شارك أكثر من نصف سكان البحرين في حركة سلمية مؤيدة للديمقراطية في عام 2011. وتطرقت هذه الاحتجاجات إلى أزمات عدم المساواة، الفساد، قمع حقوق الإنسان الأساسية، الطائفية الدينية والافتقار إلى التمثيل السياسي الديمقراطي في البحرين. قمعت حكومة البحرين المتظاهرين بوحشية، ومنذ عام 2011، شددت الحكومة سيطرتها على المجتمع المدني من خلال الإستجواب والإعتقال والسجن التعسفي لآلاف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وقادة المعارضة السياسية والشخصيات الدينية.
غالباً ما تستخدم السلطات البحرينية قانون مكافحة الإرهاب لعام 2017 وقانون الصحافة الذي تم تعديله في 2019. تجرم هذه القوانين بشكل فعال الحق في حرية التعبير والتجمع من قبل النشطاء السلميين البارزين وأولئك الأقل شهرة، والصحافيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومعارضي الحكومة. علاوة على ذلك، يتم استخدام التعذيب من قبل المسؤولين البحرينيين في المباني الحكومية، بما في ذلك السجون ومراكز الاحتجاز، كوسيلة لانتزاع الاعترافات بالإكراه واستخدامها لاحقًا ضد المتهمين في المحاكمة. يمكننا القول أن ثقافة الإفلات من العقاب لا تزال راسخة في النظام البحريني وأن انتهاكات حقوق الإنسان اليومية وفرض الرقابة على الأصوات المعارضة قد أصبحت من الأعراف.
يقضي الناشطان في مجال حقوق الإنسان، عبد الهادي الخواجة والشيخ محمد حبيب المقداد، أحكامًا بالسجن منذ عام 2011. يحمل الناشطين جنسية مزدوجة مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي: يحمل الخواجة الجنسية البحرينية والدنماركية، بينما المقداد هو مواطن بحريني-سويدي. على الرغم من علاقاتهم مع الاتحاد الأوروبي، إلا أنهم ما زالوا محتجزين في ظروف لا تراعي الحد الأدنى من المعايير الدولية المعروفة باسم “قواعد مانديلا”.
عبد الهادي الخواجة والشيخ المقداد ليسا إلا شخصين من بين الكثير من الأشخاص الذين تم مكافأتهم على شجاعتهم بالإساءة والسجن مدى الحياة. فشل الاتحاد الأوروبي في مراعاة التزاماته بموجب المادة 3 (5) من معاهدة الإتحاد الأوروبي، والتي تحدد أنه “في علاقاته مع العالم أجمع، يجب أن يدعم الاتحاد قيمه ومصالحه ويعززها ويساهم في حماية مواطنيه”.
عبد الهادي الخواجة
عبد الهادي الخواجة هو مدافع معروف عن حقوق الإنسان قد شارك في تأسيس مركز البحرين لحقوق الإنسان (BCHR) ومركز الخليج لحقوق الإنسان . (GCHR) حصل على حق اللجوء السياسي من الدنمارك في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهي فترة قاسية جداً على المدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين.
بعد قضاء عدة سنوات في الدنمارك مع أسرته، عاد السيد الخواجة إلى البحرين بعد إصدار عفو عام عن الأفراد المنفيين. ظلت رغبته في المشاركة في تعزيز حقوق الإنسان وزيادة التمثيل السياسي قوية. بين عامي 2005 و 2009، قُبض عليه عدة مرات لمشاركته في احتجاجات سلمية معارضة للحكومة. لم يتم التحقيق في هذه الانتهاكات لحرياته المدنية من قبل السلطات البحرينية، على الرغم من دعوات من هيئات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية للقيام بذلك.
خلال عام 2011، قاد السيد الخواجة الاحتجاجات السلمية المؤيدة للديمقراطية في جميع أنحاء البلاد ونظم أنشطة توعية سلمية للمتظاهرين. كان الهدف الأساسي للإحتجاجات هو انتقاد حملة النظام القمعية والمطالبة بالمساءلة في قضايا مثل التعذيب والفساد من قبل قوات الأمن. ونتيجة لذلك، تم إبعاد السيد الخواجة عن منزله بكل عنف وتعرض للتعذيب على أيدي الأجهزة الأمنية. فقد الخواجة وعيه بسبب التعذيب الشديد الذي تعرّض له.
بعد مرور عدة أسابيع من تاريخ الاعتقال، والتي تعرّض خلالها للتعذيب المستمر، مثل السيد الخواجة أمام محكمة السلامة الوطنية مع 20 مواطناً بحرينيًا غيره. كانت هذه المحاكمة غير عادلة بالمرة ولا تتوافق مع المعايير العالمية للمحاكمة العادلة، وبالتالي هي تنتهك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. حُكم عليه بالسجن المؤبد بموجب تشريعات واسعة وتهم ملفقة من بينها “المشاركة في عمليات إرهابية لقلب نظام الحكم”. كان هذا الحكم عبارة عن إنتقام منه لدوره السلمي في الانتفاضات. عند الإعلان عن عقوبة السجن المؤبد، رفع السيد الخواجة قبضته وصرخ: “سنواصل خطّ المقاومة السلمية!”ثم تم دفعه للخروج من قاعة المحكمة.
في سجن جو، عانى السيد الخواجة من التعذيب الجسدي والنفسي المتكرر، ولم يحصل على المساعدة الطبية الضرورية. علاوة على ذلك، تحرم سلطات السجون البحرينية بانتظام السجناء السياسيين من الحصول على احتياجات النظافة الأساسية مثل الاستحمام، واستخدام المرحاض، وتغيير الملابس.
في عام 2015، بدأ السيد الخواجة سلسلة من الإضرابات عن الطعام للفت الانتباه الدولي إلى ظروف الاحتجاز الأليمة وغير الإنسانية في سجن جو، لا سيما في المبنى الذي يحتله السجناء السياسيين. بسبب الانتهاكات والتعذيب المتكرر الذي تعرض له، وعدم حصوله على المساعدة الطبية المناسبة، تدهورت حالته الصحية وأصبحت خطرة. عندها، قام إضرابه عن الطعام بإضعافه أكثر وأكثر.
في الأشهر الماضية، أكدت شهادات موثوقة أن فيروس كورونا انتشر في جميع أنحاء السجون البحرينية وقد وصل عدد المصابين إلى ما لا يقل عن 100 حالة مؤكدة. نظرًا لأن السيد الخواجة هو بالفعل فرد معرض للخطر، فإن خطر تدهور حالته الصحية مثير للقلق.
وقد بذلت منظمات حقوق الإنسان والدول الأوروبية جهودًا متكررة للمطالبة بإطلاق سراحه دون شروط. ومع ذلك، ترفض السلطات البحرينية إطلاق سراحه. بعد عشر سنوات من السجن غير العادل،أصبح من الضروري إطلاق سراح هذا المدافع البارز عن حقوق الإنسان وهذا المواطن البحريني الدنماركي.
الشيخ محمد حبيب المقداد
الشيخ محمد حبيب المقداد، مدافع بارز عن حقوق الإنسان وشخصية دينية، هو واحد من بين آلاف السجناء المحتجزين بسبب ممارستهم حقوقهم الإنسانية الأساسية. في أبريل 2011، تم اعتقاله وحُكم عليه لاحقًا بالسجن 74 عامًا كان يقضيها في سجن جو. كما ذكرنا سابقاً،هو يحمل الجنسية البحرينية السويدية المزدوجة.
كان الشيخ المقداد هدفاً للاضطهاد الحكومي لسنوات عديدة. في أغسطس 2010، اختفى قسريًا لمدة 60 يومًا بسبب أنشطته المعارضة للحكومة. خلال هذين الشهرين، لم يُسمح للشيخ المقداد بالحصول على التمثيل القانوني ومُنع من الاتصال بأسرته. وتعرض لمجموعة من ممارسات التعذيب، منها الضرب والصعق بالكهرباء، والاعتداء الجنسي، والتعليق من كاحليه، والإجبار على الوقوف لفترات طويلة، والحرمان من النوم والماء. في محاكمة لاحقة، عندما قدم أدلة على التعذيب الذي تعرض له- بما في ذلك شهادة تثبت تورط أفراد من العائلة المالكة – طلبت منه المحكمة التزام الصمت و “احترام المحكمة”.
أخيراً، تم إطلاق سراح الشيخ المقداد ولكن بعد مشاركته في احتجاجات 2011، تم اعتقاله مرة أخرى من قبل ضباط الأمن الوطني. وأثناء اعتقاله، اقتاد الضباط المقداد من المنزل الذي كان يختبئ فيه، وجردوه من ملابسه وضربوه بشدة. ثم نُقل إلى سجن حيث تعرض لمزيد من أساليب التعذيب الجسدي والنفسي. تفاقمت آثار الانتهاكات المتعددة وحالات التعذيب التي تعرض لها المقداد وأسفرت عن إصابات خطيرة ودائمة. يواجه المقداد الآن صعوبة في الحركة وتناول الطعام.
علاوة على ذلك، قد تم تشخيص المقداد بمرض السرطان سابقاً وقد كان بحاجة إلى عملية جراحية. رغم حاجته إلى رعاية صحية خاصة، رفضت السلطات باستمرار منحه العلاج الطبي المناسب. ويعد هذا انتهاكًا مباشرًا لاتفاقيات حقوق الإنسان الخاصة بمعاملة السجناء. أدى الانتشار الأخير لـ فيروس كورونا إلى إزدياد ضعف المقداد وعرض حياته للخطر.
آخر التطورات
سلطت ردة فعل السلطات البحرينية على جائحة كورونا مزيدًا من الضوء على استخدام الاحتجاز والتعذيب كوسيلة لإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والنشطاء السياسيين وغيرهم من الأصوات المعارضة. على الرغم من أن وزارة الداخلية البحرينية قررت إطلاق سراح 1486 معتقلاً لأسباب إنسانية، إلا أن أقل من 20 في المائة من هؤلاء هم من السجناء السياسيين. بقي غالبية المشاركين من انتفاضة 2011 خلف أسوار سجن جو.
لم يشمل العفو الملكي جميع قادة المعارضة البارزين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وقد تم إدانة ذلك في رسالة مشتركة من قبل 21 منظمة غير حكومية، بما في ذلك مركز البحرين لحقوق الإنسان (BCHR) ومركز الخليج لحقوق الإنسان (GCHR) وهيومن رايتس ووتش. بعد عدة أشهر من الاعتقال التعسفي، أفرجت السلطات بشروط عن نبيل رجب، الناشط الحقوقي البارز. ومع ذلك، فإن الإفراج عن السيد رجب قد كلّفه ثمناً باهظاً: فهو لا يزال تحت المراقبة الحكومية وقد تم إصدار حظر سفر بحقه ولا يمكنه قضاء الوقت مع الأفراد أو في الأماكن المرتبطة بعمله في مجال حقوق الإنسان واضطر إلى توقيع اتفاقية سرية.
إن السماح بالإفلات من العقاب في بلد صغير مثل البحرين يرسل رسالة إلى الدول الأكثر قوة مفادها أن الانتهاكات التي تمارسها البحرين بحق التزاماتها القانونية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان ستظل بلا عقاب. يخل ذلك بالنظام القانوني الدولي وبالعديد من المعايير والقيم التي يتطلع إلى تحقيقها. يجب أن نشهد تغييراً ملموساً في البحرين.