في 12 فبراير 2019 وتحت عنوان “السياسة الخارجية الأمريكية تجاه البحرين في ظلّ تدهور الأوضاع السياسية والحقوقية” نظمّت منظمة أمركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) فعّالية في الكونغرس حول الوضع الحالي لحقوق الإنسان في البحرين. أشرف المدير التنفيذي لمنظمة ADHRB، حسين عبد الله، على الفعالية، وانضم إليه رئيس المجلس الاستشاري لمركز الخليج لحقوق الإنسان ونائب المدير السابق في منظمة هيومن رايتس ووتش لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جو ستورك، ومدير الدفاع في منظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية فيليب ناصيف، ومستشارة الشؤون القانونية في ADHRB بريدجيت كويتر، ومايكل ديدورا مدير الدفاع في منظمة حماية الصحافيين في واشنطن (CPJ).
ركزت الفعالية على وضع حقوق الإنسان في البحرين بعد ثماني سنوات من قمع الحكومة للحراك السلمي المؤيد للديمقراطية الذي بدأ في 14 فبراير 2011. كما سلّطت الضوء على الإجراءات التي يمكن أن تتخذها حكومة الولايات المتحدة لمساءلة الحكومة البحرينية عن انتهاكاتها، بالرغم من إعطاء الإدارة الأمريكية الحالية الأولوية للأمن في السياسة الخارجية وبعدها عن الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأساسية في البحرين.
افتتح حسين عبد الله الفعالية بتقديم لمحة موجزة عن موقف إدارة ترامب الحالي بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين. ولاحظ أنه مع اقترابنا من الذكرى الثامنة لاحتجاجات عام 2011، أصبح من الواضح أن حالة حقوق الإنسان في البحرين قد تدهورت بشكل حاد. قمعت الحكومة الحرية الدينية، واستهدفت المدافعين عن حقوق الإنسان، وقيّدت حرية التعبير. والدليل الواضح على ذلك تصريحات الرئيس ترامب أثناء زيارته للرياض، حيث قال بأنه “لن يكون هناك ضغوط في العلاقة بين الولايات المتحدة والبحرين”، بعد هذه التعليقات مباشرة، هاجمت الحكومة البحرينية مظاهرة سلمية في منطقة الدراز، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص. وعلى الرغم من ذلك، لم تتخذ الولايات المتحدة خطوات جادة لمحاسبة الحكومة البحرينية.
وسلّط جو ستورك الضوء على الأحداث الرئيسية التي أدّت إلى احتجاجات عام 2011، مشيراً إلى المسار المختلف الذي سلكته البحرين عما كانت عليه في أوائل عام 2000 عندما دفعت أحزاب المعارضة والإصلاحيين إلى إقامة ملكية دستورية. بعد ذلك، تحولت البحرين إلى حكومة استبدادية بامتياز، على الرغم من أن العديد من البحرينيين شعروا أن احتجاجات الربيع العربي الأخرى عام 2011 ستكون بمثابة نقطة تحول.
وبدلاً عن ذلك، استنكر جو ستورك كيفية قيام قوات الأمن البحرينية، في ليلة الاحتجاجات، بتفريق المتظاهرين السلميين بعنف باستخدام الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع. ومع انضمام المزيد من المواطنين إلى المظاهرات، شرعت الحكومة في حملة كبرى لقمع الانتفاضة الشعبية، فاعتقلت الآلاف واستخدمت القوة المميتة، مما أسفر عن مقتل أكثر من أربعين مواطناً، نصفهم فارقوا الحياة في مركز الشرطة. في أعقاب العنف، حاولت الحكومة تبرير استخدامها للقوة من خلال الادعاء بأنها بحاجة إلى الحد من النفوذ الإيراني المفترض، وهو ادعاء شككت فيه منظمات حقوق الإنسان.
وبالانتقال إلى شؤون الدولة الحالية في البحرين، أشار جو ستورك إلى أن التوصيات الصادرة عن اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (BICI) التي تهدف إلى تحسين الوضع وتخفيف التوترات قد تم تجاهلها إلى حد كبير من قبل الحكومة، في حين نفذت الحكومة توصيتين – الحد من سلطة وكالة الأمن القومي وإنهاء قدرة المحاكم العسكرية على محاكمة المدنيين – أحرزت في وقت لاحق تقدماً، وإعادة تمكين كلا المؤسستين. تم تنفيذ توصيات أخرى بشكل رمزي فقط بل على العكس، فقد تحركت الحكومة لحل الجماعات المعارضة السياسية، وإغلاق وسائل الإعلام المستقلة، وسجن نشطاء حقوق الإنسان، في حين أن الهيئات التي كانت مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان قد أفلتت من المراجعة القضائية والمحاسبة. كما أشار جو ستورك إلى وجود اتجاهات كبيرة في مجال انتزاع الجنسية، بحيث سلط الضوء على أنه منذ 2011، انتزعت الحكومة جنسية أكثر من 750 مواطن بحريني، مما جعلهم عديمي الجنسية، وهي سياسة تسعى إلى تغيير التركيبة السكانية في البحرين.
واختتم جو ستورك ملاحظاته بتوصيات دعا فيها أعضاء الكونغرس الى القيام بزيارة رسمية إلى السجناء السياسيين في محاولة لجلب الاهتمام الدولي لقضاياهم، وكذلك للضغط على الحكومة البحرينية للسماح لمنظمات مستقلة بالوصول إلى البحرين لمعاينة وضع حقوق الإنسان.
أوضحت بريدجيت كويتر بأن البحرين ليست المسؤولة الوحيدة عن انتهاكاتها، مشيرة إلى أنه على الرغم من انتهاكات حقوق الإنسان المتفشية في البحرين، تواصل دول مثل الولايات المتحدة بيع الأسلحة إلى البحرين وتقرر عدم إثارة مخاوف بشأن حقوق الإنسان. وأشارت كويتر إلى وجود آلية لتعزيز المساءلة الكبرى عن انتهاكات الحقوق، رغم أنها غير مستغلة بشكل كافٍ، مذكرةً بقانون المساءلة العالمي لحقوق الإنسان (ماجنتسكي) عام 2016، الذي أبرِمَ لمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان والدول المسؤولة عن الفساد والتجاوزات الخطيرة من خلال استخدام العقوبات.
في عام 2017، وسّعت إدارة ترامب من صلاحيات قانون (ماجنتسكي) من خلال الأمر التنفيذي 13818، الذي يسمح بالنظر في انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة بغض النظر عن وضع الضحايا. في السابق كان القانون يحمي المخبرين والمدافعين عن حقوق الإنسان فقط. والآن سمح الأمر التنفيذي بمحاسبة الجناة على مبدأ مسؤولية القيادة. وذكر القانون في مواده الأولى أن الأشخاص الذين يتحملون مسؤولية مباشرة هم وحدهم الذين يمكن أن يتعرضوا للعقوبات، وبهذا التعديل، يسمح القانون للولايات المتحدة بمكافحة الحكومات الفاسدة المسيئة بشكل كبير. وعلى الرغم من وجود مثل هذه الآلية القانونية الفعالة، لم يتم استخدام هذا القانون في حالة البحرين. وأشارت كويتر إلى أنه حتى في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي من قبل الحكومة السعودية، ظلت إدارة ترامب تقاوم تطبيق القانون بسبب التعاون الأمني المكثف بين الولايات المتحدة والسعوديين، وبالتالي البحرينيين.
وأكدت كويتر أن تطبيق قانون (ماجنتسكي) في حالة البحرين قد يكون قادراً على إحداث تغيير حقيقي وملموس، لكنها استبعدت حدوث ذلك إلا إذا أعطت الولايات المتحدة الأولوية للمساءلة تجاه حلفائها، وليس فقط الدول التي لا تتوافق مع أهدافها.
بدأ مايكل ديدورا ملاحظاته بالإشارة إلى أنه في عام 2018، تم سجن أكثر من 251 صحفياً حول العالم لكتابتهم عن مواضيع محددة، بما في ذلك تلك التي تتناول الأمن القومي. ومن خلال تسليط الضوء على هؤلاء الصحافيين البالغ عددهم 251، ستة منهم في البحرين، شدد ديدورا على أن “البحرين قد شنّت حملة شاملة ضد الصحافة”.
كما سلط ديدورا الضوء على حالات مختلفة قامت بها الحكومة البحرينية بقمع حق حرية التعبير. ولفت الانتباه إلى إغلاق الحكومة البحرينية في أبريل 2011 لـ “الوسط”، وهي الصحيفة المستقلة الوحيدة في البحرين، وفي اليوم التالي، أُلقي القبض على المؤسس المشارك للجريدة كريم فخراوي، بينما كان يشكو للسلطات من أن الحكومة تحاول جرف منزله. بعد سبعة أيام، توفي فخراوي في مركز الإحتجاز البحريني. ومؤخرًا، في 8 يونيو 2017، أعلنت وزارة الداخلية البحرينية أن نشر أي شيء متعاطف مع قطر يُعاقب عليه بالسجن المؤبد، مع ربط قضايا الأمن القومي بحرية التعبير. ولفت ديدورا الانتباه إلى القيود المفروضة على حرية التعبير، مشيراً إلى الخطر الشخصي الكبير الذي يواجهه الصحافيون البحرينيون في تحدي الحكومة وسياساتها، بما في ذلك المخاطر المتزايدة للمضايقات، والترهيب، والتعذيب، والسجن والوفاة.
وفيما يتعلق بالتوجيهات السياسية، ناقش ديدورا ضرورة التغيير في سياسة الولايات المتحدة نحو إعادة تقييم شامل لنهجها تجاه السياسة الخارجية وانتهاكات حقوق الإنسان. وأكد أن أعضاء الكونغرس يجب أن يكونوا أكثر انخراطاً في استخدام السياسة الخارجية الأمريكية كوسيلة للتأثير على جهود حقوق الإنسان في البحرين. علاوةً على ذلك، يمكن للمشرعين المشاركة مباشرة من خلال تبني قضايا السجناء، وكتابة الرسائل للسجناء أو لعائلاتهم تضامناً، وطلب زيارة السجناء السياسيين البارزين في السجن عند زيارتهم البحرين أو دول الخليج الأخرى، وذلك باستخدام وسائل التواصل الاجتماعية لزيادة الوعي حول حالات محددة، وكتابة مقالات صحافية. وواصل ديدورا بالتأكيد على أنه بإمكان المشرعين رعاية اجتماعات الكونغرس مع المنظمات غير الحكومية التي تدعو إلى الدفاع عن حقوق الإنسان، وتقديم قضايا السجناء بانتظام إلى وزارة الخارجية، والضغط المستمر على المشرعين لوضع عقوبات على مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.
ألمح فيليب ناصيف إلى تركيز ديدورا على مخاطر عدم الإبلاغ عمّا يحصل في دول الخليج. تفتقر منظمة العفو الدولية إلى الوصول الى أرض الواقع في البحرين، مما يخلق صعوبات في جمع المعلومات مباشرة من البحرين. وبصفتها الرسمية، لم تتمكن منظمة العفو من زيارة البحرين منذ عدة سنوات، ولكنها تواصل الحصول على معلومات في اجتماعات مع دول أخرى مع أفراد في المنفى وكذلك من خلال المراقبة الخارجية.
وفيما يتعلق بالخطوات الملموسة لمعالجة الوضع على الأرض، شجع ناصيف الدعوة على رفع الحظر المفروض على الاحتجاجات السلمية وعلى المنظمات لتشجيع الدول المتحالفة البحرين لإنهاء تصدير المعدات الى البحرين التي يمكن استخدامها للقمع. كما أكد ناصيف أن التدخل في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية غالباً ما يكون مبرراً كحماية ضد إيران – وهو سرد استخدمته الحكومات في الخليج العربي لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان. ومع استمرار الحرب في اليمن، ترفض الولايات المتحدة مساءلة منتهكي الحقوق، لا بل استمرت في تسليح دول مثل البحرين والمملكة العربية السعودية.
في ضوء ذلك، أوصى ناصيف بأن تقوم المنظمات والإدارة الأمريكية الحالية بإلقاء نظرة عميقة على التشريع الذي يركز بالتحديد على البحرين موضحاً أن الولايات المتحدة تمتلك نفوذاً كبيراً في منطقة الخليج العربي. وقد اشار إلى اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن كمثال، حيث ذكر أنه عندما بدا أن الكونغرس سيمرر قانوناً لإنهاء التدخل الأمريكي في الحرب على اليمن، عملت أطراف النزاع في اليمن على صياغة وقف لإطلاق النار من خلال دعوة الحكومة إلى ايقاف انتهاكاتها، وممارسة الضغط نيابة عن الإدارة الأمريكية الحالية، وقطع الدعم عن هذه الدول لمواصلة انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وتحسين السياسة الخارجية المرتبطة مباشرة بالبحرين، يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دوراً أساسياً في تعزيز حقوق الإنسان في البحرين.