تستغل منظمة أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) فرصة مشاركتها في الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (HRC) لإثارة بواعث قلق جدّية بشأن مقتل الصحافي جمال خاشقجي من قبل رجال أمن سعوديين في قنصلية المملكة العربية السعودية في اسطنبول وتحث على محاسبة جميع المتورطين في مقتله.
خلفية
كان جمال خاشقجي صحفياً سعودياً ورئيس تحرير صحيفة “الوطن” السعودية سابقاً. كما كان مستشاراً إعلامياً للأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للمخابرات السعودية، والذي كان أيضاً سفيراً سابقاً للولايات المتحدة الأمريكية وللمملكة المتحدة. بعد انتقاده لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أوائل عام 2017، تم منعه عن التغريد، وكتابة أعمدة الصحف، والتعليق على الصحافيين الأجانب. وبسبب هذه القيود، هاجر خاشقجي الى منفاه الاختياري في الولايات المتحدة في أواخر عام 2017. وفي الولايات المتحدة، أصبح خاشقجي كاتباً في صحيفة واشنطن بوست، حيث كتب مقالات انتقد فيها الأسرة الحاكمة السعودية وسياسات الحكومة السعودية.
مقتل جمال خاشقجي
اختفى خاشقجي في 2 أكتوبر 2018. وقد شوهد آخر مرة يدخل القنصلية السعودية في اسطنبول، في تركيا، حيث كان يأمل في الحصول على وثائق تثبت أنه طلق زوجته السابقة حتى يتمكن من الزواج مرة أخرى. بعد اختفائه مباشرة، أنكرت المملكة العربية السعودية أي معرفة بمكان خاشقجي. إلا أن ثمّة مسؤولون أتراك ذكروا بأن لديهم أدلة تثبت اغتيال خاشقجي في القنصلية بناء على أوامر القيادة السعودية. [1] زعمت تركيا أن الهجوم نفّذ من قبل فريق مؤلف من 15 عضواً، بعضهم يعمل في الجيش أو الأمن أو المخابرات السعودية أو كان لديهم علاقات مع العائلة الحاكمة. [2]
في 8 أكتوبر 2018، وجه العديد من المكلفين بولايات الإجراءات الخاصة التابعة للأمم المتحدة، بمن فيهم المقررون المعنيون بالإعدام، وحرية التعبير، والفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري، نداءً عاجلاً (UA SAU 12/2018) إلى المملكة العربية السعودية. وفي نداءهم، أعربوا عن مخاوفهم حول قضية خاشقجي والادعاءات بمقتله في القنصلية السعودية في اسطنبول. أكّدت مكاتب الإجراءات الخاصة أن مقتل خاشقجي لا يتفق مع المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المتعلقة بالحق في الحياة والأمن والحق في عدم الحرمان من حياته تعسفاً، ولا سيما المادة 19 المتعلقة بالحق في حرية الرأي والتعبير.
في 20 أكتوبر 2018، أي بعد مرور أكثر من أسبوعين على اختفاء خاشقجي، أصدرت وزارة الخارجية في المملكة العربية السعودية بياناً قالت فيه إنّ جمال خاشقجي قُتل في القنصلية في 2 أكتوبر عن غير قصد. وقال وزير الخارجية عادل الجبير إن القتل كان “خطأ فادحاً” وأن الحكومة السعودية ستتخذ إجراءات لمعاقبة المسؤولين عنها. [3] وفي أعقاب هذا البيان، واصل المسؤولون السعوديون تقديم تفسيرات متضاربة فيما يتعلق باختفاء خاشقجي وقتله، بما في ذلك احتمال وفاته بسبب شجار وقع في القنصلية، أو قد يكون اختنق عن طريق الخطأ.
وقبيل نهاية شهر أكتوبر، قال النائب العام في اسطنبول إن مقتل خاشقجي كان متعمداً وأنه خنق فور دخوله إلى القنصلية في 2 أكتوبر ثم تم تقطيع جثته. [4] كما صرّحت الحكومة التركية بأنها تمتلك دليلاً صوتياً على القتل وقد تبادلت هذه المعلومات بين دول أخرى بما فيها المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا وفرنسا. [5]
في نوفمبر عام 2018، أعلن المدعي العام السعودي سعود الموجب أنه يعتقد أن “رئيس فريق التفاوض قرر قتل الضحية إذا فشلت المفاوضات التي تتعلق بعودته إلى السعودية”. كما ذكر الموجب أن خاشقجي قد توفي بعد أن تم تقييده قسراً وحقنه بكمية كبيرة من المخدرات مما أدى الى موته بسبب جرعة زائدة”. وأكدت تقارير من تركيا بأن الجثة تم تشويهها، وأن فريقاً مكوناً من 15 عضواً كان متورطاً في ذلك. [6]
الرد السعودي
في 20 أكتوبر 2018، عندما اعترفت السلطات السعودية بأن جمال خاشقجي قد قُتل في القنصلية السعودية، تم اتخاذ بعض الإجراءات لاحتجاز الأفراد المزعوم أنهم متورطون في مقتله. تم طرد اللواء أحمد العسيري، [7] مستشار محمد بن سلمان، بعد وقت قصير من إعلان الإعتراف السعودي. لم يكن العسيري عضواً في الفريق المكوّن من 15 شخصاً الذين سافروا إلى إسطنبول، ولكن يُعتقد أنه مسؤول عن طلب إعادة خاشقجي قسراً. كما تم طرد سعود القحطاني، [8] المستشار الإعلامي لمحمد بن سلمان. ووفقاً لمصادر استخباراتية تركية، كان القحطاني حاضراً معهم على تطبيق سكايب أثناء قتل خاشقجي وتنفيذ الأمر بالتخلص منه. كما تم فصل ثلاثة مسؤولين كبار آخرين متورّطين بمقتل خاشقجي.
في أعقاب مقتل خاشقجي، ألقت المملكة العربية السعودية القبض على 21 شخصاً واتهمت 11 شخصاً آخرين. كما أنّ السعودية تسعى إلى فرض عقوبة الإعدام على خمسة من بين 11 شخصاً بسبب مشاركتهم المباشرة في الأمر بقتله وتنفيذ العملية. [10]
لكن الكثيرين في المجتمع الدولي يعتقدون أن رد المملكة العربية السعودية ليس كافياً وأن جميع المسؤولين لم يخضعوا للمساءلة بشكل صحيح. دعا النائب العام في اسطنبول إلى اعتقال أحمد العسيري وسعود القحطاني للاشتباه بأنّه كان لهما دور مباشر في التخطيط لعملية القتل. [11] ولم تتخذ المملكة العربية السعودية بعد إجراءات رسمية ضد المسؤولين رفيعي المستوى. بالإضافة إلى ذلك، يثير تورّط المسؤولين الذين لديهم علاقات عميقة مع العائلة الحاكمة تساؤلات حول مسؤولية ولي العهد في مقتل جمال خاشقجي.
الرد الدولي
ردّ أعضاء المجتمع الدولي على تفاصيل مقتل خاشقجي بطرق مختلفة. وبينما أوقفت بعض الدول مبيعات الأسلحة إلى المملكة كمحاولة لمحاسبتها، فرضت دول أخرى عقوبات على أفراد سعوديين متّهمين بالتورط في القتل. وقد أثيرت أسئلة بشأن مدى معلومات ولي العهد بشأن مقتل خاشقجي ومشاركته فيها، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء رسمي بحقه.
الولايات المتحدة الأمريكية
استنتجت وكالات الاستخبارات الأمريكية أنه من المحتمل جداً أن يكون ولي العهد محمد بن سلمان على علم بخطة مقتل خاشقجي ومن المرجح أنه شارك في العملية. في حين أن الإدارة الأمريكية تقف إلى جانب ولي العهد، مشيرةً إلى أنه لا يتحمل أي مسؤولية عن القتل، فإن أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي أصدروا بالإجماع قراراً رمزياً اعتبروا فيه أن محمد بن سلمان مسؤول عن عملية القتل. [12] فيما عاقبت إدارة ترامب 17 شخصاً كانت المملكة العربية السعودية قد اتهمتهم بالتورط في القتل، وتجدر الإشارة إلى أن ولي العهد ليس من بينهم. [13]
ألمانيا
بعد وفاة خاشقجي، فرضت ألمانيا حظر سفر على 18 مواطناً سعودياً يشتبه في تورطهم في مقتل جمال خاشقجي. [14] كما أوقفت ألمانيا مبيعات الأسلحة للسعودية، وهي خطوة قامت بها فنلندا والدنمارك أيضاً. [15]
فرنسا
فرضت فرنسا عقوبات تشمل حظر السفر على 18 مواطناً سعودياً تورّطوا بمقتل خاشقجي. [16]
كندا
أعلنت كندا أنها ستعاقب 17 مواطناً سعودياً متورطين بمقتل خاشقجي، وستجمّد أصولهم فعلياً وستمنعهم من دخول كندا.
الاستنتاجات والتوصيات
إن التفاصيل الكاملة لقضية مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول لا تزال غير واضحة. إن تحقيقات المملكة العربية السعودية في القضية مبهمة وهي فشلت في اتخاذ الإجراءات المناسبة لمحاسبة المسؤولين رفيعي المستوى عن دورهم المحتمل في القتل.
تدعو منظمة ADHRB إلى:
- السماح بإجراء تحقيق دولي مستقل في قضية مقتل جمال خاشقجي، ولا سيما في الدور الذي قام به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
- محاكمة المتورطين في مقتل جمال خاشقجي إلى أقصى حد من القانون.
كما تدعو منظمة ADHRB أعضاء المجلس إلى:
- التزام المملكة العربية السعودية بمعايير حقوق الإنسان العليا كعضو في المجلس.
- محاسبة محمد بن سلمان على دوره في مقتل خاشقجي وفرض عقوبات دولية عليه.
[1] David Kirkpatrick, “Jamal Khashoggi’s Disappearance: What We Know and Don’t Know,” New York Times, 15 October 2018, https://www.nytimes.com/2018/10/15/world/middleeast/missing-saudi-journalist-jamal-khashoggi.html.
[2] “The 15 Saudis who flew to Turkey before Khashoggi’s killing,” Aljazeera, 22 November 2018, https://www.aljazeera.com/news/2018/11/15-saudis-flew-turkey-khashoggi-killing-181122144743650.html.
[3] Euan McKirdy, “Saudi Foreign Minister says killing of Khashoggis was ‘tremendous mistake,’” CNN, 22 October 2018, https://www.cnn.com/2018/10/21/middleeast/jamal-khashoggi-international-pressure-builds-intl/index.html.
[4] Beth McKernan, “Jamal Khashoggi strangled as soon as he entered consulate, prosecutor confirms,” The Guardian, 31 October 2018, https://www.theguardian.com/world/2018/oct/31/jamal-khashoggi-strangled-as-soon-as-he-entered-consulate-istanbul-prosecutor-confirms.
[5] Euan McKirdy, “Erdogan: Audio recording of Khashoggi killing is a ‘true disaster,’” CNN, 13 November 2018, https://www.cnn.com/2018/11/13/middleeast/khashoggi-recording-nyt-intl/index.html.
[6] https://www.npr.org/2018/11/15/668162272/khashoggi-case-update-saudi-prosecutor-says-5-suspects-should-be-executed
[7] Bill Chappell, “Khashoggi Case Update: Saudi Prosecutor Says 5 Suspects Should Be Executed,” Aljazeera, 15 November 2018, https://www.aljazeera.com/news/2018/10/ahmed-al-asiri-sacked-saudi-intelligence-chief-181019235211120.html.
[8] “Saudi Arabia prosecutor seeks death for 5 accused in Jamal Khashoggi killing,” CBS News, 15 November 2018, https://www.cbsnews.com/news/saudi-arabia-intel-chief-jamal-khashoggi-killing-crown-prince-mohammed-bin-salman/.
[9] “How the man behind Khashoggi murder ran the killing via Skype,” Reuters, 22 October 2018, https://www.reuters.com/article/us-saudi-khashoggi-adviser-insight/how-the-man-behind-khashoggi-murder-ran-the-killing-via-skype-idUSKCN1MW2HA.
[10] Sarah El Sirgany, Nada Altaher and Bianca Britton, “Saudi prosecutor seeks death penalty for Khashoggi murder, says journalist was killed by sedative overdose,” CNN, 15 November 2018, https://www.cnn.com/2018/11/15/middleeast/jamal-khashoggi-saudi-prosecutor-death-penalty-intl/index.html.
[11] “Turkish prosecutor seeks arrests of Saudis over Khashoggi murder,” Aljazeera, 5 December 2018,
[12] Jordain Carney, “Senate passes resolution naming crown prince ‘responsible’ for Khashoggi slaying,” The Hill, 13 December 2018, https://thehill.com/homenews/senate/421287-senate-passes-resolution-naming-crown-prince-responsible-for-khashoggi.
[13] Mark Landler and Gardiner Harris, “U.S. Levels Sanctions on 17 Saudis for Alleged Involvement in Khashoggi Killing,” New York Times, 15 November 2018, https://www.nytimes.com/2018/11/15/world/middleeast/saudis-sanctions-khashoggi.html.
[14] Julian Borger, “European travel ban imposed on 18 Saudis over Khashoggi killing,” The Guardian, 19 November 2018, https://www.theguardian.com/world/2018/nov/19/germany-imposes-travel-bans-on-18-saudis-over-jamal-khashoggi-killing.
[15] Rick Noack, “Finland and Denmark join Germany in halting arms sales to Saudi Arabia,” Washington Post, 22 November 2018, https://www.washingtonpost.com/world/2018/11/22/denmark-joins-germany-halting-arms-sales-saudi-arabia/.
[16] “France imposes sanctions on 18 Saudi citizens over Khashoggi killing,” Reuters, 22 November 2018, https://www.reuters.com/article/us-saudi-khashoggi-france/france-imposes-sanctions-on-18-saudi-citizens-over-khashoggi-killing-idUSKCN1NR1VJ.