افتُتحت نهار الخميس 24 فبراير 2022 أعمال مناقشة تقرير البحرين الأول أمام لجنة الحقوق الاقتصادية والثقافية التابعة للأمم المتحدة (CESCR)، المنعقدة الكترونياً، والتي شارك فيها خبراء أمميون من بينهم العضو الخبير في اللجنة لوديفيك هينيبيل. توجه الخبراء خلال الجلسة التي استمرت حتى مساء الجمعة بالعديد من الأسئلة إلى الموفد البحريني الذي ترأسه السفير الدكتور يوسف بوجيري، المندوب الدائم للبحرين لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف، وذلك حول انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان ارتكبتها حكومة البحرين على صعد مختلفة: التمييز ضد الشيعة، حقوق العمال، حق التجمع السلمي والتظاهر، أوضاع السجناء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، الاعتقالات التعسفية، إسقاط الجنسية، منظمات المجتمع المدني، قطاع التعليم، حقوق العمال المهاجرين وغيرها..
🔴العضو الخبير في لجنة الامم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقفاية لودوفيك هينبيل @LudoHennebel سأل وفد #البحرين خلال جلسة النقاش حول اعتقال وتعرض الصحافيين للانتقام وكذلك نشطاء من ذوي الاحتياجات الخاصة وحول فتح تحقيق نزيه عن تلك الإنتهاكات
— ADHRB (@ADHRB) February 24, 2022
الجدير بالذكر، أن عملية جلسة النقاش، تأتي على شكل ثلاث جلسات موزعة على يومين، وذلك في إطار التزام الدول الأطراف بتقديم تقارير منتظمة إلى اللجنة عن كيفية إعمال الحقوق الواردة في هذا العهد. وعليه تقدم الدول تقريرها الأول خلال سنتين من قبول العهد وأن تقدم بعد ذلك تقريرا كل خمس سنوات، وتنظر اللجنة كل تقرير وتوافي الدولة الطرف ببواعث قلقها وتوصياتها وذلك في شكل “ملاحظات ختامية”.
افتتح السيد لوديفيك هينيبيل وهو عضو خبير في اللجنة النقاش بسؤال للحضور عن العقبات والحلول لدى المؤسسات المعنية بالمدافعين عن حقوق الانسان والنشطاء، وما إذا كان هناك من تحقيقات عن الذين تعرضوا للحجز الاحتياطي. وقد تطرق أيضًا لمدى إعطاء الشعوب الحق في تقرير المصير. كما ورد في السياق نفسه سؤال عن حالات التمييز المتعددة القائمة على التمييز حسب الطائفة والجنس وما يتفرّع عن ذلك من نتائج تطال التفاوت بالأجور والفساد المستشري كما وسلط الضوء بسؤال عن وضع الناشطين الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يتعرضون للقمع والاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة.
ادّعى السفير يوسف بوجيري، المندوب الدائم للبحرين لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف، رئيس الوفد، خلال اللقاء سير البحرين وفق نهج تنموي صحيح ورؤية واضحة تقوم على احترام حقوق الإنسان ليس فقط في جانب الضمانات القانونية، بما في ذلك الالتزامات الدولية في مجال حقوق الانسان، وأيضا في إطار سياسات وبرامج حكومية وخطط وطنية وعلى أساس من المساواة وعدم التمييز وسيادة القانون وتوافر سبل الانتصاف.
الأعمال الانتقامية بحق المدافعين عن حقوق الإنسان
تدعي البحرين أنها لا تستخدم القوانين المحلية للتنازل عن الالتزامات الدولية، ومع ذلك تواصل الحكومة استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والجهات المعارضة السلمية من خلال الاعتقال والتعذيب والسجن . وكانت ADHRB قد رفعت عدة تقارير للجنة تكشف الانتهاكات التي رفض موفد البحرين الاعتراف بها والرد عليها.
وحول سؤال عضو لجنة الأمم المتحدة حول إمكانية تقديم معلومات عن حماية المدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين والتحقيق في الانتهاكات الموثقة بتقارير كانت عدّة جمعيات حقوقية ومن بينها ADHRB قد زودت الأمم المتحدة بها، عن حملات البحرين العنيفة ضد التظاهرات السلمية والحرمان من الحرية لأغراض سياسية، جاء ردّ الوفد نافيًا وجود سجناء سياسيين أو صحافيين داخل السجون وسط إصراره على التعتيم على واقع الانتهاكات متغاضياً عن قرارات دولية وبيانات حقوقية تدعو البحرين لإطلاق سراح سجناء الرأي والمعارضين السياسيين البارزين . أضاف ممثل النيابة العامة البحرينية أنه لا انتهاك في البحرين لهذه الحقوق وأنها وضعت أطر محددة لتنظيمها وأشار إلى حرص النيابة على ممارسة الأفراد لحقهم بالتعبير عن رأيهم ضمن إطارات معينة حددها القانون، وعند إدعاء أي شخص بعكس ذلك، فهناك مؤسسات مختصّة لهذه الحالات. لقد أظهرت التقارير في السياق نفسه عدم فعالية أو حيادية هذه المؤسسات السابق ذكرها.
🔴يطلب العضو الخبير في لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة @LudoHennebel إجابة من #البحرين تبرر من خلالها تقارير الانتهاكات الجسيمة لحقوق المدافعين عن حقوق الإنسان الدكتور #عبد_الجليل_السنكيس و #عبد_الهادي_الخواجة
— ADHRB (@ADHRB) February 25, 2022
وفي مداخلة لعضو الأمم المتحدة “لودوفيك هنيبيل” قال: “إن الحوار البناء يرمي إلى التوصل إلى حلول مشتركة لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان.. لكن المعلومات المقدمة من قبل الوفد تعتمد على الإطار القانوني الرسمي و كان يفضل أن تتناول المشاكل والحالات الصعبة لنرى سويا ما يمكننا تحقيقه من تقدم.”
كما دعا هينيبيل الوفد للإجابة عن السؤال الذي طرحه فيما يخص قضية القمع والانتهاكات المرتكبة بحق المدافعين عن حقوق الإنسان لاسيما الدكتور عبد الجليل السنكيس وعبد الهادي الخواجة ووضعهما الصحي. وفي هذا الإطار ادّعى السفير البحريني معالجة جميع المراسلات المقدمة للبحرين بشأن حالات فردية متعلقة بمدافعين عن حقوق الإنسان، وأنها ملتزمة مع الإجراءات الخاصة وقدمت كل الردود على الرسائل للمقررين، إلا أنّ الإجراءات الخاصة تنتظر رد حكومة البحرين على رسالة الإدعاء الأخيرة التي أرسلها خبراء الأمم المتحدة حول الدكتور عبد الجليل السنكيس ووضعه الصحي المتدهور.
أوضاع السجون: الحرمان من الرعاية الصحية
رغم حالة سجناء الرأي الموثقة بتقارير تبين الحرمان والانتهاكات داخل السجون، زعم مدير الشؤون القانونية بوزارة الداخلية العقيد حسین سلمان مطر أمام اللجنة، أن الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية مكفولة لكافة نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل، إلى جانب التعليم والتدريب والتأهيل الذي يساعد على دمجهم في المجتمع مرة ثانية.
ورغم التقارير الحقوقية الصادرة عن مختلف المنظمات الحقوقية والدولية والتي رصدت وفاة العديد من السجناء نتيجة الإهمال الطبي المستشري بشكل واسع في سجون البحرين، والتعتيم على الواقع المأساوي للسجناء، جاء في مداخلة لممثل وزارة الداخلية محاولة للتعتيم على الحقائق، وأضاف أنه لا يوجد إكتظاظ في السجون، وأن الرعاية الصحية فيها متكاملة على مدار الساعة من قبل الكوادر الطبية. وادّعى أنّه يتمّ التعامل بصورة خاصة وعاجلة مع الاوضاع الصحية التي لها تأثير على النزيل مشيرًا إلى امكانية إطلاق سراح السجين إن كان احتجازه يؤثر على حياته، أو امكانية وضع النزيل في المستشفى إلى حين شفائه، قائلاً إن العديد من المؤسسات مثل الأمانة العامة للتظلمات والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان لها حق بالزيارات العلنية وغير العلنية للسجون. جاءت هذه المداخلة من باب تضليل الحقائق المثبتة بتقارير لسجناء محرومين من حقهم الحصول على الرعاية الصحية في السجون وتستدعي حالتهم إطلاق سراح فوري كقائد المعارضة الكبير في السن الأستاذ حسن مشيمع وغيره من السجناء السياسيين الذين دائماً ما يطالب خبراء الأمم المتحدة بناء على تقارير منظمات حقوقية بإطلاق سراحهم فوراً.
وفي إطار محاولة الموفد البحريني التعتيم على حرمان السجناء من الرعاية الصحية في ظل انتشار فيروس كورونا، واغتصاب حقّهم بالحصول على بيئة مناسبة لوضعهم الصحي داخل السجن كذلك تجدد انتشار فيروس كورونا بين السجناء السياسيين وتسجيل إصابات وثقتها منظمات حقوقية، ذكر ممثل وزارة الصحة البحرينية تعقيبًا على ما ذكرته وزارة الداخلية بالنسبة للوضع الصحي للسجناء أنه تم إقامة مبان خاصة لعزل السجناء المصابين بفيروس كورونا.
حق التظاهر السلمي
رغم استمرار القمع للتظاهرات والتجمعات السلمية التي تنضوي تحت حق حرية الرأي والتعبير واعتقال عدد من المشاركين، قال وفد البحرين أمام لجنة الأمم المتحدة، إنّ المملكة تكفل حق الشعب في التظاهر السلمي المشروع وتحترم ذلك، وأضاف بالنسبة لحماية السجناء متذرّعًا بإصدر قانون رقم 111 /2014 بهذا الخصوص، وانّه تمّ إعتماد المعايير القانونية لحصول السجناء على كافة الحقوق وتحضيرهم للإندماج في المجتمع لاحقاً، ألا أن التقارير التي استشهد بها العضو الخبير في اللجنة تظهر التعذيب والانتهاكات التي يتعرض لها السجناء السياسيون وسجناء الرأي في سجني جو والحوض الجاف مع مواجهة الانتقام والتمييز.
حرمان السجناء من إكمال تعليمهم
أشارت ممثلة وزارة التربية والتعليم أحلام العامر إلى عدم وجود تمييز في التعليم على أساس الخلفية أو الدين أو الجنس في أماكن الاحتجاز وأن السجين مكفول حقه بالتعليم وصولاً إلى المرحلة الجامعية، إلّا أن العديد من الحالات الموثقة من قبل منظمات حقوقية من بينها ADHRB تظهر حرمان العديد من السجناء السياسيين القاصرين من إكمال تعليمهم بمجرد اعتقالهم واستمرار الحرمان بعد الحكم عليهم وزجهم في السجن.
المحاكمات غير العادلة
رغم تفشي الفساد القضائي في البحرين ومحاكمة السجناء السياسيين في ظل محاكمات غير عادلة، قال مندوب ووزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الدكتور محمد مجبل خلال جلسة النقاش أن القضاء في البحرين مستقل ونزيه وأن قوانين البحرين في هذا الصدد متماشية مع القوانين الدولية، والقضاة مستقلون في حكمهم. هذا في ظلّ حرمان المعتقلين والسجناء من المحاكمة العادلة رغم المناشدات المتكررة من كافة المنظمات الحقوقية وأبرزها ADHRB .
قانون العدالة الإصلاحية
في مداخلة لمندوبة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية نجوى جناحي، أشارت إلى إن قانون العدالة الاصلاحية للأطفال وحمايتهم من سوء المعاملة قد دخل حيز التنفيذ بعد ستة أشهر من إصداره، وأنّ هذا القانون يمثل إضافة نوعية الى تشريعات الجنائية في منح مصالح الطفل الأفضلية في جميع الأحكام والقرارات والإجراءات المتعلقة به. تم إنشاء محاكم العدالة الاجتماعية للطفل والتي تختص بالفصل بالدعاوى الجنائية الناتجة عن ارتكاب الأطفال للجرائم، كما تضمن القانون إلغاء المسؤولية الجنائية بحق الأطفال الذين لا يتجاوز أعمارهم 15 سنة وفرض عقوبات بديلة. لكن وبالرجوع إلى مختلف قضايا القاصرين المعتقلين تظهر تقارير ADHRB الاعتقال التعسفي للأطفال دون سن 18 والخرق الواضح لهذه القوانين المذكورة.
الشكاوى المرفوعة للأمانة العامة للتظلمات
نائب أمين عام التظلمات غادة حميد حبيب، والتي زعمت خلال كلمتها وجود دور فعّال للأمانة العامة للتظلمات ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، رغم رصد العديد من الرسائل والشكاوى التي يتم رفعها من قبل ضحايا الانتهاكات أو أهاليهم أو حتى المنظمات الحقوقية والتي تتعمد هذه المؤسسات عدم الرد عليها ومعالجة الانتهاك أو الشكوى. مما أدى تفشي ثقافة الإفلات من العقاب.
انتهاك حقوق المرأة
طرح العضو والخبير في لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لودوفيك هينبيل أمام وفد البحرين خلال الجلسة، مسألة التمييز السائد ضد النساء وعدم المساواة ومسألة التمييز بين الأجور التي لا زالت مستمرة بحسب تقارير حصلوا عليها، وقد ردّ وفد البحرين مدّعيا تأمين حق المساواة بين الجنسين ضمن الإطار الإسلامي، مشيراً إلى أنّ هناك مواد تم تعديلها كي تناسب حق المساواة في الأجور. وأصرّ موفد البحرين على التعتيم على الواقع السائد في المملكة لجهة التمييز والانتهاكات، مشيرًا بغير محل إلى تقديم المساعدة القضائية المجانية في العديد من المشاكل التي تخص المرأة، متحدثاً عن إنشاء استشارات اسرية وقانونية مجانية للرجل والمرأة لتحقيق الاستقرار الاسري.
كما وذكر ممثل المجلس الأعلى للمرأة أنّه لا فجوة في الأجور ولا تمييز في الأجور على أساس الدين أو الجنس، رغم وجود تقارير تثبت العكس. محاولًا دحض الواقع السائد عبر التحدث عن وجود برامج تدريبية للشرطة في حالة حدوث إساءة منزلية وآليات متابعة موحدة، ردًّا على سؤال طرح في إطار حالات العنف الأسري.
وحاول مستشار من المجلس الأعلى للمرأة عز الدين خليل المؤيد استعراض جهود البحرين على صعيد تقدم المرأة من خلال الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية وآليات تنفيذها، ودور النموذج الوطني للتوازن بين الجنسين في تعزيز مركز المرأة وإدماج احتياجاتها، كما زعم تنفيذ قانون الحماية من العنف الأسري والاستراتيجية الوطنية للحماية من العنف الأسري بشكل كامل، لكن التقارير تثبت التقارير خرقه الواضح في العديد من التوثيقات المقدمة من جمعيات وناشطين حقوقيين.
إسقاط الجنسية
حول الحق في الجنسية قال ممثل من وزارة الداخلية إنّ مسألة الجنسية رابط بين الدولة والفرد ذاكرًا أن حماية الدولة للفرد هي مقابل ولاء هذا الأخير، وأضاف أنه يتم إسقاط الجنسية للفرد فقط في حالات استثنائية منها ارتكاب جناية كبرى. إلا أنه بات معلوما للجميع وجود عدد كبير من النشطاء والسجناء السياسيين المسقطة جنسيتهم فقط بسبب تهم تتعلق بحرية الرأي والتعبير وتهم سياسية.
انتهاك حقوق العمال الأجانب
قال ممثل هيئة تنظيم سوق العمل إنّه تم اعتماد تشريع لحماية العمال الأجانب وإنّ البحرين أنشأت نظامًا يحظر التمييز في تنظيم العمل مشيرًا إلى وجود مركز إقليمي يقدم الخدمات لجميع المهاجرين، ونظام يمكن العمال من تقديم شكاوى إذا تعرضوا للتمييز، رغم وجود تقارير تظهر حالات العمل الإجباري المنتشرة بين العمال الأجانب في البحرين.
في ختام جلسة النقاش قالت لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إنه يبقى أن نرى ما إذا كانت حكومة البحرين ستُظهر احترامًا لحقوق الإنسان أم أنها ستستمر باعتمادها سياسات قمعية.