قبل احتجاجات الربيع العربي السلمية في عام 2011، كانت نسبة الفساد داخل البحرين منخفضة إلى حد معقول، بحيث كان يمكن السيطرة عليها. بحسب مؤشر الفساد، صنّفت البلاد في المرتبة 46 من بين 180 دولة لنسبة التعامل مع الفساد، فيما حصلت على درجة فساد معتدلة بلغت 51 من أصل 100، ولم تسجّل أي نسبة لتعتبر من بين البلاد الأكثر فساداً. ولكن، بعد قمع الحركة الإحتجاجية في 2011 بعنف من قبل الحكومة البحرينية، شهدت البلاد ارتفاعاً كبيراً في نسبة الفساد. واعتباراً من عام 2018، صنّفت دولة البحرين في المرتبة 99 من بين 180 دولة لنسبة التعامل مع الفساد وتراجعت درجة الفساد فيها إلى 36، أي سجّلت انخفاض بنسبة 15%. تعتبر الانخفاضات في كل من ترتيب الدولة ودرجاتها مهمة جداً، ويمكن نسبها مباشرة إلى حملة القمع التي اتبعتها الحكومة ضد مجتمعات المعارضة في أعقاب احتجاجات 2011.
بعد وقف الاحتجاجات قسراً، بدأت الحكومة البحرينية بقمع جميع أشكال المعارضة السياسية فوراً، فزادت الرقابة على الصحف وعلّقت جميع الصحف المستقلة، وسجنت الناشطين، وحلّت جميع جميع المعارضة الرئيسية. كما قامت بإزالة جميع منظمات المراقبة التي من شأنها أن تحافظ على استقرار نسبة الفساد. ومنذ ذلك الحين، بدأت البحرين تشهد ارتفاعات سريعة في نسبة الفساد في جميع القطاعات الخاصة والعامة.
إحدى أبرز قضايا الفساد التي حدثت في القطاع الخاص كانت الفضيحة التي تدور حول شركة الألمنيوم الأمريكية التي تدعى شركة “ألكوا”. في 9 يناير 2014، تم اتهام شركة “ألكوا” الأمريكية بالرشوة من قبل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (USSEC) بسبب تعاملها مع المصاهر في البحرين. اتفقت شركة “ألكوا” الأمريكية مع هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية أن تدفع غرامات مالية قدرها 348 مليون دولار وأن تقبل الإقرار بالذنب. وذكرت هيئة الأوراق المالية والبورصات في تحقيقاتها أنها اكتشفت أن شركة “ألكوا” كانت ترشي مسؤولين بحرينيين، بما في ذلك أفراد من العائلة المالكة، بقرابة 110 ملايين دولار على مدى سنوات، ممّا يجعل هذه القضية واحدة من أكثر حالات الرشوة تطرفاً في تاريخ الولايات المتحدة. ووجدت لجنة الأوراق المالية والبورصات أن سبب الفساد المستشري يعود إلى ضم البحرين لأحد أكبر مصاهر الألومنيوم في العالم، وتقوم شركة “ألكوا” الأمريكية بإرسال موادها الخام هناك من أجل صقلها، مما يعرّض الشركة إلى مستويات فساد مرتفعة التي يشهدها القطاع الخاص في البحرين.
فيما يتعلق بالفساد في القطاع العام، معظم حالات الفساد في البحرين سببها المسؤولين داخل الحكومة. منذ أن قامت الحكومة بحل جميع جماعات المعارضة، اغتنم العديد من النخب داخل الحكومة هذه الفرصة لزيادة مكانتهم الشخصية. برئاسة رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، وهو عم ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، قام أفراد من العائلة المالكة بمنع جميع محاولات تنفيذ أساليب لمكافحة الفساد، التي يعتقد الكثيرون أنها محاولة لإخفاء فسادهم. واعتباراً من عام 2018، بالرغم من استجواب بعض المسؤولين، لم يتم إحالة أي منهم إلى المحكمة بتهمة الفساد.
تصدّت الحكومة البحرينية لمحكمة التدقيق الوطنية (NAC)، وكانت هذه الخطوة إحدى الطرق التي اتبعتها لإعاقة التحقيقات ضد الفساد. تم إنشاء محكمة NAC من قبل الملك في عام 2002 بهدف القضاء على الفساد. تنشر المنظمة تقارير سنوية لتقييم قضايا الفساد الحالية في المجتمع البحريني. ولكن، وبسبب تدخل النخب في الحكومة، تم تجريد منظمة NAC من قدرتها على تطبيق القوانين. كما تم تقويض عمل المنظمة إلى حد كبير، بحيث أن فضيحة شركة ألكوا المذكورة سابقاً لم يتم ذكرها أبداً في أي من تقاريرها، ولا يُسمح لمنظمة NAC بالتحقيق في الأحداث بأثر رجعي. ولكن، فإن الجهود الأخيرة التي بذلها ولي العهد الأمير سلمان تشير إلى أن البلاد قد بدأت أخيراً بالتعامل بجدية مع مسائل الفساد.
مع استمرار تفشي الفساد في البحرين، يبدو أن الوضع يتغير. من عام 2017 وحتى عام 2018، تحسنت درجة معالجة الفساد في البلاد من 133 من أصل 180 إلى الترتيب 99 المذكور سابقاً. يعود سبب ذلك إلى قيام الحكومة بتحديث قانون العقوبات الخاص بها في 25 يناير 2018 لزيادة العقوبات على الرشوة ولتمديد ولاية المحاكم البحرينية لمحاكمة الجناة المتورطين في “مشاريع دولية” في الخارج. شمل القانون الحالي محاسبة الموظفين والمسؤولين الحكوميين وتم زيادة نسبة العقوبات. وقد لعب ولي العهد الأمير سلمان دوراً بارزاً في إحداث هذا الفرق. إحدى الأعمال التي قام بها ولي العهد لتحسين وضع الفساد هو طلب إحالة القضايا المطروحة في تقرير منظمة NAC إلى المحاكمة للإشتباه في الفساد، مع التركيز على شركات مطاحن الدقيق في البلاد. حين تمنح البحرين منظمة NAC القدرة على متابعة قضايا الفساد، يمكن البدء بإحراز تقدم ملموس في قضايا التعامل مع الفساد في القطاعين العام والخاص.
وبهذه الإجراءات، يبدو أن ولي العهد البحريني يريد تنفيذ إصلاحات رمزية للبدء بمعالجة الفساد المتفشي في البلاد، إلا أن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي السماح بوجود مجتمعات معارضة وإعلام مستقل، فضلاً عن الإفراج عن السجناء السياسيين وسجناء الرأي. بمساعدة هذه المجموعات والأفراد، ستتم محاسبة النخب الفاسدة في البحرين، ممّا سيعيد مستويات الفساد في البلاد إلى مستويات المعتدلة، التي شهدناها قبل حملات القمع في عام 2011.