في تاريخ 30 أكتوبر 2018، سُرّبت وثائق تتعلّق باتفاق أُبرم بين مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UN OCHA) والمملكة العربية السعودية بشأن المساعدات الإنسانية. وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن المساعدات الأجنبية من المملكة العربية السعودية جاءت مع الكثير من الشروط التي يمكن اعتبارها “دعاية مدفوعة الأجر”. تجدر الإشارة إلى أنّ جميع الدول التي تقدّم المساعدات تُحظى بتقدير إيجابي لمساهماتها الإنسانية، إلا أنّها تقدّم تلك المساعدات لأنها تعتبر أنّ ذلك من واجبها الأخلاقي. ولكن، إنّ المملكة العربية السعودية، تطلب تنازلات محددة في مقابل 930 مليون دولار من المساعدات الإنسانية، كشكل من أشكال رد الجميل. وبهذا، تكون المملكة السعودية قد حوّلت المساعدات الإنسانية إلى صفقة خدمات، كما هو موضّح في الوثائق المسرّبة التي تتضمّن متطلبات المملكة العربية السعودية للمساعدات “لربطها بقيمة الدعاية المفيدة الممنوحة للمملكة العربية السعودية”.
على الرغم من أنّ الحكومة السعودية قد تدخّلت ظاهريًا في النزاع في اليمن في عام 2015 لمساعدة الحكومة، المعترف بها رسمياً من قبل الأمم المتحدة ضد العصيان، إلا أنّ السبب الحقيقي وراء مشاركتها هو ضمان نفوذها في المنطقة. بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية، أصبح من الواضح أنّ تدخّل المملكة العربية السعودية قد لعب دورًا في تفاقم الكارثة الإنسانية على نطاق ضخم. فيما قُتل أكثر من 10000 مدني بسبب التفجيرات، والمجاعات، وغيرها من مظاهر الحرب حتى الآن، بما في ذلك حافلة مليئة بالأطفال الذين قُتلوا في غارة جوية سعودية في أغسطس عام 2018.
ووفقًا لصحيفة الغارديان، فإن الشروط الخاصة بالموازنة الإنسانية للسعودية لعام 2018 الخاصة باليمن، والمشار إليها بإسم خطة الرؤية، أظهرت أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية قد تعرّض لضغوطات شديدة للالتزام بمتطلبات المملكة. من الواضح أنّ المملكة العربية السعودية مهتمة بتقديم المساعدات لليمن فقط لتعزيز صورتها العامة، وليس رغبةً منها للتخفيف من المعاناة والألم الناجم عن دورها في الصراع.
لم يكن المقصود من الدعاية المكتسبة من هذه التبرعات أن تكون مجرد نوع من أنواع الشكر على المساهمة السخية. بل كان الهدف منها موازنة صورة الصحافة السيئة التي كانت السعودية تتلقاها لمساهمتها في الزيادة من حدّة الأزمة الإنسانية في اليمن. وكان من المقرر نشر قصص تمدح المملكة العربية السعودية في صحف مثل “نيويورك تايمز” و “الغارديان”، التي كانت أول من نشرها في المقام الأول. فيما تستهدف هذه الدعاية بشكل خاص الدول المهمة في المجتمع الدولي، لا سيّما الدول التي تبيع الأسلحة إلى الحكومة السعودية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، في اتفاق مع OCHA، أضافت المملكة العربية السعودية: “نحن نعتبر أنه من المهم للغاية التأكّد من أن جميع إخواننا اليمنيين الأعزاء على علم بتبرعاتنا. كما وينبغي التركيز بشكل أكبر على تعزيز خطة الرؤية المحلية من خلال إشراك وسائل الإعلام المحلية… حتى يحصل المانحون على تقدير جدير بالاعتبار وألا يتم حجبه من خلال رؤية وكالات المستلمين”.
يأتي هذا التقرير في وقت يسعى فيه أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى وقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية – مركّزين على عملية الاغتيال المُخطط لها للصحافي جمال خاشقجي من قبل الحكومة السعودية. يجب إدراج المعلومات الجديدة في عملية صنع القرار، والتي تشير إلى أنّ المملكة العربية السعودية تستغل المساعدات الإنسانية، وهي ضرورية لأكثر الفئات ضعفاً، عبر جعلها حملة دعائية لتحقيق مكاسب خاصة بها. إنّ تورّط المملكة العربية السعودية في مثل تلك العمليات، يزيد من ضرورة مواجهة السعودية وتوبيخها لدورها في الأزمة اليمنية.