منذ احتجاجات 2011 والقمع المكثف على المجتمع المدني يستمر، تواصل السلطات البحرينية استخدام عناصر التعذيب والإساءة والتهديدات والمعاملة غير العادلة ضد السجناء السياسيين انتقاما لنشاطهم. وتتراوح المخاوف الملحة في سجون المملكة، التي تديرها وزارة الداخلية الفاسدة، بين الظروف المعيشية السيئة والإهمال الطبي والتجاهل الصارخ لصحة المحتجزين. ووفقًا لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2018، يواجه السجناء البحرينيون صعوبة في الحفاظ على صحتهم وتلقي علاجهم لأن الحراس غالباً ما يتصرفون بإهمال تجاه احتياجاتهم، والعيادات الطبية تعاني من نقص شديد في الموظفين، ولا يتم إعطاء الأدوية الروتينية بشكل صحيح، من الصعب الوصول إلى المرافق الطبية الخارجية، والمياه الصالحة للشرب نادرة. ويُحرم المنشقون السياسيون وناشطو حقوق الإنسان، على وجه الخصوص، من الحصول على الرعاية الطبية والظروف المعيشية الكافية على أيدي سلطات السجن كعقاب على عملهم.
مركز مدينة عيسى لتوقيف النساء
يعتبر مركز مدينة عيسى للنساء بمثابة مركز احتجاز النساء الوحيد في البحرين. في الماضي، كان يُعتبر مركز مدينة عيسى للنساء غير مناسب بسبب قلّة النظافة، والترفيه، وحالة الإصلاح. ومع وجود ما يقارب 5 ٪ من السجناء في البحرين من النساء، يعدّ الاكتظاظ والنّظافة من أبرز القضايا داخل السجن. عانت العديد من المدافعات عن حقوق الإنسان والمحتجزات، مثل هاجر منصور حسن وفوزية مشاعل، من تباينات صحية شديدة دون مراقبة أثناء وجودهن في مركز مدينة عيسى للنساء.
هاجر منصور حسن، حماة الناشط البحريني سيد أحمد الوادعي المقيم في لندن، احتُجزت تعسفياً عام 2017 انتقاماً من لعمل الوداعي، وهي محتجزة حالياً في السجن بظروف صحية سيئة. بعد اكتشاف ورم في صدرها في أغسطس 2018، خضعت هاجر منصور لاختبارات خوفاً من أن يكون الورم سرطانيّاً. أخفقت سلطات السجن في إبلاغها عن النتائج وتجاهلت مطلبها بمقابلة أخصائي. بعد أكثر من ستة أشهر، أُبلغت هاجر منصور أخيراً أنّ ورمها لم يكن سرطانياً وحُرمت من الفحص. في 16 سبتمبر 2018، تعرّضت هاجر منصور للضرب المبرح على أيدي الضباط وتمّ عزلها عقب الحادث بدلاً من تلقّي العلاج الطبيّ المناسب. وفي وقت لاحق من تلك الليلة، بعد انخفاض نسبة السّكر في الدم إلى مستويات خطيرة، تمّ نقلها إلى المستشفى لتلقي الأشعة السينية بينما كانت مقيّدة بالأصفاد. وفي أغسطس 2018، أصدر الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للأمم المتحدة (WGAD) بياناً بخصوص اعتقال منصور حسن واثنين آخرين من عائلة الوداعي، وصهرها سيد نزار الوداعي وابن عمه محمود مرزوق منصور. وقد وجدت WGAD أنّ الحرمان من الحرية والمعاملة القاسية لعائلة الوداعي هو بالأمر غير الحكيم وقائم على انتقاداته للحكومة البحرينية، فضلاً عن انتهاكه للمواد 2 و3 و5 و9 و10 و25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواد 2 و7 و9 و10 و14 و26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وإن إساءة معاملة نظام السجون البحريني تجاه هاجر منصور واستمرار احتجازها ومنعها من العلاج الطبي كأداة للعقاب تنتهك القواعد والمعايير الدولية.
فوزية مشاعل حاجي، سجينة تبلغ من العمر 57 عاماً، تمّ احتجازها في مركز مدينة عيسى للنساء من ديسمبر 2017 إلى ديسمبر 2018. تعاني مشاعل حاجي من حالات صحية حادة، بما في ذلك انخفاض ضغط الدم والربو ومشاكل في القلب ومشاكل في الجهاز الهضمي والصحة العقلية. وعلى الرغم من تنبيه سلطات السجن إلى حالتها الصحية، فقد حُرمت من الزيارات الطبية والعائلية ولم يتم التعامل مع شكاواها. في إحدى المرات في مارس 2018، تمّ نقل مشاعل حاجي إلى المستشفى بسبب انخفاض مفاجئ في ضغط دمها، لكن رفضوا معالجتها. في مناسبة منفصلة في الشّهر ذاته، انخفضت مستويات السكر في الدم لدى مشاعل بشكل كبير، الأمر الذي يتطلب العلاج في المستشفى. تسببت الظروف السيئة لركوبها بالحافلة ومجيئها إلى المستشفى، والتي يوفرها السجن، بإصابتها بجروح بسبب إجلاسها على مقعد مكسور، ممّا أدّى إلى نزيف وفقدان للوعي. وخلال فترة وجودها في مركز مدينة عيسى للنساء، تحمّلت مشاعل حاجي تهديدات من المسؤولين البحرينيين لطلب علاج الأسنان واضطرت إلى توقيع بيان يؤكد أنها لم تسعَ للحصول على خدمات أخرى بخلاف الأدوية. تُجسّد مواقف هاجر منصور وفوزية مشعل جوهر الإهمال الطبي والاحتقار الصريح للسجناء السياسيين في مراكز الاحتجاز البحرينية.
سجن جو
يعدّ سجن جو، الذي تديره وزارة الداخلية البحرينية أيضاً، أكبر منشأة اعتقال في المملكة. فيوجد أكثر من 3000 سجين محتجز في جو اعتباراً من عام 2017، ولا يوجد سوى اثنين أو ثلاثة من الطاقم الطبي لتقديم الرعاية لكامل السجن المكتظ. تضمّ هذه المنشأة، التّي تضمّ مجموعة لا حصر لها من السجناء السياسيين، سوء معاملة وإساءة معاملة النشطاء المحتجزين والمدافعين عن الحقوق. وعلى مر السنين، كان أداء إدارة سجن جو غير كافٍ فيما يخصّ الرّعاية الطّبيّة، ومساحة السجن، والاكتظاظ، والنظافة الشخصية، ولا يزال محل نقاش بين جماعات حقوق الإنسان. حُرم السجناء السياسيون مثل نبيل رجب وحسن مشيمع والدكتور عبد الجليل السنكيس وأحمد حميدان وأحمد ميرزا إسماعيل – على سبيل المثال – جميعهم من حقهم الأساسي الحصول على الرعاية الطبية في سجن جو.
نبيل رجب، مدافع بحريني بارز عن حقوق الإنسان، موجود في سجن جو منذ يونيو 2016 بتهم تتعلق بحرّية التعبير. لقد عانى رجب من العديد من الحالات الصحية أثناء احتجازه وحُرم من الرعاية الطبية المناسبة في مناسبات مختلفة. فالعديد من مشاكله الطّبية، مثل عدم انتظام ضربات القلب، ناتجة عن الحبس الانفرادي الذي تعرض له لفترات من عقوبته. بعد يوم واحد فقط من جراحة المرارة في أكتوبر 2016، وضع مسؤولو السجن رجب في الحبس الانفرادي في ظل ظروف قذرة قبل إعادته إلى المحكمة. وفي 4 أبريل 2018، فقد رجب وعيه بسبب الحرمان من المياه ونقل إلى المستشفى العسكري مقيّداً بالأغلال. وقد حرم باستمرار من الرعاية الطبية الكافية بسبب حالته الصحية السيئة الناجمة عن ظروف سجن جو.
حسن مشيمع، سجين سياسيّ في السبعينيات من عمره، تمّ سجنه في البحرين منذ عام 2011. في مناسبات عديدة، عُرقل وصول مشيمع إلى الرعاية الطبية لعدد كبير من الحالات. قبل إلقاء القبض عليه، كان مشيمع يعالج من مرض السرطان في المرحلة الرابعة، وحُرم من إجراء فحوصات منتظمة لتحديد ما إذا كان السرطان قد عاد. تحت إشراف سجن جو، تم منعه من رؤية أخصائيّ أو طبيب ولم يتلق الدواء المنتظم اللازم لمعالجة ظروفه المهددة للحياة من ارتفاع ضغط الدم والنقرس والسكري. ويتطلّب وضعه رعاية طبية مكثفة، وظروف معيشية إنسانية، وعلاجاً في الوقت المناسب – وكل ذلك تمنعه إدارة سجن جو.
الدكتور عبد الجليل السنكيس ناشط بحريني في مجال حقوق الإنسان، يقضي عقوبة بالسجن المؤبّد في سجن جو. يعاني السنكيس من آثار شلل الأطفال وهو مقعد على كرسي متحرك. كما عانى من الدوار وصعوبة التنفس وإصابة في الأذن. وقد انزلق مراراً وتكراراً على أرضية السجن بعد رفض طلباته لسدادات مطاطية لعكازاته. استمر هذا لأكثر من عام. على الرغم من أن اختبارات الدم التي أجراها السنكيس تشير إلى أنه يعاني من انخفاض في نسبة البوتاسيوم وخلايا الدم البيضاء، إلا أن مسؤولي السجن حرموه من العلاج الطبي اللازم. بالإضافة إلى ذلك، فقد تدهورت حالته الطبية بسبب الظروف المعيشية السيئة في سجن جو وتعذيبه على أيدي السلطات.
أحمد حميدان، مصور بحريني يقضي عقوبة بالسجن لمدة 10 أعوام لتوثيقه هجمات للشرطة. خلال احتجازه في سجن جو، أصيب حميدان بعدوى شديدة في العين في أكتوبر 2017 تطلبت عناية طبية فورية. لم تنجح زياراته الخمس إلى عيادة السجن حيث لم تتضح إصابته بسبب عدم كفاءة العيادة وسوء تجهيزها. وقد أعطيَ قطرات للعين من المستشفى مما ساعد في تحسين العدوى، لكنّ الظّروف المعيشيّة غير الصحّية في سجن جو تسببت في تكرار الإصابة. ويشكّل إهمال النظافة وسوء الرعاية الصحية مصدراً للقلق بالنسبة لحميدان، حيث إن عدوى عينه يمكن أن تهدد حياته المهنية كمصور صحافي.
أحمد ميرزا إسماعيل أستاذ بحريني وأخ للشيخ علي سلمان، الأمين العام المسجون لجمعية الوفاق السياسية المعارضة. قُبض عليه في البحرين في 11 سبتمبر 2013 وتعرض للتعذيب والمعاملة غير العادلة والحرمان من الرعاية الطبية، على الأرجح انتقاماً لعمل الشيخ علي سلمان. يعاني إسماعيل من فقر الدم المنجلي الذي يعرّضه لخطر متزايد من الألم والعدوى والسكتة الدماغية. على الرغم من أن حالته تتطلب الإشراف الطبي والعلاج في المستشفى، فقد حرم مسؤولو السجن إسماعيل من تلقي الرعاية الطبية وهو في أمس الحاجة إلى عملية جراحية في المرارة. حتى أن السلطات في سجن جو أجبرته على توقيع أوراق تنازل عن حقه في نقله إلى المستشفى لتعيينه. مع تدهور حالته الصّحيّة، فإن سوء المعاملة والإهمال اللذين يواجههما إسماعيل في جو يفاقمان حالته الصحية.
عام 2017، وبعد هروب مجموعة من السجناء، وضع سجن جو قوانين جديدة تسمح للسلطات بتقييد جميع السجناء وكبحهم كلما غادروا زنزاناتهم، على الرغم من ظروفهم الصحية وكبر سنهم وسلوكهم غير المؤذي. يتم تقييد المحتجزين الذين يحتاجون إلى علاج طبي وزيارات طبية ومواعيد في المستشفى، مما يجعل الوصول إلى الرعاية الطبية أكثر صعوبة. احتج المدافعون عن حقوق الإنسان المسجونون ظُلماً على المعاملة اللاإنسانية والمهينة التي تشكلها هذه القوانين من خلال الإضراب عن الطعام ورفضهم حضور المواعيد لتجنب الإذلال. تتطلب قواعد الأمم المتحدة النموذجية لمعاملة السجناء “الإبقاء على النظام والانضباط دون قيود أكثر مما هو ضروري لضمان الاحتجاز الآمن”، مما يجعل من القيود غير الضرورية للسجناء في مركز الاحتجاز بالمملكة انتهاكاً للمبادئ الدولية الأساسية.
كما هو واضح في الحالات المذكورة أعلاه، فإن الظروف المعيشية والطبية في السجون البحرينية مدمرة ومعيبة. يعاني عدد لا يحصى من السجناء والناشطين السياسيين المحتجزين من سوء الحالة الصحية وسوء المعاملة دون رعاية كافية. بالإضافة إلى المدافعين عن حقوق الإنسان رفيعي المستوى المذكورين أعلاه، سجناء مثل محمد ميرزا موسى، صادق عبدلي العصفور، حسين إبراهيم أحمد، أسامة نزار الصغير، محمد عبد الله السنكيس، محمد إبراهيم حسن، محمد حميد الدقاق، ومحمد أحمد محسن، وعلي حبيب صالح يحرمون من الحق الأساسي في الحصول على رعاية صحية لائقة من قبل السلطات البحرينية كأداة للتعذيب والعقاب. تتعارض هذه القيود مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والبحرين طرف فيهما؛ وقواعد الأمم المتحدة النموذجية لمعاملة السجناء؛ ومجموعة مبادئ الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن. فإن إخفاق البحرين في الوفاء بالتزاماتها الدولية وتوفير العلاج الطبي الإنساني لسجنائها ليس سوى مثال واحد على تدهور وضع حقوق الإنسان في المملكة.