يحل يوم الخامس والعشرين من نوفمبر وهو اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة الذي حددته الأمم المتحدة، ليجدّد الإدانة لما تتعرض له المعتقلات السياسيات والمدافعات عن حقوق الإنسان في سجون البحرين والسعودية ولاستمرار فضح الأساليب القمعية المروعة التي ينتهجها نظام كلتا الدولتين في تعذيب النساء، ولعلّ هذا اليوم يشكل منصة واضحة لتأكيد الأوساط الحقوقية والدولية على نداءاتها بشأن الحد من الأساليب القمعية والإقلاع عن تعذيب النساء في السجون والدعوة الى إطلاق سراحهن.
من هنا تكرر منظمة ADHRB مطالبها للبحرين والسعودية بفتح تحقيقات حول أساليب التعذيب المروعة في السجون بحق النساء والمنافية للقوانين والاتفاقيات الدولية لا سيما اتفاقية مناهضة التعذيب ومحاسبة الجناة، كما وتطالب المنظمة الحكومات الغربية الحليفة لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا بوقف دعمها غير المحدود للبحرين والسعودية الذي يدفعها الى ارتكاب المزيد من الانتهاكات.
يمثل التقرير السابق الذي أطلقته منظمة ADHRB تحت عنوان “كسر الصمت: السجينات السياسيات في البحرين يفضحن الإنتهاكات الحاصلة داخل السجون” أحد أبرز التقارير التي توثق حالة تسع سجينات سياسيات بعضهن أطلق سراحهن وبعضهن لا يزلن معتقلات في سجون البحرين. تعرضت السجينات السياسيات في البحرين الى اعتداءات في جميع مراحل الإجراءات الجنائية وذلك يشمل: الإعتقالات التعسفية، الإعتداءات الجسدية والتعذيب النفسي من أجل استخلاص اعترافات، المحاكمات غير القانونية وبيئة السجون غير الإنسانية.
يتم غض النظر عن هذه الاعتداءات وذلك على الرغم من وجود فريق إشراف ممول من قبل والحكومة الأمريكية والمملكة البريطانية، أي فشل هؤلاء بالقبض على المنتهكين ومحاسبتهم.
وعلى الرغم من تلقي البحرين لعدة توصيات من الدول خلال استعراضها الدوري الثالث، إلّا أنها لم تتخذ خطوات لوضع حد للتعذيب والمعاملة المهينة، وحتى أنها لم تعمل على ضمان حصول المعتقلات على محاكمات عادلة وفقاً للمعايير الدولية. وعلى عكس ذلك، إن تفسير حالات التسع نساء المستهدفات لأسباب سياسية يدل على أن ممارسة التعذيب واخضاعهن للمعاملة المهينة والمحاكمات الجائرة إلى وانعدام الإجراءات القانونية اللازمة، ما هي إلا سمات تميز النظام القضائي في البحرين. كما تثبت قضاياهن استمرارية وجود ظاهرة الإفلات من العقاب حيث تبين عدم خضوع مرتكبي الجرائم والإهانات للمحاسبة والمساءلة.
استهدفت كل من أميرة القشمعي وابتسام الصايغ وفاتن ناصر وهاجر منصور ومدينة علي ونجاح يوسف وزهرة الشيخ وزينب مرهون وزكية البربوري لأسباب سياسية حيث تعرضت كل منهن للإعتقال بشكل تعسفي والإحتجاز دون مذكرة قضائية ودون إخبارهم عن السبب
أفادت النساء، أثناء فترة الإحتجاز، أن السلطات قد حرمتهن من إمكانية الإستعانة بمحام وعرضتهن للإهانة الجسدية والجنسية والنفسية إلى جانب الإساءة اللفظية من خلال تهديدهن بالإعتداء عليهن أو قتلهن.
أفادت كل من زينب، ابتسام، فاتن وهاجر ونجاح أنهن قد تعرضن لسوء المعاملة والإهانات اللفظية على أيدي السلطات خلال الإستجواب. وأضفن أنهن غالباً ما كن يُجبرن على التحقير الديني والجنسي.
وذكرت كل من زهرة، نجاح، مدينة وابتسام أنهن قد تعرضن للإعتداء الجنسي، خلال الإستجواب، بدءاً من الصفعات وصولاً إلى الضرب المبرح مما تطلب دخولهن إلى المستشفى.
أدانت المحاكم البحرينية ثماني نساء من بين التسعة – زكية، نجاح، أميرة، فاتن، هاجر، مدينة علي، زهرة، وزينب – في محاكمات جرت بين أكتوبر 2017 وفبراير 2019، وأصدرت بحقهن أحكام تراوحت ما بين 6 أشهر إلى 5 سنوات في السجن. استنفذت كل من هاجر وأميرة وفاتن ومدينة كافة سبل الإنصاف القانونية فخُفف الحكم الصادر بحق أميرة وفاتن إلى 3 سنوات عند الإستئناف إلا أنه قد تم الإفراج عنهما لاحقاً بموجب قانون العقوبات البديل. أما ابتسام التي تم إطلاق سراحها في 22 أكتوبر 2017 هي المرأة الوحيدة التي لم تُحل قضيتها إلى المحاكمة”.
ذكرت الثماني نساء اللواتي أحيلت قضاياهن للمحاكمة أنهن قد تعرضن لأشكال عديدة من الإنتهاكات من بينها الخضوع لمحاكمة غير عادلة. وأفادت العديد من النساء أن المحكمة قد استعانات باعترافاتهن التي أدلين بها تحت الإكراه كدليل ضدهن أثناء المحاكمة. كما قامت كل من أميرة وفاتن وزكية ونجاح وزينب بالإبلاغ عن التقييد المفروض عليهن حيث منعن من التواصل مع الحامي قبل وخلال إجراء المحاكمة. علاوة على ذلك، جرت محاكمة كل من أميرة وفاتن في محاكمة جماعية مع 60 شخصاً. أما زينب فقد جرت إدانتها مع 20 فرداً.
استمرت السلطات في اضطهاد النساء في مركز مدينة عيسى، المكان الوحيد المخصص للنساء في البحرين. وأثناء الاحتجاز، سعت كل من النساء للفت الانتباه لقضاياهن ولكن باءت جميع محاولتهن بالفشل. وادعت النساء أن الحراس قد استخدموا عقوبات جماعية ضد السجينات من أجل عزلهن عن البقية. وذكرت العديد من النساء أن الحراس قد صادروا ممتلكاتهن واعتعدوا عليهن وانتهكوا خصوصية كل منهن حيث قاموا بمراقبتهن أثناء تواجدهن في ساحة السجن وخلال إجراء المكالمات الهاتفية والزيارات. وأضفن تعرضهن للتمييز بسبب مذهبهن من خلال قيام إدارة السجن بتحديد أوقات لوجبات الطعام تتعارض مع أوقات الصلاة وبذلك يتوجب على كل النساء الإختيار ما بين الصلاة وتناول طعامهن. كما حرمن من ممارسة الشعائر الدينية كالمنع من إحياء ذكرى عاشوراء والحصول على النصوص الدينية.
في 19 سبتمبر 2019 نشر فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالإحتجاز التعسفي بياناً عبر فيه عن موقفه من قضية الناشطة نجاح يوسف – المطلق سراحها مؤخراً – والتي إعتقلت في أبريل 2017 بسبب منشوراتها على مواقع التواصل الإجتماعي التي تحتج فيها على سباق الفورمولا 1 منتقدة الحكومة البحرينية. رأى فريق الأمم المتحدة العامل المعنى بالإحتجاز التعسفي أن إحتجازها تعسفي وغير عادل، وينتهك حقها بحرية التعبير وبمحاكمة عادلة. كما أنه “شدد بوجه خاص على أنه لم يكن ينبغي إجراء أي محاكمة للسيدة يوسف”، ودعا السلطات البحرينية منحها تعويض عن إنتهاكهم لحقوق الإنسان الخاصة بها.
قالت نجاح يوسف، تعليقاً على القرار: إنني سعيدة بإقرار الامم المتحدة بآلامي واعترافهم بانعدام عدالة سجني. ولكن هنالك العديد من السجناء السياسيين، في البحرين، الذين تحملوا سوء المعاملة نفسه ومنهم زميلاتي في الزنزانة هاجر ومدينة. إن ما مررت به ليس إلا حالة من بين حالات ولا يجب علينا نسيان هذه الحالات. على المجتمع الدولي حث الحكومة البحرينية لوضع حد لسوء المعاملة المنهجي المعتمد مع مواطنيها.
أساليب القمع التعسفية التي تنتهجها السلطات السعودية في سجونها بحق المعتقلات السياسيات والمدافعات عن حقوق الإنسان لا تختلف كثيراً عن الوضع السائد في سجون البحرين، إذ تعرضت الناشطات لجين الهذلول وسمر بدوي، شدن العنزي، عزيزة اليوسف، إيمان النفجان، ونوف عبد العزيز الدوسري، لتعذيبٍ شديد ووحشي وتحرش جنسي:
- اعتقلن جميعهن بمداهماتٍ على منازلهن، وتم تسليط كشافات إضاءة عليهم وتوجيه الأسلحة عليهن. أخذِتْ لجين الهذلول بشكل مرعب من فراشها من غرفة نوم في منزل والدها في الرياض. سمر بدوي بقيت في الشارع منذ الواحدة صباحا حتى الثالثة صباحاً تحمل طفلتها جود (أربع سنوات) تحت حراسة وإضاءة ساطعة والأسلحة موجهة لها وهي واقفة وتحمل طفلتها. حتى أتت والدة الناشط وليد أبو الخير (جدة جود) وأخذت الطفلة
- صُوِّرت إحداهن على الأقل وهي عارية وَعُرِضت الصورة أمامها على الطاولة أثناء التحقيق
- تعرّضت واحدة منهن على الأقل لتحرش جنسي جسدي بواسطة حارِسات السجن، وضُرِبَت وَلُمِسَت في أماكن حساسة
- عُرِّيَت تمامًا واحدة منهن، على الأقل، أمام عدد من المحققين ولُمِسَت في أماكن حساسة بينما هي مكبلة بالأصفاد، وسئلت أسئلة ساخرة مثل، “من سيحميك الآن؟”، “أين هي المنظمات الحقوقية عنك؟”، و”أين هم المدافعون عن حقوق الإنسان ليساعدوك؟” وقيل لأخرى، “أين هو ربّك ليحميك؟
- تعرضت إحداهن على الأقل للتعذيب النفسي، إذ قيل لها أن أحد أفراد عائلتها قد توفي، وأنهم حريصون على إنهاء التحقيق معها حتى تتمكن من رؤية جثته قبل دفنها
- استخدمت السلطات والد أحد النساء لتصوير مقاطع فيديو ضدها لتشويه سمعتها. كما استخدمت آخر ليشهد ضد ابنته ويبدي انحيازه للسلطات حتى بعد علمه بتعرضها للتعذيب
- سُمّي موقع التعذيب بـ “الهوتيل” أو “دار ضيافة الضباط”
في السابع والعشرين من سبتمر 2019 دعا خبراء من الأمم المتحدة إلى إطلاق سراح لجين الهذلول، بعد مرور 500 يوم على اعتقالها حتى تاريخ توجيه البيان. وفي بيان صادر عن مجموعة مؤلف من 15 خبيراً مستقلاً – وهم المقررون الخاصون وأعضاء الفريق العامل للأمم المتحدة المعني بمسألة التمييز ضد المرأة في القانون والممارسة عبّروا أنّ لجين الهذلول “التي احتُجزت لأسباب أمنية وطنية زائفة، كان لها دور فعال في الحركة التي سمحت للنساء بقيادة السيارات والدفع لإنهاء قوانين الوصاية الذكورية”.
أشار الخبراء إلى أن المملكة العربية السعودية حظيت بالثناء على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولي، لجهودها الأخيرة لإصلاح التشريعات التمييزية في هذه المجالات.
وقال الخبراء، “إنه لنفاق مثير للصدمة أن تظل السيدة الهذلول في السجن لقيامها بحملات لتغيير القوانين التي تم تعديلها منذ ذلك الحين. في الواقع، لم يكن يجب أن تُسجن في المقام الأول لممارستها حقوقها الأساسية في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات”.
وكان خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة، قد أعربوا عن مخاوفهم أمام الحكومة السعودية بشأن الحملة على المدافعات عن حقوق النساء، في عدد من المناسبات.
في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة تطلق منظمة ADHRB دعوة صريحة للبحرين والسعودية بفتح تحقيقات حول أساليب التعذيب المروعة في السجون بحق النساء والمنافية للقوانين والاتفاقيات الدولية لا سيما اتفاقية مناهضة التعذيب ومحاسبة الجناة، كما وتطالب المنظمة الحكومات الغربية الحليفة لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا بوقف دعمها غير المحدود للبحرين والسعودية الذي يدفعها الى ارتكاب المزيد من الانتهاكات.