اليوم، وتحت عنوان “طبيعة الديكتاتوريين في البحرين” نشرت مجلة “نيوزويك” الأمريكية مقالاً كتبه المدير التنفيذي لمنظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين حسين عبد الله، سلط خلاله الضوء على طبيعية النظام الديكتاتوري في البحرين، وجاء المقال بمثابة رد على نجل وزير الداخلية وسفير البحرين في واشنطن، الذي نشر مقالًا في المجلة ذاتها الاسبوع الماضي. ويمكنكم قراءة النص المترجم الكامل للمقال أدناه:
في إحدى قصص “إيسوب”، وهي قصة “العقرب والضفدع”، يطلب العقرب من الضفدع مساعدته لعبور النهر، هنا يشعر الضفدع بالقلق بسبب سجل العقرب المليء بالعنف، لكن العقرب يؤكد للضفدع أنه سيحسّن سلوكه وسيكون الضفدع آمنًا وسليمًا. وكما هو متوقع، فإن العقرب يهاجم الضفدع أثناء العبور، وقال له وهما يغرقان، “لم أستطع مساعدتك؛ هذا من طبيعتي”. تمامًا كما كان من طبيعة العقرب أن يهاجم، كذلك طبيعة الديكتاتوريين والحكومات الاستبدادية التي تقمع شعوبها بعنف ومن ثم تخلق وهماً زائفاً بالتزامها بالسلام والحرية.
إنّ النظام الملكي في البحرين هو مثال كبير على ذلك، تاريخ طويل من العنف والقمع ضد مؤيدي حرية التعبير والديمقراطية، وقائمة طويلة من الإصلاحات الورقية، لم توقف الهجمات والانتهاكات. لقد أصبح النظام الملكي البحريني خبيراً في تنفيذ خطوات من كتابه الخاص في تبييض سجله المليء بالعنف والقمع من خلال خلق وعود بالإصلاح مع تجنب أي إصلاحات فعلية. إن الأمثلة على التبييض تكاد تكون طويلة مثل الأمثلة على قمعها لحقوق الإنسان والحريات.
في عام 2022، ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن هناك “قمعًا شديدًا مستمرًا” في البحرين، وصنف المراقبون الدوليون البلاد باستمرار على أنها واحدة من أكثر الدول قمعية على هذا الكوكب. سلطت منظمة العفو الدولية الضوء على الكيفية التي قام بها النظام الملكي “بحظر” وجود منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، واستهداف – إما من خلال القتل أو التعذيب أو السجن أو المنفى – أي مواطن ينتقد سلطته المطلقة. “لقد تم سحب جنسيتي البحرينية بسبب عملي في المناصرة في الولايات المتحدة.”
دائماً تكون الحكومة البحرينية مضطرة للحديث عن قائمة الإصلاحات السياسية، لأن انتهاكها باستمرار لحقوق شعبها يضعها تحت المجهر ويتم تسليط الضوء عليه. إذ صنفت مجلة الإيكونوميست البحرين في المرتبة 144 من بين 167 دولة في مؤشر الديمقراطية العالمية لعام 2021. وإنّ منظمة فريدوم هاوس أعطت البحرين درجة 1/40 من حيث الحقوق السياسية و 10/60 للحريات المدنية، بينما أعطتها درجة 11/ 100 فقط في الحرية الإجمالية، وصنفت منظمة مراسلون بلا حدود البحرين في المرتبة 168 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2021.
ستجعل البحرين المجتمع الدولي يعتقد أنها تعمل بنية جادة لمعالجة أسباب انتهاكاها لحقوق الإنسان، ولكن بعد 11 عامًا من العمل على تصحيح شرورها ولكن دون إصلاح أي شيء في الواقع، نعلم أنه لا ينقصها الذكاء أو الموارد اللازمة لمعالجة أسباب الإنتهاكات بل تنقصها الإرادة.
وفقًا لمعهد البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD) الذي رسم خريطة للسجناء في البلاد، اعتبارًا من أغسطس 2021، هناك ما يقارب الـ 1400 سجين سياسي من إجمالي عدد نزلاء السجون البالغ حوالي 3800 وإنّ “أكثر من 500 من هؤلاء الأفراد يقضون أحكامًا بالسجن لأكثر من 20 عامًا والعديد منهم محتجزون خلف القضبان منذ 2011”. وما زال 12 منهم ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام بحقهم، وأبلغ 11 من سجناء الرأي أنهم تعرضوا للتعذيب.
القضية الفردية الأكثر إلحاحًا في البحرين في الوقت الحالي تتعلق بالسجين السياسي عبد الجليل السنكيس البالغ من العمر 60 عامًا، وهو أكاديمي ومدافع عن حقوق الإنسان، ويقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة لدوره السلمي في انتفاضة البحرين المؤيدة للديمقراطية عام 2011.
تعرض الدكتور السنكيس للتعذيب وإساءة المعاملة بعد اعتقاله وبيّن ذلك تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق عام 2011. بدأ السنكيس إضرابًا عن الطعام في 8 يوليو 2021، احتجاجًا الإهمال الطبي والمعاملة المهينة لسنوات من قبل موظفي السجن، ومصادرة أبحاثه وكتابه غير السياسي، ومر الآن على إضرابه عن الطعام أكثر من 200 يوم (أكثر من ثمانية أشهر)، لكن السلطات ترفض تلبية طلبه البسيط وتسليم أبحاثه لعائلته.
ولا تقتصر ادعاءات قيام الحكومة بضرب السجناء السياسيين وتعريضهم لانتهاكات جسدية على السجناء البالغين، بل تم اعتقال أطفال، بعضهم لا تتجاوز أعمارهم الـ 15 عامًا، وتعرضوا لإيذاء جسدي خطير من قبل الحكومة بسبب الأنشطة المتعلقة بالاحتجاج. تصريحات الحكومة البحرينية عن احترامها لحقوق الإنسان تتناقض مع 11 عامًا من العنف والقمع المستمر. إن “نمطها الممنهج” للعنف ضد المتظاهرين هو جزء لا يتجزأ من الافتقار إلى المساءلة وثقافة الإفلات من العقاب في الحكومة.
أوضحت الحكومة البحرينية أن تطبيعها مع إسرائيل حظي بموافقة الولايات المتحدة بحماس، ومن المتوقع أن تستخدم البحرين هذه العلاقة الجديدة مع حليف مهم للولايات المتحدة للتغطية على عنفها ضد البحرينيين المؤيدين للديمقراطية.
تشكّل الديمقراطية وحقوق الإنسان “سُمّاً” لسلطة الديكتاتور. عندما تكون ديكتاتوراً، فمن طبيعتك أن تضطهد شعبك لأنك تستمد سلطتك من الظلم وأي حديث عن الإصلاحات الديمقراطية أو أي انتقاد لحكمك يتم إخماده بعنف إذا لزم الأمر. وعندما يسلط المجتمع الدولي الضوء على انتهاكاتك ضد شعبك، فإن القدرة على التظاهر باحترام حقوق الإنسان أمر بالغ الأهمية لبقائك في السلطة. الإصلاحات التشريعية في البحرين هي مجرد وهم تختلقه السلطة حول التزامها بالسلام والحرية.