استهدفت حكومة البحرين العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان المشهورين دوليا انتقاما منهم لعملهم. الكثيرون، منهم نبيل رجب وعبد الهادي الخواجة، معروفون في جميع أنحاء العالم، وقد وثقت حالاتهم منظمات حقوق الإنسان وحكومات والأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن هجوم الحكومة البحرينية على المعارضة السلمية والمعارضة السياسية منهجيا، بحيث ألقت القبض على العشرات من “الناس العاديين” نادرا ما يسمع باسمائهم على نطاق واسع. تطلق منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين سلسلة جديدة تسمى “ملفات الاضطهاد” على أمل تغيير ذلك. وفي كل دفعة، ستعرض هذه السلسلة حالة مواطنا بحرينيا مختلفا وتروي قصته، وستكشف عن العديد من الرجال والنساء الذين وجدوا أنفسهم مستهدفين، واعتقلوا، وعذبوا، وسجنوا من قبل حكومتهم ردا على نشاطهم أو معتقداتهم السياسية.
الهدف الشامل من “ملفات الاضطهاد” هو توضيح النطاق الحقيقي لانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في البحرين. على الرغم من استهداف الحكومة البحرينية الناشطين البارزين في البلاد، الا أن السلطات تعاقب أيضا الناس العاديين عند تعبيرهم عن رأيهم. وستلفت “ملفات الاضطهاد” الانتباه إلى عشرات المواطنين البحرينيين الذين يحاولون تحدي القمع سلميا وضمان حقوقهم الإنسانية الأساسية – وغالبا ما يكونون في خطر كبير.
وتأمل منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين أيضا أن تشجع هذه السلسلة القراء على رؤية أنفسهم في قصص وحياة البحرينيين العاديين الذين سعوا إلى إحداث تغيير سلمي في بلادهم. وكلما تطلع الآخرون إلى روايات عن البحرينيين الناجين من التعذيب وسجناء الرأي، كلما كان من الصعب على الحلفاء الدوليين الرئيسيين للبحرين تجاهل هذا السلوك. وبهذه الطريقة، تسعى ملفات الاضطهاد أيضا إلى تعزيز التضامن وحث المجتمع الدولي على مساءلة السلطات البحرينية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تواصل ارتكابها.
علي جاسم الغانمي
علي جاسم الغنمي هو بحريني يبلغ من العمر 31 عاما وضابط شرطة سابق. كان لا يزال يعمل في قوات الشرطة البحرينية في وقت الحركات السلمية المؤيدة للديمقراطية التي جرت في البلاد في أوائل عام 2011. وفي 17 شباط / فبراير 2011، غادر الغانمي منصبه وانضم إلى هذه المظاهرات بعد أن شاهد قوات الحكومة تقتحم مخيم الاحتجاج في دوار اللؤلؤة في المنامة، مما أسفر عن مقتل وجرح عدد من المتظاهرين السلميين. وواصل الغانمي المشاركة في المظاهرات المؤيدة للديمقراطية خلال آذار / مارس 2011، لكنه اختبأ بعد أن قامت الحكومة البحرينية بقمع الانتفاضة بمساعدة قوات أمن دول مجلس التعاون الخليجي المحيطة بها.
وبعد أن اختبأ، اقتحمت قوات الأمن البحرينية منزل عائلة الغانمي عدة مرات بحثا عنه. وفي نهاية المطاف، في 4 أيار / مايو 2011، قامت قوة مكونة من حوالي 200 من أفراد الشرطة بمهاجمة المبنى في قرية بني جمرة شمال غرب البحرين التي كان الغانمي يحتمي فيها. وعلى الرغم من عدم قيام الشرطة البحرينية بإصدار أمر تفتيش أو أمر بإلقاء القبض عليه، قامت الشرطة باحتجاز الغانمي. وبعد اعتقاله الأول، نقلت السلطات البحرينية الغانمي بين عدة مراكز احتجاز. لم يزود أي من المسؤولين الحكوميين أسرة الغانمي بأي معلومات عن مكان وجوده أو حالته لعدة أشهر بعد اعتقاله. كما عرّضت السلطات البحرينية الغانمي مرارا للتعذيب وسوء المعاملة خلال فترة احتجازه قبل المحاكمة، بما في ذلك تكبيل معصميه وساقيه، واستجوابه وضربه دوريا، والدعس على طعامه، وإهانة العقيدة الدينية الشيعية التي ينتسب اليها الغانمي.
في كانون الثاني / يناير 2012، أدانت محكمة عسكرية في البحرين الغانمي بتهم تشمل “التجمع غير القانوني”، والتحريض على “الكراهية وازدراء النظام الحاكم”، و “نشر الدعاية التحريضية”. وحكمت المحكمة على الغانمي بالسجن لمدة اثني عشر عاما ونصف، ونقلته السلطات البحرينية إلى سجن جو بعد وقت قصير من صدور الحكم.
ومنذ وصوله إلى جو، واصلت السلطات البحرينية إخضاع الغانمي للتعذيب وإساءة المعاملة. وقد أساء مسؤولو السجن معاملة الغانمي وسجناء آخرين خلال فترات العقوبات التعسفية والجماعية. وفي آذار / مارس 2015، أوقفت الشرطة أعمال شغب يقودها بعض السجناء في المنشأة. على الرغم من عدم مشاركته في الانتفاضة، استهدفت سلطات السجن الغانمي في أعقاب الحادث، واقتحمت زنزانته وضربته في رأسه بعصا قبل سحبه إلى ساحة السجن ومواصلة ضربه هناك. وفي اليوم التالي، عرّضت قوات الأمن الغانمي مرة أخرى إلى معاملة مماثلة. وفي مرحلة ما، نقل الغانمي إلى عيادة جو الطبية، حيث شارك أطباء في السجن في ضربه.
في أواخر شباط / فبراير 2017، استهدف حراس سجن جو مرة أخرى سجناء في حملة من العقوبات التعسفية والجماعية بعد أن قصفت حافلة للشرطة على مشارف قرية بالقرب من السجن. وعقب القصف، كان الغانمي من بين الذين تعرضوا لهذه العقوبة. ضرب حراس السجن الغانمي ووضعوه في الحبس الانفرادي وقيدوه بالجدران بطريقة تجبره على الوقوف لفترات طويلة. وقد أدى الضرب العنيف والتكبيل الشديد والوقوف القسري إلى تمزق عروق في ساق الغانمي مما أدى إلى نزيف هائل. وفي نقاط أخرى طوال فترة سجنه، أفاد الغانمي أيضا بأن مسؤولي السجن قاموا بحرمانه من النوم، وحرمانه من الإذن بالصلاة، وحرمانه من الوصول إلى مرافق الاستحمام والأدوات الصحية، وحرمانه من الوصول إلى المراحيض، وتقييد اذن الدخول إلى المراحيض، وإجباره على أن يشهد أو يستمع إلى تعذيب السجناء الآخرين.
وفي نيسان / أبريل 2017، سمح للمراقبين الدوليين برؤية الغانمي، وكان يبدو أن حالته تحسنت قليلا، وإن كان ذلك لفترة وجيزة. وقد سمح له برؤية طبيب، ولكن هذه الزيارة لم تسفر عن أي علاج طبي مستدام. بدلا من ذلك، وعلى الرغم من معاناته من ألم في أسنانه، ومعدته، وركبتيه في أعقاب آخر جولة من التعذيب، تواصل السلطات البحرينية حرمانه من الوصول إلى أي دواء، بما في ذلك المسكنات.
إن معاملة الحكومة البحرينية لعلي جاسم الغانمي هي دليل على الطرق التي تستجيب بها ضد أي شخص يشارك في أشكال من الانتقادات والمعارضة الحكومية السلمية في البلاد. وفي الواقع، أشارت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، في ملاحظاتها الختامية الصادرة مؤخرا بشأن امتثال البحرين للالتزامات الدولية المناهضة للتعذيب، إلى سجل حكومة البحرين بسجنها العديد من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وشخصيات المعارضة السياسية وأي شخص آخر يشارك في أية أشكال سلمية معارضة. ولاحظت لجنة مناهضة التعذيب أيضا أن ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة على يد السلطات البحرينية لا تزال “عديدة ومتسقة … [و] واسعة الانتشار”. وبالإضافة إلى ذلك، فشلت سلطات السجون البحرينية مرارا وتكرارا في تزويد سجناء سجن جو بعلاج طبي كاف.
وفي الوقت الذي تتوضح فيه تكتيكات الحكومة البحرينية القمعية، سيظل البحرينيون العاديون الذين لم يكشف عن اسمهم يعانون بسبب محاولة ممارسة الحقوق التي قد يعتبرها الآخرون في جميع أنحاء العالم أمرا مفروغا منه. يمكن للحكومات والمنظمات والأفراد الدوليين أن يساعدوا على تغيير ذلك من خلال جعل أسماء وقصص البحرينيين الذين عانوا من انتهاكات حقوق الإنسان معروفة. وينبغي على المجتمع الدولي أن يدعو حكومة البحرين إلى المشاركة في حوار وطني وإجراء إصلاحات ذات مغزى.