في صباح 6 أبريل 2021، قرأت عائلة المعتقل السياسي البحريني في سجن جو، عباس مال الله، المحكوم بالسجن 15 عاما، خبر وفاته الصادم على موقع وزارة الداخلية تعلن فيه وفاته جراء تعرضه لأزمة قلبية. لم يشر البيان إلى الأمراض المزمنة التي كان يعاني منها مال الله على مدى الـ 10 سنوات التي قضاها في السجن، والتي لم يتلق لها أي علاج رغم مطالباته ومطالبات عائلته المستمرة على مدى هذا العقد من الزمن. لم يشر البيان إلى ما أكد عليه أحد السجناء الذي شارك عباس زنزانته من تقاعس لإدارة السجن عن علاجه، وتأخرها في نقله إلى المستشفى، إثر وقوعه مغشياً عليه، وتجاهل النداءات والمطالبات من قبل السجناء الذين كانوا يستنجدون لنقل مال الله فوراً إلى طبيب أو عيادة أو مستشفى، ما أدى إلى وفاته. إنّ الظروف المحيطة بوفاة عباس مال الله، والمماطلة الشديدة التي تعرض لها تثير حالة قلق واستنكار كبير حول أوضاع السجناء السياسيين المصابين بفيروس كورونا في ظل التفشي الراهن لهذا الفيروس داخل أبنية السجن، كما تستدعي الوقوف إلى جانب المطالبات التي يطلقها أهالي السجناء والقلقون من الإهمال الصحي جراء عدم توفر أدنى مقومات الوقاية والعلاج لأبنائهم، في ظل انعدام الشفافية من قبل المؤسسات الرسمية في التعاطي مع هذا الملف. لذا تدعو منظمة أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين إلى فتح تحقيق عاجل لكشف الملابسات حول وفاة السجين عباس مال الله، وتؤكد على ضرورة الإفراج السريع عن كافة السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي.
عباس مال الله توفي دون علاج رغم تدهور صحته
عباس مال الله هو سجين سياسي اعتقل عام 2011 لنشاطه وتأييده للحراك الديموقراطي الذي انطلق في تلك الفترة وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً وستة أشهر. تعرض عباس للتعذيب الشديد وأصيب عباس بطلق الشوزن في فخذه من مسافة قريبة خلال اعتقاله، عانى على إثرها من آثار كدمات على الوجه والصدر بسبب الضرب الذي تعرض له، إذ كان مغمى عليه، وبقي في قسم العناية المركز لمدة تزيد على الأسبوع.، بعد توقيفه استنكر شقيق عباس تعامل إدارة سجن جو مع شقيقه، وقال:”يتعرض شقيقي للتفتيش المهين عند زيارة العائلة له وعند ذهابه إلى المحكمة، بالإضافة إلى التحرش الجنسي، حتى أنه يرفض الخروج للزيارة بسبب هذا التعامل”، وأشار إلى أن إدارة السجن تتعمد إعطاءنا مدة طويلة بين كل زيارة والأخرى، بخلاف باقي الموقوفين الذين يحصلون على 3 زيارات في الشهر.
في السنوات الأخيرة عانى عباس مال الله بعد عودته من مبنى العزل الذي نقل إليه لمدة عامين من مشاكل في القلب، وقرحة في المعدة، ومشاكل في القولون دون أن يتلقى العلاج. وكان نجل عباس البالغ من العمر 9 سنوات حينها، أي في عام 2019، قد نشر رسالة فيديو مفادها أن والده بدأ إضراباً عن الطعام بعد عزله مطالبا بعلاجه واطلاق سراحه.
وكان عباس قد دخل مؤخراً في إضراب عن الإتصال الهاتفي لمدة عشرة أشهر حيث امتنع طوال هذه الفترة وحتى وفاته من الاتصال لأي جهة حتى عائلته احتجاجاً على القيود المفروضة على مكالمات النزلاء، وانتهاك الخصوصية في اجرار تلك المكالمات فضلا عن مطالبته في الحصول على العلاج لأمراضه وآلامه .
- عائلة السجين عباس مال الله تتلقى خبر الوفاة عبر وسائل التواصل الإجتماعي
إنتهاكات حقوق الإنسان لم تطل صحة السجناء فحسب، ففي 6 أبريل 2021 نشرت وزارة الداخلية بيان الوفاة، دون أن تبلغ إدارة السجن العائلة مسبقاً عبر إتصال أو رسالة، وذلك كما ينبغي وفق الأصول والأعراف وأدنى معايير حقوق الإنسان المتبعة. إذ علمت العائلة الخبر من خلال قراءة منشور وزارة الداخلية عبر مواقع التواصل الإجتماعي ما شكل صدمةً كبيرة لها، لتعود وتتأكد بنفسها عبر إجراء الإتصالات، ما يعكس أعلى درجات الإهمال من قبل السلطات، والذي يدل على عدم رغبتها في رعاية السجناء وأهاليهم بأمان وكفاية أثناء تفشي المرض.
- إفادات شاهد عيان تدحض مزاعم وزارة الداخلية
ورغم تأكيد وزارة الداخلية في بيانها عقب وفاة عباس مال الله، أنه نقل على الفور لعيادة السجن وخضع للاسعافات الأولية اللازمة حتى استقرار وضعه الصحي ثم وفاته عند نقله الى مستشفى السلمانية، إلا أن إفادة زميله السجين “محمود عيسى” التي نشرت عبر عدة حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي تدحض هذه المزاعم. وأكد أنه حوالي الساعة 12 ليلاً إستيقظ عباس معتقداً أنه يعاني من حرقة في المعدة، ثم دخل إلى دورة المياه لمدة 3 إلى 4 دقائق. وعند الساعة 10: 12 وما إن خرج سقط أرضاً مغشيا عليه، وبدأ زملاؤه بالصراخ والنداء على قوات الشرطة والضرب على الأبواب لعدم توفر أي طريقة أخرى لمناداتهم. في البداية لم تستجب إدارة السجن لصرخات زملاء عباس المطالبة بالمساعدة لإسعافه، لكن في النهاية، ظهر ضابطا شرطة قالا إنهما لا يستطيعان إخراج عباس من الزنزانة دون إذن ضابط أعلى، ما دفع زملاء عباس إلى الإستمرار في طرق الباب لمدة عشر دقائق حتى عودة الضابط الذي فتح باب الزنزانة قائلاً إنه لا يعرف ما عليه فعله، فطالبه أحد السجناء باستدعاء سيارة إسعاف، ولكن لم يتم نقل عباس إلى المستشفى حتى الساعة 1:30 فجراً، ما يعني أن الحراس استغرقوا 45 دقيقة لاستدعاء سيارة إسعاف. عند الساعة 3:45 فجراً قال ضابط المناوبة لزملاء عباس في الزنزانة أن يجمعوا ملابسه ومخلفاته، كما أبلغهم أن عباس موجود في مستشفى السلمانية وأن حالته مستقرة. ومع ساعات الصباح الأولى طُلب من السجناء التوقيع على بيان لإخلاء مسؤولية السلطات وهذا ما رفض السجناء القيام به.
وما إن أعلن عن وفاة السجين عباس مال الله، تعالت الصرخات والاحتجاجات من داخل أبنية وزنازين سجن جو، حيث عبر السجناء عن غضبهم حيال الإهمال الذي تعرض له زميلهم مما أدى الى وفاته، فسمعت أصوات التكبيرات مع الطرق على الأبواب إستنكاراً لما جرى و لسوء الرعاية الصحية التي يتعرضون لها خاصة في ظل تفشي فيروس كورونا الراهن والذي يهددهم بالموت. كذلك اشتكى شاهد العيان “عيسى” من الإكتظاظ في الزنازين، حيث يتقاسم 17 سجيناً زنزانة مخصصة لعشرة أشخاص، ليجبر سبعة سجناء على النوم على الأرض.
إستمرار الحراك في شوارع البحرين للمطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين
إزاء الخبر الأليم لوفاة السجين السياسي عباس مال الله نتيجة الإهمال الصحي التعاون، استمرت التظاهرات التي بدأت منذ 28 مارس في مختلف مناطق البحرين حيث نزلت العائلات إلى الشوارع للمطالبة بشكل أساسي بالإفراج عن أبنائهم، معبرين عن خوفهم من تكرار ما حصل مع السجين عباس ما الله، وعن قلقهم من الأزمة الصحية المتعلقة بانتشار فيروس كورونا بين السجناء وسجل إدارة السجن من حيث حرمان الأسرى من حقهم في العلاج الطبي من الأمراض المزمنة والأمراض المعدية والإصابات الناجمة عن التعذيب. وقد تلقت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين أخبار عن مظاهرات سلمية في حوالي 24 منطقة في البحرين، حيث تم تسجيل انطلاق 48 مظاهرة في 2 أبريل وحده. وقد اتخذت شكل مسيرات يومية وكان لافتاً قيادة النساء للتظاهرات، وحرص المتظاهرين على اتباع الإجراءات الاحترازية. وطالب الأهالي بمعرفة مكان أبنائهم المسجونين والسماح لهم بالاتصال بهم. إلّا أنه في 6 أبريل، تم استدعاء حوالي عشرة أفراد، من أفراد عائلات السجناء الذين تحدثوا عن عدم الاتصال بأفراد عائلاتهم والقلق عليهم أو شاركوا في المظاهرات الأخيرة، للاستجواب في مركز الشرطة 17 في مدينة حمد. وقد تم القبض على عدد منهم للمثول أمام النيابة العامة، بينهم أنور وياسر دقاق، شقيقا محمد دقاق، وهو سجين يعاني من فقر الدم المنجلي. وأحد الأشخاص الذين تم استدعاؤهم أيضاً هو علي مهنا والد السجين حسين مهنا، الذي أعرب عن حرمان ابنه من الاتصال بأسرته بعد أن أخبر والده أنه جائع لأن الإدارة لم تقدم لهم وجباتهم، وكان والد السجين مهنا قد أفاد اليوم في 7 أبريل خلال مقطع فيديو أنه تم استدعاؤه مرة أخرى إلى مركز شرطة المعارض وهو الإستدعاء الثاني له في أقل من 24 ساعة كما تم استدعاء والد الشهيد سيد هاشم إلى المركز ذاته لأسباب مجهولة. فيما قررت النيابة العامة اليوم أيضاً اعتقال الأشقاء الثلاثة للسجين محمد حميد الدقاق لمدة أسبوع على ذمة التحقيق.
مؤتمر اللجنة الوطنية محاولة فاشلة لتلميع صورة السلطات
قبل يومين فقط من وفاة مال الله، عقدت فرقة العمل الوطنية لمكافحة فيروس كورونا في 4 أبريل 2021 مؤتمراً صحافياً، ناقش خلاله مدير الأمن العام، طارق الحسن مستجدات فيروس كورونا في البحرين. وفيما يتعلق بتفشي المرض في سجن جو، كرر نفس النقاط التي اعتمدتها الهيئات الحكومية الأخرى سابقًا في بياناتها بهدف امتصاص غضب الشارع، ولم تقدم أي معلومات جديدة حول الوضع. وأكد الحسن، أن البروتوكول الذي تتبعه إدارة سجن جو يتبع المعايير الدولية، حيث يتم وضع أي نزيل جديد في الحجر الصحي الذي يخضع لوزارة الصحة قبل دخوله السجن مشيراً إلى أنه يتم العمل على صياغة قائمة النزلاء الذين يمكن أن ينالوا عقوبة بديلة، الأمر الذي يؤكد أنباء عن إمكانية الإفراج عن 126 سجينًا. لكن الكثير من السجناء وعائلاتهم يرفضون العقوبات البديلة لأنها لا تزال تنطوي على العقاب والمراقبة المستمرة للأفراد الذين أدينوا ظلماً، ولهذا السبب تضمنت مطالب العائلات المتظاهرة الإفراج غير المشروط عن السجناء السياسيين وسجناء الرأي. كما حذر الحسن، على غرار بيان ممثل وزارة الداخلية في بيانه الصادر في 31 مارس، من تسييس تفشي المرض من قبل الأفراد والجماعات التي تعمل من أجل أجندات غير وطنية، وبالتالي لا يقتصر الأمر على رفض المطالب المحقة بل تشويهها. كما أشار الحسن إلى أن الإدارة تقوم بجدولة زيارات للنزلاء الملقحين مع أفراد عائلاتهم الملقحين، لكن هذه الزيارات تتم من خلف الزجاج وعبر سماعات صوتية، ولا تستغرق سوى 5 دقائق، وضمن شروط خاصة بسبب إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، وبالتالي فهي أشبه بإتصالات الفيديو، ما يعني أن الأمر لم يتغير على السجناء وعوائلهم.
إزاء ذلك استنكر السجناء في سجن جو دخول طاقم إعلامي من تلفزيون البحرين إلى سجن جو والتجول فيه، والدخول إلى الغرف وإجراء المقابلات، في حين يمنع السجناء من زيارة العيادات الطبية لتلقي العلاج بحجة وجود إجراءات احترازية لمنع تفشي فيروس كورونا. تطمينات الحسن لا تتوافق مع المعلومات التي تلقتها ADHRB. حيث تأتي الأخبار من داخل السجن بشكل صارم من السجناء الذين تعافوا من فيروس كورونا وبالتالي سُمح لهم بالتحدث إلى عائلاتهم. حيث أنه ليس لديهم علم بما يحدث خارج السجن من مظاهرات وتصريحات من السلطات. كما سيتم نقل أولئك الذين أصبحت حالاتهم حرجة إلى المبنى 18، وهو مبنى مشيد حديثًا يستخدم حاليًا للعزل. وقال أحد السجناء المحتجزين هناك لأسرته إنه كان بالكاد واعيًا بسبب شدة أعراضه. وتمكن من الاتصال بهم بعد أن جاءت نتيجة اختباره سلبية ونُقل خارج المبنى 18. وأفاد سجين آخر بأنه وُضع في الحبس الانفرادي ولم يتلق أي علاج طبي، حيث عانى من أشد الأعراض قسوة دون علاج أو دواء، حتى جاءت نتيجة فحصه سلبية، لينقل خارج المبنى 18. ومن المهم ملاحظة أن السجناء الجدد لا يزالون يُحضرون إلى السجن أثناء تفشي المرض على الرغم من أن السجن مكتظ للغاية، حيث يتسع لثلاثة أضعاف طاقته القصوى.
السلطات البحرينية مستمرة في التكتم على أعداد وأسماء السجناء المصابين بفيروس كورونا
في الأسبوع الماضي، إزداد عدد الحالات النشطة في سجن جو، حيث وصل العدد الحالي للحالات المؤكدة بين سجناء الرأي إلى 84 إصابة. وعلى الرغم من الزيادة المطردة، استمرت السلطات في منع الوصول إلى المعلومات حول تفشي المرض، وفشلت في تقديم أي تحديث عن العدد الرسمي للحالات النشطة، حيث كان الرقم الوحيد الذي تم الكشف عنه هو الحالات الثلاث الأولى في 23 مارس. هذا الإفتقار للشفافية يستلزم أيضًا حقيقة أن السلطات لم تكشف عن تفاصيل العلاج المقدم للسجناء، ومكان العزل والحجر الصحي، وأسماء الأفراد المصابين – الذين لا يستطيعون التواصل مع عائلاتهم. في ضوء الأخبار التي تتلقاها ADHRB بشأن نقل سجناء يعانون من أعراض حادة إلى مستشفى السلمانية، مثل الشيخ حسن عيسى، فإن إعاقة وصول المعلومات من السجن أمر مثير للقلق بشكل خاص.
دعوة للإلتزام بالرعاية الطبية والإفراج عن السجناء السياسيين المعتقلين
تطالب منظمة ” أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” السلطات البحرينية بفتح تحقيق لكشف الأسباب الكامنة وراء وفاة السجين عباس مال الله، إضافة إلى ضرورة الإفراج عن السجناء السياسيين لا سيما كبار السن منهم، والذين يعانون منء مضاعفات فيروس كورونا، كما تطالب بضمان توفير الرعاية الطّبية الضرورية والملائمة لجميع السجناء، إضافة إلى التأكد من أن السجون تستوفي الحد الأدنى من معايير نظام الرعاية الصحية المطلوبة خصوصاً بعد الإنتشار الواسع لفيروس كورونا في السجون البحرينية، و تدعو المؤسسات الرسمية والحقوقية وإدارة السجن بالتحلي بالشفافية ونقل الواقع كما هو وعدم تبييض الحقائق حيال انتشار فيروس كورونا بين السجناء السياسيين.