في 28 يونيو 2018، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي حول الاتجار بالأشخاص لعام 2018، حيث تحسّن تصنيف البحرين على الرغم من المخاوف المستمرة حول فعالية إصلاحات الكفالة فضلاً عن الانتهاكات الأوسع لحقوق الإنسان. ومن الأمور التي تثير القلق أن وزارة الخارجية صنفت رئيس هيئة تنظيم سوق العمل البحرينية (LMRA) كـ “بطل تقرير الاتجار بالبشر” بينما تواصل السلطات ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق العمل بل وقد سجنت قبل أيام فقط موظفًا سابقًا في هيئة تنظيم سوق العمل بسبب انتقادات سلمية. ترحب منظمة “أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” (ADHRB) بكل الجهود ذات النية الحسنة للحد من الاتجار بالبشر، وتعلن عن سرورها برؤية الإصلاحات الأمريكية المشجعة في البحرين، ولكن الإطراء على هذه الجهود الظاهرية باعتبارها “بطولية” خلال أسوأ حملة لحقوق الإنسان في المملكة منذ سنوات غير مناسب ويؤدي إلى نتائج عكسية. ندين على وجه الخصوص هذا الاستحسان وسط استمرار رفض السفارة الأمريكية إثارة القلق حول الحقوق أو تعزيز الإصلاحات السياسية وحقوق الإنسان.
نقل تقرير الاتجار بالبشر لهذا العام البحرين من المستوى 2 إلى المستوى 1، مشيرا إلى أن الحكومة “تفي تماما بالحد الأدنى من المعايير للقضاء على الاتجار” وفقا لوزارة الخارجية. في يوليو 2017، نفذت هيئة تنظيم سوق العمل برنامجًا تجريبيًا “لتراخيص العمل المرنة” ، يهدف إلى توفير الكفالة الذاتية لبعض العمال المهاجرين لعلاج العديد من مشاكل نظام الكفالة. يرى تقرير وزارة الخارجية أن البرنامج “يسمح لما يصل إلى 2000 مغترب بالتقديم شهريًا للإقامة والعمل في البحرين دون الحاجة إلى كفيل، وبعد ذلك يمكن للمتقدمين الناجحين أن يعملوا في أي وظيفة مع أي صاحب عمل بدوام كامل أو جزئي، أن يتفاوضوا حول الراتب وساعات العمل مباشرة، وأن يأمنوا وظائف متعددة مع أصحاب عمل مختلفين.” كما وجد التقرير أيضاً أن هيئة تنظيم سوق العمل وسّعت الحماية للعمال المنزليين وقدمت الرعاية لأكثر من 30 ضحية للاتجار بالبشر، بينما أدانت السلطات لأول مرة مواطنًا بحرينيًّا ومسؤولاً حكوميًّا للمشاركة في جرائم الاتجار بالبشر. كما حدّدت وزارة الخارجية عددا من الإصلاحات السياسية الضرورية التي لم تنفذ بعد، داعية البحرين إلى زيادة الجهود لاجراء تحقيقات حول المتاجرين ومحاكمتهم، وتحديدا فيما يتعلق بالعمل التعسفي وحجز كل من جوازات السفر والأجور الخاصة بالعمال المهاجرين. كما توصي البحرين بزيادة الحماية لفئات العمال المهاجرين والمنزليين، وبأن تكمل وضع وتنفيذ طريقة رسمية لتتبع جرائم الاتجار بالبشر والإبلاغ عنها.
يشير تقرير الاتجار بالبشر إلى أن البحرين فشلت بشكل مستمر في تبني قوانين العمل التي تنطبق على عاملات المنازل – على الرغم من التوصيات المتكررة من خلال عملية الاستعراض الدوري الشامل التابع للأمم المتحدة – وأن تصاريح العمل المرنة لا تمثل فعليًا الإلغاء الكامل لنظام الكفالة، بشكل يتناقض مع الادعاءات السابقة للحكومة التي قالت العكس. ومع ذلك، فإن التصنيف الجديد لوزارة الخارجية الأمريكية للبحرين يهمل الكثير من قضايا حقوق الإنسان الأوسع نطاقاً بالمملكة، فضلاً عن التأثير السلبي الذي تخلفه الحملة السياسية على جهود مكافحة الاتجار بالبشر.
أولاً، من غير الواضح ما إذا كانت التصاريح المرنة تخفّف فعلياً من الجوانب الأكثر استغلالية في نظام الكفالة من الناحية العملية، حيث يظل حجب الأجور ومصادرة جوازات السفر شائعًا للعمال المهاجرين. فعلى سبيل المثال، يواجه العديد من العمال البنغلاديشيين والهنود إساءات مستمرة، كما احتج العشرات على الأجور غير المدفوعة قبيل أسابيع من إصدار تقرير الاتجار بالبشر لهذا العام. قد تعرضت هذه المجتمعات للاستغلال الطويل في ظل نظام الكفالة البحريني، واستمر هذا الاستغلال طوال فترة التقرير الخاص بوزارة الخارجية، حيث احتج مئات العمال في مارس 2017 ويونيو 2017. خلال آخر احتجاج في 11 يونيو 2018، حاول العمال الهنود والبنجلاديشيون التوجه إلى محكمة العمل البحرينية بعد أن حُرموا من دفع أجورهم لأكثر من أربعة أشهر، وتم تفريقهم في نهاية المطاف من قبل الشرطة. وفقا لتقارير حقوق المهاجرين، روى هؤلاء العمال قصصا عن موظفين لم يتلقوا رواتبهم مطلقا، أو حصلوا على تجديد للتأشيرة، أو أخذوا جوازات سفرهم من شركة البناء. على الرغم من أن وكيل الوزارة المساعد لشؤون العمل الدكتور محمد علي الأنصاري قد صرح بأن السلطات تقوم باجراء تحقيقات، إلا أن الإفلات من العقاب المتعلق بانتهاكات حقوق العمال لا يزال يمثل مشكلة كبيرة. في حين أشار تقرير الاتجار بالبشر لعام 2018 إلى إغلاق ثلاث وكالات توظيف لتجاهل قوانين العمل في عام 2017 وتوظيف 70 مفتشا للتحقيق في انتهاكات التوظيف، لا يزال العمال المهاجرون يواجهون صعوبة في الحصول على العدالة في محاكم العمل. كما أبلغ البعض عن رفع دعاوى قضائية للحصول في نهاية المطاف على محاكمة مستمرة معلقة بسبب رفض صاحب العمل الحضور.
وبشكل عام، تدهور الوضع العام لحقوق الإنسان في البحرين بشكل ملحوظ خلال عام 2017 ، حيث قامت الحكومة بسجن المدافعين عن حقوق الإنسان، وحل جميع جماعات المعارضة الرئيسية، وإغلاق آخر صحيفة مستقلة، من بين انتهاكات أخرى خطيرة للحريات الأساسية. إن قمع الحكومة التام للنقد والمعارضة يقوّض بشكل مباشر قدرة المجتمع المدني على رصد ومتابعة الاتجار بالبشر والتجاوزات ذات الصلة بشكل مستقل، مما يثير المزيد من المخاوف بشأن صحة المزاعم الحكومية المقبولة من طرف وزارة الخارجية في تقرير الاتجار بالبشر. في يوليو 2017، على سبيل المثال، حكمت البحرين على نبيل رجب، المدافع البارز عن حقوق الإنسان في المملكة، والمدافع منذ فترة طويلة على توسيع حماية المهاجرين، بالسجن لمدة عامين بسبب إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام؛ وحكم عليه فيما بعد بخمس سنوات إضافية لتغريداته. وعلى نفس المنوال، أغلقت الحكومة الصحيفة المستقلة الوحيدة “الوسط”، مستبعدة فعليًا الصحافة المستقلة القادرة على إجراء تحقيقات في انتهاكات حقوق المهاجرين والاتجار بالبشر. قبل الانتخابات البرلمانية عام 2018، قامت السلطات أيضا بحل كل مجموعة معارضة كبيرة ومنعت أعضاءها من الترشح، مما يضمن عدم قدرة البرلمان على القيام بدوره الرقابي.
تحافظ البحرين على قيود صارمة على الحق في حرية تكوين الجمعيات، بما في ذلك ما يخص تنظيم العمل، ويواجه الأفراد التمييز في العمل بناء على وجهات نظرهم السياسية أو الانتماء الطائفي في القطاعين العام والخاص. بعد مرور سبع سنوات، لا تزال الحكومة تفشل في الوفاء الكامل بالتزاماتها بموجب الاتفاقيات المتكررة لمنظمة العمل الدولية لإعادة تعيين وتعويض العمال الذين تم فصلهم بصورة خاطئة خلال حملة القمع ضد حركة 2011 المؤيدة للديمقراطية. وقد استهدفت الحملة حتى أعضاء هيئة تنظيم سوق العمل – المتلقين الآن لجائزة تقرير الاتجار بالبشر – بالاضافة الى الاحتجاز التعسفي والتعذيب بسبب التعبير عن انتقادات للحكومة: في يوليو 2016، ألقت السلطات القبض على المسؤول في هيئة تنظيم سوق العمل علي عبد الرحيم بتهمة المشاركة في اعتصام سلمي في الدراز وفي الشهر الماضي، حكمت المحاكم على الموظفة السابق في هيئة تنظيم سوق العمل، نجاح أحمد يوسف، بالسجن لثلاث سنوات بتهمة منشورات مزعومة على مواقع التواصل الاجتماعي. تعرضت يوسف للتعذيب والاعتداء الجنسي من قبل جهاز الأمن الوطني، الشرطة السرية البحرينية، قبل إدانتها.
قال حسين عبد الله، المدير التنفيذي للـ ADHRB: “يتم تشجيع أي جهود للتصدي لآفة الاتجار بالبشر واستغلال العمالة المهاجرة في الخليج، ولكن من السخيف أن تدعو وزارة الخارجية البحرين ‘بطل التقرير’ بينما تقوم هذه الأخيرة في الواقع بتفكيك المجتمع المدني، وسحق المعارضة، وانتهاك المعايير العالمية للعمل”. كما أضاف “أن يتم تقديم هذه الجائزة إلى رئيس هيئة تنظيم سوق العمل في الشهر نفسه الذي تم فيه سجن أحد موظفيه السابقين بسبب انتقاده للحكومة – بعد تعرضه للتعذيب – هو خطوة صماء، حتى بالنسبة لإدارة ترامب. إن وزارة الخارجية تسيء إلى أبطال البحرين الحقيقيين – وهم النشطاء الذين يقبعون في السجون لأنهم يشجعون الحماية العالمية لحقوق الإنسان – ويساعدون الحكومة على صرف الانتباع عن القمع المتفاقم.”
تدعو منظمة (ADHRB) البحرين إلى تنفيذ جميع توصيات الإصلاح الخاصة بتقرير الاتجار بالبشر، لكننا نحث وزارة الخارجية على إعادة النظر في تصنيفات المستوى 1 و “بطل التقرير” للمملكة وسط أزمة الحقوق الشاملة. تقرير الاتجار بالبشر لا يقيّم بشكل شامل كيف أن التدهور الواسع لحماية حقوق الإنسان في البحرين – بالإضافة إلى استمرار إساءات العمال بشكل عام – يقوض الإصلاحات المظهرية لمكافحة الاتجار بالبشر. في الوقت نفسه، إن استمرار ثقافة الإفلات من العقاب بالنسبة للمسؤولين الحكوميين وعدم وجود آليات مساءلة مستقلة يعوق التقييمات الموضوعية للأثر العملي للتحسينات التقنية، مثل نظام التصاريح المرن.