بمناسبة الدورة السابعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تود منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) أن تسلط الضوء على تآكل حقوق الإنسان في البحرين، لا سيما فيما يتعلق بالنظام القضائي. كما تود المنظمة أن تثير مخاوف خطيرة من أن حكومة البحرين قد فشلت في التزاماتها القانونية الدولية بدعم حقوق المحاكمة العادلة وضمان الإجراءات القانونية الواجبة والحماية المتساوية للقانون وافتراض البراءة ونزاهة القضاء.
كان عام 2017 عاماً بارزاً بالنسبة للنظام القضائي في البحرين – عدلت الحكومة الدستور للسماح بمحاكمة المدنيين محاكمة العسكرية، حيث أسفرت المحاكمة الأولى بستة أحكام بالإعدام و بتجريد جنسية 13 مواطنا بحرينيا. وحكمت البحرين على 14 شخصا بالإعدام في عام 2017 وحده. و واصلت الحكومة أيضا إصدار أحكامٍ تعسفية بإبطال الجنسية في محاكمات غير عادلة، وما زالت تسيء لمواطنيها في مجال حقوق الإنسان بحجّة نظام “العدالة”.
المحاكمة العسكريّة للمدنيين
جرت في البحرين عام 2017 أول محاكمة عسكرية للمدنيين منذ عام 2011. في المرسوم الملكي رقم 18 لعام 2011، أعلن الملك حالة طوارئ وطنية بعد المظاهرات المؤيدة للديمقراطية، وأُنشأت محكمة السلامة الوطنية ذات المستويين مع المحكمة العليا في محكمة السلامة الوطنية، ومحكمة السلامة الوطنية للاستئناف. و تتألف كلتا المحكمتين من قاض عسكري رئيس وقاضيين مدنيين. و يدير النيابة أيضا مسؤولون عسكريون. ويقتصر اختصاص هذه المحاكم على ثلاثة أنواع من القضايا: (1) الجرائم التي أدت إلى إعلان حالة طوارئ في الدولة و خلّت بالأمن الوطني، (2) الجرائم التي تنتهك أوامر تنفيذ تدابير السلامة الوطنية، و (3) الجرائم التي هي تقليديا تُحكم في إطار محكمة مدنية ولكن تم نقلها إلى مجلس الأمن القومي، بما في ذلك جرائم الاعتداء على الموظفين العموميين؛ أو الأسلحة غير المشروعة أو المتفجرات؛ الجرائم المرتكبة بموجب قانون مكافحة الإرهاب؛ وانتهاك القانون المتعلق بالتجمعات والتجمع والمسيرات؛ والجرائم التي تتعلق بالأمن الأجنبي أو المحلي للدولة. وكانت الأحكام الصادرة عن مجلس الأمن القومي نهائية ولا تخضع للاستئناف (تم تعديل ذلك لاحقا، و تم استئناف بعض القضايا أمام المحاكم المدنية، بما فيها محكمة النقض). و حين تمّ تفعيل لجان محكمة السلامة الوطنية، أدانت هذه ما يقارب 300 شخص.
يعود وقف محاكم السلامة الوطنية جزئياً إلى توصية لجنة البحرين المستقلة لتقصي الحقائق بأن المحاكمات التي تجري محاكمتها في إطار مجلس الأمن الوطني ستستعرضها المحاكم المدنية المشكلة بصورة منتظمة، لأن “المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة، بما في ذلك المحاكمة الفورية و اللجوء الكامل الى المشورة القانونية وعدم جواز الإدلاء بشهادة الإكراه، لم يتم احترامها. . . ” . و بموجب المراجعة المدنية لهذه الحالات، فإن العديد من الأفراد المدانين في محكمة السلامة الوطنية قد خُفضت عقوباتهم أو عكست إداناتهم. و جميع المدانين المحكوم عليهم بالإعدام في محكمة السلامة الوطنية، خُفّضت عقوباتهم إلى المؤبد أو الى السجن لمدة سنوات.
يسمح التعديل الأخير للدستور بتمكين الجيش و منحه سلطة أقوى لممارستها على المدنيين، في ظل ظروف مختلفة. عُلّقت مهام محكمة السلامة الوطنية في عام 2011، ولم تعمل إلا لمدة ثلاثة أشهر خلال حالة الطوارئ المعلنة. ولم يعلن عن أي حالة طوارئ كهذه لعام 2017، ولا يتضمن التعديل أي أسلوب يحد من مدة الولاية القضائية العسكرية. وعلاوة على ذلك، سمحت محكمة السلامة الوطنية لبعض المدنيين الإضطلاع القضائي، بإدراج قضاة مدنيين في المحكمة والسماح للمدنيين المراجعة القضائية لبعض القضايا. ومع ذلك، فإن التعديل الأخير لا ينص على المدنيين الرقابة أو المراجعة، ولا يحد من اختصاص المحكمة العسكرية في جرائم معينة، ولا يضع أي تدابير للاستئناف. وبالفعل، فإن صياغة التعديل غامضة بحيث يُعطى القضاء العسكري تفويض مطلق لأي جريمة مزعومة في البحرين.
وقد حدت صياغة الدستور قبل التعديل من اختصاص المحاكم العسكرية في الجرائم العسكرية التي يرتكبها أفراد قوات الدفاع البحرينية والحرس الوطني وقوات الأمن (باستثناء الأحكام العرفية المعلنة). و الصيغة الجديدة لا تقدم نفس الضمانات، وتقرأ في مجملها:
“ينظم القانون القضاء العسكري و يحدد ولايته و اختصاصاته فيما يتعلق بقوات الدفاع البحرينية والحرس الوطني وقوات الأمن العام”.
و قد ذكر المسؤولون البحرينيون أن المحاكم العسكرية ستهتم فقط بالقضايا المتعلقة بالإرهاب، و لكن لا يوجد أي قيد من هذا القبيل في نص التعديل. وعلاوة على ذلك، فإن تعريف “الإرهاب” في القانون البحريني واسع لدرجة أنه يمكن أيضاً أن يغطي و يجرّم حرية التعبير والتجمهر و التجمع.
ومع التعديل، جرت أول محاكمة عسكرية للمدنيين في 23 أكتوبر 2017. و حكمت المحكمة العسكرية البحرينية العليا على 18 شخصا في القضية نفسها، بتهمة تشكيل خلية إرهابية والتآمر لاغتيال مسؤول عسكري. واختتمت المحاكمة في 25 ديسمبر 2017، عندما حكمت المحكمة على 6 رجال بالإعدام، وحكمت على 7 رجال بالسجن لمدة 7 سنوات، وبرأت 5 من المدعى عليهم. كما تم تجريد الرجال ال 13 الذين أدينوا من جنسيتهم. وفي 4 يناير 2018، أرجأت محكمة الاستئناف العسكرية الاستئناف إلى 14 يناير، وأرجأته مرة أخرى إلى 31 يناير.
استخدام عقوبة الإعدام وزيادة عدد أحكام الإعدام
إن أحكام الإعدام الجديدة هذه مثيرة للقلق بشكل خاص، حيث أن البحرين نفذت مؤخرا عقوبة الإعدام للمرة الأولى منذ عام 2010. وفي يناير 2017، أعدمت حكومة البحرين عباس السميع وسامي مشيمع وعلي السنكيس بإطلاق النار الجماعي. و قد نفذت عمليات الإعدام هذه رغم أن الرجال حافظوا على براءتهم، وذكروا أن التي أدلوا بها هي كاذبة لأنها أُخذت منهم بالإكراه تحت التعذيب. وأعربت أغنس كالامارد، المقررة الخاصة المعنية بحالات الإعدام الفورية بلا محاكمة كاملة و عادلة أو الإعدام التعسفي، في تغريدةٍ لها بنفس تاريخ الإعدام الجماعي الذي حصل، عن أن عمليات الإعدام هذه تشكل عمليات قتل خارج نطاق القضاء.
كما أن أحكام الإعدام الصادرة في ديسمبر 2017 مشوبة بالادعاءات بأن المسؤولين العسكريين عذبوا بعض المدعى عليهم لانتزاع الاعترافات. وأدين 8 من المتهمين غيابيا، حيث أفيد أنهم فروا إلى العراق وإيران. ولم يلتق بعض المدعى عليهم بمحام حتى جلسة الاستماع الثالثة في نوفمبر 2017. وبالإضافة إلى ذلك، كان ثلاثة من المدعى عليهم قاصرين وقت ارتكابهم الجريمة المزعومة واعتقالهم.
وينضم الرجال الستة الذين حكم عليهم بالإعدام في 25 ديسمبر 2017 إلى ثمانية آخرين حكم عليهم سابقا، وبذلك يصل العدد الإجمالي إلى 14 شخصا حكم عليهم بالإعدام في البحرين في عام 2017. وهذه زيادة ملحوظة عن عام 2016، بينما لم تصدر أحكام جديدة بالإعدام.
تجريد مواطنين بحرينيين من جنسيّاتهم
طريقة أخرى يستخدمها النظام القضائي في البحرين لمعاقبة السكان المدنيين و ترهيبهم، هي الإلغاء التعسفي للمواطنة. وقد جردت البحرين أكثر من 500 مواطن من جنسيتهم منذ عام 2012. وفي عام 2015 وحده، قامت الحكومة بإلغاء جنسة 208 من البحرينيين، وهو أعلى عدد حتى الآن. ومع ذلك، يتبع عام 2017، مع 156 عمليات إبطال للجنسية. وفي كثير من هذه الحالات، تقوم الحكومة بطرد الأشخاص في مجموعات كبيرة تصل إلى 25 شخصا في دعوى واحدة. وكثيرا ما تتسم الحالات بانتهاكات المحاكمة العادلة، مثل عدم اتباع مبادئ الإجراءات القانونية الواجبة والافتقار إلى الشفافية. والآثار السلبية المترتبة على إلغاء الجنسية عديدة، وتشمل فقدان إمكانية الحصول على الاستحقاقات الحكومية، وفقدان بطاقة الهوية (وهو أمر ضروري لعدد من الإجراءات الإدارية والرسمية، مثل فتح حساب مصرفي)، وعدم القدرة على الحصول على عمل، وفقدان من المساكن الحكومية، وغيرها. ولا يمكن للمرأة البحرينية أن تمنح المواطنة لأطفالها، فإذا كان زوجها فاقدٌ للجنسية فإن الأطفال المولودين جدد هم أيضا عديمي الجنسية أساسا ولا يمكنهم التمتع بالخدمات الحكومية.
الخاتمة
إن استخدام البحرين لنظام المحاكم لألحاق سكانها بانتهاكات حقوق الإنسان يعد مثالا على تدهور حالة حقوق الإنسان في المملكة. إن إضفاء الطابع العسكري على النظام القضائي يعرقل سيادة القانون ويعرض المدنيين في البحرين لانتهاكات حقوق الإنسان. إن أحكام الإعدام الأخيرة وحالات الإعدام بعد محاكمات غير عادلة، تجريد المواطنين من جنسيتهم تعسفياً، يشكل دليلا إضافيا على عدم اعتبار النظام القضائي لحقوق الإنسان. إن البحرين تنتهك التزاماتها باتفاقية مناهضة التعذيب، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية.
لذا، تحثّ ADHRB المجتمع الدولي على حثّ البحرين على:
- إلغاء المرسوم الملكي رقم ____________، وحظر محاكمة المدنيين محاكمة عسكرية في المستقبل.
- إلغاء الحكم الصادر في 25 ديسمبر 2017، والتأكد من أن قضايا الأفراد المحكوم عليهم تخضع للمراجعة من قبل المحاكم المدنية و الإلتزام بالمعايير الدولية للمحاكمات العادلة.
- إعادة الوقف الإختياري لعقوبة الإعدام بهدف إلغاء عقوبة الإعدام.
- إعادة تجنيس جميع البحرينيين الذين سُحبت منهم الجنسية تعسفياً، والتأكد من أن أي إجراءات لنزع الجنسية في المستقبل تتماشى مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة والنزاهة.
- التأكد من أن الأشخاص الذين لا يحملون الجنسية وأطفالهم غير المسجلين قادرون على التمتع بخدمات الدولة.