في أنحاء عديدة من العالم بدأ الحيز المتاح للمجتمع المدني يتقلص، وبات المدافعون عن حقوق الإنسان والصحافيون والمنظمات غير الحكومية يتعرضون للترهيب والمضايقة؛ كما قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس. فإذا كنا جادين بشأن التزامنا بحقوق الإنسان، فنحن بحاجة إلى العمل من أجل حمايتها.
في الواقع، تتعهد ألمانيا بضمان حماية وتعزيز حقوق الإنسان، ليس فقط في إطار ولايتها القضائية الوطنية ولكن أيضًا داخل الاتحاد الأوروبي والأطر الدولية الأوسع نطاقا. سواء في قانونها الأساسي أو بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تعتقد ألمانيا أن يجب على جميع البشر أن يتمتعوا بكرامة متأصلة وحقوق متساوية وثابتة. كما تدعم ألمانيا أيضًا مشاركة منظمات المجتمع المدني وعمل المدافعين عن حقوق الإنسان، فكلاهما عامل يساعد على تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.
تبنت ألمانيا أيضاً حماية المدافعين عن حقوق الإنسان في بلدان العالم الثالث كالتزام مستمر. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تحدث وزير الخارجية الألماني عن اعتراضه على قمع وترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم، وشدد على الطرق التي تدعم بها ألمانيا هؤلاء الممثلين في جميع أنحاء العالم من خلال جعل سفاراتهم أكثر استباقية في الوصول إلى هذه الجماعات. لكن على الصعيد العملي، فشلت الحكومة الألمانية في تعزيز حقوق المرأة على المستوى الثنائي وأثبتت أنها غير فعالة فيما يتعلق بحماية النساء الناشطات في المملكة العربية السعودية.
للمملكة العربية السعودية تاريخ طويل في قمع ومعاقبة المدافعين عن حقوق الإنسان، سواء من خلال حظر السفر أو الإخضاع للحبس الانفرادي أو أي أشكال أخرى من الأعمال الانتقامية لمنع نشاط ومشاركة هؤلاء المدافعين في المنتديات الدولية لحقوق الإنسان. وقد تفاقمت هذه الصعوبات عندما تولى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود السلطة في شهر يونيو2017. وباتت المدافعات عن حقوق الإنسان مستهدفات بشكل خاص، ويتعرضن للاضطهاد المستمر بسبب نشاطهن.
بدأ القمع الذي يستهدف المدافعات عن حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية بعد قرار رفع الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات، فحتى عام 2018 كانت المملكة العربية السعودية الدولة الوحيدة في العالم التي كانت تمنع النساء قانونياً من قيادة السيارات. ثم في مايو 2018، كانت هناك حملة قمع من قبل الحكومة السعودية لإسكات المدافعات عن حقوق المرأة اللواتي كن يطالبن بحقوق متساوية وإصلاح نظام الولاية والسلطة الذكورية. فيتطلب هذا النظام أن تحصل كل امرأة على إذن من ولي أمرها، عادة الأب (إذا كانت غير متزوجة) أو الزوج (إذا كانت متزوجة)، لاتخاذ مجموعة من القرارات: مثل الحصول على وظيفة أو الحصول على الرعاية الصحية أو التقدم بطلب للحصول على جواز سفر.
ونتيجة لذلك، تم القبض على العديد من النساء اللواتي عارضن هذا النظام، فيوجد حاليا 13 امرأة في المحاكمة، وجميعهن اعتقلن لممارستهن حقهن في حرية التعبير. تعرضن جميعهن تقريبًا، في السجن، لأعمال التعذيب والاعتداءات الجنسية وغيرها من المعاملات العنيفة. وبينما تم الإفراج عن ثمانية منهن بشكل مؤقت، لا يزال خمسة منهن محتجزين، من بينهن لجين الهذلول، المدافعة عن حقوق المرأة والمدونة التي تناضل من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين وحق المرأة في القيادة منذ عام 2013. في عام 2014، قامت بقيادة السيارة بنفسها عبر الحدود السعودية تعبيراً عن احتجاجها، ونشرت مقطع فيديو حول نشاطها هذا على موقع يوتيوب؛ فتم احتجازها لمدة 73 يومًا بسبب عملها. في عام 2018، تم اعتقال الهذلول مرة أخرى بعد حضورها جلسة مراجعة بشأن المملكة العربية السعودية في لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز ضد المرأة. وجهت المحكمة الجزائية المتخصصة، والتي هي محكمة أُنشئت ظاهريًا لقضايا الإرهاب، أصابع الاتهام عليها في البداية، بجانب سبع نساء أخريات. فهي اتُّهمت بالتواصل مع القوى المعادية الخارجية وتقديم الدعم المالي لأطراف خارجية واستدراج واستغلال القاصرين للعمل ضد المملكة العربية السعودية، كما أنها حرمت من الاستعانة بمحامٍ. تم احتجازها في الحبس الانفرادي لمدة 287 يومًا قبل أن تحضر جلسة الاستماع الثانية.
انتقدت وزيرة الخارجية الكندية هذه الاعتقالات وطالبت بالإفراج عن المدافعات عن حقوق المرأة. كعمل انتقامي، طردت الحكومة السعودية السفير الكندي واستدعت مبعوثها الخاص من كندا. لم يقف الاتحاد الأوروبي متضامنًا مع كندا – وهذا يشمل ألمانيا؛ على الرغم من أن العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان، بمن فيهم لجين الهذلول، طلبوا المساعدة من السفير الألماني في المملكة العربية السعودية.
في عدة مناسبات، أعربت ألمانيا التي تعمل جنبًا إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي أو كعضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عن مخاوفها بشأن حالة حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية. ولقد تم التأكد أن المملكة العربية السعودية هي واحدة من أكثر الدول تخلفاً فيما يتعلق بحقوق المرأة. في الآونة الأخيرة، في سبتمبر 2020، تحدث مايكل فرايهر فون أونغرن شترنبرغ، السفير الألماني لدى الأمم المتحدة، نيابة عن الاتحاد الأوروبي ودعا مرة أخرى المملكة العربية السعودية إلى إنهاء الاحتجازات المتطاولة لمدافعات حقوق المرأة.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تعرب فيها الدول عن قلقها إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية. في الواقع، كانت هناك تقارير عديدة تتحدث عن أعمال التعذيب المعتمدة، بما في ذلك الصعق بالكهرباء والجَلد والاعتداءات الجنسية. كما تشجب الجهات الفاعلة الدولية في مجال حقوق الإنسان باستخدام أحكام الأمن الوطني ضد الأفراد الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير. في عدة مناسبات، أعرب خبراء الأمم المتحدة كم هو مشين أن يتم توجيه تدابير مكافحة الإرهاب ضد الناشطين لقمع العمل في مجال حقوق الإنسان. ومع ذلك، استمرت المملكة في إنكار ادعاءات التعذيب والمحاكمات الجائرة وفشلت بشكل عام في معالجة المخاوف الخطيرة المتعلقة بحقوق الإنسان.
القمع والتعذيب المستمران ضد المدافعين عن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، بمن فيهم المدافعات عن حقوق المرأة ، يضعفان مصداقية عملية الإصلاح في البلاد. غالبًا ما تكون النساء السعوديات ضحايا للمضايقات والقمع: فأي شخص يقوم بالانتقاد سيواجه أحكامًا بالسجن أو عقوبات أكثر صرامة. وبالفعل، تدعو المملكة في برنامجها الإصلاحي “رؤية السعودية 2030” إلى التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة إلى تمكين المرأة، ولكن من الصعب تصديق ذلك في ضوء الموجة الأخيرة من الاعتقالات والتعذيب المزعوم لناشطات حقوق المرأة.
لا تكشف هذه الأحداث عن مستوى القمع والتخلف الذي تعرضه المملكة العربية السعودية تجاه المعارضة فحسب، بل توضح أيضًا مدى أهمية تحرك ومشاركة دول الاتحاد الأوروبي البارزة مثل ألمانيا. ولكن، تتمتع ألمانيا بعلاقات ثنائية قوية مع المملكة ، لا سيما في التجارة الدولية. على سبيل المثال، تعد المملكة العربية السعودية ثاني أهم شريك تجاري عربي لألمانيا وكما تعد ألمانيا رابع أكبر مورد لواردات المملكة العربية السعودية. لسوء الحظ، بينما تواصل ألمانيا جهودها في تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ستستمر المدافعات عن حقوق الإنسان في المملكة في التعرض للانتقام بسبب نشاطهن. يجب أن تلعب ألمانيا دورًا قياديًا كصوت قوي في مجتمع الاتحاد الأوروبي، ويجب أن تضغط على الحكومة السعودية للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان والتأكد من أن جميعهم قادرين على القيام بأنشطتهم في مجال حقوق الإنسان دون خوف من العقاب.