”هناك خاصية مميزة لدول مجلس التعاون الخليجي؛ البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة: هي انتشار للاقتصاد الريعي“(بهجت 1995)
منذ اكتشاف احتياطيات هائلة من ثروة الموارد الطبيعية في الخليج، أصبحت تلك المنطقة محطّ اهتمام العالم، حيث ظهرت بسرعة بنية السلطة الجديدة. واستفادت الأسر الحاكمة الغنية من اكتشاف النفط والغاز، وبدأت بالعمل وفقاً لأهداف طويلة الأجل في مشاريع رأسمالية تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة وتعزيز الأجهزة الأمنية لكل دولة تتواجد في منطقة يتراجع استقرارها بشكل متزايد في العالم. ومع ذلك، فإن تقسيم الثروة، أو عدم وجود ذلك، سرعان ما أصبح هو العامل المهيمن في تلك البلدان، حيث توجهت قطاعات كبيرة من إيرادات الدولة نحو تمويل أنماط الحياة الفخمة لملوك المنطقة. وتزامن ذلك مع انجاز هذه الممارسات التجارية الفاسدة المنهجية من جانب العائلات الحاكمة، والتي عملت فقط على تفاقم الاستراتيجيات الحاكمة والغير عادلة في دول الخليج.
في كل من دول مجلس التعاون الخليجي، يتم الحصول على حصة كبيرة من الإيرادات الحكومية من الإيجارات الأجنبية لاستخراج الموارد الطبيعية، مما يعني أن هذه الدول تعتمد اعتماداً كبيراً على هذه العائدات لتمويل المشاريع القصيرة وطويلة الأجل.
” العيش كالملك “
أصبحت أنماط الحياة الوفيرة التي تتمتع بها الأسرة الحاكمة في البحرين سمة عامة للملكية الخليجية في جميع المجالات. فإنّ مقارنة وتباين الثروة التي يتمتع بها جزء ذو امتياز من السكان بالغالبية المتبقية، يسلط الضوء على الطبيعة غير العادلة وغير المستدامة للملوك المتسلطين وأسرهم.
ووفقاً للتقديرات، تلقّت الأسرة الحاكمة في البحرين بين عامي 1926 و1970 حوالي ربع ثروات البلاد. ويمثل إجمالي مبلغ النقود الذي تلقوه معاً كعائلة “أكبر بند من النفقات المتكررة”.
كما وتمتلك عائلة آل خليفة مجموعة من السلع الفاخرة تقدر قيمتها بعدة ملايين من الدولارات، بما في ذلك يخت “السلام”، أحد أكبر اليخوت في العالم من حيث الحجم. فقد كان هذا اليخت يقدّر بسعر 314 مليون دولار في السوق، وتم تسليمه كهدية إلى ولي عهد البحرين من قبل المملكة العربية السعودية. بالإضافة إلى ذلك، يتكون أسطول طائرات العائلة من ست طائرات، وهي من طراز بوينج بيزنس جيت BBJ2، وطائرتان من طراز بوينج 747-400، وطائرة بوينج 767-400ER، وطائرة خاصة من طراز غلف ستريم G-IV، ومروحية Bell 430. وتبلغ قيمة طائرة بوينج 767-400ER وحدها 250 مليون دولار.
عام 2018، ذكرت صحيفة الغارديان أن الشيخ حمد عيسى علي آل خليفة، ابن عم ملك البحرين وابن أخ نائب رئيس وزراء البحرين، اتُهم بالتراجع عن وعد بدفع 35 مليون دولار لمقابلة 26 من نجوم بوليوود إذ كان يشعر بـ “الرغبة الجامحة والخيال” تجاههم. ونفى الشيخ تلك المزاعم، وأصر على أنه يتوقع فقط أن “يتم تكليفه من 30،000 دولار إلى 50،000 دولار لعقد اجتماعات خاصة ” وفقاً للتقرير.
تقسيم الثروة
يعد قياس تقسيم الثروة والعائد الاقتصادي الفردي في البحرين مؤشراً لا يقدر بثمن فيما يخص طبقات الفساد العديدة التي تعاني منها الدولة الجزيريّة الصغيرة. فإنّ تدفق الأموال بين الحكومة والشركات، وبين الرجال والنساء البحرينيين، يتطلب الشفافية والمساءلة.
تشير التقديرات إلى أن 12.2 ٪ من البحرينيين يعيشون على أقل من 5 دولارات في اليوم، وأن هذا العدد ينسب بشكل رئيسي إلى النساء البحرينيات والشيعة والعمال الأجانب. ويدل تفاوت الثروة في البحرين إلى مدى الفساد الاقتصادي بين أسرة آل خليفة الحاكمة والأشخاص الذين يفترض أنهم يحكمون. ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، فإنّ أغنى 20٪ من السكان يمتلكون 41.6٪ من إجمالي الدخل المكتسب، مما يعكس عدم المساواة الاجتماعية المستمرة في البحرين.
في حين تحتل مملكة البحرين مرتبة جيدة بشكل خاص على مؤشر التنمية البشرية، فإن موقفها لا يمثل جزءاً كبيراً من السكان، ويستخدم كغطاء للصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الشيعي في البحرين. فينعكس نقص التمثيل الاقتصادي في النقص الأوسع للتمثيل السياسي والقضائي للسكان الشيعة. ويتم تعيين غالبية المناصب الرسمية في مجلس الوزراء ومجلس الشورى ومجلس النواب وجميع قضاة البحرين، من قبل الملك حمد، الذي يظهر تحيزاً صارماً تجاه المسلمين السنة داخل الهياكل الحاكمة للدولة. فاعتباراً من عام 2013، كان أعضاء أسرة آل خليفة يشغلون 14 من بين 35 منصباً على مستوى مجلس الوزراء، في حين شغل الأفراد الشيعة ستة فقط. كما يحتفظ الملك بالحق الحصري في تعيين القضاة والموظفين القضائيين. ونتيجة لذلك، لم يمثل الأفراد الشيعة سوى 12 ٪ من القضاء في عام 2013.
يتم استيراد كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة لقطاع الأمن الشامل في البحرين على حساب الإسكان الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، وتُستخدم هذه الذخائر نفسها بشكل روتيني لقمع المعارضة بين الأغلبية الشيعية المهمشة سياسياً. وإن انعدام الشفافية والمساءلة على قطاع الأمن، فضلاً عن دوره في القمع الأوسع للحكومة البحرينية، يسمح للمملكة بمقاومة الدعوات الداخلية والخارجية إلى حد كبير لإجراء إصلاحات ديمقراطية. ومع تزايد مستوى الاستياء المجتمعي من النظام الملكي البحريني، وتقسيم الثروة بشكل غير عادل لمرافقة ذلك، فإن استمرار نفقات الدفاع المحلية الكبيرة دون استراتيجية أمنية واضحة تزيد من نزع الشرعية عن النظام.
الاستثناء: الفساد الملكي الروتيني
وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية، سجلت البحرين 36/100 من حيث فساد القطاع العام، مما يشير إلى أن الفساد كبير للغاية، فنسبة “صفر” تعدّ مؤشراً لشدّة الفساد، ونسبة 100 تشير إلى انعدام وجود الفساد. كما ستوضح دراسات الحالة أدناه، فيبدو أنه لا وجود لجهاز حكومي قائم ينظّم شراء العقود الحكومية، فضلاً عن ممارسات الإنفاق المسؤولة من قبل المسؤولين الحكوميين في البحرين.
في عام 2014، اتهمت شركة Alcoa Inc (وهي شركة ألمنيوم أمريكية) بالرشوة من قبل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) بسبب تعاملها مع المصاهر في البحرين. كانت تقوم برشوة المسؤولين البحرينيين، بما في ذلك أفراد العائلة المالكة، بحوالي 110 مليون دولار على مدار سنوات، وأن هذا الفساد الواسع قد حدث لأن البحرين تضم واحدة من أكبر مصاهر الألمنيوم في العالم، وشركة Alcoa سترسل شركة المواد الخام الخاصة بها إلى هناك لتنقيحها، مما يعرض الشركة لمستويات عالية من الفساد الموجودة في القطاع الخاص في البحرين.
في محاولة لخلق مظهر من المساءلة والشفافية عندما يتعلق الأمر بالفساد، تم إنشاء محكمة التدقيق الوطنية (NAC) في عام 2002 من قبل الملك، مهمتها الأساسية قمع الفساد في البحرين وزيادة مكانة البحرين المنعدمة في مؤشر الفساد العالمي. ومع ذلك، سرعان ما جرّدت النخبة الحاكمة من NAC صلاحياتها التنفيذية، مما جعلها في نهاية المطاف عاجزة في مكافحتها للفساد. لم يتم ذكر فضيحة Alcoa Inc في أي من تقاريرها، مما زاد من تقويض فعاليتها وقدرتها على التصرف بشكل مستقل عن الكوادر الحاكمة في البحرين.
في عام 2014، ذكرت “فاينانشيال تايمز” أنه تم منح 40 مليار دولار من الأراضي العامة البحرينية للمستثمرين من القطاع الخاص دون دفع أي مقابل إلى الدولة. ومن خلال مشاريع واسعة لاستصلاح الأراضي، ظهرت مشاريع عقارية بمليارات الدولارات حول ساحل البحرين. يشير التقرير إلى أنه منذ عام 2003، تمّ تحويل 65 كم مربع من الأراضي العامة إلى مشاريع خاصة، تقدر قيمتها بنحو 40 مليار دولار، أو ما يعادل ضعف الناتج المحلي الإجمالي للبحرين. ومع ذلك، لم يتم دفع أي مبالغ لخزينة البحرين. وقد تم هذا المسعى للعقارات الباهظة الثمن على حساب الإسكان بأسعار معقولة.
ومثال آخر هو مشروع خليج البحرين. فإن هذا المشروع البالغة تكلفته 2.5 مليار دولار والذي يمتد إلى ما كان في السابق مساحات شاسعة من المياه، بحسب النشطاء، هو “رمز لعدم المساواة في بلد تشوبه انتهاكات حقوق الإنسان والصراع الطائفي، حيث يستمر النقص الحاد في المساكن حتى مع تزايد التطورات الحصرية”. ويتم تمويل مشاريع استصلاح الأراضي من خلال المحفظة العامة، لكن الجمهور لا يرى عوائد استثمارات رأس المال. كما وتبلغ قيمة استثمارات مجموعة بريميير، وهي شركة استثمارية مملوكة من الملك حمد، 22 مليار دولار، بما في ذلك الأصول في البحرين وكذلك في المملكة المتحدة وتتم العملية المعقدة لتراكم رأس المال، والاقتراض، والاستثمار من قبل مجموعة بريميير وراء أبواب مغلقة. إن استخدام الأموال العامة لتمويل الطموحات التجارية للعائلة الحاكمة أمر غير مسؤول وغير ديمقراطي إلى حد كبير، حيث إن مكافأة هذه الاستثمارات تعود فقط إلى أفراد العائلة المالكة وليس للمواطن البحريني.
“الطريقة التي تم الحصول فيها على هذه الأرض قد ركزت الأسئلة على الخط المتنازع عليه بين مُلكيّة الأراضي العامة والمَلكيّة.” (فاينانشيال تايمز، 2014)
على الرغم من أهداف حراك البحرين المؤيد للديمقراطية عام 2011، إلا أن الآمال في الانتقال نحو ملكية دستورية خاضعة للمساءلة تميزت بدلاً من ذلك بالفساد المستمر والرغبة الملازمة لحجب المعلومات عن الجمهور. إنّ غايات عائلة آل خليفة في التوفيق بين محفظتها التجارية الضخمة ومزاعمها الخاطئة بالمساءلة والشفافية سوف تحدد حتماً مدى استدامة استراتيجيتها الاقتصادية على المدى الطويل.