31 مايو 2018 – نشرت وزارة الخارجية الأمريكية (DoS) قبل يومين تقريرها السنوي الذي يختص بشؤون الحرية الدينية في العالم. سلط تقرير وزارة الخارجية الضوء على التمييز الديني النظامي الذي تمارسه الحكومة في المملكة العربية السعودية والبحرين، بما في ذلك استهداف الجماعات الإسلامية الشيعية في البلدين. وإذ ترحب منظمة “أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” (ADHRB) بالنتائج التي توصل إليها التقرير بخصوص المملكة العربية السعودية والبحرين، لكنها لا زالت تشعر بقلق بالغ ازاء رفض حكومة الولايات المتحدة التصرف والعمل على نطاق أوسع فيما يخص هذه النتائج. تدعو المنظمة في ذات الوقت الولايات المتحدة إلى الضغط بقوة على المملكة العربية السعودية والبحرين لإنهاء التمييز الديني وتعزيز حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك وقف صفقات الأسلحة الجديدة في ظل غياب إصلاحات ضرورية.
المملكة العربية السعودية
يسلط تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الضوء على تمييز الحكومة الهيكلي الموجه ضد الشيعة في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك ما يخص التوظيف في القطاعين العام والخاص بالإضافة إلى حرية الممارسات الدينية والثقافية. بسبب القوانين الحكومية، لا يمكن للمسلمين الشيعة بناء المساجد خارج المناطق المعتمدة في المنطقة الشرقية، حيث يتركز الشيعة غالبا في المملكة. هذا وتميز الشركات ضد المسلمين الشيعة في مسابقات التوظيف كما يعاني الشيعة من تمثيل هزيل في المناصب الحكومية والأكاديمية العليا. في نفس السياق، لا يوجد تمثيل شيعي في مجلس كبار العلماء – الهيئة الرسمية التي تنصح الملك في الأمور الدينية.
يواجه المسلمون الشيعة أيضا التمييز في النظام القضائي، حيث يتعرضون في كثير من الأحيان لتهم إرهابية مبهمة ناشئة عن حرية الدين، التعبير، التجمع وتكوين الجمعيات. على سبيل المثال، في 20 يوليو 2017، حكمت إحدى المحاكم على رجل الدين الشيعي حسن فرحان المالكي بالسجن لمدة ثلاثة أشهر ودفع غرامة، بالإضافة إلى إغلاق حسابه على تويتر بسبب تهم مثل “التطرف، التعصب وامتلاك أيديولوجية تكفيرية”. يشير تقرير وزارة الخارجية إلى أن مؤيدي المالكي يؤمنون بأن اعتقاله كان بسبب انتقاده للتمييز ضد الطائفة الشيعية.
فضلاً عن هذا، يواجه أعضاء الطائفة الشيعية عقوبة الإعدام بسبب التعبير عن المعارضة أو المشاركة في الاحتجاجات والجمعيات السلمية. على سبيل المثال، في 11 يوليو 2017، أعدمت الحكومة السعودية أربعة رجال شيعة – أمجد المعيّب ، يوسف المشايخ ، زاهر البصري ، ومهدي الصايغ – بتهمة ارتكابهم جرائم إرهابية، على الرغم من مخاوف جدية أن اعترافاتهم تم تحصيلها من خلال التعذيب. حالياً، يوجد ما لا يقل عن 33 من المسلمين الشيعة المحكوم عليهم بالإعدام بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات في المنطقة الشرقية.
يلفت تقرير وزارة الخارجية الانتباه أيضاً إلى استمرار المملكة العربية السعودية في استخدام قوانين التكفير الديني، المرتبطة بمخاوف بشأن الأمن القومي والإرهاب. يذكر التقرير أن “نقد الإسلام، بما في ذلك التعبير الذي يعتبر مسيئا للمسلمين، ممنوع للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي” كما أن “الدعوة للفكر الإلحادي بأي شكل، أو التشكيك في أساسيات الدين الإسلامي” يعتبران عملاً إجرامياً بموجب قانون مكافحة الإرهاب. هذه الجرائم يمكن أن يعاقب عليها بالإعدام. تبرز وزارة الخارجية حالات عدة لأشخاص متهمين بارتكاب جرائم الردة والهرطقة حيث قضت محكمة في يناير 2017 على مهاجر يمني لم يكشف عن اسمه بالسجن لمدة 21 سنة ثم ترحيله بتهمة إهانة الإسلام، النبي محمد، ومحمد بن عبد الوهاب على حسابه على الفيس بوك. في أبريل 2017، اتهمت المحكمة أحمد الشمري بالردة وحكمت عليه بالإعدام، بدعوى نشره مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي أعلن فيها خروجه عن الإسلام. ولعل أبرز هذه الحالات هي حالة المدون رائف بدوي الذي لا يزال في السجن بتهمة “انتهاك القيم الإسلامية، انتهاك الشريعة، الهرطقة، والسخرية من الرموز الدينية على الإنترنت” وحكم عليه بالجلد 1000 جلدة وعشر سنوات في السجن. تعرض رائف البدوي لـ50 جلدة، ولكن لأسباب طبية، تم تأجيل 950 آخرين إلى أجل غير مسمى. مع ذلك، لم يتم ابطال العقوبة، ويظل رائف البدوي عرضة لتنفيذ العقوبة.
ويختم التقرير بالقول إن “كبار المسؤولين بالسفارات والقنصليات استمروا في الضغط على الحكومة لاحترام الحرية الدينية، والقضاء على التطبيق التمييزي للقوانين ضد الأقليات الدينية، وتعزيز احترام وقبول ممارسات الأقليات الدينية”. كما يشير التقرير أن الحكومة الأمريكية لم تتخذ أي إجراءات من شأنها أن تضغط على الحكومة السعودية لوقف أو منع التمييز المنهجي. في الواقع، على الرغم من أن لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية (USCIRF) ووزارة الخارجية قد صنفتا المملكة العربية السعودية ببلد مثير للقلق على مدى السنوات القليلة الماضية بسبب الانتهاكات الشديدة، وعلى نطاق واسع، للحريات الدينية، حافظت وزارة الخارجية على موقفها الذي يعفي المملكة من العقوبات. علاوة على ذلك، وقعت الحكومتان الأمريكية والسعودية في الآونة الأخيرة “اتفاقية دفاعية تشمل ما يقرب من 110 مليارات دولار من المبيعات لمعدات وخدمات الدفاع الأمريكية”.
البحرين
وكما هو الحال مع السعودية فإن منظمة “أمريكيون من الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” ترحب بتقرير وزارة الخارجية حول التمييز المنهجي في البحرين ضد الأغلبية الشيعية. ولكنها تشعر بخيبة أمل من أن الحكومة الأمريكية لم تتخذ أي خطوات ملموسة للضغط على البحرين لوقف التمييز الديني أو منعه. بدلاً من ذلك، مثل المملكة العربية السعودية، تجاهلت الحكومة الأمريكية مخاوف حول تمييز واسع النطاق واستمرت في تقديم دعم ثابت – عسكريًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا – للحكومة البحرينية. في السنوات الأخيرة، زادت الولايات المتحدة بشكل كبير من المساعدات المقدمة إلى بعض المؤسسات الأمنية البحرينية الأكثر تورطاً في التمييز الديني الشديد، مثل قوة دفاع البحرين.
يؤكد تقرير وزارة الخارجية أنه بينما ينص الدستور البحريني على حرية الضمير، حرمة دور العبادة، حرية أداء الشعائر الدينية، وحرية تنظيم العروض التجمعات الدينية، تواصل الحكومة ممارسة التمييز المنظم ضد الأغلبية الشيعية. كما ينص الدستور أيضاً على “حرية تكوين الجمعيات طالما أنها لا تنتهك الدين الرسمي أو النظام العام ، ويحظر التمييز على أساس الدين أو العقيدة”، لكن وزارة الأمن تجد أن المسؤولين البحرينيين استمروا في استهداف الجمعيات السياسية الشيعية. ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من هذه الحماية القانونية الاسمية، تواصل الحكومة “استجواب واحتجاز واعتقال رجال الدين وأعضاء المجتمع والسياسيين المعارضين المرتبطين بالجماعة الشيعية”.
على سبيل المثال، استهدفت السلطات البحرينية مرارًا الشيخ عيسى قاسم، الزعيم الروحي للطائفة الشيعية في البحرين، باستعمال المضايقات القضائية. في عام 2016، قامت الحكومة بتجريده من جنسيته البحرينية بشكل تعسفي، وفي عام 2017، حكمت عليه محكمة بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ بتهمة غسيل الأموال بسبب تهم نابعة عن العرف الشيعي “الخمس”، والتي يقوم القادة الدينيون بجمع وتوزيع الأموال من خلاله على المجتمع. كما استهدفت الحكومة أنصاره، حيث سلط تقرير وزارة الخارجية الضوء على غارة 23 مايو/أيار 2017 تم شنها على اعتصام سلمي أمام منزل الشيخ قاسم في قرية الدراز. استخدم أفراد الأمن القوة المفرطة ضد المشاركين، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة المئات وسط اعتقالات جماعية.
وقد وثقت وزارة الأمن مجموعة متنوعة من الهجمات الأخرى على رجال الدين الشيعة، بما في ذلك العديد ممن ألقوا خطباً على “مواضيع غير مصرح بها”. على سبيل المثال، في 12 أبريل 2017، استجوب المسؤولون أربعة رجال دين شيعة بعد أن احتفلوا بذكرى زعيم ديني عراقي تم إعدامه. في 28 يونيو 2017، اتهمت المحكمة الشيخ حسنين المهنا بـ “التحريض على الكراهية ضد النظام والتحريض على ازدراء طائفة”، بناءً على خطبة ألقاها. في 25 مايو 2017، قام المسؤولون باعتقال رجل الدين الشيعي عيسى المؤمن، وحكمت عليه محكمة فيما بعد بالسجن لمدة ثلاثة أشهر بسبب موعظة ألقاها في عام 2016.
يتناول التقرير تفاصيل أشكال التمييز الأخرى ضد الطائفة الشيعية في البحرين، بما في ذلك حرمان السجناء من حقوق ممارسة عقيدتهم، الحرمان من التصاريح اللازمة لبناء مساجد شيعية جديدة، وفشل الحكومة المستمر في الوفاء بالتزامها باستعادة المساجد الثلاثة المتبقية التي ألحقت بها أضرارًا أو دمرت أثناء قمعها العنيف للاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في عام 2011. كما يشير التقرير إلى أن المسؤولين الحكوميين يعطون معاملة تفضيلية للسنّة المتهمين بجرائم معينة. على سبيل المثال، لا تذكر المنشورات الرسمية أسماء المسؤولين الأمنيين السنة الذين يجري التحقيق معهم بسبب ارتكابهم انتهاكات لحقوق الإنسان، لكنها تنشر بشكل روتيني أسماء وصور الشيعة الذين يخضعون للتحقيق، وأحيانًا حتى قبل أن تصدر المحكمة لائحة التهم.
رغم كل هذا فإن نهج الولايات المتحدة إزاء مخاوف التمييز الديني الحكومي الممنهج في البحرين كان مماثلاً لنهجها تجاه المملكة العربية السعودية. ويذكر التقرير أن “السفير ومسؤولين آخرين في السفارة وممثلي وزارة الخارجية اجتمعوا مع مسؤولين حكوميين لحثهم على احترام حرية التعبير للجميع، بما في ذلك رجال الدين؛ ضمان حصول أفراد المجتمع الشيعي على فرص متكافئة فيما يخص العمل والخدمات؛ متابعة المصالحة بين الحكومة والمجتمعات الشيعية.” ومع ذلك، تجاهلت سياسة الولايات المتحدة إلى حد كبير التقييم الصارخ لتقرير وزارة الخارجية لانتهاكات الحرية الدينية في البحرين، وركزت بدلاً من ذلك على إزالة الشروط الخاصة بحقوق الإنسان من مبيعات الأسلحة وزيادة المساعدات العسكرية الموجهة نحو قوات الأمن البحرينية الطائفية. من الواضح أن هذا النهج يقوض أي جهود لتعزيز الإصلاح لحقوق الإنسان في البحرين، ويعمق التواطؤ الأمريكي في نفس الانتهاكات التي تواصل وزارة الدفاع ذاتها توثيقها.
حسين عبد الله، المدير التنفيذي لـ ADHRB قال: “إن تقرير الحرية الدينية الدولي لعام 2017 الصادر عن وزارة الخارجية يؤكد الانتهاكات النظامية والمنتشرة للحرية الدينية في المملكة العربية السعودية والبحرين. بعد مرور عام على إشارة وزير الخارجية السابق بشكل واضح على فشل البلدين في القضاء على التمييز الديني، يؤكد هذا التقرير على مدى عمق هذه الانتهاكات وهيكليتها. لكن في الوقت نفسه، وبعد عام آخر من الانتهاكات المستمرة، ترفض الولايات المتحدة مرة أخرى دعم استنتاجاتها الخاصة بتغييرات سياسية حقيقية. ما زلنا نشعر بخيبة أمل عميقة بسبب المشاركة الأمريكية الباهتة في هذه القضايا الرئيسية، وندعو حكومة الولايات المتحدة إلى التصرف بناء على نتائج وزارة الخارجية الخاصة بها. إن الاستمرار في هذه الدورة سيقوض قيمة هذا التقرير ويشير إلى تسامح الولايات المتحدة – إن لم يكن تأييدها الفعلي – لانتهاكات حقوق الإنسان الواضحة.”