المقدمة
في أكتوبر من العام الماضي، أعلنت مجموعة NSO، وهي شركة تكنولوجية إسرائيلية رائدة، أنها ستنهي عقدها مع الإمارات العربية المتحدة. تم اتخاذ هذا القرار بعد أن تم الكشف في المحكمة العليا في المملكة المتحدة أن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، كان يستخدم برنامج Pegasus الخاص بالشركة للتجسس على زوجته السابقة والمقربين منها. تم استخدام القرصنة وسط معركة حضانة الزوجين على طفليهما. تم تصميم برنامج Pegasus بواسطة NSO Group لمساعدة الهيئات الحكومية على تعقب ووقف المجرمين والإرهابيين.لكن أساء عملاؤها استخدامها مرارًا وتكرارًا، والجاني الأول هو الإمارات العربية المتحدة. هذه ليست المرة الأولى التي تُدان فيها الإمارات العربية المتحدة بإساءة استخدام البرنامج ، ولكن في الواقع تم العثور على استخدامه عدة مرات ضد الصحفيين والمسؤولين السياسيين البارزين والمدافعين عن حقوق الإنسان. . على الرغم من أن مجموعة NSO أخيرًا أخذت مخاوف حقوق الإنسان بشأن تقنيتها على محمل الجد، فقد سبق و حدث الكثير من الضرر.
تقرير وزارة الخارجية الأمريكية
تم تحديد هذا الضرر في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر مؤخرًا عن ممارسات الإمارات العربية المتحدة لحقوق الإنسان لعام 2021. تم ذكر أنشطة التجسس الإماراتية عدة مرات في جميع أنحاء التقرير. أولاً، بموجب القسم، التدخل التعسفي أو غير القانوني في الخصوصية أو الأسرة أو المنزل أو المراسلات. تم التأكيد على أن الدستور يوفر مراسلات مجانية وخاصة عبر البريد والهاتف والإنترنت. ومع ذلك، تبين أن هذا ليس هو الحال من الناحية العملية. خاصة بالنسبة للصحفيين والمعارضين والناشطين الذين استُهدفت مراسلاتهم بشكل متكرر. وجد أن كلا من البريد الدولي القادم والصادر والمكالمات الهاتفية تخضع للمراقبة وأحيانًا الرقابة من قبل الحكومة. في عام 2021، أصدر مشروع Pegasus، الذي كان تحقيقًا خاصًا أجرته سبع عشرة مؤسسة إعلامية، النتائج التي توصلوا إليها في استخدام هذا البرنامج. واتهمت الحكومة باستخدام برنامج Pegasus هذا للتجسس بشكل غير قانوني على الناس. استُهدفت رولا خلف، محررة الفاينانشيال تايمز، وكذلك المدافعة الإماراتية عن حقوق الإنسان آلاء الصدّيق قبل وفاتها المأساوية في يوليو من العام الماضي.
لم يكن الإنترنت أكثر أمانًا لهؤلاء النشطاء حيث وجد التقرير أن المراقبة عبر الإنترنت استخدمتها الحكومة لتعقب المعارضين في الداخل والخارج. تم تعيين خبراء إلكترونيين أجانب من قبل الحكومة الإماراتية لتحسين قدراتها على القرصنة. حتى العيش في الخارج لم يبق المنشقين في مأمن من المراقبة والمراقبة غير القانونية. تم استهداف أقارب السجناء السياسيين والتجسس عليهم لجمع معلومات حول أنشطة اقربائهم. تم استهداف العديد من الهواتف في المملكة المتحدة، والتي سيتم تفصيلها لاحقًا في المقال. وصفت الحكومة العديد من هؤلاء المنشقين بالإرهابيين لتبرير أنشطتهم. يسلط هذا التقرير الأمريكي الضوء على الإجراءات التي ترغب الإمارات العربية المتحدة في اتخاذها لتهدئة منتقديها ومدى خطورة برامج التجسس Pegasus هذه على المدافعين عن حقوق الإنسان.
ما هو برنامج Pegasus ؟
برنامج Pegasus هو نتاج مجموعة NSO، التي لديها القدرة على اقتحام الهاتف المحمول وجمع البيانات الشخصية والموقع الجغرافي. برزت لأول مرة عندما تم الكشف عن أن الحكومة الإسرائيلية كانت تستخدمها للتجسس على مواطنيها. تصفها NSO على موقعها على الإنترنت بأنها «تقنية تساعد الوكالات الحكومية على منع الإرهاب والجريمة والتحقيق فيهما لإنقاذ آلاف الأرواح في جميع أنحاء العالم». على الرغم من أنها مخصصة لأنشطة إنفاذ القانون من قبل الحكومات، إلا أنها تستخدم الآن من قبل الحكومات الاستبدادية بشكل أساسي للتجسس على مواطنيها وكذلك على الحكومات الأجنبية بسبب قدراتها على التسلل. بالإضافة إلى الوصول إلى المواقع، يمكنه أيضًا الوصول إلى الميكروفون والكاميرا، مما يمكّن المتسلل من الاستماع إلى المحادثات. يمكن أن يسمح للمتسلل برؤية سجلات المكالمات وعمليات البحث على الإنترنت وكلمات المرور. الخصوصية مستحيلة فعليًا بمجرد تثبيت Pegasus .أكبر مشكلة في هذا البرنامج انها تفتخر به مجموعة NSO . ويوضح أن البرنامج «مصمم لتجاوز الكشف وإخفاء نشاطه»، مما يعني أن الشخص الذي تم اختراقه ليس لديه طريقة لمعرفة أنه تم تسلل أجهزته. التكنولوجيا متطورة للغاية بحيث يمكن أن تكون ما يُعرف باسم اختراق بدون نقرة مما يعني أن الشخص لا يحتاج حتى إلى النقر فوق رابط لاختراق هاتفه.
وجد مشروع Pegasus أنه تم استهداف ألف شخص في خمسين دولة. وشمل هؤلاء 189 صحفيًا من مؤسسات مختلفة بما في ذلك الجزيرة ورويترز ولوموند وول ستريت جورنال. كان السياسيون البارزون أيضًا هدفًا من ضمنهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وكان خمسة وثمانون من نشطاء حقوق الإنسان ضحايا لهذا القرصنة. وجد أن استخدام Pegasus جاء في المقام الأول من عشرة بلدان، ثلاثة منها كانت دول الخليج – البحرين والمملكة العربية السعودية، وبالطبع الإمارات العربية المتحدة. من المثير للاهتمام أن البلدان التي لديها بعض أسوأ سجلات انتهاكات حقوق الإنسان تستخدم هذا البرنامج أكثر من غيرها. التطور المتقدم لهذا البرنامج هو ما يجعله خطيرًا للغاية.
تصر مجموعةNSO على أن البرنامج مخصص لأغراض إنفاذ القانون فقط وأنها تحقق في أي مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان ثم تلغي عقدها إذا لزم الأمر. ولم تحصل الإمارات على حظرها إلا بعد عدة انتهاكات للبرنامج. بعد نشر نتائج مشروع Pegasus، نفت مجموعة NSO ارتكاب أي مخالفات من جانبها وأن التقرير مليء بالأخطاء، مؤكدة مرة أخرى مهمتها في القبض على المجرمين. ورفضت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أجنيس كالامار هذه المزاعم وقالت “لم يعد بإمكان مجموعة NSO الاختباء وراء الادعاء بأن برامج التجسس الخاصة بها تستخدم فقط لمكافحة الجريمة – يبدو أن Pegasus هي أيضًا برنامج التجسس المفضل لأولئك الذين يريدون التطفل على الحكومات الأجنبية،«لم تتحمل مجموعةNSO سوى القليل من المسؤولية عن الخطر الناجم من برنامجها بحق المدافعين عن حقوق الإنسان»، وهذا يحتاج إلى التغيير.
الإمارات العربيّة المتحدة والمدافعون عن حقوق الإنسان
يُعتبر الأمن الإلكترونيّ أحد التحديّات الحديثة التي ينبغي أن يتعامل معها النشطاء والمدافعون عن حقوق الإنسان. لا تريد الحكومات الاستبداديّة أن ينشر هؤلاء النشطاء الحقيقة حول أنظمتهم العزيزة وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان ضدّ شعوبهم، وبالتالي، سيفعلون كلّ ما بوسعهم لإسكاتهم. وفي هذا العصر الجديد من الفضاء الإلكترونيّ، لا يمكن حماية هؤلاء النشطاء بمجرّد هروبهم إلى بلدٍ آخر والعمل فيه. وأصبح الفضاء الإلكترونيّ ساحةً أخرى للناس للدّفاع عن حقوقهم. وبالتالي انتُهكت خصوصيّاتهم وسلامتهم من جراء سوء استخدام التقنيّات الحديثة. وتُعرفُ الإمارات العربيّة المتحدة بسجلّها الفظيع في مجال حقوق الإنسان ومُعاملتها للمعارضين. ولا يعرضُ تقرير الأمم المتحدة حول ممارسات حقوق الإنسان في البلاد تفاصيل إجراءات المُراقبة فقط، بل أيضاً حوادث التعذيب والاعتقالات التعسفيّة والحرمان من المحاكمة الحرّة. كما وإنّ حريّة التعبير والصحافة والتجمّع محدودة للغاية في البلاد. ويعملُ النشطاء الإماراتيون بلا كلل، ويُناضلون من أجل حقوق الإنسان في بلدهم، أمّا الآن فعليهم العمل بحذرٍ أكبر.
كانت ألاء الصدّيق ناشطةً إمارتيةً مُقيمةً في لندن. وكانت المديرة التنفيذيّة لمنظّمة القسط ALQST، وهي منظّمة تعملُ على تعزيز حقوق الإنسان. ولكنّها توفيَت بشكلٍ مأساوي العام الماضي في حادث سيارة، اعتبرته منظّمتها حادثا مشبوها. وبحسب مقالٍ نُشِرَ في صحيفة الغارديان، كان أصدقاؤها المقرّبون خائفين من حضور جنازتها خوفاً من إمكانيّة مُراقبتها. وكانوا يَخشون من حصول تداعيات على عائلاتهم في الإمارات لكونهم على صلة بالناشطة المعروفة. وبعد ثلاثة أشهر فقط، تمّ الكشف علناً عن تعرُّضها للمُراقبة والتتبُّع من قبل حكومة الإمارات العربيّة المتحدة منذ العام 2015 وحتى العام 2020. عَلِمت ألاء عام 2020 أنّها تعرّضت للإختراق الألكترونيّ وأجرت مُقابلة حول هذا الموضوع باستخدام إسمٍ مُستعارٍ عبر التقنيات المعماريّة Forensic Architecture، حيثُ أعربت عن قلقها من هذه المُراقبة، وخاصّةً قلقها على من حولها والذين ساعدوها في بحثها لمنظّمة القسط. وعندما اشتبهت بهذا الاختراق، أحضرت جهازها الإلكترونيّ إلى سيتيزن لاب Citizen Lab حيثُ كشف الباحثون عن وجود برنامج بيغاسوس Pegasus software في أجهزتها الإلكترونيّة. كما كُشفت محاولات الحكومة المستمرّة لإختراق جميع أجهزتها الإلكترونيّة بأرقام المملكة المتحدة. وأفاد الأصدقاء بأنّها عانت كثيراً في الأشهر الأخيرة بسبب هذه الهجمات الإكترونيّة المُستمرّة، حيثُ لم تكُن قلقة على حياتها فقط بل على حياة من حولها أيضاً. وعلى الرّغم من عثور المعارضين على الأمان في الخارج، إلا أنهم ليسوا آمنين تماماً بسبب قُدرة برنامج بيغاسوس على الوصول إليهم بسهولة وتحديد أفراد عائلاتهم الذين لا يزالون في البلاد، مما يجعلهم أكثر عُرضة للخطر.
وتمّ الكشف عن أمثلةٍ أخرى لاستخدم الإمارات لتكنولوجيا التجسّس، بما في ذلك محاولة استخدام هاتف زوجة الصحفيّ السعوديّ جمال خاشقجي قبل أشهرٍ فقط من مقتله. وتمّ اعتقالها واستجوابها عند وصولها إلى دبي وتمت مُصادرة متعلّقاتها. ويُعتبرُ هذا الحدث محاولةً لاختراق هاتفها. وبينما يُعْتَقَدُ أنّ المحاولة لم تكُن ناجحة وبعد تأكيد مجموعة أن إس أو أنّه لم يتمّ استخدام برنامج بيغاسوس بأيّ شكلٍ من الأشكال في مقتل خاشقجي، إلّا أنّ النيّة كانت واضحة. وأكدت صحيفة واشنطن بوست أنّ الإمارات تتجسّس على النشطاء السعوديين في الخارج وتُبلِّغُ الرياض بهذه المعلومات. وفي عام 2016، تلقى المدافع البارز عن حقوق الإنسان، أحمد منصور، رسائل نصيّة تدفعه إلى النّقر على الروابط. وعندما أرسل هذه الروابط إلى سيتيزن لاب، كُشِفَ أنّها تحتوي على برنامج بيغاسوس للتجسس. ويقضي منصور حاليّاً عشر سنوات في السجن لممارسته حقّه في حريّة التعبير. كما تبيّن أنّ الحكومة الإماريتيّة كانت تتجسس على الوزراء اليمينيين لأغراضٍ استراتيجيّة وسياسيّة.
مُستقبل النشطاء
إنّ ملاحقة النشطاء والمعارضين لمُهمتهم القاضيَة بالدّفاع عن حقوق الإنسان في بلدهم هو مجالٌ دائم التعقيد. كما تُعتبرُ التكنولوجيا الحديثة وسيلة للمُساعدة و للعرقلة في الوقت نفسه، حيثُ تُساعد وسائل التواصل الاجتماعيّ في زيادة الوعي بقضيّتهم من بين العديد من الفوائد الأخرى، ولكن ذراع حكومتهم القمعيّة تمتدّ إلى أبعد من ذلك الآن. ويُعيق هذا الاختراق الإلكترونيّ فعاليّة عملهم إذ لا يستطيع النشطاء التحدّث بحريّة عبر الإنترنت وبالتالي لا يمنكنهم التواصل أو التنظيم بشكلٍ مناسب، كما يثنيهم عن مواصلة عملهم الدعويّ خوفاً على حياتهم وحياة من حولهم. وقد يكشفُ خرقاً إلكترونياً واحداً شبكةً كاملةً. إذاً، ما الذي ينبغي فعله لمواجهة هذا الانتهاك للخصوصيّة؟
كتبت بافاينا بافولا لمجلّة السياسة العالميّة مقالاً يُوضّحُ بالتفصيل الصراعات الحديثة التي يواجهها النشطاء والمُعارضون في الفضاء الإلكترونيّ، إضافةً إلى الطريق للمضي قدماً. وسلّطت الضوء على ضُعف مجتمع المُدافعين عن حقوق الإنسان لأنّهم مُستهدفون من الحكومات الاستبداديّة بشكلٍ خاصّ. وقد تَظهر هذه التهديدات الإلكترونيّة من خلال القلق الفعليّ على الأمن الجسديّ والنفسيّ. إنّ بعض المدافعين مدركون تماماً للخطر ويُمكنهم قراءة المؤشّرات الأمنيّة من خلال التعرّف على التشوّهات وحلها، ولكن العديد منهم لا يزالون غير مُدركين لمخاطر بيئتهم الرقميّة. وتتمثّل إحدى الخطوات التي يجب اتّخاذها في زيادة الوعي التكنولوجيّ وإعلام أولئك المُعرّضين للخطر. وقد أحرزت منظّمات المجتمع المدنيّ، مثل فرونت لاين ديفندرز، تقدّماً في هذا المجال. وتُعتبر المعرفة مفتاح هذا التقدّم. وتمكّنت الإمارات العربيّة المتحدة من جمع كميّات غير مسبوقة من البيانات حول هؤلاء الأشخاص من دون علمهم. وكان مشروع برنامج بيغاسوس رائداً في هذا الصدد. وبمجرّد أن يتمتّع المدافعون ببعض مظاهر المعرفة حول هذه القضيّة، يُمكنهم أخذ الحذر من بعض الخطوط الحمراء.
كما توضّح بافولا بالتفصيل الأطر السياسيّة والقانونية القائمة للتعامل مع حقل الألغام الإكترونيّ الجديد وحماية المُدافعين عن حقوق الإنسان. ويجري وضع برنامج عمل للأمم المتحدة بشأن قضايا الفضاء الإلكترونيّ. وسيكون هذا البرنامج منتدى دائم للأمم المتحدة حيثُ سيتمّ تعميم الحوار المُتعلّق بهذه القضيّة. ولم تنجح المشاريع الأخرى مثل مجموعة العمل المفتوحة العضويّة العاملة على تحسين سلوك الدولة المسؤول في العالم الإكترونيّ في إجراء تغيير حقيقيّ في السياسة. كما تُعتبر الشركات مثل مجموعة أن إس أو التي تلتزمُ بالتزاماتها بحقوق الإنسان أمراً أساسيّاً أيضاً. وإنّ إنهاء عقدها مع الإمارات لانتهاك حقوق الإنسان يُوجّه رسالة إلى دولٍ أخرى مفادها أنّه يُمكنُ سحب هذا البرنامج القيّم. كما يَمْنَعُ الإمارات العربيّة المتحدة من إلحاق المزيد من الضرر بهذا المنتج على الأقلّ. ولكن ينبغي أن يبقوا ثابتين في خطابهم، وبالتالي إنهاء عقدهم مع البحرين والمملكة العربيّة السعوديّة أيضاً. كما ينبغي أن تلعب الشركات الخاصّة دوراً وأن تعترف بخطورة منتجاتها، والتصرّف على هذا الأساس احتراماً لحقوق الإنسان. ويشقُّ كلٌّ من صانعي السياسات والمُدافعين عن حقوق الإنسان طريقهم عبر هذا التحدّي في القرن الحادي والعشرين، ولكن بفضل المبادرات مثل مشروع بيغاسوس، فإنّ المعرفة هي القوّة، ويُصبحُ طريق التقدّم لمكافحة هذه الهجمات والعمل بأمان أكثر وضوحاً.