في 17 مارس، أتمت البحرين عملية إطلاق سراح 1486 سجيناً، منح 901 منهم عفواً ملكياً “لأسباب تتعلق بالظروف الحالية”. وحكم على الـ 585 الآخرين بعقوبات بديلة. إلا أن عمليات الإفراج استثنت حتى الآن قادة المعارضة ومعتقلي الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان، لا سيما من يعانون حالات مرضية مزمنة. ومن بينهم آخر سجينة سياسية تُركت رهن الإحتجاز في سجن مدينة عيسى زكية البربوري من بين 13 سجينة فقط أطلق سراحهن سابقاً.
كانت زكية البربوري، الناشطة في العمل الديني والاجتماعي في قريتها النويدرات، من بين السجناء الذين أسقطت جنسيتهم في 6 فبراير 2019، إذ أعلنت النيابة العامة البحرينية أن المحكمة الجنائية الرابعة في البحرين أصدرت أحكاماً بالسجن بحق 11 شخصاً، وجردتهم من جنسيتهم. وبذلك باتت زكية أول امرأة يتم إسقاط جنسيتها منذ بداية عام 2019، والمرأة الثالثة المسقطة جنسيتها فقط منذ عام 2012. وقامت المحكمة بتغريم جميع المتهمين بين 100-500 دينار بحريني وحكمت على زكية بالسجن لمدة 5 سنوات، وأعيدت جنسيتها في 21 أبريل 2019 بموجب أمر ملكي من ضمن 551 محكوماً.
وكانت منظمة ADHRB قد وثقت اعتقال زكية مع ابنة أختها فاطمة داوود جمعة التي أطلق سراحها لاحقاً في 27 يونيو 2018 بعد أن أسقطت عنها التهم. وكانت زكية مهندسة كيميائية في الثلاثين من عمرها، عندما تعرضت للاختفاء القسري لمدة تزيد عن ثلاثة أسابيع، حيث تم احتجازها من قبل مسؤولي الحكومة الذين فشلوا في الكشف عن مصيرها ومكان تواجدها. كما لم يقدروا على إبلاغ الأسر حينها عن موقعها إلا بعد فترة تقارب الشهر.
عند اعتقالها قام الضباط بتفتيش غرفة زكية لمدة عشر دقائق دون السماح للعائلة بالدخول، وتفتيش المنزل بالكامل وتفتيشها هي شخصيا. غادر الضباط المنزل، ثم عادوا واعتقلوا ابنة اختها فاطمة. وقام الضباط بمصادرة جهاز الحاسوب المحمول وهاتفها الخلوي، إضافة إلى سيارة زكية. عندما طلبت العائلة معلومات حول سبب الاعتقال، رد الضباط بأنه سيتم استجواب فاطمة وزكية في مديرية التحقيقات الجنائية التابعة لوزارة الداخلية (CID).
في حوالي الساعة الخامسة والنصف صباحاً من نفس اليوم، اتصلت زكية بعائلاتها وأخبرتها أنها محتجزة في إدارة المباحث الجنائية واستمرت المكالمة بضع ثوان فقط.
في 19 مايو 2018، عاد الضباط إلى المنزل حوالي الساعة الرابعة صباحاً، وقاموا بتفتيش غرفة زكية لمدة ساعة أخرى، كذلك دون مذكرة. ورفض الضباط إبلاغ العائلة عن سبب التفتيش، ولم يسمحوا لهم بالاقتراب من الغرفة، كما لم يوضحوا أسباب الاعتقال في اليوم السابق.
لم تتلق العائلة أي إشعار رسمي بمكان تواجدها، ولم تتمكن من التحدث معها إلا بعد مرور شهر تقريباً على توقيفها، في 14 يونيو. وقد نفى ضباط في قسم التحقيقات الجنائية، وضباط احتجاز الأحداث، وضباط سجن عيسى للنساء وجودها في عهدتهم عندما طُلبت منهم معلومات عن موقعها.
في 15 يونيو 2018، أُرسلت زكية إلى سجن عيسى للنساء، حيث تمكنت من رؤية عائلتها والتواصل معهم للمرة الأولى منذ اعتقالها، رغم أن المدة لم تتعد الثلاثين دقيقة. وخلال هذا الوقت، تم الكشف عن احتجاز زكية في الحبس الانفرادي لمدة 28 يومًا، وتعرضها لضغوط هائلة من قبل السلطات أثناء الاستجواب. وقد قام الضباط باستجوابها في الأيام الستة الأولى من اختفائها.
كانت الاتهامات الموجهة إلى زكية وابنة أختها هي وجود متفجرات واسلحة في المنزل، وتلقي التمويل من إيران؛ والعضوية في تيار الوفاء الإسلامي. حكم على زكية بهذه التهم رغم عدم العثور على أدلة أو مستندات حول حيازتها أسلحة أو أي من التهم الموجهة لها.
وكانت زكية البربوري من بين التسع سجينات السياسيات اللواتي وثقت المنظمة معانتاهن في تقرير أطلقته بالتعاون مع معهد البحرين للحقوق والديموقراطية BIRD تحت عنوان: “كسر الصمت، المعتقلات السياسيات يفضحن الإنتهاكات الحاصلة داخل السجون”.
وكشف التقرير عن تعرض السجينات السياسيات في البحرين قبل اطلاق سراح غالبيتهن الى اعتداءات في جميع مراحل الإجراءات الجنائية وذلك يشمل: الإعتقالات التعسفية، الإعتداءات الجسدية والتعذيب النفسي من أجل استخلاص اعترافات، المحاكمات غير القانونية وبيئة السجون غير الإنسانية. وتم غض النظر عن هذه الاعتداءات وذلك على الرغم من وجود فريق إشراف ممول من قبل والحكومة الأمريكية والمملكة البريطانية، أي فشل هؤلاء بالقبض على المنتهكين ومحاسبتهم.
وأشار التقرير المؤلف من 135 صفحة الى ارتفاع نسبة الاستهداف السياسي للناشطات النساء والمدافعات عن حقوق الانسان منذ عام 2017 وذلك كجزء من خطة هدفت الى قمع الحق في حرية التعبير والحق في المعارضة السلمية والتي تزامنت مع إعادة سلطات الاعتقال التابعة جهاز الأمن الوطني (NSA) في يناير 2017.
بيّن التقرير ما كشفته النساء عن وجود ثلاث حالات اختفاء قسري بعد اعتقالهن التعسفي، وأنهن خضعن للتحقيق دون وجود محامٍ. لقد تمت هذه التحقيقات في مديرية التحقيقات الجنائية، أمن الدولة ووحدة التحقيق في البحرين، واتهمت النساء هذه المؤسسات باستعمال طرق التعذيب والتعدي الجنسي خلال التحقيق. لقد استُخدمت الاعترافات التي تم الحصول عليها عن طريق التعذيب في محاكمات غير قانونية للحكم على 6 من النساء اللواتي ذكرن في التقرير.
لقد أقرت جميع النساء انه تم تهديدهن بالضرب، الإغتصاب وقتل أحد أفراد عائلتهن وأقر النصف انهنّ تعرضن للاعتداء الجسدي عبر الضرب، الركلات واللكمات. بالإضافة الى أشكال سوء المعاملة منها: الحبس الانفرادي، الوقوف الاجباري، الحبس في غرف مظلمة أو باردة، الوقوف بطريقة مؤلمة لعدة ساعات. “لقد ابتدأ التعذيب فوراً عند الاعتقال، في السيارة من قبل اشخاص ملثمين، مسلحين بملابس مدنية” قالت مدينة علي وقالت احدى النساء “لقد تم تعصيب عينيّ وتعذيبي عبر ضرب وجهي مباشرة أو على الجدار”.
بحسب التقرير، ذكرت زكية البربوري أن ضباط إدارة المباحث الجنائية هددوا بسجن إخوانها واتهموهم بالتجسس، وأكدت أنها تعرضت للاختفاء القسري لمدة 14 يومًا وتم وضعها في الحبس الانفرادي لمدة 28 يومًا – وهي الفترة التي “فقدت مسارها الزمني”. الفترة التي تعرضت فيها لـ “ضغط قوي”.
زكية من بين النساء التسع اللواتي أدنّ الظروف السائدة والمروعة في السجن، بما في ذلك الحرمان من الرعاية الصحية والتقييد المفروض على كل من الزيارات العائلية والأوقات المسموح بقضائها خارج الزنزانات، إضافة الى التهديدات وعمليات التفتيش “المهينة” التي تعرضن لها. إذ ذكرن أنهن قد تعرفن على رئيسة السجن، الرائد مريم البردولي، وهي المسؤولة الأساسية عن الممارسات التعسفية والاستبدادية.