أستهدفت حكومة البحرين أكبر مرجعية دينية في البحرين الشيخ عيسى أحمد قاسم وذلك بتأخير علاجه ورفضها في بادىء الأمر نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج المناسب. فقد طرأ منذ حوالي العشرة أيام، وتحديداً في أواخر شهر نوفمبر 2017، تدهوراً خطيراً في وضع الشيخ قاسم الصحي، فهو يخضع للحصار وللإقامة الجبرية منذ عام ونصف. وتمّ نقل الشيخ قاسم إلى المستشفى يوم الإثنين الموافق في 4 ديسمبر 2017، بعد أن كانت السلطات قد رفضت – رغم المطالبات المستمرة – مجرد معاينته من طبيبه الخاص طوال مدة الحصار .
يعتبر الشيخ عيسى قاسم، المولود عام 1940 في بلدة الدراز، من أهم المرجعيات الدينية التي تحظى بشعبية واسعة بين أبناء البحرين. تولّى الشيخ منصب رئيس المجلس الإسلامي العلمائي سابقاً وكان يحرص على إقامة صلاة الجمعة في جامع الإمام الصادق في الدراز. لا يتمتّع بقاعدة شعبية ضخمة فحسب، بل يُنظر إليه كالأب الروحي والرجل الذي يمكن أن يجلب إصلاحاً سياسياً وتعايشاً سلمياً إلى المملكة التي غاب عنها الأمن السلمي والإنساني بسبب الممارسات القمعية للحكومة، التي وجّهت اتهاماً للشيخ عام 1996 بالضلوع في مؤامرة لقلب نظام الحكم في البلاد وتأسيس مجموعة معارضة. وجّهت الحكومة البحرينية اتهامات عديدة لقاسم من بينها الوقوف وراء المظاهرات في البحرين ومحاولة تأسيس نظام بديل بدعم من إيران، بالإضافة إلى السعي لإثارة الانقسام المذهبي في البلاد. إلاّ أنّ ذروة الأزمات اشتدت مع قيام النظام بإسقاط الجنسية عن الشيخ في 20 يونيو 2016 وفرض الإقامة الجبرية عليه في مايو من هذا العام. وتمّ أيضاّ توجيه تهم للشيخ بارتكاب جريمتي جمع أموال الخمس بغير ترخيص، وغسل الأموال بإجراء عمليات على تلك الأموال لإخفاء مصدرها ولإضفاء المشروعية عليها على خلاف الحقيقة. وقد حكمت المحكمة الكبرى الجنائية على الشيخ قاسم، غيابيا في 21 مايو 2017 بالسجن لمدة سنة مع وقف التنفيذ لمدة 3 سنوات، على خلفية اتهامه بغسل الأموال.
أدانت العديد من المنظمات الحقوقية ممارسات البحرين بحق الشيخ قاسم، ومن بينها منظمة العفو الدولية التي اعتبرت أنّ سحب الجنسية من الشيخ هو “إجراء تعسفي”، بحيث أنّه “لم تتح له فرصة التعامل قانونياً مع هذا الإجراء”. وردّاً على قرار إسقاط الجنسية، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إنّ قرار تجريد الشيخ عيسى قاسم من جنسيته يأخذ البحرين إلى أحلك الأيام. وبالفعل، شهدت البحرين، وتحديداً منطقة الدراز، أحلك أيَامها مع الهجوم الدامي الذي نفذته قوات النظام بحق المعتصمين العزّل أمام منزل آية الله الشيخ قاسم، والذي أدّى إلى استشهاد 5 متظاهرين وإصابة العشرات في مايو من هذا العام. وبحسب شهود عيان، تعرّض كل من يحاول مغادرة الدراز لإطلاق النار. وكان الاتحاد الاوروبي قد حذّر في العام الماضي من ان “إلغاء جنسية شخصيات بارزة مثل الشيخ عيسى قاسم سيؤدي الى زيادة الانقسامات والاختلافات الطائفية في البحرين”. ومن جهته، وقال حسين عبد الله، المدير التنفيذي لمنظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين: “إن الحكومة البحرينية، من خلال الهجوم العنيف على منزل أعلى مرجعية شيعية في البلاد، إنما تثير وتأجج التوترات الدينية عن قصد وتظهر عزمها على سحق أي شكل من أشكال المعارضة السلمية”، وهذا ما بدا جلياً في إجرائها الأخير المتمثل بمنع الشيخ من تلقي العلاج.
وكما ذُكر أعلاه، فقد تدهورت الحالة الصحية للشيخ قاسم تدهورا شديداً خلال الأيّام القليلة الماضية، واشتد الضعف والمرض عليه حتى انخفض نصف وزنه، وبدأ يعاني من نزيف داخلي، فتق تجاوز خمسة أضعاف، مرض في القلب وارتفاع شديد في ضغط الدم. وفي بادىء الأمر، رفضت سلطات البحرين التجاوب مع الدعوات الإنسانية والحقوقية لإسعاف سماحته بعد تردّي وضعه الصحّي بشكل كبير، إثر تعرّضه لنزيف داخلي جرّاء الإقامة الجبرية التي يخضع لها منذ مايو/ أيار الماضي. وبعد معاينة طبية تحت مراقبة كاملة من وزارة الداخلية، تبيّن أنّ الوضع الصحي للشيخ متأزم ولا يُمكن علاجه إلا في المستشفى. وعندها، سمحت السلطات البحرينية لعائلة قاسم بنقله إلى مستشفى من اختيارها بعد أن رفضت إجراءات الرعاية الصحية التى قدمتها السلطات. وأعلنت جمعية “الوفاق الوطني الإسلامية“، البارحة أنّ الفحوصات الأولية للشيخ عيسى قاسم، كشفت الحاجة لإجراء أكثر من عملية جراحية. وأضافت في بيان لها إن “منع وصول الأطباء لسماحته لمدة 18 شهراً في الفترة ما بين 20 حزيران 2016 وحتى 26 تشرين الثاني 2017، ساهم في تردّي وضعه الصحي”.
وإنّ مملكة البحرين دولة مشاركة في كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق العربي لحقوق الإنسان. ويحظر الميثاق العربي الاحتجاز التعسفي والتعذيب (المادتين 14-1 و 16-8). كما أن البحرين طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي يؤكد حق كل فرد في الحصول على أفضل مستوى من الرعاية الصحية في ظل الظروف المحلية (المادة 12.1). وتشكل التدابير المتعارضة مثل منع الشيخ من الحصول على الرعاية الطبية الملحة انتهاكات صارخة لهذا المعيار. ويوضح المشهد الأخير في المملكة أنّ السلطات البحرينية لا تعي أبعاد الأزمة السياسية والإنسانية التي وصلت إليها البلاد. ومن ناحية أخرى، ومن خلال التضامن مع الشيخ قاسم وإقامة المظاهرات لنصرته، يسلّط هذا المشهد نفسه الضوء على إرادة الشعب الذي يستمد قوته من الشيخ قاسم ومن صمته الصارخ. فقد خرجت تظاهرة في بلدة الدراز مساء السبت، الثاني من ديسمبر ٢٠١٧، تأكيداً على الموقف الشعبي في الدفاع عن الشيخ قاسم في ظل تدهور وضعه الصحي الخطير.
تدعو منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان جميع الحكومات للضغط على النظام في البحرين لوقف ممارساته القمعية بحق الشيخ عيسى قاسم، ووقف التعامل مع نظام لا يأبه بنداءات المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، الداعية إلى وقف الممارسات القمعية بحق الشيخ قاسم والسماح له بتلقي العلاج. لم يعد هناك أي مجال للنظام ولا لملك البحرين التهرّب من مسؤوليتهم تجاه ما اقترفوه بحق سماحته، وإنّ المساس بشخص الشيخ قاسم أمراً لن يسمح شعب البحرين ولا المنظمات الحقوقية والإنسانية بالتغاضي عنه.