في 13 فبراير 2018، استضافت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين(ADHRB) حلقة نقاش، في كلية الخدمة الدولية في الجامعة الأمريكية، بعنوان “وقفة من أجل حقوق الإنسان في البحرين”. ضم الحوار المدير التنفيذي ل ADHRB، حسين عبد الله، و موظف التحشيد الدولي في ADHRB مايكل باين، و المقرر الخاص للتحشيد في مركز الخليج لحقوق الإنسان (GCHR)، مريم الخواجة. وأدار المناقشة مدير برنامج الأخلاقيات والسلم والشؤون العالمية بالجامعة الأمريكية ومحاضر في مجال حقوق الإنسان، البروفسور جيف بشمان.
افتتحت مريم الخواجة المناقشة، متحدثة عن تاريخ البحرين الطويل في نشاط المجتمع المدني. ففي البحرين واحدة من أقدم الحركات من أجل الحقوق في المنطقة، التي يعود تاريخها إلى 1920، نشأت مع انتفاضات تدعو إلى الإصلاح، كانت تندلع في كل عقد. في مطلع قرننا هذا، توّج حاكم البحرين حمد بن عيسى آل خليفة نفسه ملكاً و وعد بنظام ملكي دستوري، مما يدل على فرصة إجابية للتغيير. بيد أن الملك سرعان ما سعى إلى صياغة الدستور في عام 2002، لتوحيد السلطات، و إلى بناء نظام ملكي مطلق. وقد أخذت الحكومة جميع أشكال التدابير القمعية للاحتفاظ بالسلطة، منها الاعتقال التعسفي والتعذيب و التجنيس السياسي و فرض الرقابة.
صرّحت الخواجة أنها عندما بدأت بالانخراط في نشاطات المجتمع المدني، منذ أكثر من سبع سنوات، كان “حاجز الخوف” الذي بنته الحكومة قوياً و فعّالاً، مما وقف في طريق الحشد الأكبر. و لكن عندما أطلقت شرطة مكافحة الشغب النار على المتظاهرين السلميين و لم يمتنعوا عن التظاهر، لاحظت الخواجة أنّ التغيير ممكن. خرج عشرات آلاف البحرينيين إلى الشوارع و تصدّوا إلى عنف قوات الأمن، في شهر فبراير 2011، في الذكرى السنوية لمشروع الملك للإصلاح الوطني و قيام نظام ملكي دستوري. في هذه اللحظة، أدركت مريم الخواجة أن الحاجز قد كسر. شارك كل طرف من أطراف المجتمع، من كلّ الطبقات و المهن و الأعراق و الطوائف الدينية، في حركة الاحتجاج التي قامت في دوار اللؤلؤة في المنامة. في ليلة 17/18 فبراير، تدخلت قوات الأمن لتبطل الإعتصامات، مما أدى إلى قتل المتظاهرين. و رغم ذلك، واصل الآلاف من البحرينيين الاحتجاج وعادوا إلى دوار اللؤلؤة.
عند هذه النقطة، كانت الحكومة تقف عند مفترق الطرق حيث يمكنها إما أن تتدخل من باب الإصلاح وتشارك بحوارٍ مع المعنيين أو أن تكثّف قمعها ضد المتظاهرين السلميين. و اختارت الخيار الثاني، وبدعم من مجلس التعاون الخليجي – وتحديداً قوات الأمن من المملكة العربية السعودية و من الإمارات العربية المتحدة – قامت السلطات بتدمير دوار اللؤلؤة بشكل تام. وفي السنوات التي تلت، كثّفت الحكومة القيود القانونية على حقوق الإنسان الأساسية وأضفت الطابع المؤسسي على التدابير القمعية. رغم العنف الذي مارسته السلطات على المتظاهرين عام 2011، لم تمتنع المملكة من استخدام النظام القضائي كوسيلة رئيسية لقمع الحركة. فالتعذيب والاعترافات القسرية وغير ذلك من انتهاكات للإجراءات القانونية السليمة متفشية في المحاكمات السياسية غير العادلة، التي تؤدي إلى إلغاء الجنسية بشكلٍ تعسفيّ وحتى إلى عقوبة الإعدام.
ثم استلم حسين عبدالله طرف الحوار بالتحدث عن فكرة المجتمع المدني “النابض بالحياة” أو “الناجح” – الذي يسمح للأساتذة بالتعليم، و للعلماء بالوعظ، و للطلاب بالنقاش بحرية، و للناشطين بالحشد. ففي البحرين، و على العكس مما ذُكر، قامت الحكومة بتفكيك المجتمع المدني و سجن فعالياته. قامت الساطات بالاعتقال التعسفي لأساتذة بتهمة التشجيع على التفكير النقدي، و لرجال الدين لوعظهم بالكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، و لطلاب بتهمة التعبير عن الرأي و لناشطين للسعي وراء قضيتهم.
في الوقت عينه، سمح حلفاء كبيرون، مثل الولايات المتحدة، بحصول تلك انتهاكات، بسبب نظرتهم المظللة بما يخص مصلحتهم في المملكة البحرينيّة. تُعتبر البحرين حليف عسكري رئيسي كمستضيف للاسطول الخامس، والمملكة العربية السعودية – الراعي الأوّل للبحرين – مشتري رئيسي للأسلحة الأمريكية الصنع. لذلك، كُثُر هم في الولايات المتحدة الذين يغضون النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلدين. ومع ذلك، قد يكون للمواطنين الأميركيين أثراً قويّاً على الوضع الحالي في البحرين، من خلال كتابتهم إلى ممثلي الكونغرس، وطلبهم بالاعتراض و وقف مبيع الأسلحة حتى يتم احترام حقوق الإنسان. و يمكن لطلاب الجامعة الأمريكية تحديداً، أن يكون لهم تأثير من خلال قيادة حملة لإلغاء اسم ولي العهد البحريني من ردهة كليّة الخدمة الدولية (الذي وُضع بعد أن تبرع الأمير بمبلغ كبير من المال) ومنع الاتصالات في المستقبل بين المؤسسات الأكاديمية و الأفراد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان.
تابع مايكل باين بقوله أن حكومات الخليج العربي حساسة جداً عندما يتعلق الأمر بصورتهم و النظرة الدولية باتجاههم. لدى وسائل الإعلام تأثيراً حقيقيا فيما تقوله عنهم، فتعمل منظمات مثل منظمة ADHRB ومركز الخليج لحقوق الإنسان على كشف انتهاكات هذه الحكومات لحقوق الإنسان على الصعيد الدولي، وخاصة للأمم المتحدة. و أشار باين إلى كيفية قيام بعض المنظمات غير الحكومية مثل ADHRB بتوثيق الانتهاكات وإعلانها دولياً لتمثيل الضحايا وأسرهم لأنه لا تمثيل لهم ولا دعم محلي. يمكن لذلك أن يترجم في الأمم المتحدة إلى بلاغات من الإجراءات الخاصة مع الحكومات، و هذا مثال على أحد الوسائل لمحاولة وضع أفعال والتزامات السلطات المعنية الدولية في محلِّ شكٍ.
وفيما يتعلق ببيع الأسلحة للجيش البحريني، جادلت الولايات المتحدة مرارا بأنه تم سحب الجيش من عملية ضبط الأمن على الصعيد الداخلي، وبالتالي ينبغي ألا يقتصر الدعم في مجال الأمن للجيش، و هذا الأمر يؤثر على إمكانية في الإصلاح. لقد أوضح باين أن هذه لم تعد القضية. صدر مؤخراً تعديل دستوري في البحرين يسمح للمحاكم العسكرية بمحاكمة المدنيين، وهناك أدلة كثيرة على أن العناصر العسكرية تشارك في انتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة، و تقوم بتعذيب المحتجزين المشتبه بهم. ومن الضروري أن تنفذ الولايات المتحدة سياسة تتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان هذه – وتمنع التواطؤ الأمريكي فيها – عن طريق وقف بيع الأسلحة والتعاون مع هذه المؤسسات حتى تحدث تغييرات حقيقية.
وأكدت مريم الخواجة أن البلدان في هذه المنطقة مترابطة، ويتشاركون في بعض الأحيان في أسوأ أساليب الانتهاكات. وإذا قام بلد ما بتدابير قمعية معينة، ولم يلق إلا القليل من المقاومة أو الانتقاد الدولي، فإن البلدان الأخرى ستحذو حذوها. فعلى سبيل المثال، قامت المملكة العربية السعودية بتعزيز السلطة الاستبدادية في عهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على الرغم من الوعود الإيجابية بشأن حقوق المرأة. ويشاد به إلى حد كبير في الصحافة العالمية كمُصلحٍ، على الرغم من اتخاذ إجراءات صارمة و متهورة و عنيفة بما يخص اليمن.
وأضافت الخواجة أن تغيير المناخ قد يصبح أيضاً مصدراً رئيسيا للاضطرابات في الشرق الأوسط إذا لم يتم التعامل مع الأمر بالطريقة الصحيحة. سوف ترتفع نسبة الفقر والبطالة، مما سيزيد الضغط على الأنظمة السياسية المكسورة، و سيؤدي إلى قمع أشد قسوة. إذا كانت الولايات المتحدة و حلفائها يريدون حقا أن يروا استقراراً مستداماً في بلدان مثل البحرين، فعليهم تشجيع الإصلاح الآن قبل أن يصل هذا العامل إلى حد الأزمة، و يؤدي إلى المزيد من العنف.