نشرت صحيفة الواشنطن بوست أمس في 22 نوفمبر مقالاً مشتركاً بين مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD) سيد أحمد الوداعي والمدير التنفيذي لمنظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين(ADHRB) حسين عبد الله، تناولا فيه تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين لا سيما بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وجاء في نص المقال: “لقد فتح مقتل الصحافي جمال خاشقجي من قبل عملاء سعوديين في قنصلية المملكة في اسطنبول أعين الكثيرين على الحدّ الذي تذهب إليه المملكة لإسكات المعارضة. أخيراً، بدأ المجتمع الدولي بالتدقيق في إجراءات السعودية القمعية – كرد فعل لم يكن من الممكن التفكير به سابقاً بسبب نفوذ المملكة الواسع”.
الوداعي وعبد الله أكدا أنّ مقتل خاشقجي ليس مأساة فحسب وإنما يدل على موضوع توسّع القمع في الخليج والذي استمر لسنوات. والبحرين الشقيقة الصغرى للسعودية ليست بعيدة أيضاً عن قتل الصحافيين، ففي عام 2011، عذبت السلطات البحرينية كريم فخراوي حتى الموت، وهو المشارك في تأسيس صحيفة الوسط المستقلة الوحيدة في البلاد، وكان السبب الوحيد وراء عدم حصول قضية فخراوي على الاهتمام ذاته الذي حظيت به قضية خاشقجي هو أنه لم يظهر اسمه أبداً في “واشنطن بوست”.
وعلى خلاف ما يحدث في المملكة العربية السعودية بعد مقتل خاشقجي، حيث تتم محاكمة أشخاص، كشف عبد الله والوداعي أنه بعد سبع سنوات في البحرين، ليس من الواضح ما إذا كان أي شخص قد خضع للمساءلة حول تعذيب فخراوي. وتابعا أنّ ما هو مماثل بشكل صارخ في الحالتين هو عدم استجواب أي مسؤول من العائلة الحاكمة، وفي حالة البحرين، لم يتم استجواب الشيخ راشد آل خليفة، وزير الداخلية وقريب الملك، عن قواته الأمنية على الرغم من دوره في التعذيب الممنهج وقتل الأفراد في الماضي.
وعن نفسه كشف سيد أحمد الوداعي عن تعرضه للتعذيب على أيدي القوات الأمنية، وتعرّض ثلاثة من أفراد عائلته للتعذيب والأعمال الإنتقامية الأخرى في محاولة لإسكاته. وقضايا التعذيب لا تزل مستمرّة بناءً على في ثقافة الإفلات من العقاب، وكان من أبرز تلك القضايا قضية خاشقجي في المملكة العربية السعودية، وصولاً إلى القضايا الأقل علنية، مثل قضية فخراوي وعائلته.
وعلى الرغم من الاهتمام الموجه حديثاً للمنطقة بفضل قضية خاشقجي، لا يزال مناخ الإساءة مهيمن، وتعتبر البحرين مثالًا رئيسيًا. وفي 24 نوفمبر، ستستضيف البلاد انتخابات زائفة لمجلس النواب في البرلمان وسط بيئة من القمع المتفشّي والقيود الصارمة على الصحافة وحرية التعبير إذ شهدنا بالفعل اعتقال النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وسجنهم – وأحياناً بسبب نشرهم لتغريدات. وقال الوداعي: “هذا أمر شخصي يمسّنا إذ تم استهداف أفراد عائلاتنا بالانتقام في البحرين، لمجرد معاقبتنا على اتخاذ موقف علني بشأن قضايا حقوق الإنسان المنتهكة”.
وتعليقاً على الانتخابات انتقد الوداعي وعبد الله تعامل الحكومة البحرينية مع المعارضة السياسية إذ صدر بداية هذا الشهر حكماً بالسجن مدى الحياة على زعيم المعارضة الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان على أساس اتهامات تجسس ملفقة، وصدر الحكم بعد يوم من سفر الملك حمد إلى السعودية للقاء الملك سلمان. وفي هذا الاجتماع، بدلاً من مناقشة طرق تخفيف توتر المجتمع الدولي في أعقاب مقتل خاشقجي، ضاعف الملكان من “التصريحات الإعلامية المشينة”، مظهرين غطرسة تولدت من استمرار انتهاكاتهم مع القليل مع عدم المبالاة بالعواقب. ووصف الواعدي وعبد الله تلك الغطرسة بأنها تفتقد الصحة على الإطلاق، لأن انتهاكاتهم قد تلقت دعماً كاملاً من الرئيس ترامب وإدارته بحسب ما أكده وزير الخارجية ، مايك بومبيو، مؤخراً لولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولكن لم يكن هناك أي مؤشر علني على أن بواعث القلق المتعلقة بحقوق الإنسان قد أثيرت – وهو أمر مخيّب للآمال. وما ناقشه الوزير بومبيو والأمير سلمان كان التوصل إلى حل سياسي في اليمن، والمفارقة هنا أن المدافع البحريني البارز عن حقوق الإنسان نبيل رجب يسجن بشكل غير قانوني بسبب إثارة مخاوف مماثلة قبل سنوات – داعياً إلى إنهاء الحرب في اليمن وانتقاده عبر تويتر لدور البحرين في التحالف الذي تقوده السعودية في حربها على اليمن.
وعن الكونغرس الأمريكي أسف الوداعي وعبد الله للفرصة التي أضاعها الكونغرس هذا الأسبوع في اتخاذ موقف بشأن البحرين، إذ رفض التشريع الذي يحظر بيع الأسلحة إلى المملكة، ومن خلال تلك الخطوة أرسل الكونغرس رسالة تقشعر لها الأبدان بأنه على متن السفينة، وأنه يؤيد الموقف الإشكالي للإدارة بأنه صديق (في كثير من الأحيان الموقف الإشكالي للإدارة يقوم على حماية العلاقة الودية (التي غالباً ما تكون ودية للغاية)) للبحرين، مهما كانت التكاليف ووضع قضية حقوق الإنسان جانباً. ولقد شجعت إدارة ترامب، بالإضافة إلى عدم التدقيق في الكونغرس، على النظام القمعي وإعطاء الضوء الأخضر لقمع المدنيين وسجن القادة السياسيين قبيل دورة انتخابية يُفترض أن تكون فرصة لعائلة آل خليفة لتخفيف التوترات، وإعادة جماعات المعارضة السياسية وإطلاق سراح السجناء السياسيين.
وبدلاً من ذلك ، تحركت الحكومة البحرينية لإغلاق كل المجالات السياسية والمدنية. فأغلق المسؤولون صحيفة الوسط، الصحيفة المستقلة الوحيدة في البحرين، وقام القضاء غير المستقل في المملكة بحل جميع جمعيات المعارضة الرئيسية؛ وصدر قانون جديد يحظر على أعضاء جمعيات المعارضة المنحلة الترشح لمنصب الرئاسة؛ ولا يزال منتقدو الحكومة يواجهون اتهامات “الإرهاب” بتغريداتهم ضد الانتخابات. ولم يكفيهم كل ذلك إلى أن حكموا بالسجن على الشيخ علي سلمان، زعيم أكبر جمعية معارضة “الوفاق” – التي كانت تمثل في يوم من الأيام غالبية مجلس النواب في البحرين – وهو يقضي الآن عقوبة بالسجن مدى الحياة بتهم مزيفة، وبالتالي، ليس من المفاجئ أن تُمنح الإنتخابات المقبلة في البحرين أي فرصة في لأن تكون حرة أو نزيهة.
وقال الوداعي وعبد الله أنه خلال انتخابات منتصف المدة الأمريكية هذا الشهر، تغلب المرشح الديموقراطي لمجلس النواب توم مالينوفسكي على المرشح الجمهوري ليونارد لانس، الذي شغل منصب ممثل مقاطعة نيوجيرسي السابعة منذ عام 2009، لذا من المرجّح أن يصبح مالينوفسكي في الكونغرس الجديد لاعبا رئيسياً في صياغة السياسات تجاه البحرين والخليج ولديه خبرة مباشرة في تضييق البحرين على المجتمع المدني والسياسي: ففي عام 2014 ، عندما كان مالينوفسكي يعمل في وزارة الخارجية، أُمر بمغادرة البحرين بعد أن التقى بأعضاء الوفاق، بمن فيهم الشيخ علي سلمان، خلال زيارته الى البلاد.
وختم الوداعي وعبد الله بالقول أنه من المزعج تذكر أن الإهتمام بمقتل خاشقجي ليس استثناءً بل جزءاً من القاعدة، وإنّ المملكة العربية السعودية وجيرانها، البحرين من بينها، هي أنظمة قمعية تستخدم لإسكات المعارضة. وبينما يحوّل العالم انتباهه إلى المملكة العربية السعودية، يجب ألا يستمر في غض الطرف عن البحرين – وهي دولة قتلت صحافيين وتواصل اعتقالها للنشطاء دون عقاب. وتدخل البحرين في انتخاباتها البرلمانية بحوالي 4000 سجيناً سياسياً، ولا معارضة سياسية، ولا إعلام مستقل، ولا حرية ولا نزاهة، فلقد حان الوقت لتتغيّر سياسة الولايات المتحدة بشكل كبير في البحرين.