في مقال نشرته صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية ، في العاشرمن أكتوبر، بعنوان “القضاء على الجهل، عدو السلام”، قال الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة: “في مملكة البحرين، طيلة قرون نشأنا مع جيران من جميع الأديان وجميع الثقافات وجميع الأعراق، لذلك نحن سعداء ومرتاحون للعيش في مجتمع متعدد الثقافات ومتعدد الأعراق”. وأضاف: “نحن جميعا نعيش معا في تعايش سلمي بروح الاحترام المتبادل والمحبة”. يخيّل لمن يقرأ هذا الكلام أنّ مملكة البحرين تعيش فترة سلام ورخاء وتفاهم بعيداً عن أي أعمال عنف ومداهمات واعتقالات وغيرها من أجواء توتر وانتهاكات ممنهجة . ولعّل أوّل ما يتبادر إلى الأذهان الانتفاضة البحرينية عام 2011 وما أعقبها من ترددات وأعمال انتقامية من السلطات لا زالت مستمرة حتى كتابة هذه الكلمات.
وفي تناقض تام لما قاله الملك بأن “التنوع الديني هو نعمة لشعبنا. نحن نرحب بجاليات الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية والإنجيلية”، نذكر أنّ العديد من منظمات حقوق الإنسان حول العالم دانت استهداف البحرين لرجال دين فقط على أساس معتقداتهم الدينية. وانتقد بعض خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة “الاتهامات العديدة” المنسوبة إلى رجال الدين الشيعة وطالبوا سلطات البحرين بإنهاء ما وصفوه بـ”المضايقات الممنهجة للسكان الشيعة [في البحرين]”. ومن جهته، قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش: “يبدو أن البحرين بصدد تأجيج نيران الطائفية، وهي تفعل ذلك بكل تهور، وخاصة بسعيها إلى القضاء على الأصوات المعتدلة”. وفي انتهاك صارخ للحريات الدينية في البلاد، وخلال احتجاجات عام 2011، تم تدمير ما يفوق 30 مسجدًا شيعيًا من قبل السلطات البحرينية. وبالرغم من ذلك، استمر العشرات من المواطنين بتأدية الصلاة في مواقع المساجد المهدمة. ولعل مسؤول الحريات الدينية بمرصد البحرين لحقوق الإنسان الشيخ ميثم السلمان، لخّص المشكلة حين قال إنّ “إنكار انتشار مرض الطائفية في الأجهزة الرسمية لا يخدم السلطة ولا المواطنين فالشعب والمجتمع الدولي قد شخّصا المرض، وذلك بعد أن رُصدت ووُثّقت تجاوزات متكررة وانتهاكات فاضحة لا يمكن أن تصدر إلا من أجهزة موبوءة بالطائفية”. وعلى الرغم من تعهد حكومة البحرين بإعادة بناء المساجد المهدمة، إلاً أنّها لم تفعل الكثير حيال هذا الأمر. ومن الجدير بالذكر أنّه تمّ توثيق عمليات هدم المساجد في تقرير السيد بسيوني، بالإضافة إلى منظمات حقوقية عالمية. إلا أنّ الحكومة البحرينية لم تدعم ادعاءاتها حول استخدام الشيعة لتلك المساجد كمخازن للأسلحة بأي دليل.
وفي مقاله، أردف الملك: “مملكة البحرين أقوى بسبب تنوعنا، وأعتقد أن عالمنا سيكون أكثر أمناً وأكثر ازدهاراً عندما نتعلم الاعتراف بجمال هذه الاختلافات”. إلا أنّ الحقائق والوقائع في المملكة تعكس حقيقية مغايرة تماماً، فالسلطات تستخدم عقوبة إسقاط الجنسية كوسيلة لمعاقبة المعارضين السياسيين ولإسكات صوت الشيعة، وخصوصاُ رجال الدين. وجردت المحكمة في البحرين في 6 اغسطس 2014 تسعة مواطنين، من جنسيتهم في حكم مثير للجدل بحيث تغيرت التهم من “تجمع غير قانوني” إلى “إنشاء منظمة إرهابية”، وهذا ما يسلّط الضوء على ضعف الدلائل التي يملكها القضاء البحريني ضد المتهمين. وبعد التمعن في أسماء المسقطة جنسياتهم في البلاد، يتضح أنّ حكومة البحرين تُسقط الجنسيات “طائفياً” وتُعطيها إلى أشخاص من جنسيات أخرى. فبحسب آخر الاحصاءات التي كشفت عنها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في ما يخص التجنيس، تشير الأرقام إلى أن ما يقارب 95 ألفاً جرى تجنيسهم خارج إطار الزيادة الطبيعية للسكان بين عامي 2002 و 2014، ورأت أن هناك تغييرا في التركيبة الديموغرافية للبلد بنسبة 17% .
ولعل أكثر قضية تُناقض دعوات العاهل البحريني، قضية الشيخ عيسى قاسم وهو الرمز الديني الشيعي في البلاد وأهم المرجعيات الشيعية فيها. وقد شغلت قضية الشيخ قاسم الرأي العام حول العالم، ففي عام 2016 أعلنت وزارة الداخلية إسقاط الجنسية البحرينية عنه بتهمة “محاولته خلق بيئة طائفية متطرفة ومحاولته تقسيم المجتمع تبعاً للطائفية”. وفي محاولة توجيه ضربة قاضية لصوت المعارضة الشيعية في البحرين، تمّ توجيه اتهامات للشيخ بجمع الأموال بغير ترخيص وغسل الأموال. واتهمت السلطات البحرينية الشيخ قاسم بدعم وتمويل الميليشيات الشيعية، من خلال أموال الخمس التي يجمعها من الشيعة. ولم يكتف النظام بهذه الاتهامات ولا باسقاط الجنسية عن الشيخ، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين فرض الإقامة الجبرية عليه، الأمر الذي دفع بالمواطنين الشيعة إلى الالتفاف حول الشيخ والاعتصام أمام منزله في منطقة الدراز، التي تعرضت في أيار الفائت إلى هجوم دموي راح ضحيته 5 أشخاص وجرح العديد من المعتصمين واعتقال العشرات منهم . فكيف يمكن تحقيق التسامح الديني الذي دعا إليه العاهل البحريني في ظل هذه الانتهاكات الخطيرة؟!
يبدو أنّه لا مكان لحرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات في البحرين، ودليل آخر على ذلك قضية الأمين العام لجمعية الوفاق، الشيخ علي سلمان الذي اعتقل بسبب تهم على رأسها محاولة تغيير النظام بالقوة وبعث البغضاء تجاه طائفة محددة. وعلى الرغم من قيامها بحل جمعية الوفاق التي زُعم أنّها “توفر بيئة حاضة للإرهاب والتطرف”، إلاّ أنّ السلطات لم تُقدّم أي أدلة تثبت هذه الإدعاءات.
ومن أجل تحقيق ما يدعو إليه العاهل البحريني من سلام وتعايش سلمي، الأجدر معاقبة كل من هو مسؤول عن استشهاد وإصابة الأبرياء أو اعتقالهم ، بناء المساجد المهدمة، وبالطبع إعادة الجنسيات المسقطة. وحينها فقط، سيتم القضاء على الجهل وسيصبح “عالمنا أكثر أمنا وأكثر ازدهارا”!!. يجب أن يتوقف النظام الخليفي عن استهداف الحريات الدينية فكذبة التعايش الديني التي يروج لها النظام لم تعد تُخفى على البحرينيين وحان الوقت أن تحترم السلطات حقوق الإنسان وجميع الطوائف في البلاد.