يبدو أن مستقبل منطقة الخليج بات معلقّاً برؤوس ثلاث اجتمعت تحت غطاء منتهكي حقوق الإنسان إقليمياً، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان ونجل الملك البحريني ناصر بن حمد آل خليفة، تفرقهم الجغرافيا ولكن تجمعهم جرائم انتهاكات حقوق الإنسان إن كان على صعيد جرائم الحروب أو تعذيب واعتقال النشطاء والمعارضين والحقوقيين أو ارتكاب جرائم قتل بحقهم.
إنّ ما يخيم على المشهد مؤخراً ولا يزال حديث الساعة هو إعتراف السعودية بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، أمرٌ شكّل إثارة دولية وإن كانت متأخرة تطالب بمساءلة محمد بن سلمان وإخضاعه للتحقيق ليس فقط بشأن خاشقجي وإنما بسجله الحافل في انتهاكات حقوق الإنسان منذ توليه هذا المنصب لا سيما في حرب اليمن، واعتقاله لأمراء ورجال دين ورجال أعمال واستمراره في مضايقة الناشطات الحقوقيات واعتقالهن، وغيرها من الإنتهاكات التي يمارسها في الداخل، وفي هذا الصدد طالبت منظمة العفو الدولية بداية شهر نوفمبر الحالي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بأن تكف عن الصمت المطبق إزاء السعودية، داعية إياها إلى التدقيق بما وصفته “الأعمال الوحشية” في المملكة من أجل الحيلولة دون وقوع المزيد من الإنتهاكات لحقوق الإنسان في البلاد وفي اليمن.
كذلك وجهت منظمة “هيومن رايتس ووتش“ نهاية شهر أكتوبر دعوة لقادة العالم والصحافيين للمطالبة بمحاسبة ولي العهد محمد بن سلمان وذلك من خلال إدراجها لعشرة عناوين يجب مساءلة محمد بن سلمان حولها، كاشفةً بدايةً على لسان مايكل بَيْج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، أنّ اغتيال خاشقجي الوحشي لم يكن مجرد مهمة سارت بشكل خاطئ، بل نتيجة إهمال السعودية الخطير لحقوق الإنسان، داعية العالم الى انتهاز هذه الفرصة للمطالبة بوضع حدّ لانتهاكات السعودية الحقوقية الخطيرة. وأمّا العناوين العشرة فقد استُهلّت بمساءلة محمد بن سلمان حول استمراره بقيادة الحرب على اليمن الى جانب دول التحالف منذ مارس 2015 وتنفيذ عمليات عسكرية وهجمات غير مشروعة ضد المدنيين ما يعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، في حين أدرجت المنظمة أسئلة عدة حول استهداف السعودية للناشطين في الخارج واحتجاز المدافعات عن حقوق الإنسان واحتجاز أمراء ورجال أعمال واعتقال رجال دين دون أي إجراءات قانونية واضحة كذلك المساءلة عن ماهية قانون مكافحة الإرهاب لعام 2017 الذي يتضمن تعريفات غامضة للغاية لأعمال الإرهاب، واتخاذ أحكام غير مشروعة بالإعدام منافية للقوانين والأعراف الدولية والتمييز بشكل منهجي ضد الأقليات الدينية الإسلامية.
ثاني الرؤوس المدبرة التي تشارك محمد بن سلمان في جرائم الحرب في اليمن تتمثل بولي العهد الإماراتي محمد بن زايد المتورط أيضاً بانتهاكات لحقوق الإنسان في الداخل، وآخر الإدانات كانت عبر منظمة هيومن رايتس ووتش التي أصدرت بياناً نهاية أكتوبر الفائت ضد انتهاكات إنسانية في الإمارات، إذ قالت إنّ الإمارات تستثمر كثيراً من الوقت والمال لتصوير نفسها دولة تقدمية ومتسامحة، لكنها في الحقيقة “استبدادية تفتقر إلى الاحترام الأساسي لحكم القانون”، فيما أشارت إلى تصاعد القمع الحكومي الإماراتي منذ العام 2011، حيث ارتكبت سلطاتها اعتداءات مستمرة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات، واحتجاز ومقاضاة المنتقدين السلميين والمعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان والأكاديميين بشكل تعسفي. في حين أطلقت الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان في أكتوبر الفائت نداءً عربياً ودولياً للإفراج عن المعتقلات في سجون الإمارات والسعودية. ولفتت إلى اعتقال السلطات الإماراتية كلاً من: أمينة العبدولي، وعلياء عبد النور، ومريم البلوشي، في ظل تقارير موثوقة عن تعرضهن لانتهاكات وممارسات تعذيب ممنهج بما في ذلك عزلهن عن العالم الخارجي ومنع تواصلهن مع عائلاتهن.
وخلال الدورة التاسعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 24 سبتمبر، أثارت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين في مداخلة شفهية خلال المناقشة العامة في إطار البند السادس المخاوف بشأن استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في دولة الإمارات ورفضها تنفيذ توصيات المراجعة الدورية الشاملة للدورة الثانية. فيما دعت المنظمة الى الانتباه إلى حالات حرية التعبير وحقوق المهاجرين والتعذيب، إذ لا يزال التعذيب في مراكز الاحتجاز منتشراً على نطاق واسع، حيث يروي السجناء عن التعرض للضرب؛ السجن الانفرادي لفترات طويلة؛ الحرمان من النوم والصلاة ومرافق المراحيض؛ والصدمات الكهربائية. وقد أبلغ سجناء أمثال مريم البلوشي وأمينة عبد الله وعلية عبد النور عن التعذيب والتهديد بالاغتصاب داخل سجن الوثبة في أبو ظبي.
ثالث الرؤوس المدبرة التي تشترك مع محمد بن سلمان ومحمد بن زايد في انتهاكات حقوق الإنسان تتمثل بنجل الملك البحريني ناصر بن حمد، إذ تستمر السلطات البحرينية في ترقيته الى رتب رفيعة في الدولة مبيضةً سجله الحافل بجرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان إذ إنه متورط بتعذيب الناشطين والمعارضين وقادة سياسيين في حراك 14 فبراير مع بداية قمع الحكومة العنيف للاحتجاجات والمظاهرات السلمية منذ عام 2011 وحتى الآن.
فمع بداية شهر أكتوبر الفائت استحوذ ناصر بن حمد آل خليفة على رتبة لواء في القطاع العسكري الى جانب مناصبه الأخرى، وقد أطلق المنصب الجديد حزمة من الأسئلة والإستفهامات في أذهان الحقوقيين والمراقبين للحالة الحقوقية في البحرين، ولعلّ المعطيات والحقائق التي يحملها سجل ناصر بن حمد الحقوقي تجيب على تلك الأسئلة وترسم مسارات المستقبل القريب للوضع في البحرين.
بات سجل ناصر بن حمد الحافل بالإنتهاكات الحقوقية لا يخفى على أحد وفيه ما يكفي لإدانته في المحافل الدولية واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه، فمنذ العام 2011 عُرف ناصر بن حمد على المستوى الدولي كمعذب للمعارضين الرياضيين في البحرين، فكان الفرد الأول من عائلة آل خليفة الذي سارع للانتقام من جميع المعارضين وخاصة الرياضيين منهم، معلناً أنّ جميع المشاركين في الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية سيُحاسَبون. حينها قامت السلطات بتنفيذ رغباته فأوقفت الأندية الرياضية واعتقلت الرياضيين المشاركين في الاحتجاجات وعرّضتهم للتعذيب وسوء المعاملة وحكمت عليهم بالسجن لسنوات.
ولم ينتهِ الأمر عند الرياضيين فحسب، بل أفاد معتقلون سياسيون ونشطاء معروفون من المعارضة عن تعرّضهم للتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز على يد الشيخ ناصر بن حمد، وكان من بينهم نشطاء المجوعة المعروفة بـ”البحرين13 “، الشيخ ميرزا المحروس والشيخ محمد حبيب المقداد.
ولكونه ابن الملك، عيّن الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، عضواً في مجلس الدّفاع الأعلى في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر من العام 2017، بعد أن كان مستحوذاً على مناصب عديدة كقائد الحرس الملكي البحرين ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة ورئيس اللجنة الأولمبية البحرينية، فأثار المنصب الجديد أيضاً المجتمع الحقوقي، إذ أدانت آنذاك منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين ترقية الشيخ ناصر لأحد مناصب المملكة رفيعة المستوى، وأعادت التأكيد على دعوتها لإجراء تحقيقٍ دولي مستقل في التقارير التي تعرضُ انتهاكاتٍ شديدة لحقوق الإنسان ارتُكِبت من قِبل مسؤولين رسميين رفيعي المستوى في البحرين. كما أنّ المنطمة دعت الحكومة الأمريكية في الأول من نوفمبر من العام 2017 إلى تعليق التأشيرات الدبلوماسية للشيخ ناصر بن حمد على خلفية وجود وثائق وأدلة تثبت تورّطه بشكل مباشر في تعذيب الناشطين خلال قمع الحكومة العنيف للاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية خلال مظاهرات عام 2011 الأدلة ذاتها كانت سبباً قوياً دفع المحكمة العليا البريطانية الى إلغاء الحصانة الدبلوماسية عنه، وسبباً يدفع الحكومة الأمريكية لمراجعة صلتها بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كالتعذيب والفساد، لتضمن بذلك أن مشاركتها مع بن حمد لا ينتهك القانون الأمريكي.
تعدّت انتهاكات الشيخ ناصر بن حمد تعذيب النشطاء واعتقالهم لتصل الى التبييض الممنهج للإنتهاكات أمام المنديات الدولية والتخفي برداء التسامح الديني، فبالتزامن مع الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة وخلال فعاليّة جانبيّة في مدينة نيويورك في التاسع والعشرين من سبتمبرالماضي من هذا العام، اجتمع مسؤولون بحرينيون تابعون لمركز الملك حمد للتعايش السلمي للتأكيد على إعلان البحرين العام الماضي بشأن التسامح الديني، الذي كان قد وقعه ابن الملك الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، في سبتمبر 2017. لكن تلك الفعالية لم تكن إلّا مسرحية هزيلة من أحدث مسرحيات الحيل الإعلامية التي تهدف إلى إخفاء التمييز المستمر ضد سكان البلاد الشيعة الذي لا يزال متفشياً في البحرين حتى يومنا هذا.
في المحصلة لا يسعنا القول إلّا أنّ منطقة الخليج العربي بما فيها السعودية والإمارات والبحرين أضحت بؤرة فاسدة ملوثة بانتهاكات حقوق الإنسان في الداخل وبالحرب على اليمن في الخارج، كل ذلك ينذر بأن مستقبل الحراك المطلبي في تلك الدول والمستقبل الحقوقي سيكون قاتماً إذا ما تولت الرؤوس الثلاثة الحكم، فماذا لو لم تشكل المطالبات الحقوقية أمام الأمم المتحدة والإدانات الدولية لانتهاكات حقوق الإنسان رادعاً للحكام المستقبليين لتلك الدول؟ وهل سيتم إخضاعهم للمساءلة والتحقيق أمام المحافل الدولية واتخاذ إجراءات بحقهم؟