في كل صباح يستيقظ أطفال المعتقلين السياسيين في البحرين ،الذين لم يتموا عقدهم الأول من العمر، من كابوس شهدوا فيه مداهمة القوات البحرينية لمنزلهم واقتحامها، وضرب والدهم واعتقاله أمامهم والصراخ في وجههم بعد إيقاظهم ليلاً، ليغفوا على كابوس آخر يستشعرون فيه مرارة وذل الرحلة التي عليهم أن يقطعوها لملاقاة الوالد السجين من وراء حاجز زجاجي ممنوعين من احتضانه أو لمسه أو حتى سماع صوته من دون وضع السماعة. أطفال بُصِم على قلوبهم تقرحات مؤلمة الى حد الصراخ لكن ظلت آلامهم صامتة في المجتمع البحريني خشية أن يتعرضوا إلى المزيد والمزيد من الحرمان لما تبقى من صورة الأب وسماع صوته، وتبقى الآثار النفسية التي يعانون منها نتيجة انتهاك السلطات لحقوقهم وحقوق آبائهم التي سنستعرضها لاحقاً، هي الأكثر إلحاحاً لتداركها وتسليط الضوء على سبل معالجتها.
أطفال طالت سنوات سجن آبائهم، وطال معها غياب أدنى مقومات حقوق الإنسان التي وجب أن يتمتعوا بها هم وعائلاتهم، وإنّ حرمانهم منها كشف عن أهم جوانب معاناة الأطفال التي نستعرضها في هذا التقرير:
- آثار نفسية: مشاهدة اعتقال الأب تعسفياً وضربه، اختفائه، رحلة الطفل لزيارة الوالد في السجن والاجراءات القاسية المتبعة، تزايد المخاوف في ظل وباء كورونا وانقطاع الاتصالات . فعلى صعيد الإجراءات القاسية المتبعة خلال الزيارات والقيود التي فُرضت مؤخراً على الزيارات والإتصالات مع تفشي وباء كورونا، تنتهك البحرين القاعدة 106 من قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء والتي تنص على أنه يجب إيلاء اهتمام خاص للحفاظ على العلاقات وتحسينها بين السجين وعائلته أو أسرته على النحو المرغوب فيه بما يحقق المصلحة الفضلى لكليهما.
- تحمل السلطات مسؤولية: تعرضهم للتنمر من زملائهم في المدرسة وعدم حمايتهم من ذلك، المماطلة وأحياناً الحرمان في منحهم أوراق ثبوتية كجواز السفر وغير ذلك، حرمانهم مع والدتهم من الحق في سكن لائق وحرمانهم من العلاوات على الاحتياجات الغذائية. وأخيراً وصل الأمر بالسلطات استدعاء أطفال دون سن العشرة أعوام إلى مراكز الشرطة والتحقيق معهم على خلفية المطالبة بإطلاق سراح آبائهم .
من خلال ذلك يتبينّ أن البحرين:
- انتهكت اتفاقية حقوق الطفل من خلال استدعائها لطفل ما دون العشرة أعوام على خلفية مشاركته في مناسبة وعلى خلفية التهم السياسية الموجهة لوالده المسجون، وتحديداً المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل التي تنص على أنه لا يجوز حرمان أي طفل من حريته بشكل غير قانوني أو تعسفي، ويجب أن يكون القبض على الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقًا للقانون ويجب ألا يستخدم إلا كملاذ أخير و لأقصر فترة زمنية مناسبة.
- انتهكت المادة 24 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عبر مماطلة السلطات في منح أطفال السجناء أوراقاً ثبوتية، والتي نصت على أنه لكل طفل، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو المولد، الحق في تدابير الحماية التي يقتضيها وضعه كقاصر، على جزء من أسرته والمجتمع والدولة. ويجب أن يسجل كل طفل فور ولادته ويكون له اسم ولكل طفل الحق في اكتساب الجنسية. والجدير ذكره أنّ منظمة ADHRB كانت قد نشرت تقريراً حول حرمان السلطات البحرينية أطفالا بحرينيين من حقهم في الجنسية ومن جوازات السفر بسبب نشاط آبائهم الذي جعلهم مطلوبين أو هاربين.
رصدت منظمة ADHRB ثماني حالات لأطفال وعائلات معتقلين سياسيين توفي أحدهم نتيجة الإهمال الصحي والتأخر في إجراءات العناية الطبية في السجن، وإثنان منهم محكومان بالسجن المؤبد.
عائلة السجين السياسي المتوفى عباس مال الله
في صباح 6 أبريل 2021، قرأت عائلة المعتقل السياسي البحريني في سجن جو، عباس مال الله، المحكوم بالسجن 15 عاماً، خبر وفاته الصادم على موقع وزارة الداخلية تعلن فيه وفاته جراء تعرضه لأزمة قلبية. مال الله لديه 3 أولاد أصغرهم وهو ي. كان يبلغ من العمر عاماً واحداً وثلاثة أشهر فقط عندما اعتقل والده تعسفياً في 17 مايو 2011، بالإضافة إلى ع. الذي كان يبلغ 8 أعوام، وف. الذي كان يبلغ 12 عاماً.
كلمات مؤلمة من طفل #الشهيد_عباس_مال_الله ..
" تسع سنوات عايش مثل اليتيم .. الفرق أن اليتم ابوه في المقبرة وابي في السجن..هل تريدون القضاء على الأمل لدي💔. .
جبر الله يتمك يا صغيري 💔 pic.twitter.com/HrQJqCGqho
— د. ريما شعلان (@reemashallan) April 6, 2021
رغم صغرهم في السن آنذاك، جُرّد أطفال مال الله من حقوقهم المدنية، وأصبحوا في دائرة العجز المادي، يعتاشون على مساعدات فاعلي الخير، وإعانة الغلاء التي تم قطعها لفترة وبعد معاناة المتابعة تم إرجاعها من دون الحصول على علاوة اللحوم أبدا، كذلك تم قطع إعانة السكن بعد أن كانت والدتهم قد حصلت على توكيل رسمي من زوجها لإنهاء الإجراءات واستلام المنزل، لكن السلطات سحبت المنزل وبددت أحلام الصغار بالإستقرار، ليعيش الأبناء الصغار في شتات بين منازل الأجداد كان الأطفال قد شهدوا آثار اعتداء قوات الشغب على والدهم عند اعتقاله قبل عشر سنوات ، فكان الوضع مؤلماً جدا أن يروا أباهم بعد شهرين من اعتقاله يرقد طريحا في المستشفى. مع بداية الزيارات كان الطفل ي. يرفض الذهاب إلى أبيه، نتيجة قسوة المشاعر التي اختبرها كان كثير البكاء، لكن بعد قرابة الثلاث سنوات أصبح ي. ينتظر الزيارة بشوق ولهفة ليحتضن والده. تبدلت الأحوال بعد وضع الحواجز الزجاجية في غرف الزيارات، وبسبب ما تحمله الزيارة مع هذه الحواجز من آلام وقسوة ومعاناة، لا يتحملها الكبار فكيف بالأطفال امتنع والدهم عن الزيارة.. وبعد تفشي وباء كورونا وفرض الإتصالات المرئية بدلاً عن الزيارة، وجعلها تحت الرقابة وغياب الخصوصية، رفض الوالد الاتصال وقام بسلسلة اضرابات عن الطعام يطلب فيها تحسين حاله وحقه في الاتصال من دون أي رقابة. في 6 أبريل تبددت آمال أطفال مال الله من رؤيته مجددا إلا تلك النظرة الأخيرة والحضن الأخير الذي شهده العالم عبر وسائل التواصل لولده الصغير من على المغتسل قبل نقله الى مثواه الأخير.
عائلة المعتقل محمود صالح علي حسن
اعتقل محمود علي حسن في 19 أبريل عام 2012 وحكم عليه بالسجن لمدة 30 عاماً، وحرم بذلك من العيش مع طفليه ه. (12 عاماً) و ع. (10 أعوام) حالياً . طفله البكر ه. الذي كان في عمر السنتين فقط عندما اقتحمت قوات الأمن المنزل من دون إذن، وانتشروا في أرجائه قبل أن يلقوا القبض بشكل تعسفي على الوالد دون مراعاة لأطفاله، فلم ينسَ الطفل حتى الآن، رغم صغر سنه آنذاك، هذا الموقف الصادم ، ويسبب له الألم حين يتذكره في عدة أوقات مع والدته ودائماً ما يسأل عن والده.
وحول غياب الوالد وسجنه، فقد كان من الصعب على الأطفال تقبل مكان وجوده بعيدا عنهم وراء القضبان، والى الآن لا يتقبلون تلك الفكرة على الرغم من تأقلمهم مع هذا الوضع.
عانت الأم في الحصول على جواز سفر لإبنها بحجة أنّ والده معتقل، على الرغم من أن هذا حقه ومن المفترض يحصل عليه بدون أي مشقة.
عند موعد الزيارة (قبل انتشار كورونا) كان يتوجه الطفلان برفقة والدتهما بلهفة وسعادة لا توصف، رغم المعاناة الكبيرة جراء عناء قطع الطريق وما فيه من عقبات للوصول إلى السجن، ويخرجان بعد انتهاء الزيارة حزينين، فمدة الزيارة غيرة كافية لإشباع المشاعر والعواطف وسرد الحكايات والمواقف التي عاشها الطفلين بعيدا عن حضن والدهما.
تقول الأم: “إنّ الحرمان من الزيارات حالياً يزيد الوضع سوءاً لأن القلق يزداد بشأن الوضع الصحي على الأب وفي المقابل يزداد الحنين والشوق من الطفلين للقاء والدهما وهذا بالتأكيد يؤثر على حالتهما النفسية”.
عائلة المعتقل طالب علي محمد
حُكم على طالب علي محمد بالسجن لمدة 30 عاماً في 14 نوفمبر 2012 ومنذ ذلك الحين يفتقده طفليه ز. (12 عاماً) و ع. (10 سنوات) الذي كان عمره لا يتجاوز عاماً واحداً حين اعتقل والده فبات يردد دائماً على مسمع والدته: “أنا لا أتذكر في حياتي أن والدي حضنني ولا توجد لي معه ذكريات أتذكرها سوى صورة واحدة”. تذكر الأم جوابها عندما يسأل الطفلان دائماً عن سبب وجود والدهما في السجن بأن والدهما كان يرفض الظلم ويطالب بحقوقه ويدافع عنها وعن دينه. لكن رغم ذلك يصف الطفلان أن ما يتعرضان له “بالعقاب الجماعي”، وهما لا يفهمان حتى الآن ما هو ذنبهما أو ذنب والدهما في كل ذلك، يصرّ كل واحد منهما على معرفة نتيجة صبرهما على هذا الفراق الطويل، ويتساءلان باستمرار عن الجهات التي تدافع عن والدهما وحقوقه حاليا!
حرم الولدان من أبسط حقوقهما المعيشية والمدنية، فتم تجريد الطفلين من حقهما في علاوة الغلاء، علاوة اللحم، علاوة السكن، وتم إلغاء طلب العائلة في الحصول على وحدة سكنية إذ يعيش الولدان مع أمهما في بيت والدها، كما حرما من حق الحصول على المساعدات المالية بحجة أن اسم والدهما في القائمة السوداء، ويغيب دعم المؤسسات المجتمعية عنهما.
وحول معاناتهم خلال رحلة الذهاب إلى السجن لملاقاة الوالد تقول الوالدة: “كانت المسافة إلى سجن جو طويلة محفوفة بالعناء والتعب، عليهم الانتظار للدخول بعد ساعات من الوقوف تحت أشعة الشمس الحارقة، بعدها يقلنا باص مكتظ بعوائل المعتقلين إلى داخل المبنى دون كف عناصر الشرطة عن المضايقات، إذ تتوجه إلينا نظرات وعبارات مهينة من قبل الشرطة النسائية مليئة بالإحتقار والإستهزاء عند التفتيش وداخل غرف الزيارات”.
بعد انتشار كورونا، لم تكن مدة الاتصالات العادية والمرئية كافية لتغذية العواطف والمشاعر فكانا يتلعثمان بالكلام لا يجدان ما يتحدثان به مع والدهما بسبب تكرار الحرمان والانقطاع عن الزيارات والاتصالات.
على الصعيد النفسي، وفي ظل تشهير السلطات سواء على وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي بأسماء و صور المعتقلين السياسيين، يتحمل الطفلان نظرات أقرانهما الساخرة في المدرسة وتعرضهما للتنمر ووصفهما بـ”العاجزان” بسبب سجن والدهما وتكرار عبارة “أبوك في السجن” على أسماعهما، فتولّد لديهما حالة نفسية سلبية تجاه المجتمع .
عائلة المعتقل جعفر حسين عيد
اعتقل جعفر في 3 يوليو عام 2012 وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً، حُرم من العيش مع طفليه ن. (10 سنوات) و ج. (9 سنوات) وتلك الأخيرة كان عمرها أقل من شهر حين اعتقل والدها.
عانى الطفل ن. الذي كان في عمر السنتين عند اعتقال والده اضطرابا نفسياً، خاصة عندما كان يرى معاملة الشرطة القاسي لوالده خلال وقت الزيارة والتي خلت من الإنسانية، حيث كانوا يتعمدون فك القيد الحديدي أمام مرأى طفله في التحقيقات الجنائية ، عدا عن إشعاره بشكل مستمر برقابة تصوير الزيارة. نتيجة لذلك انعكس هذا الاضطراب مشاكل صحية و جسدية وصار يعاني من أزمة في القولون فيتقيأ لا شعورياً عند رؤيته لأفراد الأمن في أي مكان، ودائماً ما يشعر بالخوف والهلع والنقص حين يرى أقرانه في أحضان أبيهم يتمتعون بالدلال والأمان ويلعبون ويمرحون بينما هو وأخته يعانون الحرمان، حيث لا أمن ولا أمان.
الطفلة ج. ذات الأعوام التسعة، تنطبق عليها التأثيرات نفسها إضافة إلى ما تعانيه مع الوقت من التشتت الذهني وعدم التركيز بسبب إحساسها بالخوف الدائم من الفقدان ، وبالأخص وفقدان مشاعر الأبوة التي لم تختبرها سوى في مواعيد الزيارات المتباعدة والقصيرة الأمد تحت أنظار عناصر الشرطة والتي تعتبر كافية لتغذية مشاعر الأطفال بالخوف والرهبة الشديدين..
بعد معاناة مريرة بحجة اعتقال الأب استطاعت الوالدة الحصول على أوراق ثبوتية لابنتها كبطاقة الهوية. لم تقتصر المعاناة على إصدار الهوية فقط، بل قامت السلطة بإلغاء طلب العائلة في الحصول على وحدة سكنية، قطع إعانة الغلاء والعلاوة على اللحوم بحجة أنّ والدهما متهم بقضية إرهاب “سجين سياسي”.
منذ بداية جائحة كورونا حُرم الطفلين من حق الزيارات، وأصبحا ينتظران وقت الاتصال المرئي والعادي ليبوحا لأبيهم عن رغبتهما بخروجه من السجن ويحدثانه عن دعائهما له بالخروج سريعاً ليكونا في كنفه.
عائلة المعتقل حمد يوسف الفهد
كان الطفل ي. في الخامسة من عمره عندما اعتقل والده في 17 فبراير 2011 وحكم عليه بالسجن المؤبد، هو الأخ الأصغر لثلاث بنات. لم تخبره العائلة آنذاك بخبر اعتقال والده وعندما كان يسأل عن والده بإلحاح يجيبونه بأن والدك مسافر، حتى علم بالحقيقة من خلال أحاديث الناس، وهنا بدأت الوالدة بمصارحته وشرح الحقيقة إليه.
تقول الأم: “كان لاعتقال أبيه آثاراً نفسية عليه بعد فقدانه لمصدر الأمان والعز والعطف والحنان، بعد خمسة أسابيع من اعتقال والده كان عائداً من الروضة فرأى حذاء أبيه، ودخل مسرعاً مبتسما متأملاً عودته ولكن خابت آماله وشعر بالحزن الشديد حتى وصل الأمر لمرحلة المرض لعدة أيام.”
عند الزيارة إلى السجن يتعرض ي. للمعاملة القاسية من قبل الشرطة بحرمانه من احتضان أبيه وتقبيله قبل وضع الحواجز لأن هذا ممنوع. أما بعد وضع الحواجز فقد كان يحاول دائماً ملامسة أبيه عن طريق إدخال إصبعه في الفتحات الصغيرة الموجودة في الحاجز. لكن حتى هذه الفتحات الصغيرة التي يعتمد عليها في تغذية مشاعره تم إغلاقها لتكون الزيارة عبارة عن نظرات متبادلة فقط.
كبر الطفل ي. وهو على حاله، ينتظر موعد الزيارة القادمة لتبادل النظرات في ظل الحرمان من الاحتضان والتقبيل إلى أن وصلت جائحة كورونا وحرم الأهل من حق الزيارات التي استبدلت بالاتصال المرئي ومدته غالباً اقل من 10 دقائق وهي غير كافية بالنسبة للأطفال.
عائلة المعتقل حسين علي أحمد سرور
وُلدت الطفلة ز. ابنة السجين حسين علي أحمد سرور بعيدة عن حضن والدها حيث اعتقل في 15 أبريل 2015 أي قبل أن تلدها أمها بستة أشهر وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات.
بدأت والدتها بأخذها لزيارة والدها بعد 5 أو 6 أشهر من ولادتها وسط مشقة الطريق وحرارة الشمس. موقف مؤثر يجسد المعاملة اللاإنسانية التي تعرضت لها زهراء خلال زيارة والدها في السجن، تقول والدتها: “من المواقف التي لا يمكن أن يتحملها أي إنسان يملك في جوفه قلبا أن يرى المعاملة الإنسانية القاسية التي تعرضت لها ز. بعمر شهور وهي في حضن والدها يلاعبها قبل أن يتم وضع حواجز حتى انتهاء الوقت. حاولت أخذها ولكنها تشبثت بوالدها رافضة تركه، حضرت الشرطية وسمحت لنا بمدة 10 دقائق كوقت إضافي للطفلة ز. لكن بعد دقيقتين تقريباً حضرت شرطية أخرى وأمرتني بالخروج لأنة ممنوع. من دون السماح لنا بمدة إضافية وكان ردها مجرد من الإنسانية وقالت ماذا يعني بأنها تبكي؟ وطردتنا من المكان بطريقة حاطة للكرامة انتزعت الطفلة من حضن أبيها وهي متشبثة به بالقوة وتوجهت بها للخارج وهي تبكي بشكل هستيري، رأيت الدموع في عين أبيها وأنا أبكي لقسوة الموقف”.
بحسب الوالدة، عند وصولهما لمقر سجن جو كانت الطفلة ز. تبكي وتطلب الدخول بسرعة لرؤية والدها، بعد وضع الحواجز في غرف الزيارات كانت تسأل دائماً لماذا وضعوا الحواجز، لكن والدتها كانت تلتزم الصمت، كانت زهراء تمسك سماعة الهاتف في غرفة الزيارة وترفض تركها تريد أن تسمع صوت والدها طوال الوقت وهي جالسة ورأسها على الحاجز وتنظر إليه وكانت تكره الحواجز التي تمنعها من احتضان والدها وتقبيله، وكثيراً ما كانت ترفض الخروج وقت انتهاء الزيارة وإذا خرجت يكون ذلك بعد وعود بالهدايا.
على الصعيد النفسي، تقول الوالدة إنّ الطفلة ز. دائمة البكاء وتلح دائماً للذهاب إلى مقر سجن جو لترى والدها رافضة فكرة الإلتزام بوقت زيارات محدد مرة واحدة في الشهر مدة ساعة أو أقل، دائماً تلجأ لصوره الموجودة في المنزل تحدثه وتسامره، تعاتبه وتطلب منه حاجاتها العاطفية والمادية وتنتظر اتصاله بفارغ الصبر، بعد الحرمان من حق الزيارات بحجة جائحة كورونا،و تسأل يومياً، “هل أبي سيتصل بنا اليوم؟” عندما تعلم بعدم اتصاله، تقول “إذا نحن نتصل به”.
عائلة المعتقل أحمد عيسى أحمد يحيى
بعد أشهر من ولادة الطفل م. اعتقل والده في 3 نوفمبر 2015 وحُكم عليه بالسجن المؤبد على خلفية سياسية وهذا يعني أنّ محمد سيبقى محروماً من حضن والده إلى الأبد إذا لم يتم العفو عنه.
كان لغياب الأب أثراً نفسياً كبيراً على الطفل م. إذ أصبح يشعر بالنقص والوحدة، يتحسس من بقية الأطفال وأحياناً يتعامل مع الأطفال بعصبية تصل إلى حد ضربهم. يبكي ويردد “متى سيخرج والدي لقد تعبت وأنا أنتظر خروجه”.
تروي الوالدة أنه يشعر بالحماس وهم في طريقهم إلى زيارة والده، يمسك بالهاتف الموجود في غرفة الزيارة ويبدأ بضرب الحاجز وهو يردد” سأكسره”، وتكون لحظة الوداع ومغادرة المكان مليئة بالبكاء والصراخ رفضاً لواقعه والحقيقة المرّة بأنه سيعود لمنزله دون أبيه. دائما ما ينتظر اتصال والده العادي والمرئي ليكون أول من يرد عليه، ويدخل في موجة من غضب عند انقطاع والده عن الاتصال، فيتعامل مع الأطفال الآخرين بعنف.
عائلة المعتقل فاضل عباس الجزيري
اعتقل فاضل عباس الجزيري في 2 نوفمبر عام 2014 وحكم عليه لمدة 32 عاماً، بعد اعتقاله بقي مدة 20 يوماً في مبنى التحقيقات الجنائية منقطع عن الاتصال هنا أصيب طفله ع. بحالة نفسية والتزم الصمت رافضا الحديث مع أي أحد، تقول الوالدة أنه دائماً يسأل عن والده، فشعرت بالخوف من قول حقيقة اعتقال والده له فأخبرته بأنه مسافر وسيعود، كان يبكي كثيرا ويحتضن صوره وعندما يشاهد صور والده على شاشة الهاتف بحتضن الهاتف.
كان يذهب مع والدته لزيارة والده فكان يعتقد بأنه ذاهب إلى مقر عمله فكان يطرح بعض الأسئلة ويقول: المكان بعيد ولماذا هناك الكثير من الشرطة؟، لماذا لا يلبس والدي ملابس جميلة كالسابق؟، ولماذا يربطونه بالحديد؟.
على الصعيد النفسي كبر الطفل ع. وكبرت عزلته وصمته، فاضطرت والدته إلى اصطحابه الى العديد من الأخصائيين وكانت نتائج التشخيص هي عدم استقراره النفسي والتشتت الفكري لأنه دائم التفكير بوالده. يتحدث ع. مع أصدقائه عندما يتذمرون من غياب الأب عن المنزل لظروفهم الخاصة فكان يقول لهم: “أنكم على الأقل تسمعون صوته ويجلس معكم لتناول الوجبات الغذائية وفي المساء يرافقكم إلى السرير، انا ما عندي مثلكم، اتحدت مع والدي أحيانا ومدة قصيرة ولم أره منذ زمن وحتى شكله تغير”.
عندها بدأت الوالدة تشرح له الحقيقة وهي أن والده سجين سياسي ويجب أن نفتخر به لأنه طالب بحقوقه، فأصبح ع. اكثر وعياً ويريد معرفة تفاصيل وأسباب اعتقال والده. وعندما حصلت حادثة قتل الأمريكي ذو البشرة السوداء جورج فلويد قال عباس لوالدته:” أنا سأكتب مقال وأرسله إلى قناة “سي ان ان” لنشره على قناتهم حول تعنيف الشرطة في البحرين، هل يمكنني ذلك؟”.
يعلم ع. بمعاناة والده والانتهاكات التي يتعرض لها في سجنه من حبس انفرادي وحرمانه من حق العلاج، ويكون برفقة والدته عند ذهابها إلى مقر سجن جو في أي وقت كان حتى ليلا وذلك للمطالبة بحقوق والده أو لتسليمهم الأدوية الخاصة بوالده.
أكثر المراحل قسوة والتي تعد انتهاكا صارخا لحقوق الأطفال ما تعرض له ابن المعتقل فاصل عباس الجزيري في ذكرى ثورة الرابع عشر من فبراير لعام 2018 تم استدعاؤه لحضور مركز شرطة النبيه صالح وهو لم يكمل التمان سنوات من عمره، ذهبت الوالدة معه وكان يشعر بالخوف والهلع ودقات قلبه متسارعة، رفضت الأم دخوله غرفة التحقيق لوحده لأنه صغير في السن، سمحوا لها بالدخول معه وكانت المفاجأة في غرفة التحقيق ثلاث ضباط يحققون مع الطفل ذو الثمانية أعوام من عمره في تهم على خلفية سياسية. وكان هذا بمثابة تهديد أو إنذار لعدم مواصلة أي تحرك بعد إصابة والده بوباء كورونا، يعيش الطفل ع. القلق على مصير والده الذي يصارع الموت مع الوباء داخل سجن جو، و يتمنى خروج والده من السجن بعد أن تفشى الوباء بنسبة مرتفعة.
هؤلاء الأطفال ليسوا وحدهم ضحايا اعتقال آبائهم بتهم سياسية غير عادلة . هم يجسدون قصص الكثير من أطفال المعتقلين الذين يعيشون المعاناة نفسها من كل الجوانب ويتعرضون لانتهاكات عديدة من قبل سلطات البحرين التي أظهرت عدم التزامها باتفاقية بمواد اتفاقية حقوق الطفل بشكل رئيسي. وإزاء تلك الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال إلى جانب عدم استقرار وضعهم النفسي تدعو منظمة ADHRB حكومة البحرين إلى التحقيق في تلك الانتهاكات ومنح الأطفال حقوقهم كاملة انطلاقاً من حقوقهم المدنية، وندعو إلى إعادة النظر في نظام السجون وفرض آليات تمكّن الأطفال من رؤية آبائهم دون حواجز وقيود ولوقت كافٍ وعدم التعامل بطريقة لا إنسانية مع الأطفال. وتكرر المنظمة دعوتها للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع السجناء السياسيين وسجناء الرأي.