دفع انتشار فيروس كورونا المستجد covid – 19 بالعديد من دول العالم للإفراج عن السجناء خشية إصابتهم بالوباء المؤدي إلى الوفاة لمن يعانون سابقاً من أمراض مزمنة ومحتجزون في بيئة تفتقر الى أدنى معايير النظافة والصحة والوقاية من الأمراض المعدية. وهنا يتبادر الى أذهاننا حال المعتقلين في السجون السعودية المكتظة بعدد كبير من السجناء مقارنةً بمساحة السجون.
وعندما أعلنت الحكومة السعودية خطة الطوارئ لمنع تفشي الفيروس المستجد، أفرجت السلطات عن عشرات السجناء المخالفين لنظام الإقامة والعمل من سجن الشميسي، وتجاهلت إطلاق سراح معتقلي الرأي الذين يعانون من ظروف صحية حرجة نتيجة التعذيب والحرمان من الحصول على الرعاية الصحية وعدم توفر أدنى معايير النظافة. لذا بات خطر انتشار فيروس كورونا بين المعتقلين في السجون السعودية أمراً محتملاً وسط حالات الاشتباه التي تهدد الكثير من المرضى والمسنين والأطفال بحسب ما أكد ناشطون، حيث يعيش المعتقلون في ظروف تنعدم فيها الشروط الصحية، مما يجعل فرصة انتقال العدوى بينهم مرتفعة، وهو ما يمثل كارثة إنسانية بكل المستويات لا سيما مع ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس إلى 900 حالة حتى هذا اليوم 25 مارس. كذلك أوقفت السلطات السعودية جميع الزيارات في السجون، تحت ذريعة منع تفشي فيروس كورونا.
أوردت منظمة القسط في تقارير سابقة لها معلوماتٍ عن الاكتظاظ الشديد في السجون السعودية وافتقارها للنظافة. حيث ينتشر التعذيب والمعاملة القاسية. وفي 2017، نشرت القسط عن الحالات المتكررة لتفشي الدرن والجرب وغيرها من الأمراض المعدية نتيجة لهذه البيئة السيئة. وشرعت إدارة السجون العامة بالتحقيق في هذا الأمر، لكن تحقيقاتها تفتقر إلى الشفافية ولا تفصح عن الأوضاع الحقيقية في السجون حيث التكدس الشديد الذي يصل إلى أن يتشارك المحتجزون الفراش ذاته، وأن ينام عشرات السجناء في الممرات، وأن يضطر النزلاء في بعض السجون إلى الاستحمام باستخدام أحواض غسل اليدين وأباريق الماء، لافتقارهم الى مرافق الاستحمام أو دورات المياه اللائقة. وفي ضوء الانتشار السريع لفايروس كورونا دعت القسط السلطات السعودية لاحترام الحقوق الأساسية وضمانها لكل المحتجزين في السجون ومراكز الاحتجاز، وحفظ الحق في الحياة وتوفير الخدمات الصحية وقدمت سلسة من التوصيات للسلطات السعودية لتقليل الخطورة الناتجة عن الاكتظاظ الشديد، وأبرزها الدعوة للإفراج عن جميع معتقلي الرأي.
ومنذ عامين تقريباً، شنت السلطات السعودية حملات اعتقال طالت دعاة وعلماء دين وحقوقيين وأكاديميين وإعلاميين وناشطات نسويات، ووجهت لهم اتهامات بالإرهاب والتآمر على المملكة وتهديد والسلم والاستقرار، والتعاون مع جهات خارجية للإضرار بأمن البلاد، وغيرها من التهم.
واحتجزت السلطات هؤلاء المعتقلين في أماكن غير معلومة لفترات طويلة، قبل أن يظهروا في عدد من السجون بالرياض، وقال ذووهم ومقربون منهم إنهم تعرضوا لعمليات تعذيب وحشية ممنهجة، أثرت على صحتهم بشكل ملحوظ، وتسببت في وفاة بعضهم.
يعاني معتقلو الرأي في السعودية من ظروف صحية حرجة لا سيما نتيجة التعذيب الوحشي، ونخص بالذكر النساء المحتجزات: تحتاج المُعتقلة نعيمة المطرود حالياً لعملية جراحية مستعجلة، إلا أن إدارة السجن تزيد من معاناتها بمنع المسكنات والأدوية الأولية عنها، وذلك بالرغم من معاناتها من مرض فقر الدم المنجلي، وفي ظل احتمال تفشي فيروس كورونا في السجن فإن وضعها الصحي على المحك. في حين طالبت لينا الهذلول، شقيقة الناشطة المعتقلة لجين الهذلول بإطلاق سراح المعتقلين، وفي مقدمتهم شقيقتها؛ نظرا للخطر الحقيقي الذي يشكله انتشار كورونا.
في 22 فبراير2019 وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة الإنتبندنت البريطانية كشف شقيق لجين الهذلول “وليد الهذلول” عن تعرّض شقيقته للتعذيب والتحرش الجنسي على أيدي جلاديها، وأن وضعها الصحي يزداد سوءاً مما قد يؤدي إلى صعوبة علاجها مع الوقت.
وفي تفاصيل جديدة حول وقائع تعذيب شقيقته، أوضح أنّها تعرضّت للجلد والضرب والصعق بالكهرباء، فيما كان الرجال الملثمون يوقظونها أحياناً في منتصف الليل وسط صرخات الوعيد والتهديد. وأكد وليد أن عائلته وكذلك منظمة “هيومن رايتس ووتش” شددوا خلال الأشهر الأخيرة، على أنها تعرضت هي والمعتقلات الأخريات للتعذيب والتحرش الجنسي في السجن. وأنّ الهذلول أخبرت والديها أنها احتجزت في الحبس الانفرادي، وتم ضربها، وتعذيبها بغمرها بالمياه، والصعق بالصدمات الكهربائية، والتحرش الجنسي، والتهديد بالاغتصاب والقتل.
سلطت منظمة ADHRB الضوء على الانتهاكات التي تتعرض لها المدافعات عن حقوق الإنسان في السعودية، في مداخلة شفهية خلال الدورة 43 لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ناشدت حكومة السعودية بإسقاط التهم عن المدافعات عن حقوق الإنسان وإطلاق سراحهن فوراً معبرةً عن قلقها بشأن تقارير موثوقة عن التعذيب والتحرش الجنسي الممارسين ضد المدافعات عن حقوق الانسان بأمر من محمد بن سلمان وبتنفيذ محمد القحطاني. وخصت بالذكر المدافعات والناشطات اللواتي اعتقلن قبل أو مباشرة بعد رفع الحظر عن قيادة المرأة في 2018 بمن فيهن سمر بدوي ولجين الهذلول ونسيمة السادة وأمل الحربي وأخريات
اعتقلت سمر بدوي ونسيمة السادة في يوليو 2018، ولكن لم تتم محاكمتهما مع غالبية المدافعات عن حقوق المرأة المعتقلات اللواتي بدأت محاكمتهن في مارس 2019 وتم الإفراج عنهن بشكل مؤقت. بينما أحيلت لجين الهذلول للمحاكمة، مازالت في السجن حيث تتعرض للتعذيب وسوء المعاملة. أما سمر بدوي، فلا زالت تدافع عن حقوق النساء في السعودية منذ 2010 عندما رفعت دعوى ضد الحكومة متحدية بذلك نظام الوصاية الذكوري. وقد استهدفت السادة كالأخريات من قبل الحكومة السعودية بسبب نشاطها حيث رفعت صوتها في النضال من أجل حقوق الانسان وحقوق النساء في السعودية ودعم المتظاهرين المدافعين عن حقوق الانسان.
ومع احتمال تفشي فيروس كورونا المستجد في السجون السعودية تدعو منظمة ADHRB الحكومة السعودية إلى إطلاق سراح معتقلي الرأي لا سيما الذين يعانون من ظروف صحية حرجة وسط تردي أوضع السجون واكتظاظها وتكرر دعوات المنظمات الحقوقية والناشطين لإطلاق سراح المعتقلين قبل فوات الأوان وتفشي الفيروس بين السجناء.