نشرَ فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفيّ (WGAD) أمس، رأياً على موقعه الإلكترونيّ بشأن عبد النبي عبد الحسن ابراهيم خليل، وهو مواطن بحرينيّ يبلغُ من العمر 50 عاماً من مدينة حمد، يقرأ الأدعية خلال المناسبات الدينيّة كمدّاح في مأتم السمّاكين. حُكم عليه بالسجن لمدّة عامٍ لقراءته زيارة عاشوراء، وهي إحدى الشعائر الدينية التي يمارسها الشيعة في جميع أنحاء العالم خلال شهر مُحَرّم، وأًخلِيَ سبيلهُ بعد سبعةِ أشهرٍ من احتجازه بناء على أحكام بديلة. وأكّد الفريق العامل أنّ احتجاز عبد النبي كان تعسّفياً بسبب الانتهاكات الواضحة للإجراءات القانونيّة الواجبة التطبيق وحقوق المحاكمة العادلة، بالاضافة إلى صلته بحقّه في الحريّة الدينيّة، ممّا جعل احتجازه عملاً تمييزيّاً على أساس ممارسته لهذا الحقّ. ونتيجةً لذلك، أحال الفريق العامل قضيّته إلى المُقرّر الخاصّ المعنيّ بحريّة الدين والمُعتقد.
ومن خلال برنامج شكاوى الأمم المتحدة، تحصلُ منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB)، بانتظام على معلومات من أفراد بحرينيّين، ليتم رفعها في الشكاوى المُقدّمة إلى مكاتب الإجراءات الخاصّة التابعة للأمم المتحدة. وعلى هذا النحو، شكّلت الوثائق التي جمعتها ADHRB مصدرَ المعلومات التي استند إليها فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفيّ لإبداء رأيه في قضيّة عبد النبي.
وحدّد الفريق العامل في رأيه رقم 77/2021، المُعتمد في 19 نوفمبر 2021، فئات مُختلفة من طريقة عمله التي يقع بموجبها حرمان عبد النبي من الحرية ضمن انتهاك القوانين والمعايير الدولية. وعلى هذا النحو، طَلبَ الفريق العامل من السلطات البحرينيّة اتّخاذ الخطوات اللازمة بأسرعِ وقتٍ ممكن لتصحيح لمعالجة حالة عبد النبي لِتتوافق مع المعايير الدوليّة ذات الصلة. وحدّد الفريق العامل الإجراءات المناسبة لهذه الحالة على النحو التّالي:
“إِطلاق سراح عبد النبي عبد الحسن ابراهيم خليل من دون قيد أو شرط ومنحه الحق في الحصول على التعويضات وغيرها من الإصلاحات، وفقاً للقانون الدوليّ [و] ضمان إجراء تحقيق كامل ومستقلّ في الظروف المحيطة بحرمان السيد عبد النبي عبد الحسن ابراهيم خليل من حريّته بشكلٍ تعسفيٍّ واتّخاذ الإجراءات المُناسبة بحقّ المسؤولين عن التعدّي على حقوقه”.
تُرحّبُ ADHRB بهذا الرأي الصّادر عن فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفيّ وتَحثُّ السلطات البحرينيّة على تقديم إصلاحاتٍ وتعويضاتٍ مناسبةٍ لعبد النبي بسبب إعتقاله التعسفيّ والانتهاكات التي تعرّض لها، فضلاً عن مُحاسبة مُرتكبي هذه الانتهاكات.
إنّ الفريق العامل المعني بالإحتجاز التعسفي WGAD هو واحد من بين مكاتب الإجراءات الخاصة التابعة لمجلس حقوق الإنسان تتابع للأمم المتحدة. ويرسل الفريق العامل كجزء من إجراءاته المعتادة، رسائل ادعاءات إلى الحكومات بشأن حالات من الاحتجاز التعسفي ذات المصداقية. ويمكن للفريق العامل أيضاً أن يصدر آراء بشأن ما إذا كان احتجاز فرد أو جماعة تعسفيًا منتهكاً للقانون الدولي. ويستعرض الفريق العامل القضايا في إطار خمس فئات من الاحتجاز التعسفي: عندما يتعذر الاحتجاج بأساس قانوني لتبرير الحرمان من الحرية (المادة الأولى)؛ عندما ينتج سلب الحرية عن ممارسة الحقوق في الحماية المتساوية بموجب القانون، وحرية الفكر، وحرية الرأي والتعبير، وحرية التجمع، وغيرها (المادة الثانية)؛ عندما تكون انتهاكات الحق في محاكمة عادلة شديدة للغاية بحيث يصبح الاحتجاز تعسفياً (المادة الثالثة)؛ والاحتجاز الإداري لفترات طويلة للاجئين طالبي اللجوء (المادة الرابعة)؛ وعندما يكون الاحتجاز تمييزياً على أساس المولد أو الأصل الوطني أو العرقي أو الاجتماعي أو اللغة أو الدين أو الحالة الاقتصادية أو الرأي السياسي أو غيره أو نوع الجنس أو الميل الجنسي أو الإعاقة أو أي وضع آخر (المادة الخامسة).
وخلُص الفريق العامل في رأيه إلى أنّ عبد النبي الذي أُخْلِي سبيله منذ حوالي عامٍ ليقضيَ عقوبةً بديلةً مُدّتها خمسة أشهر تحت المُراقبة الإلكترونيّة، كان قد تعرّض لمجموعةٍ من انتهاكات حقوق الإنسان طوال فترة احتجازه التي استمرّت سبعة أشهر. أوّلاً، أُلقيَ القبض عليه من دون أمرٍ قضائيٍّ؛ ثانياً، لم يَمثُل على الفور أمام قاضٍ ولم يُسمح له بالاتّصال بمحاميه؛ ثالثاً، حوكِمَ وأُدين لممارسته حقّه في الحريّة الدينيّة عبر قراءة زيارة عاشوراء . وعلى الرّغم من إخلاء سبيله، وجد الفريق العامل أنّ الادعاءات في قضيّته بالغة الخطورة، ممّا يستدعي التحرّكَ لإصدار رأيٍ.
واعتبر الفريق العامل أنّ اعتقال عبد النبي من دون أمر قضائيّ في 3 سبتمبر 2020 يُشكّلُ انتهاكاً للمادّتَيِن 3 و 9 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، والمادّة 9 (1) من العهد، فضلاً عن المبادئ 2 و4 و10 من مجموعة المبادئ المُتعلّقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرّضون لأيّ شكلٍ من أشكال الاحتجاز أو السجن. كما احتُجز عبدالنبي لمدّة 67 يوماً على الرّغم من أنّ قواعد القانون الدوليّ تنصُّ على وجوب إصدار أمر بالاحتجاز السّابق للمحاكمة لأقصرِ وقتٍ ممكن، فقط عند الضرورة، ولم تُوجّه التُّهم إليه حتى 10 نوفمبر 2020. ولم يمثُل أمام قاضٍ خلال 48 ساعة، بما يتعارضُ مع المادّة 9 (3) من العهد الدوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة ICCPR. واحتُجز عبد النبي في الحبس الانفراديّ، حيثُ حُرم من الاتّصال بأسرته ومحاميه خلال الاحتجاز السابق للمحاكمة ولم تكشف السلطات عن مكانه.
ونظراً لعدم تقديم السلطات البحرينيّة رداً مناسباً على الادعاءات المُثارة، واعتمادها بدلاً من ذلك على تصريحات عامّة لم تتناول موضوع اعتقال عبد النبي من دون أمر قضائيّ واحتجازه لفترةٍ طويلةٍ، خلُصَ الفريق العامل إلى أنّ حرمان عبدالنبي من حقّه في الطّعن في قانون احتجازه أمام محكمةٍ ما، هو انتهاك للمادّة 6 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان والمادّة 9(4) من العهد الدوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة. وعلاوةً على ذلك، خلُص الفريق العامل إلى أنّ الحكومة فشلت في وضعِ أساس قانونيّ لاحتجاز عبد النبي، ممّا يجعلُ احتجازه تعسّفيّاً في إطار المادة الأولى.
واعتبر الفريق العامل أنّ الأحداث التي أدّت إلى احتجاز عبد النبي ترتبطُ بشكلٍ مُباشرٍ بممارسته لحقّه في الحريّة الدينيّة، وهو حقّاً تكفله المادّة 18 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان والمادّة 18 من العهد الدوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة. وبينما استشهدت الحكومة بالتشريعات الوطنيّة، أي المواد 92 (1,2)، و309، و310 (2) من قانون العقوبات، التي تُجرّم إهانة الرّموز المُتعلّقة بتمجيد رجال الدين، أدانت عبد النبي بارتكابه هذا الفعل خلال الخطبة، واعترض الفريق العامل على أنّ اللجنة المعنيّة بحقوق الإنسان، في تعليقها العام رقم 34، قد أعربت عن قلقها إزاء القوانين المُتعلّقة باحترام السلطة، والأعلام، والرّموز وغيرها، ممّا يُشير إلى عدم وجوب فرض القوانين لعقوباتٍ أشدّ فقط على أساس هويّة الشخص المطعون في حقّه. وعليه خلُص الفريق العامل إلى أنّ احتجاز عبدالنبي يندرجُ تحت المادة الثانية من الحرمان من الحريّة.
وشدّد الفريق العامل على أنّه لم يكُن ينبغي إجراء أيّ محاكمة بحقّ عبدالنبي. ولكنه حوكم وأُدينَ، وانتُهكت حقوقه في الاجراءات القانونيّة الواجبة التطبيق. وحُرِم من حقّه في الاستعانة بمحامٍ، وهو حقّ منصوصاً عليه في المادّة 10 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان والموادّ 14(1) و 3(ب) و (د) من العهد الدوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة. وفي ردّها، لم تنكُر الحكومة حرمان عبد النبي من حقّه في الاتّصال بمحاميه إلّا بعد مُحاكمته. هذا، وبالاضافة إلى مَنْعه من التواصل مع العالم الخارجيّ بشكلٍ عامّ، ممّا يجعلُ انتهاكات حقوق الإنسان التي عانى منها هذا الأخير، بالغة الخطورة بحيثُ يندرجُ احتجازه تحت المادة الثالثة من الحرمان التعسفيّ من الحريّة.
وأخيراً، وجدَ الفريق العامل أنّ عبد النبي احتُجزَ تعسّفياً في إطار الفئة الخامسة منذ استجوابه، واجباره على توقيعِ تعهّدٍ، وحِرمانه اللاحق من حريّته بشكلٍ تمييزيٍّ على أساس ممارسته السليمة لحقّه في الحريّة الدينيّة، في انتهاكٍ للمادّتيْن 2 و 7 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان والمادّتيْن 2 (1) و26 من العهد الدوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة. ولم تُقدّم الحكومة أيّ معلومات لِدحض هذا الادّعاء.
وأشار الفريق العامل في ملاحظاته الختاميّة أنّ عبد النبي كان سجين الرأي الوحيد الذي أطلق سراحه من بين 126 سجيناً آخراً أُخليَ سبيلهم في 3 أبريل 2021، مشيراَ إلى أنّه مُنع من قراءة زيارة عاشوراء أو المشاركة في التجمّعات الدينيّة، وأجبِرَ على إبلاغ السلطات بمكان تواجده حتى أكتوبر 2021. كما سلّط الفريق العامل الضوء على استمرار تعليق راتب عبد النبي ممّا أثّر على وضعِ أسرته الماديّ. ودعا الفريق العامل الحكومة إلى اتّخاذ التدابير اللازمة لإلغاء هذه الأحكام المُسبقة التي عانى منها عبد النبي أو التعويض عنها.
وتُكرّرُ ADHRB طلبات الفريق العامل المتعلّقة بإجراء تحقيق كامل ومستقلّ في الظروف المحيطة بحرمان عبد النبي التعسفي من الحريّة للتمكُّن من اتّخاذ التدابير المُناسبة ضدّ المسؤولين عن انتهاك حقوقه، بالاضافة إلى تلقّيه للتعويضات المناسبة مقابل احتجازه التعسّفيّ والحكم البديل وتعليق راتبه.