تستمر السلطات البحرينية في تعظيم شأن الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة نجل الملك رغم سجله الحقوقي الأسود الحافل بتورطه في تعذيب الناشطين مع بداية قمع الحكومة العنيف للاحتجاجات والمظاهرات السلمية منذ عام 2011 وحتى الآن.
لم يكتف ناصر بن حمد بمناصبه التي طالت مختلف قطاعات المملكة لا سيما القطاع العسكري حتى استحوذ في بداية اوكتوبر الحالي على رتبة لواء، فهل سيضيف منصبه الجديد صفحات سوداء الى سجله الحافل بتعذيب المعارضين؟ وهل سيفتح هذا المنصب الباب على أساليب جديدة من القمع والتعذيب الممنهج؟
فمن البديهي أن يطلق المنصب الجديد حزمة من الأسئلة والإستفهامات في أذهان الحقوقيين والمراقبين للحالة الحقوقية في البحرين، ولعلّ المعطيات والحقائق التي يحملها سجل ناصر بن حمد الحقوقي تجيب على تلك الأسئلة وترسم مسارات المستقبل القريب للوضع في البحرين.
بات سجل ناصر بن حمد الحافل بالإنتهاكات الحقوقية لا يخفى على أحد وفيه ما يكفي لإدانته في المحافل الدولية واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه، فمنذ العام 2011 عُرف ناصر بن حمد على المستوى الدولي كمعذب للمعارضين الرياضيين في البحرين، فكان الفرد الأول من عائلة آل خليفة الذي سارع للانتقام من جميع المعارضين وخاصة الرياضيين منهم، معلناً أنّ جميع المشاركين في الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية سيُحاسَبون، وأنّ البحرين جزيرة صغيرة ولا مكان للهرب. حينها قامت السلطات بتنفيذ رغباته فأوقفت الأندية الرياضية واعتقلت الرياضيين المشاركين في الاحتجاجات وعرّضتهم للتعذيب وسوء المعاملة وحكمت عليهم بالسجن لسنوات.
ولم ينتهِ الأمر عند الرياضيين فحسب، بل أفاد معتقلون سياسيون ونشطاء معروفون من المعارضة عن تعرّضهم للتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز على يد الشيخ ناصر بن حمد، وكان من بينهم نشطاء المجوعة المعروفة بـ”البحرين13 “، الشيخ ميرزا المحروس والشيخ محمد حبيب المقداد. وفي عام 2014، رفع ضحية التعذيب البحريني “ف. ف.” الحاصل على لجوء في بريطانيا قضية ضد ناصر بن حمد في المحاكم البريطانية لتورطه في مزاعم التعذيب، قامت إثر ذلك المحكمة العليا في المملكة المتحدة برفع الحصانة عنه. لقد اتخذ هذا القرار من قبل اثنين من القضاة بموافقة النيابة العامة بعد أن قبلت تغيير قرار خاطئ لمنع الملاحقة القضائية.
ولكونه ابن الملك، عيّن الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، عضواً في مجلس الدّفاع الأعلى في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر من العام 2017، بعد أن كان مستحوذاً على مناصب عديدة كقائد الحرس الملكي البحرين ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة ورئيس اللجنة الأولمبية البحرينية، فأثار المنصب الجديد أيضاً المجتمع الحقوقي، إذ أدانت آنذاك منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين ترقية الشيخ ناصر لأحد مناصب المملكة رفيعة المستوى، وأعادت التأكيد على دعوتها لإجراء تحقيقٍ دولي مستقل في التقارير التي تعرضُ انتهاكاتٍ شديدة لحقوق الإنسان ارتُكِبت من قِبل مسؤولين رسميين رفيعي المستوى في البحرين. كما أنّ المنطمة دعت الحكومة الأمريكية في الأول من نوفمبر من العام 2017 إلى تعليق التأشيرات الدبلوماسية للشيخ ناصر بن حمد على خلفية وجود وثائق وأدلة تثبت تورّطه بشكل مباشر في تعذيب الناشطين خلال قمع الحكومة العنيف للاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية خلال مظاهرات عام 2011. الأدلة ذاتها كانت سبباً قوياً دفع المحكمة العليا البريطانية الى إلغاء الحصانة الدبلوماسية عنه، وسبباً يدفع الحكومة الأمريكية لمراجعة صلتها بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كالتعذيب والفساد، لتضمن بذلك أن مشاركتها مع بن حمد لا ينتهك القانون الأمريكي.
تعدّت انتهاكات الشيخ ناصر بن حمد تعذيب النشطاء واعتقالهم لتصل الى التبييض الممنهج للإنتهاكات أمام المنديات الدولية والتخفي برداء التسامح الديني، فبالتزامن مع الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة وخلال فعاليّة جانبيّة في مدينة نيويورك في التاسع والعشرين من سبتمبرالماضي من هذا العام، اجتمع مسؤولون بحرينيون تابعون لمركز الملك حمد للتعايش السلمي للتأكيد على إعلان البحرين العام الماضي بشأن التسامح الديني، الذي كان قد وقعه ابن الملك الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، في سبتمبر 2017. لكن تلك الفعالية لم تكن إلّا مسرحية هزيلة من أحدث مسرحيات الحيل الإعلامية التي تهدف إلى إخفاء التمييز المستمر ضد سكان البلاد الشيعة الذي لا يزال متفشياً في البحرين حتى يومنا هذا.
لذلك أكدت الملاحظات الأخيرة الصادرة عن خبراء الأمم المتحدة خلال مجلس حقوق الإنسان، ولجنة حقوق الإنسان، والفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي، ولجنة مناهضة التعذيب أنه لا يمكن السماح لحملة العلاقات العامة السطحية في البحرين بصرف الانتباه عن فشلها المستمر في الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، في حين جددت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين دعوتها المجتمع الدولي إلى محاسبة البحرين على إخفاقاتها في الوفاء لهذه الاتفاقات الملموسة، والضغط على الحكومة لاتخاذ خطوات هادفة لوضع حدّ التمييز. كما تحث المجتمع الدولي على دفع البحرين إلى رفع القيود المفروضة على المجتمع المدني والحرية الدينية.