بينما ترتفع الأصوات الحقوقية والدولية المطالبة بإطلاق سراح سجناء الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين لم يشملهم قرار العفو الملكي في البحرين كإجراء احترازي من احتمال تفشي فيروس كورونا داخل السجون، تبدي سلطات البحرين تجاهلها لتلك النداءات وتمارس التمييز بحق هؤلاء السجناء الذي لم يشملهم العفو وذلك عبر منصة اعلامها الرسمي.
مؤخراً دعت أكثر من 20 منظمة حقوقية، من ضمنها “منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين ADHRB”، السلطات البحرينية إلى الإفراج عن المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء المعارضين الذين سُجنوا لمجرد ممارستهم السلمية لحقوقهم في حرية التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، وذلك في خضم التهديد العالمي الذي يشكله فيروس كوفيد-19.
بيان المنظمات هذا استطاع إثارة الجدل لدى السلطات البحرينية إذ اتجه عدد من النواب والحقوقيين في البحرين إلى نعت هذه الدعوات لإطلاق سراح النزلاء بـ “المزايدات المشبوهة” محاولين تأكيد التزام البحرين باحترام حقوق الإنسان كاملةً، وأن مراكز الإصلاح والتأهيل تحظى برعاية واهتمامٍ مباشر من وزير الداخلية، والإجراءات الاحترازية المتبعة صارمة، حيث شمل العفو والعقوبات البديلة أكثر من 1500 نزيل.
ومع العلم بأنّ العديد ممن استثناهم قرار الإفراج معظمهم من كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة وأوضاع صحية حرجة، إلّا أن عضو لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب بدر الدوسري اعتبر أن تلك الدعوات تستغل أزمة كورونا من أجل الإفراج عن النزلاء المرتبطة قضاياهم بجرائم جنائية سواء في الحق العام أو الخاص.
وتعقيباً على البيان المشترك الموقع من أكثر من 20 منظمة حقوقية للمطالبة بالإفراج عن المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء المعارضين الذين سُجنوا لمجرد ممارستهم السلمية لحقوقهم في حرية التعبير، وجه رئيس للمجموعة البرلمانية في البرلمان البريطاني لجميع الأحزاب الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخليج رسالة في 9 أبريل الى سفير مملكة البحرين في بريطانيا فواز بن محمد آل خليفة يؤيد فيها ما جاء من مطالب في البيان المشترك للمنظمات، ويعبر عن خيبة أمله من استبعاد المدافعين عن حقوق الإنسان وقادة المعارضة من قائمة المفرج عنهم ضمن الإجراءات الإحترازية لمنع تفشي فيروس كورونا في السجن، لاسيما وأن من بينهم كبار في السن ولديهم حالات صحية مزمنة كحسن مشيمع والدكتور عبد الجليل السنكيس، كما عبر عن أسفه من فشل إدارة السجون في توفير الرعاية الصحية المناسبة للسجناء.
ففي 17 مارس، أتمت البحرين عملية إطلاق سراح 1486 سجيناً، منح 901 منهم عفواً ملكياً “لأسباب إنسانية”. وحكم على الـ 585 الآخرين بعقوبات بديلة. ومع أن هذه الخطوة كانت إيجابية، إلا أن عمليات الإفراج استثنت حتى الآن قادة المعارضة والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، علماً أن العديد منهم من المسنين و/أو ممن يعانون حالات مرضية مزمنة. وهؤلاء الأشخاص معرضون جداً لخطر الإصابة بعوارض خطيرة إذا انتقلت إليهم عدوى فيروس كوفيد-19، لذا يجب أن يحظوا بأولوية في عمليات الإفراج.
في السياق ذاته، ورداً على ادعاءات المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان فنّد المعتقل عبد الله حبيب سوار ادعاءات ما جاء في تقرير متلفز على لسان رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان ماريا خوري حول الجهود المبذولة لحماية السجناء من وباء كورونا في رسالة صوتية أدلاها في 7 أبريل 2020، وهنا أكد عبد الله أن هذا الكلام عارٍ عن الصحة حيث لم يتم تعقيم المباني كما ذُكر، وبعد منع الزيارات لم يُسمح باتصالات مرئية بعد، وتغيب الإجراءات الإحترازية عن المباني لتوخي انتشار فيروس كورونا. وبيّن عبد الله في التسجيل الصوتي أنه وبعد معاناته من زكام شديد طلب إجراء فحص طبي احترازي ولكن لم يعيروه أي اهتمام، هذا وسط انتشار الأمراض الجلدية بين السجناء نتيجة عدم السماح لهم بالتشميس لأكثر من ساعة في اليوم. كذلك، وجّه المعتقل الصحافي محمود الجزيري رسالة صوتية إلى المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وخصّ بها الرئيس ماريا خوري والأعضاء، كشف خلالها حقيقة التقرير الذي عُرض ضمن برنامج على التلفزيون البحريني الرسمي نافياً ما جاء به ومعتبراً أنه مسرحية مصورة ولا تمت لواقع السجن بصلة، حيث أنه تم التركيز على مبنى جديد افتتح منذ أسبوع في السجن ونقل إليه عدد بسيط من السجناء بينما تم التعتيم على المباني المزدحمة بالسجناء والتي تفتقد الى الظروف الصحية الملائمة ولا جهود مبذولة لحماية السجناء من فيروس كورونا.
هنا سارعت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إلى نفي ما عبرت عنه بالادعاءات المتداولة حول حرمان بعض نزلاء مركز الإصلاح والتأهيل من حقوقهم وخاصة الصحية. وذكرت عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أنه ورد إليها عدد من الادعاءات حول نقل أحد النزلاء (م.ج.) إلى الحبس الانفرادي بعد نشره تسجيلاً صوتيا بشأن الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها إدارة مركز الإصلاح والتأهيل، والمتعلقة بفيروس كورونا، فاعبرتها عارية عن الصحة. كذلك ادعى مدير عام الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل بدء الإدارة تشغيل خدمة الاتصال المرئي بين النزلاء وذويهم دون، وذلك بعد وقف الزيارات في وقت سابق.
والجدير ذكره أنه في 25 مارس أعربت مفوضية حقوق الإنسان عن قلق شديد إزاء اكتظاظ السجون حيث يقبع الكثيرون في ظروف غير نظيفة وغير صحية، الأمر الذي قد يكون سببا في انتشار أوسع لفيروس كورونا، ودعت إلى إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من السجناء كإجراء حاسم للحدّ من تفشي داء كوفيد-19.
وفي بيان صادر، أشادت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، بالإجراءات التي اتخذتها بعض الدول للتخفيف من عدد السجناء في المرافق ومراكز التوقيف ودعت دولاً أخرى إلى اتخاذ إجراءات مماثلة. وقالت إن التلويح بحبس من يخالف القوانين يفاقم الأوضاع في السجون ولن يساهم في الحد من الانتشار، مشيرة إلى أن الاحتجاز يجب أن يكون آخر إجراء تلجأ إليه الحكومات، خاصة في خضم هذه الأزمة.
وتطرقت المفوضة السامية لحقوق الإنسان إلى أوضاع المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، وقالت إن على الحكومات إطلاق سراح كل شخص ليس موقوفاً على أسس قانونية، بمن فيهم السجناء السياسيون ومعتقلو الرأي. وبعد إطلاق سراحهم، ينبغي أن يخضعوا إلى الفحوصات والإجراءات الطبية اللازمة، للتحقق من خلوهم من الأمراض وتقديم الرعاية اللازمة للمحتاجين إليها ومتابعة أوضاعهم الصحية.
بدوره، دعا الحقوقي الدولي بريان دولي حكومات الشرق الأوسط لا سيما حكومة البحرين إلى إطلاق سراح السجناء المرضى والمسنين والسياسيين. تلك الدعوة جاءت في مقال له على موقع “هيومن رايتس فيرس” تحت عنوان “أربعة أسباب توجب حكومات الشرق الأوسط على إطلاق سراح السجناء” أشار خلاله إلى الدعوات التي أطلقتها عشرات المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني للإفراج الفوري عن السجناء بسبب وباء COVID-19 .
فيما يتعلق بالبحرين لفت دولي إلى الإفراج عن 1500 سجين تقريباً، يقول نشطاء حقوق إنسان محليون إن حوالي 300 منهم سجناء سياسيون، لكنه اوضح أن العديد من السجناء السياسيين ما زالوا معتقلين ومنهم الأكاديمي عبد الجليل السنكيس والقائد البارز حسن مشيمع واصفا إياهما بـ”المعارضين السلميين” اللذين تعرضا للتعذيب وحكم عليهما بالسجن مدى الحياة عام 2011، لافتاً إلى أن كليهما يعاني من أمراض مزمنة خطيرة.
وكانت منظمتا ADHRB و BIRD قد نشرتا بياناً مع إطلاق سراح السجناء بموجب العفو الملكي وقالتا فيه: “استبعد العفو بعض الأفراد الذين اعتبرهم فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي محتجزين تعسفياً، بمن فيهم السيد نزار الوادعي البالغ من العمر 21 عامًا والذي أُدين في عام 2017 في عمل “انتقامي” بسبب نشاط ابن عمه مدير الدعوة في معهد BIRD السيد احمد الوادعي. وتعتبر زكية البربوري آخر سجينة سياسية في البحرين، مما يجعلها واحدة من 13 سجينة فقط اللواتي تركن رهن الاحتجاز في البلاد.