في عام 2011، قمعت الحكومة البحرينية بشكل عنيف الإحتجاجات المطالبة بالديمقراطية. واستخدمت القوة المفرطة والعشوائية ضد المتظاهرين السلميين. واستهدفت السلطات العاملين في المجال الصحي الذين قاموا بتقديم العلاج للمتظاهرين الجرحى، منتهكةً بذلك مبدأ الحياد الطبي. وتستمر مثل هذه الإنتهاكات حتى يومنا هذا. كما ذكرت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) والمدافعون عن الحياد الطبي (DMI) والمركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان (ECDHR) إلى الأمم المتحدة، “أحاطت وسيطرت الحكومة على مجمع السلمانية الطبي ومنعت القوات سيارات الإسعاف والمرضى والطاقم الطبي من دخول المستشفى أو مغادرته وأطلقت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وعلى النوافذ والمداخل. وأنشأت قوات الأمن “غرف استجواب” داخل المستشفى للتحقيق مع وتعذيب أطباء قدموا العلاج للمرضى المصابين.” وتم اعتقال أو تعذيب أكثر من 60 طبيباً. وصرفت السلطات 200 طبيب من وظائفهم. في 6 يونيو 2011، قامت المحاكم العسكرية الطارئة والمعروفة بمحاكم السلامة الوطنية بتوجيه الإتهامات في جلسة مغلقة إلى 47 من العاملين في مجال الصحة، بما في ذلك الكثير من العاملين في مجمع السلمانية.
وكان من بين العاملين الذين تمت محاكمتهم الدكتور محمود أصغر وهو جراح أطفال. اعتقل تحت تهديد السلاح وتعرض للتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة. و حكم عليه مجلس الأمن الوطني في البداية بالسجن لمدة 15 سنة وتم تخفيض الحكم في وقت لاحق إلى ستة أشهر. وتواصل الحكومة حتى الآن منع الدكتور أصغر من العودة إلى عمله. ولا تزال الطبيبة فاطمة سلمان حسن حاجي وهي أخصائية أمراض الروماتيزم موقوفة عن العمل بعد قضائها الحكم بالسجن لمدة خمس سنوات الذي صدر ضدها. وأثناء إلقاء القبض عليها، قامت السلطات بضربها بقسوة والإعتداء عليها جنسيا بغية إنتزاع الإعترافات القسرية. كما رفضت وزارة الصحة البحرينية إعادة الدكتور أحمد عمران إلى منصبه السابق. وبالمثل، تم فصل الدكتور نبيل حسن تمام عن العمل لمدة عام ولم يتم إعادة تعيينه لمنصبه إلا بنصف راتبه السابق. والقي القبض على كل من الدكتور عمران والدكتور تمام وتعرضا للتعذيب في عام 2011 قبل تبرئتهما في نهاية المطاف.
كان الطبيب علي العكري وهو جراح عظام الأطفال من آخر هؤلاء الأطباء الذين بقوا في السجن بعد الاعتقالات الجماعية في عام 2011. وكان العكري يعالج شاباً في غرفة العمليات عندما جاءت قوات الأمن لاعتقاله. وقد اقتيد الدكتور العكري إلى مراكز احتجاز متعددة حيث يُبلغ عن تعرضه للتعذيب والضرب. واحتجزته السلطات في الحبس الانفرادي لمدة أسبوعين. وبحسب قوله، فقد العكري وعيه حوالي الخمس مرات خلال التحقيق معه. أخيراً، أفرجت السلطات عن الدكتور العكري في مارس 2017 بعد إتمامه عقوبته بالسجن لمدة خمس سنوات.
واصلت الحكومة استهداف العاملين في المجال الطبي حتى بعد قمع حركة الاحتجاج عام 2011. على سبيل المثال، اتهمت السلطات البحرينية في عام 2016 الدكتور طه الدرازي وهو عالم أعصاب بارز “بالتجمع غير قانوني” بعد مشاركته في مظاهرات سلمية في قرية الدراز. وطوقت الشرطة البحرينية المنطقة بعد أن بدأ مئات الأشخاص اعتصاماً مفتوحاً أمام منزل الشيخ عيسى قاسم، الزعيم الديني الشيعي البارز في البلاد وذلك احتجاجاً على قرار الحكومة بإسقاط جنسيته بشكل تعسفي. وحكم على الدرازي بالسجن ثلاثة أشهر بعد الاستئناف.
على نطاق أوسع، قامت الحكومة بإضفاء الطابع المؤسسي على العديد من الممارسات التي استخدمتها لانتهاك الحياد الطبي خلال احتجاجات عام 2011 وذلك من خلال عسكرة نظام الرعاية الصحية في البلاد. يتم إدارة المستشفيات العامة في البحرين بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل الإدارة العسكرية. يقود قائد الخدمات الطبية الملكية اللواء الدكتور الشيخ خالد بن علي آل خليفة وهو وزير الدفاع السابق المجلس الصحي الأعلى في المملكة والذي تخضع له وزارة الصحة. وبالمثل، أصبحت خدمات الإسعاف الحكومية تحت سيطرة قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية وهي المؤسسات التي تشارك بشكل مباشر في قمع النشطاء والمعارضين. وفي فبراير 2018، أصدر الملك قراراً بتوسيع سلطة قوات الأمن لتشمل خدمات الإسعاف عبر إنشاء “مركز إسعاف وطني للإستجابة السريعة” وذلك لمركزة عمليات الإسعاف في المحافظات الأربع تحت سلطة وزارة الداخلية. ولم تتفاد المستشفيات الخاصة هذه التطورات، حيث تطلب السلطات منها الإبلاغ عن مرضى يشتبه أنهم أصيبوا في مظاهرة. وكثيراً ما يكون أفراد الأمن موجودين في المرافق الطبية ويمكن أن يتسببوا في تأخير العلاج من خلال الاستجواب. كان لهذه الاتجاهات تأثير واضح على الرعاية الطبية الطارئة فيتفادى المتظاهرين الجرحى الحصول على العلاج خوفًا من الاعتقال والتعذيب والملاحقة القضائية. فيلجأون بشكل متزايد إلى الإسعافات الأولية المخصصة من مسعفين غير المحترفين أو من الأطباء في منازلهم الخاصة. عملت الحكومة أيضا على قمع هذه الممارسات من خلال إصدار تهم جنائية مثل “مساعدة الهارب.”
كانت لهذه الشبكة من القيود عواقب مميتة. في يناير 2017، قام أفراد مقنعون يعتقد أنهم ينتمون إلى جهازالأمن الوطني في البحرين بإطلاق الذخيرة الحية على الاعتصام المفتوح في الدراز. فأصابت نيرانهم مصطفى حمدان البالغ من العمر 18 عاماً في رأسه. على الرغم من تلقي الإسعافات الأولية، كان حمدان بحاجة إلى رعاية فورية للبقاء على قيد الحياة. هرع أحد سكان الدراز بحمدان إلى مستشفى خاص ولكن رفض الموظفين هناك ادخاله دون وجود مسؤول من وزارة الداخلية. كما رفضوا إرسال سيارة إسعاف لنقله إلى مستشفى عام. وفي نهاية المطاف اقتاد شقيق حمدان أخاه المصاب إلى مجمع السلمانية حيث قام حوالي 35 من أفراد الأمن باستجواب الأسرة معرقلين بذلك العلاج. توفي حمدان متأثراً بجروحه. وقد تبين في وقت لاحق أنه ألقى جهاز الأمن القومي القبض على مسعف قدم العلاج إلى حمدان في مكان الحادث. ولا يزال مجهول المصير.
يواجه المعتقلين العديد من القيود على الرعاية الطبية داخل البحرين. فيُحرم السجناء ولا سيما السجناء السياسيون من الرعاية الطبية بشكل روتيني. على سبيل المثال، حُكم على محمد سهوان في مايو 2012 بالسجن لمدة 15 عاماً بموجب قانون مكافحة الإرهاب بعد إطلاق النار عليه في الظهر والساقين والرأس من قبل الشرطة المُسلحة. لم يتمكن من تلقي العلاج الكامل لهذه الإصابات ومنع من تلقي الرعاية الطبية على الرغم من العديد من المناشدة. توفي “بسكتة قلبية مفاجئة” في سجن جو في عام 2017.
ومن بين سجناء الرأي الآخرين حسن مشيمع وهو أحد الناجين من الأورام اللمفاوية الذي مُنع من تلقي فحوصات منتظمة للكشف عن أورام سرطانية وحسين عبد الوهاب حسين علي إسماعيل الذي يعاني من فقر الدم المنجلي واعتلال الغدد الصماء ولم يتم توفير له طبيب مناسب والدكتور عبد الجليل السنكيس، أحد الناجين من شلل الأطفال والذي يعاني أيضاً من فقر الدم المنجلي ولكن تم منعه بشكل متكرر من الحصول على الرعاية الطبية بما في ذلك المعدات لعكازاته.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني المدافع عن حقوق الإنسان المعتقل عبد الهادي الخواجة منذ مارس 2017 من فقدان البصر في عينه اليمنى وقد يشير ذلك في أسوأ الأحوال إلى تجلط مع احتمال الإصابة بجلطة في الدماغ. وعلى الرغم من حاجته إلى العلاج الطارئ، رفضت السلطات طلبات الخواجة بحضور مواعيده دون تفتيشه عارياً ووضع الأصفاد. كما رفض المسئولون عدة مرات حصوله على العلاج لحالة طبية أخرى تسبب له ألمًا مزمنًا في وجهه. يقضي الخواجة حكما بالسجن مدى الحياة بسبب نشاطه.
كما تم حرمان نبيل رجب، الذي شارك الخواجة في تأسيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، من الرعاية الطبية الكافية منذ إعادة اعتقاله في يونيو 2016. وعانى رجب خلال فترة احتجازه من إصابات جلدية وحصى مرارية مزمنة ومن عدم انتظام ضربات القلب وغيره من الأمراض والحالات الصحية الأخرى مما تسبب في اخضاعه إلى عملية جراحية طارئة وأخذه إلى المستشفيات لمرات عدة. وقد رفضت الحكومة تقديم العلاج للحصوة. واحتجزته في الحبس الانفرادي في ظروف غير صحية. وحُكم على رجب مؤخراً بالسجن لمدة سبع سنوات في قضيتين منفصلتين تتعلقان فقط بممارسته السلمية لحقه بحرية التعبير.
سعت حكومة البحرين منذ عام 2011 لتسييس وعسكرة نظام الرعاية الصحية، منتهكةً بشكل مباشر مبدأ الحياد الطبية. ولا تزال السلطات تهدد العاملين في المجال الطبي وتقلص من قدرتهم على تقديم المساعدة الطبية الشاملة بشكل مستقل ومهني. في حين تنكر السلطات على وجه التحديد العلاج لضحايا انتهاكاتها. على الحكومة احترام الحق في الصحة المنصوص عليه في دستور المملكة وضمان استقلالية العاملين في مجال الرعاية الصحية. كما عليها الإفراج عن جميع سجناء الرأي والمحافظة على الحد الأدنى من معايير الاحتجاز بما في ذلك توفير الحق في الرعاية الصحية للمعتقلين ومحاكمة المسؤولين عن التعذيب وسوء المعاملة.