مرت تسع سنوات منذ خروج الشعب البحريني إلى الشوارع للمطالبة بالإصلاحات السياسية واحترام حقوق الإنسان. منذ ذلك الحين، كان التقدم الوحيد الذي حققته حكومة البحرين هو تطوير استراتيجيات التبييض. من خلال هيئات الرقابة الزائفة ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها، استثمرت الأسرة الحاكمة البحرينية بشكل كبير في إخفاء الواقع الوحشي لحالة حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال وزارة الداخلية البحرينية التي يفترض عليها الإشراف على حماية المواطن والأمن الداخلي للبلاد تورطت في كثير من الأحيان بمزاعم عن سوء سلوك جسيم وعدد كبير من انتهاكات حقوق الإنسان. ويوجد ادعاءات مثبتة بأن النيابة العامة كانت تعرقل استقلالية القضاء من خلال ملء وزارة الداخلية بموظفينها السابقين. كما وأن هناك ادعاءات مثبتة بالتعذيب من أجل انتزاع اعترافات كاذبة من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان.
إن المحتوى المعروض على منصات الإنترنت التابعة لوزارة الداخلية يصور رواية خيالية بعيدة كل البعد عن الواقع. فقد أعربت وزارة الداخلية، على سبيل المثال، عن تفانيها المتواصل في تسهيل البيئة الآمنة خلال ذكرى عاشوراء. وقد تم الإشادة بالملك حمد بن عيسى آل خليفة شخصيًا لنهجه الشامل الذي قيل أنه “جسّد معاني التماسك الوطني وقدم نموذجًا للأخوة الوطنية”. ومع ذلك، لا يزال منتقدو النظام غير مقتنعين بـ “التماسك الوطني” و “الأخوة” في البلاد في وجه 300 عملية اسقاط الجنسية استهدفت معظمها النشطاء ورجال الدين الشيعة لمجرد التعبير السلمي. علاوة على ذلك، فإن التعذيب المستمر لقادة المعارضة الشيعة والتمييز الموجه ضد المجتمع الشيعي، مل القيود المفروضة على الحقوق الدينية وهدم المساجد والمؤسسات الدينية الشيعية، يتعارض مع الرواية العامة عن التماسك. إن لم يتم محاسبة أعضاء وزارة الداخلية المسؤولين عن هذه الانتهاكات، فإن الادعاءات الزائفة بالوحدة ستخفي الحقيقة.
بالإضافة إلى ذلك، في الأشهر القليلة الماضية قامت المواقع الإلكترونية وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لوكالة أنباء البحرين ووزارة الخارجية البحرينية بالترويج لإطلاق الخطة والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. وبحسب وزارة الخارجية البحرينية، فقد حققت المملكة إنجازات مهمة في جميع المجالات المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك تلك المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، وحماية حرية الإعلام. وقد تأسست المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في عام 2014 ردًا على الانتقادات الشديدة بشأن أوضاع حقوق الإنسان في البلاد. وتشمل مهامه تعزيز حقوق الإنسان وتطويرها وحمايتها، مع تفويض المنظمة رسميًا لتلقي وفحص والتحقيق في الشكاوى المتعلقة بحقوق الإنسان، وإحالة القضايا إلى السلطات المختصة ومتابعة سير القضية.
تدعي الخطة أنها تفي بمتطلبات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. أحد المواضيع الرئيسية هو الحق في تكافؤ الفرص، مما يعني أنه يجب معاملة كل شخص على قدم المساواة بغض النظر عن الدين أو الجنس أو العرق. في الواقع، فإن التمييز الممنهج ضد الأغلبية الشيعية منتشر على نطاق واسع، حيث تواجه الجماعات الإثنية الدينية وخصوصاً البحارنة والعجم في البلاد التمييز على أساس تقاطع الدين والتراث.
وقد قامت لجنة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بزيارات ميدانية لمراكز الاحتجاز وإعادة التأهيل للتأكد من احترام الحريات الدينية خلال شهر محرم. وقد أصدرت بيانًا رسميًا أكدت فيه حرية ممارسة الشعائر الدينية والمساواة في معاملة النزلاء، لكن هذا يتعارض مع التقاريروالشكاوى العديدة المتعلقة بالتمييز الديني التي تلقتها المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان. فالقيود الطائفية المفروضة على السجناء الشيعة موثقة جيدًا. وتتراوح أساليب التحرش من التشهير اللفظي، إلى قطع موظفي السجن الصلاة ومصادرة ممتلكات النزيل الدينية. وفي غضون ذلك، أفادت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بأن اللجنة اجتمعت مع كل من السجناء ومسؤولي السجون وتدعي أن الحرية الدينية تُحترم بالكامل. وقد رأت المنظمات غير الحكومية هذا على نطاق واسع كمثال آخرعلى دعاية المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، حيث تم إدانة المؤسسة، على الرغم من استقلالها المزعوم عن الحكومة، لتبييضها انتهاكات حقوق الإنسان.
وبالمثل، تم استدعاء الأمانة العامة للتظلمات في وزارة الداخلية، وهي أمانة أخرى يفترض أن تكون مستقلة تم إنشاؤها لضمان الامتثال لمدونة قواعد السلوك، بسبب افتقارها إلى الحياد والاستقلالية عن الوزارة ذاتها التي هي مكلفة بالتنظيم. منذ إنشائها في عام 2012، فشلت في محاسبة موظفي السجن على سوء السلوك وفشلت في اتخاذ إجراءات فورية لحماية المعتقلين من التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة. في كثير من الأحيان، استجابت الأمانة العامة للتظلمات للشكاوى برفضها للتحقيق بالاتهامات. كان هذا هو الحال بالنسبة إلى هاجر منصور حسن وحسين موسى، من بين آخرين كثيرين. وبينما يظل إنشاء هيئة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان على الورق تطورًا إيجابيًا، فإن الأمانة العامة للتظلمات ببساطة غير قادرة أو غير راغبة في تنفيذ مسؤولياتها بشكل فعال.
باختصار، إنّ جهود الحكومة البحرينية الشاملة لإخفاء الحقيقة المتعلقة بحالة حقوق الإنسان أثبتت فعاليتها إلى حد ما. لكن لحسن الحظ، تقوم المنظمات غير الحكومية والنشطاء البحرينيون على نحو متزايد بنشر المعلومات التي تكشف حقائق حقوق الإنسان في البلاد. تحاول الحكومة تكثيف جهودها الدعائية، لكنها لا تستطيع إلا أن تحقق نجاحًا جزئيًا في أحسن الأحوال. في هذه الحالة، يكون الكشف عن الحقيقة أسهل وأقل تكلفة من نشر المعلومات الخاطئة. بدلاً من تركيز جهودها نحو تبييض الانتهاكات، يجب على الحكومة أن تأخذ على محمل الجد انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد. بغض النظر عن مقدار الأموال التي يتم إلقاؤها في التحريف، ستستمر الإدانة الدولي حتى تتخذ الحكومة إجراءات هادفة.