يعتبر شهر أكتوبر/تشرين الأول شهراً وطنياً للفنون والإنسانيات في الولايات المتحدة. وكمنظمة مقرها الولايات المتحدة، تعتبر”أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” أنّ هذا الشهر بمثابة فرصة كبيرة لتسليط الضوء على الدور المهم الذي لعبه الفن الاحتجاجي في تاريخ الاحتجاج السلمي في دول الخليج العربي. وفي هذا الصدد سيسجّل شهر أكتوبر/تشرين الأول بداية سلسلة مدوناتنا “الفن كمظهر للإحتجاج” وسيستعرض تاريخ الاحتجاج على انتهاكات حقوق الإنسان في الخليج من خلال الفن بجميع أشكاله.
منذ الحراك المطالب بالديمقراطية عام 2011 والحملة الحكومية اللاحقة، بقيت القيود مفروضة على المجتمع المدني والسياسي في البحرين، بل بلغت أشدّها. ففي السنوات التي تلت ذلك، قيدت البحرين حقوق الإنسان الأساسية للعديد من المواطنين. وفي حين حاولت الحكومة استرجاع حملة عام 2011 وقمع المعارضة، فإن العديد من الصور النابضة بالحياة للحركة المؤيدة للديمقراطية عاشت، وما زالت، من بينها “فن الشارع” البارز. في أعقاب عام 2011، أصبحت الكتابات السياسية على الجدران أكثر بروزاً، خاصة حول سباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1 السنوي، إذ اتخذت تلك الوسيلة دوراً متجدداً في نشر رسالة المقاومة السلمية لنظام آل خليفة الملكي في الأعوام الأخيرة.
عندما بدأت الحركة المطالبة بالديمقراطية عام 2011، لم يعد دوار اللؤلؤة مجرد مستديرة مرور في المنامة، بل أصبح مركزًا للمحتجين البحرينيين المعارضين. هنا وفي الأحياء المحيطة، وُفّرت أسباب جديدة للرسومات الفنية التي تحمل رسائل سياسية. فظهرت إعلانات “نحن نستحق نظاماً أفضل” على الجدران في ضاحية السنابس في المنامة، بينما رُفعت شعارات إصلاحية أخرى في دوار اللؤلؤة. ظهرت المزيد من الرسومات المجردة التي استهدفت بشكل واضح المسؤولين الحكوميين، ومن بين تلك الرسومات صورة كرسي ملتوية مزينة بسلاح رشاش لعبة وسهمين، إحداها محفور عليه بكلمة “شهداء” والأخرى حفر عليها “التجنيس السياسي”، على مقعد الكرسي الملتوية وضعت صورة من الصمغ، وكانت تلك القطعة الفنية تشير إلى رئيس وزراء البحرين، الذي كان “متشبّثاً في كرسيّه” أي في هذا المنصب لأكثر من أربعين عاماً، كما وضّحت الطبيعة الفاسدة وغير الديمقراطية للسياسة البحرينية. في حين تزيين هذا الفن لشوارع المنامة ودوار اللؤلؤة، فقد وقع أيضاً ضحية حملة القمع الحكومية، فغالباً ما كانت تأتي قوات الأمن بعد منتصف الليل بين ليلة وضحاها لتغطية شعارات ورسومات المعارضة التي تدعو إلى الإصلاح واحترام حقوق الإنسان.
على الرغم من أن حملة 2011 سعت إلى إسكات المعارضين في البحرين، فقد استمر المحتجون في النضال من أجل الإصلاح في مجال الحقوق، وذلك باستخدام سباق الجائزة الكبرى لفورمولا 1 كمنصة جديدة للقيام بذلك. بعد إلغاء الفورمولا 1 في عام 2011 بسبب الحملة الحكومية المستمرة، عاد السباق إلى البحرين في العام التالي وقوبل بكثير من الجدل. اشتبك قوات الأمن والمتظاهرون مرة أخرى، وأسفرت وحشية الشرطة عن مقتل صلاح عباس حبيب، وهو أب لخمسة أولاد، ومصور صحافي يدعى أحمد إسماعيل حسن. في السنوات التي تلت ذلك، قوبل السباق بتزايد العنف من قبل السلطات، ففي العام 2016، قُتل علي عبدالغني، البالغ من العمر 17 عامًا، أثناء الاحتجاجات التي وقعت في توقيت سباق الجائزة الكبرى، عندما أفاد شهود عيان أنّ سيارة أمنية قامت بدهسه. وقوبلت الاحتجاجات التي وقعت عام 2017 المحيطة بالسباق بمزيد من العنف عندما قامت قوات الأمن برمي القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين. ومثل عام 2011، كانت الاحتجاجات المحيطة بالفورمولا 1 مصحوبة بفن الشارع والكتابة على الجدران، وهي الآن تدين استمرار سباق البحرين وتواطؤه في انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين. صور تحمل علامة F1 شيّدت من المدافع وعلم البحرين، الى جانب صور سيارات تتسابق وتحتها دم المتظاهرين وحملت شعار “مقاطعة الفورمولا 1 في البحرين” الذي عُدّ من أكثر الشعارات استفزازية للإحتجاج ضد الفورمولا 1. على الرغم من المعارضة الصريحة والواضحة لاستمرار هذا السباق، تواصل الفورمولا 1 عقد سباق الجائزة الكبرى السنوي في البحرين.
تستمر الاحتجاجات، الدعوات للإصلاح، وفن الشارع بانتظام في البحرين، إذ شكلت حركة 2011 التي بات دوار اللؤلؤة ملجأً لها، فصلاً واحداً من فصول تاريخ استفزازي للسلطة عبر المقاومة المرئية التي انتقلت إلى الإحتجاجات على سباق الفورمولا 1 السنوي، ويشكل هذا الإحتجاج رسالة تذكير مرئية واضحة للقمع المستمر تجاه حقوق الإنسان على أيدي الحكومة في البحرين، والصراع الذي انخرط فيه العديد من البحرينيين منذ فترة طويلة بهدف المطالبة بالحصول على حقوقهم وحرياتهم الأساسية.