في ختام الاجتماع السادس والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في سبتمبر 2017، قام المجلس بتفويض مجموعة من الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين للإبلاغ عن حال حقوق الإنسان في اليمن. القرار 36/31 – القرار المنشئ لفريق الخبراء الدوليين – يطلب من “المفوض السامي إنشاء مجموعة من الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين ذوي المعرفة بقانون حقوق الإنسان ووضع اليمن لمدة سنة واحدة على الأقل، قابلة للتجديد كما هو مسموح” للنظر في إدعاءات انتهاكات حقوق الإنسان. في حين أن القرار لا يمنح الفريق ذاته القدرة على التحقيق في الانتهاكات، فإن قدرة الفريق على السفر في جميع أنحاء اليمن ومراقبة والإبلاغ عن الانتهاكات من جانب جميع الأطراف في الأعمال العدائية تمثل خطوة هامة في تحديد المساءلة عن الأفعال التي قد تشكل جرائم حرب.
في إعلانه عن تعيين الخبراء في ديسمبر 2017، أشار المفوض السامي السابق زيد رعد الحسين إلى أن الشعب اليمني تعرض “للموت، الدمار واليأس” ، وقال: “من الضروي أن يتم محاسبة أولئك الذين ارتكبوا مثل هذه الانتهاكات والتجاوزات.” في الوقت الذي لا يستطيع فيه فريق الخبراء الدوليين إحالة المخالفين إلى المحكمة للمحاكمة، فإن تكليفه بالتحقيق في الانتهاكات يمثل تقدمًا كبيرًا نحو تحقيق العدالة للضحايا واحتمال إنهاء الأزمة الإنسانية في اليمن. عين المفوض السامي ثلاثة خبراء للفريق مكون من : رئيس من تونس هو كامل جندوبي ، تشارلز غارواي من المملكة المتحدة، وميليسا بارك من أستراليا. منذ تعيينهم في العام الماضي، قاموا بزيارة اليمن لاطلاع على الوضع مباشرة ورصد انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان. في شهرأغسطس الماضي، أصدروا تقريرا مؤلفا من 41 صفحة، تتضمن 25 صفحة من المرفقات التي تسمّي جهات متورطة مهمة من التحالف، الحكومة اليمنية، والحوثيين. وفي إشارة إلى قلق الفريق بشأن الفظائع التي ترتكبها أطراف النزاع، يستخدم التقرير مصطلح “جرائم الحرب” ثماني مرات في الصفحات الـ 16 الأولى ومرتين أخريين في المرفقات. على سبيل المثال، يقول الخبراء أن الضربات الجوية لقوات التحالف قد ترتفع إلى مستوى جرائم الحرب، لأن التحالف فشل في الالتزام بقائمة المناطق التي لا قصف فيها، يهاجم المناطق المدنية، ويستخدم تكتيكات التنصّت المزدوج لتعمد قتل المستجيبين والمدنيين المساعدين لأولئك المصابين بالقنابل. لا يوجه الخبراء الاتهامات بارتكاب جرائم حرب على نحو بسيط، كما أن مخاوفهم المتكررة كبيرة لأن لجان التحقيق الدولية الأخرى كانت أكثر ترددًا في القول بأن الأعمال الوحشية قد ترتفع إلى مستوى جرائم الحرب.
في تقريرهم، وجد الخبراء أن جميع أطراف النزاع هم مسؤولون عن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك حكومة اليمن، تحالف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الحوثيين والمليشيات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة. ومن بين الانتهاكات التي أبرزها التقرير، المعدلات غير العادية لوفيات المدنيين من خلال الضربات الجوية، عدم المسائلة عن الانتهاكات، والأزمة الإنسانية. يشير التقرير إلى أنه “منذ مارس 2017، حدد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية اليمن على أنها أكبر أزمة إنسانية في العالم. في أبريل 2018، كان عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية 22.3 مليون نسمة من أصل 29.3 مليون نسمة، من بينهم 11.3 مليون شخص في حاجة ماسة.
في سياق وضع إطار عملهم القانوني، يشير الخبراء إلى أن أطراف النزاع – وخاصة حكومة اليمن – لم تلغ التزاماتهم التعاهدية، مشيرين إلى أن “اليمن دولة طرف في 9 من معاهدات حقوق الإنسان الدولية الأساسية ال 13، والتي تظل سارية في فترات النزاع المسلح. تحتفظ الحكومة بالتزامات إيجابية في المناطق التي فقدت فيها سيطرتها الفعلية.” هذا لا يعفي الدول الأخرى. في الواقع، يجب أيضا على أطراف النزاع الأخرى الالتزام بالمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، حيث يشير الخبراء إلى أن “اليمن في حالة نزاع مسلح غير دولي.” في هذا السياق، تنشأ التزامات القانون الدولي الإنساني بموجب كل من المعاهدات والقانون العرفي. إن جميع أطراف النزاع وقواتها المسلحة والأشخاص أو الجماعات الذين يعملون بناءا على تعليماتهم أو تحت توجيههم أو تحت سيطرتهم هم ملتزمون بالقانون الدولي العرفي.” وهذا يشمل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.و هكذا، على الرغم من أن المملكة العربية السعودية امتنعت عن التصويت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، عندما قالت إن الإعلان لم يتطابق مع الشريعة، فإنه يجب أن تلتزم مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لأن الأمم المتحدة تعتبره المعيار لكل بلد، بغض النظر اذا تم توقيعه أم لا. على الرغم من ذلك، اتخذت أطراف النزاع إجراءات تتعارض مع التزاماتها بموجب المعاهدات وتنتهك القانون الإنساني الدولي.
يبدأ الخبراء التقرير بالتصدي للضربات الجوية للتحالف والعدد المتزايد من القتلى المدنيين بسبب التفجيرات. وفقاً للخبراء، فإن الغارات الجوية للتحالف هي المصدر الرئيسي للوفيّات اليمنية، التي يربطها التقرير بممارسات استهدافات التحالف، مشيرين إلى أن العديد من مواقع القصف ليست على مقربة من هدف عسكري. يقول الخبراء إنه إذا لم تكن هذه الهجمات جوية هجمات أصابت بالخطأ المدنيين ، فإن ذلك سيكون بمثابة جرائم حرب. في الواقع، “على الرغم من الحماية الخاصة الممنوحة للمرافق الطبية والتعليمية، الثقافية، والمواقع الدينية بموجب القانون الدولي الإنساني، فإن العديد من هذه المرافق والمواقع قد تضررت أو دٌمرت بسبب الغارات الجوية لقوات التحالف طوال فترة النزاع.” لا يزال التحالف يزعم أن هذه الضربات غير مقصودة، ولكن من الصعب تصديق أنهم يخطؤون الأهداف العسكرية بقنابل موجهة بالليزر وأن ثلث غاراتهم الجوية تضرب مناطق غير عسكرية. بالرغم من هذا، هيئة التحقيق التابعة للتحالف، الفريق المشترك لتقييم الحوادث لم يتعاون مع الخبراء بشأن جهوده للتحقيق في هذه الضربات الخاطئة.
لا يتناول تقرير الخبراء الهجمات الجوية التي تقودها السعودية بقيادة الولايات المتحدة فحسب، بل يسترعي الانتباه أيضًا إلى الحصار المدمر الذي يفرضه التحالف على البلاد وآثاره على المدنيين. منذ عام 2015، قام التحالف بتقييد المجال الجوي والأنشطة البحرية، مما أدى إلى فرض حظر على اليمن. بعد أن أطلق الحوثيون صواريخ إلى المملكة العربية السعودية، حاصر التحالف الحدود السعودية اليمنية، مما حدّ من وصول شحنات المساعدات إلى اليمن. نتيجة لذلك، “اعتبارًا من أبريل 2018، كان ما يقرب من 17.8 مليون شخص عانوا من انعدام الأمن الغذائي و 8.4 مليون كانوا على حافة المجاعة.” على الرغم من ذلك، ذكر الخبراء أن التحالف رفض رفع القيود المفروضة على اليمن، على الرغم من أنه يطلب منهم ذلك بموجب القانون حيث أن العديد يعانون من عدم وجود المساعدات. أشار الخبراء أنه إذا بقيت القيود، فإن استمرار الوصول إلى الضروريات الأساسية مثل الغذاء والوقود سيكون له تداعيات كارثية على الشعب اليمني.
كما ينتقد التقرير قوات الحوثي لفشلها في الوفاء بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان. يقدم فريق الخبراء الدوليين أدلة على أن قوات الحوثي قتلت مدنيين بالقذائف والقناصة، مشير إلى أن المدنيين قد وٌجدوا على تقاطع نار. أعرب الخبراء عن قلقهم بشكل خاص إزاء الوضع في تعز، حيث يسيطر الحوثيون على المرتفعات المحيطة بالمدينة، حيث يقصفون الأحياء. إن إخفاق الحوثيين في التسبّب في وفيات المدنيين يمثل انتهاكات للقانون الدولي الإنساني. في حين أن الخبراء قد أدانوا التحالف بشدة بسبب حصاره لليمن ولتقييد الإمدادات التي تمس الحاجة إليها، فقد أدانوا كذلك القيود التي فرضها الحوثيون. سلطوا الضوء على العوائق التي يفرضها الحوثيون على السلع الإنسانية وغيرها من السلع التي يتم تسليمها إلى سكان تعز. كما أعرب الخبراء عن قلقهم بشأن تجنيد الحوثيين للجنود الأطفال. وحيث وجد الفريق أن الحكومة اليمنية، التحالف، والحوثيون جميعهم قاموا بتوظيف واستخدام الفتيان كجنود، إن معظم الحالات من الحوثيين – الذين يتحملون مسؤولية أكثر من ثلثي الحالات – ولكن مع زيادة حديثة مع قوات الحكومة اليمنية. على نطاق أوسع، انتقد الخبراء الحوثيين لعدم تعاونهم مع تحقيقهم.
في التقرير، يعرب الخبراء قلقهم الشديد إزاء الاعتقالات التعسفية، حالات الاختفاء القسري، التعذيب وسوء المعاملة من جانب جميع أطراف النزاع. عند فحص ادعاءات وإساءات مثل هذه، يقوم الخبراء بالتحقيق في الحالات في السجون التي تسيطر عليها الإمارات العربية المتحدة، وقوات ميليشيا الحزام الأمني المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، الحوثيين، الحكومة اليمنية. ويشير التقرير إلى أن “نظام العدالة الجنائية أصبح غير نشط إلى حد كبير في المناطق التي استعادت فيها القوات الموالية للحكومة السيطرة عليها. تم تمكين القوات المدعومة من التحالف من ملء الفراغ، مما أدى إلى انتشار الاعتقال التعسفي.” في الواقع، فإن العديد من حالات الاحتجاز التعسفي، الاختفاء القسري، والتعذيب ، بما في ذلك العنف الجنسي، تحدث في السجون التي تشرف عليها الحكومة اليمنية، الميليشيات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، أو قوات التحالف. في إحدى الحالات البارزة، انتقد الخبراء موظفي الإمارات لاعتدائهم جنسيا على سجناء في مرفق ائتلاف البٌريقة وكذلك في سجن بير أحمد، حيث أدانوا هذه الأعمال باعتبارها جرائم حرب محتملة. لقد تم تنفيذ أعمال عنف جنسي أخرى من قبل قوات الحزام الأمني، التي تديرها دولة الإمارات العربية المتحدة. هذه القوات لم تسيء إلى المعتقلين وتعذبهم فحسب، بل أفادت التقارير بأنهم اختطفوا واغتصبوا النساء لابتزاز عائلاتهن مقابل المال.
استجابة للمخاوف المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان في اليمن، لا سيما الضربات الجوية، أنشأ التحالف فريق تقييم الحوادث المشترك ، الذي تم تمكينه من تقييم ودراسة ادعاءات الانتهاكات. بالرغم من ذلك، انتقد فريق الخبراء فريق تقييم الحوادث المشترك لعدم استقلاليته وفشله في إخضاع التحالف للمسائلة عن انتهاكاته. ولاحظ الفريق أن “الخبراء قبلوا أن المعلومات المتاحة للجمهور قد تشكل فقط ملخصات عن نتائج فريق التقيي. ومع ذلك، أعربوا عن قلقهم الشديد حيث أن الملخصات كانت تفتقر إلى تفاصيل التحليلات القانونية التي تم إجراؤها ونادراً ما تناولت تقاريراً عن الضحايا المدنيين.” مع ذلك، ” تلقّى الخبراء معلومات موثوقة تشير إلى أنه في بعض الأحيان تم تغيير نتائج فريق التقييم بشكل جوهري من قبل وزارة الخارجية السعودية.” علاوة على ذلك، سعى الخبراء للحصول على مزيد من المعلومات من فريق التقييم حول هيكليته ونظامه الداخلي، ولكنهم لم يتلقوا أي رد. لا يقل عن ذلك مشكلة تكوين فريق التقييم، الذي يضم القاضي البحريني منصور المنصور، الذي يشتهر بسجن نشطاء حقوق الإنسان. على الرغم من كل هذا، فإن العديد من حلفاء التحالف يثقون بفريق تقييم الحوادث المشترك ويشيرون إليه كسبب في الاستمرار في دعم التحالف. لكن فريق الخبراء الدوليين يقول إن فريق تقييم الحوادث المشترك ليس فريقًا تقييمًا صالحًا ويقول إن التحالف “ليس لديه آلية تتفق مع المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانصاف والتعويض لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي.”
يجب على الأطراف المتحاربة في نزاع اليمن أن تعلن مسؤوليتها عن أفعالها. يقع على عاتق التحالف الإتزام بوقف قصف المدنيين والسماح بمرور المعونات عبر الحصار الذي يفرضه. لقد تم دفع الكارثة في اليمن إلى مستواها الحالي بسبب تدخل التحالف. كما تضاف الحكومة اليمنية إلى الأزمة ولديها واجب تجاه شعبها والمعاهدات التي وقعت عليها. يجب أيضا محاسبة الحوثيين على انتهاكاتهم لحقوق الإنسان، مثل تجنيد الأطفال ومنع المساعدات. في الواقع، لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم وطويل الأمد ما لم تقبل جميع الأطراف المتحاربة المسؤولية بشكل مشترك.
في تقريرهم، ينص الخبراء على أن جميع الأطراف الفاعلة في النزاع قد تكون مذنبة بارتكاب جرائم حرب. كعضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، المملكة العربية السعودية، وكدولة تسعى للحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان، اليمن، يجب محاكمتهم على هذه الفظائع. يذكر التقرير “مراجعة آليات المساءلة الوطنية والدولية هي خطوة حتمية نحو تحديد إطار عمل المسائلة الجنائية المستدام والقابل للبقاء بما يتماشى مع الالتزامات الوطنية والمعايير الدولية.” إن فريق الخبراء الدوليين يستطيع أن يرصد هذه الانتهاكات وأن يبلّغ عنها، ولا يمكنه في الواقع مقاضاة المتهمين بارتكاب جرائم حرب محتملة. في الدورة ال 39 لمجلس حقوق الإنسان، صدر قرار بتمديد ولاية فريق الخبراء الدوليين لمدة عام آخر حتى دورة مجلس حقوق الإنسان ال 42، مع 18 صوتًا ب “نعم”. صوتت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ضد هذا القرار. إن تمديد الولاية هو إحراز تقدم في تحقيق السلام في اليمن، و “المساءلة الجنائية المستدامة” التي يدعو إليها تقرير فريق الخبراء الدوليين، ولكن هناك حاجة إلى اتخاذ المزيد من التدابير الحازمة. يجب على المجتمع الدولي أن يضمن حصول الفريق على مزيد من السلطة لإخضاع التحالف والحوثيين للمساءلة عن الجرائم التي ارتكبوها.