٠١٥. هذا التقرير من أكثر التقارير تفصيلاً و إكتمالاً و الذي يختص بالأعمال الخارجية التي تمّ نشره.
تكشف هذه الوثائق عن العديد من المعاملات من قبل شركات في الخارج تستخدم لإخفاء ممتلكات. و يثبت ذلك تواطؤ مكتب فونسيكا في عمليات تبييض الأموال و التهرب من الضرائب من خلال مساعدة عملائه لإنشاء شركات وهمية في الخارج، في دول الملاذ الضريبي.
تسلّط هذه الملفات الضوء على سيطرة العديد من السياسيين و زعماء العالم على الشركات الخارجية، بما في ذلك القادة الحاليين والسابقين في دول الخليج. و من بينهم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود و ولي العهد و وزير السعودية الداخلية محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود، و رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة خليفة بن زايد آل نهيان، بالإضافة إلى رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني و أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
وتشير الوثائق أن الملك سلمان كان يستخدم المال من الشركة التي أنشئت في الجزر العذراء البريطانية لإخراج قروض الرهن العقاري على العقارات الفاخرة في لندن و لشراء يخت فاخر يمكن ان يستوعب ما يصل إلى ٣٠ ضيفاً.
فضلاً عن ذلك، إستخدم البنك السويسري يو بي إس شركتين خارجيتين لفتح حسابات مصرفية لولي عهد المملكة العربية السعودية و وزير الداخلية الذي مُنح التوكيل لهذه الشركات في وقت لاحق.
على غرار ذلك، تبين الوثائق إستخدام آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة و أمير أبو ظبي الشركات في الجزر العذراء البريطانية أيضا لشراء العقارات الفاخرة. إذ كان صاحب لأكثر من ٣٠ شركة أنشئت في الجزر العذراء البريطانية التي تم إستخدامها لعقد العقارات التجارية والسكنية بقيمة ١،٧ مليار دولار على الأقل.
تمّلك رئيس الوزراء السابق في قطر شركة في الجزر العذراء البريطانية و ثلاث شركات في جزر البهاماس. و تولى إدارة هذه الشركات قبل إقفالها.
في حين قامت بعض قادة الدول بردّة فعل على ما كُشف عنها في “أوراق بنما” مقدمةً تفسيرات ضد إتهامات السلوك غير القانوني، مكثت قادة دول الخليج صامتةً نسبياً. أشارت شركة المحاماة البريطانية التي تمثل رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة أن آل نهيان كان “غير قادر على المساعدة“. لم يستجيبوا إلى أي طلبات للحصول على تعليق. و مع ذلك، و حتى و لو يمكن أن تكون الشركات الخارجية قانونية، فإن هذه الممارسات معروفة لتمويل أنشطة غير قانونية و / أو جنائية. و قد يساعد ذلك على تسليط الضوء على الفساد الكامن في دول مجلس التعاون الخليجي.
فعلى سبيل المثال، على الرغم من اعتبار الفساد منخفضاً نسبياً في قطر، يلعب إستخدام أصحاب النفوذ و تقديم الهدايا المعروفة باسم “الواسطة” دوراً هاماً. تجرّم قوانين مكافحة الفساد الرشوة الإيجابية و السلبية، و لكن تنفيذ هذه القوانين أمرٌ مشكوك فيه.
وبالمثل، استخدام الوسطاء و الإفراط في استعمال القوة شيء متكرر في السعودية. ليس هناك أيّة قوانين تكافح تعارض المصالح، و يُكافأ الموالون في كثير من الأحيان على دعمهم، فيُعيّنون في وظائف المكاتب العامة أو يحصلون على الدعم المالي. و رغم وجود بعض القوانين التي تتناول مسألة الرشوة، لا تقوم الحكومة بتنفيذها بشكل كامل و فعّال. ويتضح الفساد أيضاً من خلال تأثير العائلة المالكة على الصناعات الإستخراجية. السعودية هي أكبر منتج للنفط في العالم فهي تنتج أكثر من ٣ ملايين برميلاً يومياً. ومع ذلك، تقع معظم عائدات البلاد الناتجة من مبيعات النفط في أيدي العائلة المالكة. و قد تم تقدير ثروة الملك السعودي ب ١٧ مليار دولار أمريكي. فمن السهل أن نفهم لماذا يخبئ هؤلاء ممتلكاتهم في الخارج و بعيداً عن الضرائب. و لكن ما ليس في غاية الوضوح هو العدد الهائل من المواطنين السعوديين الذين يعيشون تحت خط الفقر، فهم يعيشون في مساكن لا تتناسب مع المعايير الدولية المتعلقة بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية. يجب أن تعمم هذه القضية في ضوء الممارسات التي تكشف فساد العائلة المالكة في السعودية.
في الكويت، تسيطر العائلة المالكة على الصناعات الإقتصاد الأساسية. حتى مع وجود قوانين حول مكافحة الفساد فهي في أغلب الأوقات لا تنفّذ بشكل فعال و ما يزال الموظفون العموميون يمارسون الأنشطة الفاسدة على نطاق واسع. إدارة الأراضي الكويتية تعاني من الفساد بشكل خاص: لا تحظى حقوق الملكية بحماية فعالة. هذه المسألة ما زالت تشكل مشكلة لشعب “البدون” في الكويت الذين يفتقرون إلى الجنسية و يعانون من التمييز على جميع الأصعدة، خاصةً في مجال الملكية. وعلاوة على ذلك، لدى الكويت واحد من أكبر الإحتياط النفطي في العالم، بحيث تشكل عائدات النفط ٨٠ % من اقتصدها، و تمتلك الدولة هذا القطاع بشكل كامل.
بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فهي تعتبر الدولة الأقل فساداً في العالم العربي. و لكن المعلومات المتعلقة بالفساد نادرة بسبب الرقابة المشددة في البلاد. و تفتقر الميزانية بشكل عام إلى الشفافية فعائدات النفط ليست حتى مدرجة على حسابات الميزانية.
أما في البحرين، يدور الجدل حول ال ٢٫٥ مليار دولار المكرسة لمشروع خليج البحرين بحيث يتم خصخصة الأراضي العامة من قبل العائلة المالكة. وعلاوة على ذلك، أظهر تحقيق وسيلة للإستثمار يستخدمها الملك و عائلته و هي مؤامرات خارجية للحصول على حصص في مشاريع مشتركة خاصة. و المشروع الآخر المثير للجدل هو بناء مشروع تنمية سكنية و تجارية على الطرف الشمالي الشرقي من البحرين، قيمته ٣٫٢ مليار دولار. هناك تقارير تفيد بأن العائلة المالكة قامت بخصخصة هذه الأرض من أجل خدمة مصالحها الإقتصادية.
بالرغم من عدم تصنيف دول الخليج كالدول “الأكثر فساداً” وفقاً لمؤشر الفساد لدى منظمة الشفافية الدولية، لا تزال الأسر المالكة و نخبة هذه المجتمعات تملك و تسيطر على العديد من القطاعات الهامة في الإقتصاد و غالباً ما تقوم بأنشطة قد تكون غير قانونية، و دائماً مفلتةً من العقابات. و من المتفق عليه هو الإجراءات المتواضعة التي تتخذها هذه الدول لمكافحة الفساد مقارنةً مع بلاد أخرى من العالم.
صوفيا نزارد هي متدربة في برنامج المناصرة في منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين.