في التاسع والعشرين من سبتمبرالماضي، بذلت الحكومة البحرينية مجهودًا جديداً لتبييض سجلها المرير بالتمييز الديني المدعوم من الدولة، وذلك في أحد أبرز المنتديات الدولية في العالم.
وخلال فعاليّة جانبيّة في مدينة نيويورك، بالتزامن مع الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة (GA)، اجتمع مسؤولون بحرينيون تابعون لمركز الملك حمد للتعايش السلمي للتأكيد على إعلان البحرين العام الماضي بشأن التسامح الديني، الذي وقعه ابن الملك الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، في سبتمبر 2017. على الرغم من أن الاحتفال والإعلان يُلزمان البحرين على ضمان الحق في حرية المعتقد، إلا أن التمييز الديني المنظم ضد الأغلبية الشيعية للمملكة لا يزال متفشياً، لذلك أدانت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) رفض الحكومة المستمر لمكافحة التحيز الطائفي وسط حملة علاقات عامة مخادعة لتبييض سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان.
الفعاليّة الجانبيّة للجمعية العامة للأمم المتحدة هي أحدث حلقة من سلسلة الحيل الإعلاميّة التي تهدف إلى إخفاء التمييز المستمر ضد سكان البلاد الشيعة، ففي سبتمبر عام 2017، أطلق الأمير ناصر بن حمد آل خليفة إعلاناً عندما زار متحف التسامح في لوس أنجلوس، وهي مؤسسة مهمتها تعزيز التفاهم الديني والتسامح على المستوى الدولي، وهناك وقّع على إعلان البحرين بشأن التسامح الديني. بدورها نشرت صحيفة “واشنطن تايمز” مقالاً للملك حمد بعد فترة وجيزة من الإطلاق الأصلي للإعلان، أشاد فيه بالجهود التي تبذلها الحكومة لضمان التسامح والتعايش، موضحاً مقتطفات من الإعلان، ومعتبراً أنّ التنوع الديني نعمة لشعبه.
يعدّ الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ، الوجه الأصلي لحملة الحرية الدينية الدولية، متورطاً بشكل مباشر في قمع المعارضة السياسية السلمية في الداخل. وبالإضافة إلى دوره الكبير في المؤسسة الرياضية البحرينية، فهو عضو في مجلس الدفاع الأعلى البحريني وقائد الحرس الملكي لقوة دفاع البحرين، وحدة النخبة العسكرية المنتشرة كجزء من التدخل الكارثي للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. في العام 2011، ظهرت أدلة تشير إلى أن الشيخ ناصر أشرف شخصياً على الاعتقال التعسفي والتعذيب بحق النشطاء. كذلك اختيرَ الشيخ ناصر كرئيس للجنة الأولمبية، لقيادة لجنة خاصة لتحديد ومعاقبة أكثر من مئة وخمسين عضواً من أعضاء التجمع الرياضي للتظاهر السلمي، فدعا علانية إلى بناء “جدار يسقط على رؤوس المتظاهرين … حتى لو كانوا رياضيين … البحرين جزيرة ولا يوجد مكان يفرون منه”، وغرّد على تويتر قائلاً: “لو كان الأمر بيدي، لحكمت عليهم بالسجن المؤبّد”، لكنه ينفي تورطه في تعذيب النشطاء، مع رفض الحكومة التحقيق في هذا الأمر.
على الرغم من السجل المهدد لقادة الرأي مثل الشيخ ناصر، استمرت الحملة حتى عام 2018. ففي حزيران /يوليو، أعلنت البحرين عن تعيين سفير عام للتعايش السلمي، والحرية الدينية في وزارة الخارجية الأمريكية (الولايات المتحدة) لتحسين الحرية الدينية، حاصلةً على إشادة من قبل المتحدث باسم وزارة الخارجية عن “البيئة المرحّبة بالأقليات الدينية وحقهم في العبادة”.
لكن في حين تسامح البحرين نسبياً مع الأقليات الدينية، فإنّ الحكومة صعّدت في هجماتها على الحقوق الدينية للأغلبية الشيعية، ففي العام 2017، وضعت لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية (USCIRF) البحرين في قائمة “Tier 2” للمخالفين للمرة الأولى، مستشهدة “بتدهور أوضاع الحرية الدينية”، وحافظت البحرين على هذا الترتيب السيئ في تقرير (USCIRF) الأخير لعام 2018.
وكما لاحظ المراقبون المستقلون مثل USCIRF، فإن التمييز الطائفي منتشر في جميع أنحاء البحرين، وخاصة في التوظيف في القطاع العام وتوفير الخدمات مثل السكن، وتعتبر الخدمات الأمنية مثالاً متطرفاً بشكل خاص، حيث يشكل الموظفون الشيعة أقل من خمسة بالمائة من الموظفين، على الرغم من أنهم يمثلون حوالي سبعين بالمائة من السكان المواطنين. هناك أيضا أدلة على أن المؤسسات الأمنية مثل الشرطة والجيش توزع المواد الدينية الطائفية وتنشر خطاب الكراهية بين صفوفها، فيما يتعرض رجال الدين الشيعة للمضايقات والاستهداف من قبل الحكومة، حيث تمّ استجواب أكثر من سبعين شخصية دينية أو اعتقالهم أو محاكمتهم في العام 2017، كما قامت السلطات بمضايقة أكثر من اثني عشر رجل دين من 14 سبتمبر إلى 19 سبتمبر من هذا العام، لا سيما مع في ذكرى عاشوراء المقدسة لدى الشيعة.
بالإضافة إلى ذلك، قمعت الحكومة المشاركة السياسية الشيعية، بحلّ جمعية الوفاق المعارضة بالقوة، الممثلة لأغلبية سكان البحرين الشيعة، وسجنت الحكومة بشكل تعسفي زعماء سياسيين شيعة مثل الشيخ علي سلمان وحسن مشيمع. كما أنّ التعديلات على قوانين الانتخابات وضعت مزيداً من القيود على المشاركة الشيعية، وحظرت على الشخصيات الدينية مناقشة القضايا السياسية في الخطب، وحظرت على أعضاء الجماعات المنحلة مثل جمعية الوفاق من الترشح للمناصب. نتيجة لذلك، تواجه أجزاء كبيرة من الطائفة الشيعية في البحرين عقبات كبيرة في المشاركة بحريّة في الانتخابات البرلمانية القادمة في شهر نوفمبر.
تعليقاً على ذلك، قال المدير التنفيذي لمنظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان حسين عبد اللّه: “لقد رأينا مرارا وتكرارا أن البحرين ليس لديها نية لتنفيذ أي من وعودها العلنية بالحرية الدينية عندما يتعلق الأمر بالأغلبية الشيعية المسلمة في البلاد، ومن إعلان البحرين وزيارة ناصر إلى متحف التسامح إلى هذا الماضي الوزاري لتحسين الحرية الدينية، رفضت البحرين بالكامل أن ترقى إلى كلماتها النبيلة في بلادها. كما وصف عبد الله الفعاليّة الجانبيّة للبحرين والأمم المتحدة بشأن التسامح الديني بالمحاولة الأخرى الخادعة لصرف الانتباه عن أزمة حقوق الإنسان في البحرين وتقديم ادعاءات كاذبة عن التقدم أو الشمولية، مؤكداً على عدم خداع المجتمع الدولي من خلال عرض فارغ آخر يضعه المسؤولون الحكوميون، بل يجب على المجتمع الدولي إجبار البحرين على تنفيذ التزاماتها الحقيقية والتزاماتها التعاهدية بالقضاء على التمييز الديني وحماية حقوق الإنسان من خلال الإصلاح الجوهري – وليس الإعلانات الفارغة”.
لا يمكن السماح لحملة العلاقات العامة السطحية في البحرين بصرف الانتباه عن فشلها المستمر في الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما أكدت الملاحظات الأخيرة الصادرة عن خبراء الأمم المتحدة خلال مجلس حقوق الإنسان، ولجنة حقوق الإنسان، والفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي، ولجنة مناهضة التعذيب. لذلك تدعو منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين المجتمع الدولي إلى محاسبة البحرين على إخفاقاتها في الوفاء لهذه الاتفاقات الملموسة، والضغط على الحكومة لاتخاذ خطوات هادفة لوضع حدّ التمييز. كما تحث المجتمع الدولي على دفع البحرين إلى رفع القيود المفروضة على المجتمع المدني والحرية الدينية، والسماح لجميع البحرينيين – بما في ذلك السكان الشيعة – بالحصول على كامل حقوقهم بما في ذلك حرية المعتقد والتعبير والتجمع وتكوين الجمعيات.