استمرت السلطات البحرينية في انتهاك الحريات الدينية للمجتمع الشيعي وممارسة التمييز الممنهج ضدهم قبل وخلال وبعد ذكرى عاشوراء التي بدأت في 21 أغسطس 2020 واستمرت حتى في 30 أغسطس 2020 بحسب ما وثقته منظمة ADHRB. ويتشابه ذلك مع الممارسات التمييزية التي حصلت خلال شهر رمضان على خلفية تفشي وباء كورونا.
القيود المفروضة بذريعة وباء كورونا
في 14 أغسطس، فرض يوسف بن صالح الصالح، رئيس مجلس الوقف الجعفري، في الاجتماع الذي عقده مع المجلس الإداري وفريق العمل الطبي الوطني لمكافحة فيروس كورونا، قيودًا على المآتم ودور العبادة خلال عاشوراء. وتشمل هذه القيود إقامة مراسم محرّم افتراضياً بحضور الهيئة الإدارية والطاقم المسؤول عن البث في المآتم فقط مع الالتزام بكافة الإجراءات الوقائية وحصر مدة المراسم إلى 20 دقيقة كحدّ أقصى ومنع تعليق اللافتات السوداء خارج نطاق المآتم ومنع بث المراسم والخطب على مكبرات الصوت وتحريم المآتم والمراسم على النساء. لكن أعيد فتح النوادي الترفيهية والنوادي الرياضية والمراكز التجارية والمسابح في 6 أغسطس، ما يعني أن الحكومة استخدمت وباء كورونا كذريعة لاستهداف الشيعة خلال شهر محرّم.
أصدر الوقف الجعفري بيانًا آخر يحث المآتم على تشكيل لجان تنظيمية لمنع التجمعات خلال مراسم عاشوراء. وفي السادس من محرّم الواقع فيه 26 أغسطس، وافق المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ووزارة العدل على إعادة فتح المساجد تدريجيًا مع الالتزام بالإجراءات الوقائية. وعلى ضوء هذا القرار، وافق الوقف الجعفري وفريق العمل الطبي الوطني على الإجراءات المتعلقة بذكرى عاشوراء. وتشمل هذه الإجراءات الحفاظ على التباعد الاجتماعي بين المصلين خارج المآتم مع بقاء المصلين في مقاعدهم طوال الوقت وتنفيذ الإجراءات الوقائية ومنع الأطفال وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة من حضور هذه التجمعات وإحياء المصلين الذكرى فقط في أماكنهم السكنية. على الرغم من ذلك، في 1 سبتمبر بعد ذكرى عاشوراء مباشرة، شارك الشيخ ناصر بن حمد، ممثلًا الملك، في احتفال هندوسي. وشوهد الحاضرون وهم يخالفون تدابير السلامة العامة من خلال عدم ارتداء الكمامة أو ممارسة التباعد الاجتماعي.
قمع السكان وإغلاق دور العبادة
حتى قبل صدور قرار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، بدأت وزارة الداخلية باستهداف قيادات وإدارات المآتم. واستدعت وزارة الداخلية إدارات عدة مآتم مهددةً إياهم بالإقفال والختم بالشمع الأحمر لمدة ثلاث سنوات إضافة إلى تغريمهم مبلغ وقدره 10.000 دينار بحريني. كما منع الوزير الحسينيات من بث مراسم محرّم عبر مكبرات الصوت في الأحياء السكنية. إضافة إلى ذلك، طلب من الصحافيين كتابة مقالات عن معارضتهم إعادة فتح الحسينيات خلال شهر محرّم كما طلب من الأطقم الطبية إصدار بيانات صحافية تبدي عن معارضتهم إعادة فتح الحسينيات تحت ذريعة خطر تفشي وباء كورونا. في بداية شهر محرّم، ارتفعت وتيرة استهداف المآتم والأفراد على خلفية وباء كورونا. كما تم استدعاء العديد من السكان وإجبارهم على إزالة لافتات عاشوراء الموضوعة داخل ممتلكاتهم الشخصية. وتم استدعاء القيادات لوضعهم أجهزة عرض كما تم استدعاء إدارات المساجد لإحيائهم ذكرى عاشوراء داخل المساجد عوضًا عن المآتم وتم إقفال المساجد للسبب ذاته، على الرغم من عدم وجود مآتم في منطقتهم السكنية. ومنعت بعض المآتم من بث المراسم عبر مكبرات الصوت أو تنظيم المواكب السيّارة ودُعيت إلى استبدال النعي بالقصائد. حتى أنّ بعض المآتم أغلقت وألقي القبض على البعض لتلاوتهم “زيارة عاشوراء” بتهمة إهانة الصحابة. كما تم استدعاء آخرين بتهمة ذكر وقائع تاريخية عن يزيد بن معاوية، قاتل الإمام الحسين، وحكم عليهم بالسجن بتهمة إهانة معاوية بن أبي سفيان وبني أمية وبتهمة التحدث عن الجرائم التي ارتكبوها بحق أهل البيت، مع احتجاز البعض في ظروف غير إنسانية.
انتهاك الحريات الدينية في السجن
في 8 أغسطس 2020، في تسجيل صوتي تم بثه من السجن، صرّح الناشط الحقوقي ناجي فتيل أنه سوف يضرب عن الطعام مع حوالى 500 سجين سياسي آخرين في المبنيين 13 و14 من سجن جو، اعتبارًا من 9 أغسطس وذلك احتجاجًا على حظر إدارة السجن ممارسة الشعائر الدينية، خاصة مع اقتراب ذكرى عاشوراء. في 10 أغسطس، تم نقل فتيل مع 5 سجناء آخرين إلى المبنى 15 كشكل من أشكال العقاب بسبب تحريض السجناء الآخرين. ونظرًا لحقيقة عزل خمسة أفراد في المبنى 15، لم يتمكنوا من ممارسة شعائرهم الدينية وهو ما يعدّ انتهاكًا لحقوق الإنسان الخاصة بهم. في التاسع من محرّم الواقع فيه 27 أغسطس، قبل يوم من العاشر من محرم، حصلت مشادة كلامية بين السجين علي الوزير وضابط يمني بسبب استفزاز الأخير وسبّه. وبالتالي نقل الوزير إلى السجن الانفرادي. ونتيجة للحادث، وجهت للشيخ عباس الذي صودرت كتبه الدينية تهمة تحريض علي، وانتقم منه من خلال نقله إلى السجن الانفرادي. بعد ذلك، لم يتمكّن كلاهما من ممارسة شعائر عاشوراء. ومنع بعض السجناء تمامًا في بعض مباني السجن من العبادة الجماعية وصودرت كتبهم الدينية كما منعوا من إجراء مكالمات هاتفية بسبب ممارستهم شعائرهم الدينية خلال ذكرى عاشوراء ومنعوا من مشاهدة المراسم عبر التلفاز. على الرغم من ذلك، أصرّ المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان على أن السجناء السياسيين يمارسون الشعائر الدينية بحرية خلال شهر محرّم على النحو الذي تضمنه المعايير الدولية مدعيًا زيارة السجن للبحث في وضع السجناء.
المساءلة الانتقائية
أظهرت السلطات البحرينية الانحياز وازدواجية في المعايير بما يتعلق بتطبيق القانون والمساءلة. لكن ثمة مواقف تم التعامل فيها بشكلٍ فعال مع الفتنة الطائفية وكراهية الأجانب. ومثال على ذلك هو الحدث الذي حصل بتاريخ 15 أغسطس عندما انتشر فيديو تظهر فيه امرأة وهي تكسر تمثالًا هندوسيًا في متجر محلي وتعلن أن البحرين دولة إسلامية. أصدرت وزارة الداخلية بيانًا في اليوم التالي تفيد فيه أنّ النيابة العام قد تولت القضية.
من جهة أخرى، تفشل السلطات البحرينية في تطبيق القوانين التي تضمن السلامة العامة والوحدة عندما يتعلق الأمر بالمضايقات الموجهة ضد الطائفة الشيعية.
في 24 أغسطس، نشر الصحافي البحريني عبد المنعم ابراهيم مقالًا في صحيفة “أخبار الخليج” ينتقد فيه المصلين الشيعة الذين يحيون شعائر محرّم، ويقارنهم ضمنًا بالحيوانات. وكان الإجراء الوحيد الذي اتّخذ هو تقديم بلاغ إلى النيابة العامة ضد الصحيفة التي نشرت المقال.
ونشرت صحيفة الوطن الحكومية صورة مرفقة بمقالٍ جاء فيه أنّ هذه الصورة التقطت أثناء مراسم عاشوراء في العام 2020 بينما في الواقع تعود الصورة إلى العام 2017. وفي الصحيفة نفسها، نشر الصحافي فريد أحمد الحسن مقالًا جاء فيه أن سبب زيادة معدل الإصابة بفيروس كورونا خلال الأيام الأخيرة في البحرين يعود إلى إحياء مراسم عاشوراء. حدث كل ذلك رغم إشادة الملك حمد بن عيسى آل الخليفة ووزير الداخلية البحريني بالطريقة التي أقيمت فيها المراسم، معلنًا نجاحها. لكن الحكومة استخدمت الصورة كذريعة لإزالة مكبرات الصوت التي تبث المراسم متجاهلةً حقيقة أن الصورة ترجع إلى العام 2017.
في الواقع، تشير الدراسات إلى أن معدل الإصابة بفيروس كورونا لا يزال على حاله كما كان قبل عاشوراء. لا بل أنّ هذا المعدل قد ارتفع بعد عيد الفطر. وهذا يعني أن ما تم تداوله عن زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا ليس سوى خطاب طائفي. ولا ترجع الزيادة في معدل الإصابة إلى المراسم فقط، حيث تفتح النوادي الرياضية والمسابح والمحال التجارية والصالات الرياضية ودور السينما وتعقد التجمعات وحفلات الزفاف دون اتخاذ إجراءات السلامة العامة، حتى أن بعض الشيعة البحرينيين يعتقدون أن الحكومة زادت فحوصات الـPCR عن قصد لزيادة معدل الإصابة بالفيروس بهدف استخدام مراسم عاشوراء كذريعة. وبعد بث تسجيل صوتي لعيسى صالح الحسن يهدّد من خلاله بفتوى تسمح بقتل شيعة البحرين، قدّم الناشط حسن سترة أدلة إلى مديرية مكافحة الجرائم الالكترونية. وجاء الرد أن الحسن لم يكن مواطنًا بحرينيًا بل سعوديًا ولا يمكن اتخاذ أي تدبير فيه رغم إقامة الحسن في البلاد وترشحه للانتخابات عام 2018. لكن بعد ضغوط كبيرة من المواطنين البحرينيين، غرّدت وزارة الداخلية البحرينية على موقعها على تويتر أنها تعمل على اتخاد الإجراءات القانونية اللازمة كما تعمل على إلقاء القبض على المسؤول عن التسجيل. إنما العديد من الشيعة البحرينيين ما زالوا يعتقدون أنه لن يحدث شيء، تمامًا كما حصل في حالات سابقة.
وآخر الإنتهاكات الحاصلة حديثاً تمثلت باعتقال الدكتور وسام العريض وعبد النبي السماك وناجي أحمد عيد وناصر علي ناصر وعيسى سلمان بسبب تلاوة زيارة عاشوراء. واستدعي السيد محمد الغريفي بسبب ذكره لوقائع تاريخية تتعلق بيزيد بن معاوية. وتم اعتقال الملا قاسم زين الدين بعد استدعائه بسبب لعن بني أمية والتحدث عن جرائمهم. كما اعتقل الشيخ إبراهيم الأنصاري لقيادته إحياء مراسم عاشوراء. هذا واضطر الناشط عادل مرزوق للتوقيع على تعهد بالامتناع عن وضع لافتات سوداء على منزله.
كالعادة، يتخذ التمييز ضد الشيعة في البحرين مستويات جديدة خلال ذكرى عاشوراء. ومع ذلك، فشلت السلطات البحرينية هذه السنة في استخدام وباء كورونا كذريعة لقمع ممارسة طقوس عاشوراء حيث أنها تسمح لديانات وطوائف أخرى بممارسة شعائرها الدينية بحرية. بالإضافة إلى ذلك، لا تتخذ الحكومة إجراءات صارمة بشأن انتشار وباء كورونا في أماكن التجمعات الكبرى.