قبيل حلول شهر محرم هذا العام، أعلنت وزارة العدل والشؤون الاسلامية والأوقاف في 8 أغسطس الإجراءات الاحترازية الخاصة بموسم عاشوراء بناء على توصيات الفريق الطبي للتصدي لفيروس كورونا كان أبرزها فتح المآتم على أن يكون مشروطاً بثلاث مستويات: ففي الأخضر يقتصر حضور المشاركين في المراسم على 60 بالمئة وفي الأصفر 30 بالمئة وفي البرتقالي 30 شخصا مع عدم السماح بتقديم المشروبات والمأكولات في جميع المستويات وكان المستوى البرتقالي، هو الذي عمدت السلطات إلى تطبيقه يومي التاسع والعاشر من محرم وعُدّ أكثر المستويات تقييداً على المشاركين الذين عادة ما يبلغون المئات في مراسم الإحياء وجعلت اقتصار الحضور في المأتم على 30 شخصاً فقط في هذين اليومين وحصرت إقامة مواكب العزاء فقط في محيط المأتم. واحتجاجاً على ذلك أصدر أكثر من 60 مأتماً بياناً يطالب الفريق الوطني بمراجعة تقييد إقامة مواكب العزاء بمحيط المأتم لأن ذلك سيؤدي إلى حدوث تكدس بشري في محيط المأتم خلافاً لما تهدف إليه الإجراءات الاحترازية الصحية وانتشار المشاركين في الطريق يكون أكثر تطبيقاً لتلك الاجراءات، مما دفع السلطات إلى تطبيق المستوى الأخضر بعد العاشر من محرم والذي سمح بحضور 60% من القدرة الاستيعابية للمأتم ولا يقيد إقامة مواكب العزاء. استخدام الاجراءات الاحترازية كذريعة للحد من الحريات الدينية والتضييق الممنهج على المشاركين لاسيما في يومي التاسع والعاشر، لم ينفع هذه المرة في تبرير الانتهاكات الأخرى التي طالت المآتم والمشاركين ورجال الدين والرواديد وحتى أصحاب المنازل والمعزين، كلها يتنافى مع ما حاولت السلطات تبييضه منذ بداية شهر محرم على صعيد احترام الحريات الدينية، هذا عدا عن الانتهاكات الممنهجة الأخرى التي نستعرضها لاحقاً.
في حين تبرز الازدواجية في المعايير في تعامل السلطات البحرينية مع مناسبات أخرى في ظل قلقها من انتشار الفيروس. فبالتزامن مع إحياء البحرينيين لمراسم عاشوراء نقل الاعلام البحريني صور وفيديوهات عن حضور المشجعين والجمهور وتكدسهم في الملعب في نهائيات كرة السلة من دون الأخذ بأي من الإجراءات المعلن عنها. وكما في كل عام يبرز نجل الملك ناصر بن حمد آل خليفة خلال شهر محرم في وسائل الاعلام البحرينية وهو يحتفي بعيد “أونام” الهندي مع الجالية الهندية في البحرين و يمارس طقوسهم الخاصة وسط اجتماع عدد كبير من الأشخاص وغياب أدنى الإجراءات الاحترازية.
من هنا نرى أن النموذج المتحضر للحريات الدينية الذي أعلن عنه الملك حمد بن عيسى آل خليفة مع انتهاء مراسم عاشوراء، تفنده سلسلة اعتداءات سجلتها ووثقتها منظمة أمريكيون من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان، ومنظمات حقوقية أخرى إضافة إلى نشطاء وحقوقيين نشروا عن تلك الانتهاكات والاعتداءات التي طالت أبسط مظاهر المشاركة في ذكرى عاشوراء والتي نستعرضها في جولة سريعة في هذا الموضوع ونصل إلى تساؤل مشروع عن مدى صحة ما ادعته وزارة الداخلية عن تجسد ما “الشراكة المجتمعية في أروع صورها” والتي هنأت فيه في بيان لها كافة إداراتها في إنجاح موسم عاشوراء بالتعاون مع القائمين على المآتم، وذلك بعد سلسلة استدعاءات وتوقيفات وتهديدات لرواديد وعلماء دين ومدراء مآتم بتهمة الإخلال بالإجراءات الاحترازية وغيرها من الانتهاكات التي سنسلط الضوء عليها لاسيما تلك التي وردتنا من داخل سجن جو!
إزالة الأعلام والرايات السوداء
مع نهاية ذكرى عاشوراء حاول الملك حمد بن عيسى آل خليفة تلميع الإنتهاكات التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية للتضييق على احياء مراسم عاشوراء وتحديداً عندما وصف مستوى الإحياء بأنه “نابع من الخصوصية البحرينية بنسيجها الاجتماعي المتماسك والمتعايش بسلام وانسجام، والتي ستبقى بنموذجها المتحضر…مرجعاً إنسانياً في ممارسة الحريات الدينية واحترام التعددية المذهبية”. موقف الملك حمد عن النسيج الاجتماعي المتماسك المتعايش بسلام وانسجام يتنافى تماماً مع نزع وإزالة الأعلام السوداء التي اعتاد الشيعة أن يرفعوها في كل عام تعبيرا عن حزنهم على شهادة سبط الرسول محمد وبالتالي تندرج ضمن الانتهاكات الحاصلة والتي بدأت مع الأسبوع الذي سبق شهر محرّم، حيث أجرت وزارة الداخلية البحرينية اتصالات هاتفية مع عدد من المواطنين طلبت منهم ازالة الرايات السوداء من فوق المنازل وطلبت منهم التوقيع على تعهد بعدم رفع رايات عاشوراء فوق أسطح منازلهم. وبعد ثلاث آيام بدأت الأجهزة الأمنية بتصوير المنازل التي ترفع الرايات في عدد من المناطق منها أبو صيبع و الشاخورة.
🔴لليوم الثاني على التوالي من شهر محرم تواصل سلطات #البحرين نزع الأعلام واللافتات السوداء المرفوعة على الطرقات إحياءً لمراسم #عاشوراء في عدد من المناطق كبلدتي #المصلى و #البلاد_القديم pic.twitter.com/5cGLdfNNH5
— ADHRB (@ADHRB) August 11, 2021
كما رصدت المنظمة اعتقال مجموعة من الشبان في الدراز أثناء رفعهم للافتات والرايات السوداء وتم نقلهم لمركز شرطة البديع وتم الإفراج عنهم بعد ساعات من التوقيف، واحتجاجاً على هذا التضييق الممنهج خرج عدد من البحرينيين قبل أيام من بداية شهر محرم في تظاهرة رفضاً للاستهداف الطائفي الممنهج ضد شعائر عاشوراء.
ومع اقتراب اليوم الأول من محرم تم تسجيل سلسلة اعتداءات على المظاهر العاشورائية في المنطقة الغربية، الدراز، المالكية، البلاد القديم ودمستان إلى جانب استقدام المدرعات والآليات العسكرية التي عمدت إلى إزالة كل الرايات المرفوعة فوق المنازل، والساحات والشوارع وفي الأحياء وتم إجبار إدارة مأتم جبلة حبشي على إزالة لافتة كُتب عليها عبارة شهيرة للإمام الحسين.
في اليوم الأول والثاني من شهر محرم استمر مسلسل الاعتداء على المظاهر العاشورائية، إذ صادرت الأجهزة الأمنية رايات وأعلام سوداء من بلدتي المصلى والبلاد القديم. وفي اليوم الخامس من محرم تمت إزالة أعلام ولافتات سوداء من مدينة حمد الدوّار الرابع. كما تم نشر صور وفيديوهات لرجال مدنيين ملثمين ينزعون الرايات السوداء من فوق شرفات وأسطح المنازل من دون استئذان أصحابها.
على صعيد إقامة مواكب العزاء قررت السلطات الأمنية في اليوم السادس من محرم منع الموكب المركزي من الانطلاق في سلماباد، والاقتصار على إقامة مواكب العزاء في محيط المآتم فقط، وعلى إثر ذلك، قامت السلطات بإجراء اتصالات بإدارات مآتم سلماباد لإجبارهم على عدم الخروج في مواكب العزاء المعتادة والاقتصار على فعاليات اللطم في محيط المآتم فقط ذريعة مكافحة انتشار فيروس كورونا، والأمر ذاته تكرر في مأتم كرزكان.
تكثيف المظاهر الأمنية في الشوارع وانتهاك الخصوصية
مع دخول شهر محرم وفتح المآتم أبوابها زار محافظ العاصمة هشام بن عبد الرحمن آل خليفة في 11 أغسطس عددا من مآتم العاصمة والتقى رؤسائها والقائمين عليها، كما أعقب ذلك عددا من الزيارات المكثفة لمأموري الضبط القضائية في بعض المناطق، جاء ذلك ضمن حملة التبييض التي تمارسها السلطات لطمس انتهاكات الحريات الدينية الممارسة في المقلب الآخر، فعلى الرغم من أنها جاءت لتثني على “التنسيق والتعاون الذي يبديه رؤساء المآتم والمواكب الحسينية في المحافظة مع الجهات المعنية في سبيل إنجاح موسم عاشوراء” إلا أن ذلك لم ينعكس إيجاباً على سلوك الأجهزة الأمنية التي تعاملت مع مراسم عاشوراء على أنها حادث أمني خطير فمارست العديد من المضايقات على الأهالي والانتهاكات للحريات الدينية التي لا تمت لإجراءات الحد من فيروس كورونا بصلة، فشهدت بعض المناطق توقيف لعشرات المعزين في الشوارع وطلب هوياتهم، في حين رُصدت حالات استفزاز للمعزين من قبل قوى الأمن والقيام بتصويرهم وهم يلتزمون بأقصى درجات ضبط النفس وتجاهل الاستفزازات. كما سُجل قيام دوريات شرطة في قرية عالي بالتنصّت على البيوت بهدف السعي لمعاقبة العائلات التي تقيم مجالس العزاء، وتم نشر صور وفيديوهات لأجهزة دراون استخدمتها السلطات لتصوير المشاركين والمعزين.
وفي مأتم سلماباد منعت الأجهزة الأمنية في السادس من محرم المعزين القادمين من خارج المنطقة من دخول البلدة وتم تسجيل أرقام لوحات سياراتهم وتصوير هوياتهم. ولا يختلف المشهد كثيراً في مأتم جبلة حبشي حيث قامت قوات تابعة للداخلية بنصب نقطة تفتيش بالقرب من المأتم، بذريعة مراقبة تطبيق الإجراءات المتبعة للوقاية من فيروس كورونا. كما تم رصد تواجد قوات مدنية تابعة لوزرة الداخلية في السنابس، سترة، سماهيج، الجفير، البلاد القديم، أبو صيبع والشاخورة.
🎥 مباشر :استباقا لموعد انطلاق الموكب الحسيني المركزي استنفار واسع للمركبات العسكرية والآليات المدرعة على مشارف بلدة #السنابس #عز_دين_وإمام #عاشوراء_البحرين #محرم_١٤٤٣
2:32م@Rsdbh J67 pic.twitter.com/Q0pFUdCDGm— شبكة رصدُ المُداهمات (@RsdBH) August 19, 2021
سلسلة استدعاءات واعتقالات
في 19 أغسطس، عمدت وسائل الإعلام الرسمية إلى نشر صور تحت عنوان “الإدارات الأمنية المعنية بوزارة الداخلية تسجل حضورا متميزا وأداء مهنيا رفيعا في تأمين ونجاح موسم عاشوراء” إلا أنها غيّبت سلسلة الإستدعاءات التي شهدتها الأيام العشرة الأولى من شهر محرم بتهم عدة إحداها عدم الالتزام بالاجراءات الاحترازية لمكافحة فيروس كورونا والتهم الأخرى متعلقة بممارسة شعائر عاشوراء وتم رصد أغلبها:
- استدعاء مواطنين من مناطق مختلفة على خلفية رفع الرايات السوداء فوق منازلهم،
- استدعاء الرادودين محمود القلاف وصالح سهوان إلى مركز شرطة الحورة، وتم اخلاء سبيلهما بعد دفع غرامة مالية قيمتها 200 دينار.
- شهدت مناطق مختلفة استدعاءات بأعداد كبيرة وغرامات مالية بحجة التجمع وعدم الإلتزام بالإجراءات الوقائية للحد من انتشار وباء كورونا.
- تلقى العديد من المواطنين عبر الهاتف استدعاء للتحقيق في مركز دوار 17 دون معرفة الأسباب.
- اعتقال 7 مشاركين في عزاء في السنابس واعتقال رادودين واستدعاء العشرات لرفعهم الرايات العاشورائية وتمت مطالبتهم بإزالتها وتسليمها إلى مركز الشرطة.
- اعتقال الشابين علي منصور ومحمد ضيف بعد استدعائهما للتحقيق في مركز شرطة الحورة.
- وزارة الداخلية البحرينية استدعت الشيخ عبد المحسن ملا عطية الجمري والشيخ محمد الرياش للتحقيق معهما في مركز شرطة المحرق.
- استدعاء مصطفى الحوري من قبل مركز الشرطة دوار 17 في مدينة حمد وتم توقيفه يومينبتهمة المشاركة في عزاء غير مرخص بمنطقة مدينة حمد ووجوده ضمن تجمع لأكثر من 5 أشخاص وإجباره على دفع غرامة مالية بقيمة 200 دينار.
- اعتقال الرادود جعفر الدرازي بعد استدعائه لمركز البديع ثم اطلاق سراحه لاحقا.
- توقيف رئيس مأتم الامام علي في قرية الدير الحاج فاضل حماد إثر إستدعائه وأطلق سراحه لاحقا
- استدعاء أفراد إدارة مأتم المقشع إلى مركز البديع وتهديدهم باتخاذ إجراءات في حال خروج موكب العزاء
- توقيف رئيس هيئة مواكب الدير فيصل المؤمن بعد استدعائه
- استدعاء الرادود الحسيني سيد أحمد العلوي لمركز شرطة سماهيج على خلفية مشاركته في موكب زنجيل الدير
- استدعاء خطباء المنبر الحسيني الشيخ عبد العزيز الخضران والشيخ هاني البناء ولم تتبين أسباب الاستدعاء
- استدعاء الرادود مهدي سهوان إلى مركز شرطة دوار 17 وتوقيفه لساعات والتحقيق معه على خلفية نشر أحد المآتم ( مأتم المرخ) تسجيل لقصيدة عاشورائية كان قد ألقاها ثم أطلق سراحه.
لم تنجح سلطات البحرين في محاولات التبييض التي انتهجتها خلال الأيام العشرة الأولى من محرم لتحسين صورتها على صعيد احترام الحريات الدينية والتسامح الديني، فسلسلة الانتهاكات والتضييق الممارس ضد المعزين لم تنتهِ وبدا جلياً أنها نُفذت تحت غطاء تطبيق الاجراءات التي تحد من انتشار فيروس كورونا وهي تتجدد مع كل مناسبة دينية وتمتد حتى نهاية شهر محرم او حتى منتصف شهر صفر بالتزامن مع أربعينية الإمام الحسين. والمشهد قد يكون مماثلاً أيضاً داخل السجون، فقبل أيام من الأول من محرم وردنا حرمان الشيخ زهير عاشور وزملاؤه من الإتصال لمدة أسبوع والمدة قابلة للتمديد وحرمانهم من الخروج إلى الفنس والتشمس وأفصح ضباط السجن عن نواياهم بمنع السجناء من إحياء مراسم عاشوراء. وفي اليوم الأول من شهر محرم وبدء مراسم عاشوراء وردنا احتجاج عدد من السجناء من مبنى 20 سابقاً (5 حالياً) خارج زنازينهم بسبب حرمانهم من إحياء المراسم وتعرضهم للتهديد باستخدام القوة في حال عدم دخولهم الزنازين وتم حرمانهم من الإتصال، إذ منعت إدارة السجن سجناء هذا المبنى، عنبر 2 وعددهم 118 من إحياء المراسم غالبيتهم من الطائفة الشيعية بذريعة عدم تلقيهم لقاح فيروس كورونا كما حاولت إجبارهم أخذ لقاح فايزر منتهي الصلاحية ولم تلبِ طلب بعض السجناء لأخذ اللقاح الروسي.